كاتـم الصوت .. سلاح أخرس وافد لازهاق أرواح العراقيين

كاتـم الصوت .. سلاح أخرس وافد لازهاق أرواح العراقيين

أطلقوا النار على الهدف ،واختفوا بسرعة ، رجال أدمنوا بساطة حمل سلاح كاتم الصوت واستخدامه، كقاتل جاهز وسريع ، بهدوء ينفذون إستراتيجية الموت الصامت في العراق . سيارة منطلقة تسير على طريق الخط السريع لشارع محمد القاسم، سيارة (ستاركس ) تحاول اجتياز المركبات بأي طريقة كانت ، العجلات الأخرى تنظر ماذا يحدث ؟ ولماذا هذه السرعة الجنونية، قائد العجلة الستاركس يحاول التقرب من سيارة الهدف، القاتل يقترب من الجانب الايسر لجهة الضحية يطلق النار من “الستراكس” وتسير العجلة بسرعة البرق والهدف يصطدم بأحد الجدران الكونكريتية الموجودة، والناس تتسارع كان ظنهم أنه حادث اعتيادي ،لكن الضحية أصيب بطلق ناري من مسدس كاتم للصوت، ركضنا مسرعين لنجدته لكن الأوان قد فات، فالرصاصة أصابت رأسه بصورة مباشرة وأزهقت روحه.
لا احد يستطيع إخبار رجال الأمن عما حدث لان السيارة الستراكس لم تكن تحمل لوحة أرقام، هذه قصة حقيقية رواها احد الشهود الذين كانوا على مقربة من الحادث قبل عدة أشهر وعدم إخباره الجهات الأمنية كان بسبب لوحة الأرقام لم تكن موجودة فماذا يخبرهم، وإذا لم يحدد الرقم على حد قوله سوف يكون هو في خبر كان!

لوحات الأرقام المذنبة
اغتيالات، انفجارات، سجالات، مهاترات سياسية، تصريحات مخيبة للآمال تسرع في تصفية الحسابات ، ولا احد يتابع ما يحدث، الداخلية تعزو السبب إلى زيادة الانفجارات والاغتيالات تارة لنشاط القاعدة وتارة أخرى الى دخول مجاميع مسلحة، والسبب الحقيقي يكمن في عدم وجود رقابة صارمة على السيارات الحديثة التي لا تحمل لوحة الارقام. المهلة المخصصة للحصول على الرقم تتجاوز اغلب الأحيان 6 اشهر بسبب الروتين الممل والبطيء لمديرية المرور العامة… من يقف وراء ذلك ومن المستفيد؟، والضحية هو المواطن المغلوب على أمره؟
اغلب الاغتيالات بكاتم الصوت تتم بطريقة مباغتة دون أن تثير الانتباه، حيث روت إحدى الموظفات في وزارة الزراعة في منطقة حي العدل عن حادثة اغتيال موظف الأسبوع الفائت قائلة : “حدث الأمر بسرعة خاطفة، ترجل شخصان من سيارة حديثة بعد أن ابطت سيارة نوع سني بيضاء كان يقودها رجل كبير في العمر نتيجة وجود جزرات وسطية مهشمة “حفريات كبيرة”، كان موظف في وزارة الزراعة وهذا هو الطريق المعتاد الذي يسلكه يوميا.. الموظفة تقول :عندما كانوا ينتظرون مرور خط وزارتهم من الخط السريع ،هذان الرجلان شهرا مسدسين صوبوهما نحوه ثم لاذا بالفرار في سيارة سوداء لا تحمل رقما وهي حديثة الموديل نوع سوناتا!

