خاص : ترجمة – لميس السيد :
تظهر الإدارة الأميركية في حالة شديدة من التخبط إثر قراراتها بالرغبة في تخفيف تواجد قواتها بمنطقة الشرق الأوسط، والدليل على ذلك إعلان الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، عدة مرات؛ الانسحاب من