مصادر الأسلحة
تضاربت الآراء حول مصادر هذه الأسلحة، فيشير عدد من المسؤولين الأمنيين الى انها تدخل من خارج البلاد، لان الوضع الأمني ما زال هشا وأصبح جليا انه الآن يرتبط – الى حدود كبيرة – بالأجندات السياسية للقوى والكتل المتصارعة على السلطة وعلى النفوذ والهيمنة، وبأجندات دول تريد ضمان مصالحها وأمنها القومي، فقد اكد عضو لجنة الأمن والدفاع النائب شوان محمد طه في تصريح لـ(المدى): لا يمكن السكوت على العنف وما يسببه من خسائر بشرية والمجتمع العراقي لم يعد يتحمل هذا الوضع، فالامر اصبح يمثل كابوساً يخافه العراقيون متمثلا بالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة والاسلحة الكاتمة التي يستخدمها أناس متدربون على القتل فلا يمكن ان يقوم إنسان بسيط بإطلاق النار على الضحية وبقدرة التصويب على الرأس إلا أن يكون مدربا، وحقيقة نحن نحاول ان نقدم المساعدة الى السلطات الأمنية بالمعلومات والتعليمات ، لكن الأمر اكبر من ذلك لان مثلما قلت هناك جهات تحاول التصفية وفرض هيمنتها بالقوة على الوضع السياسي والتصفية في ما بينهم ،ليقولوا إنهم موجودون على الساحة ،الأمر يحتاج الى جهود اكبر ومراقبة الشركات الأمنية التي اصبح عددها لا يعد ولا يحصى .

استهداف العاملين
كاتم الصوت يحصد أرواح العراقيين، لا سيما في بغداد، مستهدفا العاملين في مؤسسات الدولة، العسكرية والمدنية. فيما التفجيرات والمفخخات تلحق الأضرار بالممتلكات الشخصية والعامة، وقبل ذلك تسفح دماء المزيد من الموطنين الأبرياء، فالأمر أصبح لا يقتصر على منتسبي وزارة الدفاع والداخلية الذين يشكلون نسبة 90% من المستهدفين بأسلحة الكاتم.
اللواء محمد العسكري الناطق الرسمي لوزارة الدفاع في حديثه مع (المدى) قال “إن الأمر أصبح معروفا بوجود السلاح الكاتم في مناطق عديدة من بغداد وهناك عدة طرق لدخوله أو حتى وجود ورش حدادة محلية حيث يقومون بحلزنة فوهة المسدس وتركيبه على أنبوب حديدي بدون ثقوب، وهناك رقابة على الورش ومعامل الخراطة في بغداد والمحافظات حتى لا تستغل لصناعة الكواتم لكن هناك خروقات أيضا فالسلاح يهرب من عدة منافذ حدودية والجهات الأمنية القت القبض على الكثير من هؤلاء العصابات المنظمة لأنهم يخضعون إلى تدريب، مؤكدا في الوقت نفسه ضرورة تشريع قانون جديد يعاقب على حيازة كاتم الصوت، لان حامله على حد تعبير العسكري لديه نية القتل والإصرار عليه، ويمكن تفهم من يحمل مسدسا اعتياديا خوفا من تعرضه لهجوم او سرقة، فيحمله دفاعا عن النفس، ولكن حيازة مسدس كاتم للصوت يعني الإصرار على ارتكاب جريمة.
الخبير القانوني علي السعيدي قال في تصريح لـ( المدى): إن القانون العراقي في السابق لم يكن فيه نص يشدد في العقوبة على حيازة الكاتم، ومن يلقى القبض عليه الآن يسجن لمدة 3 الى 6 أشهر فقط، ولكن لو سجن لمدة 20 عاماً أو مؤبد، فسيكون رادعاً لمن تسول له نفسه حمل هذا السلاح، موضحاً أن القضاء لا يتعامل مع قضايا القتل بنوع السلاح بل يتعامل مع نتيجة القتل وهي إزهاق الروح. إن عقوبة حيازة سلاح كاتم للصوت تختلف عن حيازة السلاح الاعتيادي مثل الكلاشينكوف والمسدسات الأخرى، وان عقوبته لا تقل في الظروف المخففة عن ست سنوات في اقل تقدير، مشيرا الى أن ليس بمقدور الأجهزة الأمنية المختصة اعتقال المشتبه بهم كخطوة استباقية إلا بوجود أمر قضائي ومضبطة تحري. وهو أمر بإمكانه فتح المجال واسعا أمام المشتبه بهم لتنفيذ الجريمة وشل القدرة على منعها، في هذه الأيام يشعر المواطنون، البغداديون خاصة، بالقلق من الثغرات النوعية في الوضع اللامني، ويطالبون، ونحن معهم، بإسكات “ كاتم الصوت.”

المحاكم العراقية
وأوضح ان المحاكم العراقية تنظر الآن في قضايا كثيرة لأشخاص متهمين بحيازة أسلحة كاتمة، وان القضاء العراقي يعتبرها بمثابة سلاح ذي طبيعة خاصة مثل الراجمات والعبوات والقذائف، لأنه سلاح يضاف له جزء معين يحوله من سلاح عادي الى سلاح ذي طبيعة خاصة.
في وقت تعلن فيه قيادة عمليات بغداد عن اكتشافها عدداً من الورش في العاصمة تصنع هذه الاسلحة وتبيعها بأسعار تصل الى اكثر من 1000 دولار، فيما ينتقد “مهنيون” في “الحدادة” هذا الكلام ويعتقدون أن الكواتم تحتاج إلى مصانع متخصصة لصناعتها ولا إمكانية في صناعتها بالداخل.
ومع تصاعد نشاط تنظيم القاعدة في بغداد من خلال استهداف عناصر الجيش والشرطة وعناصر الصحوات والموظفين وحتى المدنيين، استطاعت القوات الامنية ان تلقي القبض على مجاميع ارهابية في مناطق الطارمية و المشاهدة والعبايجي، يقومون بعمليات الاغتيال، واعترفوا بأنهم حصلوا على الاسلحة من ورش حدادة تقوم بتصنيعها في منطقة الشيخ عمر، وعند التحقق من الامر أوضح أصحاب الورش بان المجموعة طلبت منهم تصنيع “بوري” حديدي بقياسات معينة وليس ككاتم للأسلحة. ولم يثبت أنهم كانوا على علم بأنه مصنع لكي يستخدم للمسدسات، وعلى أثرها تم إطلاق سراح أصحاب الورش، ولكن بعد أن تم القاء القبض على مجاميع في الطارمية تغتال بالسلاح الكاتم وان معظم المجاميع التي تقوم بعمليات الاغتيال تلقت تدريبات خارج العراق لأنها تتعامل بمهارة في استخدامه، وتقوم بإطلاق النار من مسافات بعيدة وان معظم الذين يلقى القبض عليهم بتهمة الاغتيال بالأسلحة الكاتمة يحملون “هويات ” انتساب للشرطة وللجيش مزورة.
وفي مقارنة لمعدل الجرائم بين عامي 2008 و2009، فقد بلغت جرائم القتل 1898 جريمة في عام 2008، وانخفضت إلى 761 جريمة قتل في عام 2009. أما حالات الخطف فقد بلغت 730 حالة خطف في عام 2008، وبلغت 310 جرائم خطف في عام 2009.

وزارة الداخلية
وطبقا لتقارير وزارة الداخلية فان بغداد شهدت في الأسابيع الأخيرة هجمات مكثفة اغتالت يوميا عشرات من ضباط ومنتسبين في الوزارات الأمنية ومواطنين ومن المتوقع أن تشهد الجريمة الإرهابية ارتفاعا كبيرا بسبب الأوضاع السياسية المتوترة والمهاترات المتزايدة بين القادة والمسؤولين الحكوميين وكان الله في عون العراقي .
وفي وقت سابق تم إلقاء القبض على خلية متخصصة بالاغتيال مؤلفة من ثلاثة أشخاص تستقل سيارة نوع مارسيدس كانت تجوب حي السيدية، وعثر في السيارة على أسلحة كاتمة للصوت تستخدم في الاغتيالات، وفي وقت سابق تم العثور على مخبأ في الانبار يضم عددا من الأسلحة الكاتمة، كما وعثرت قوات الشرطة العراقية على حقيبة تحتوي على مسدسات كاتمة للصوت داخل سيارة باص نوع كيا في منطقة العامرية وجد بداخلها أربعة مسدسات كاتمة للصوت في شهر أيلول الماضي.
كما قتل عدد من الأشخاص في الشهر الماضي عن طريق مسدسات كاتمة الصوت، ففي منطقة زيونة قتل شاب كان يقف على مقربة من منزله بمسدس كاتم الصوت على ايدي مجهولين كانوا يستقلون سيارة مدنية. وفي وقت سابق قتل أحد موظفي هيئة النزاهة،على طريق مطار المثنى، ومسلحون كانوا قد أطلقوا النار من مسدسات كاتمة على موظف في وزارة الثقافة العراقية قرب معمل بسكولاته في اليوم نفسه وفارق الحياة بعد عدة ساعات في المستشفى، وكذلك اغتيال ضابط برتبة عميد في شرطة ميسان، اثناء تواجده بالقرب من المسرح الوطني وسط بغداد بأسلحة كاتمة. وبعد أيام أغتال إرهابيون ضابطاً في شؤون الداخلية وأصابوا أخاه بمسدس كاتم صوت في حي البنوك. وفي الشهر نفسه أعلنت مصادر أمنية عراقية أن مجهولا مسلحا بمسدس مزود بكاتم للصوت اغتال أستاذا جامعيا داخل مكتبه في كلية الشريعة في جامعة بغداد.

دعم خارجي لاستيرادها
ومن ثم جاءت جريمة قتل “رياض السراي” مقدم ومعد برامج في قناة العراقية بواسطة سلاح مزود بكاتم للصوت في الحارثية. وقبل أيام قتل ضابط في منطقة السيدية وقاضٍ ايضا في نفس المنطقة وملازم أول في الشرطة العراقية في منطقة حي الجهاد وموظف في وزارة العدل ووزارة الزراعة وأثارت جريمة اغتيال 8 مواطنين في سوق شعبية في بغداد باستخدام كاتم الصوت قبل قرابة 3 أسابيع، الخوف الممزوج بالغضب من عجز الأجهزة الأمنية عن توفير الحماية لمواطنيها. إذ اقتحمت عصابة مكونة من 13 شخصا سوقا شعبية في محلة شرق بغداد وقتلوا 8 مواطنين ولاذوا بالفرار بعد أن سرقوا كميات كبيرة من المصوغات الذهبية، دون أن تتمكن الأجهزة الأمنية من إلقاء القبض عليهم.

وهلم جرا!
مصدر امني أكد في تصريح لـ(المدى ): أن معلومات الأولية تشير إلى حصول المجاميع الخاصة والقاعدة على مسدسات كاتمة للصوت بدعم خارجي لتنفيذ عمليات قتل بأسماء أشخاص كانوا ينتسبون إلى تنظيمات معينة لكنهم أصبحوا الآن مع الحكومة ، معربا عن اعتقاده أن تعمد الجماعات المسلحة إلى تنفيذ عمليات قتل داخل المناطق السنية والشيعية على حد سواء بهدف زرع بذور الفتنة الطائفية بين العراقيين واذا لم تردع ستوسع من هجماتها وإن اغلب الذي تمت تصفيتهم بالأسلحة الكاتمة للصوت هم ضباط تحقيق في الأجهزة الأمنية أو مطلعون على أسرار عمليات تم تنفيذها سراً ،أو مدراء رقابة مرتبطون بقضاياَ حسابات إدارية في الوزارات كشفوا قضايا فساد إداري ومالي. إن ضعف الأداء الاستخباراتي ونقل المعلومة ساهما في ارتفاع معدل جرائم الكاتم والعلميات الإرهابية الى جانب أسباب أخرى وهي أسباب سياسية مباشرة، وعزا الخضري هذه الأسباب إلى الصراع السياسي بين الكتل البرلمانية طوال السنوات الماضية ترتب على أثره ارتفاع ملحوظ في الجريمة الإرهابية.
وكيل الداخلية
وأعترف وكيل وزارة الداخلية احمد الخفاجي في تصريح سابق بأن الحمايات التي يتمتع بها السياسيون تمثل تحدياً كبيراً لقوات الأمن المنتشرة في الشارع، بسبب الصلاحيات الواسعة التي تمتلكها، مطالباً بوضع ضوابط للحمايات الشخصيات، لاسيما وأن الامتيازات التي تتمتع بها من عربات مصفحة أحيانا وسيارات ذات نوافذ مظللة وهويات وحصانة تجيز لها المرور عبر حواجز التفتيش، تفتح المجال واسعا أمام إساءة استخدام هذه التسهيلات.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة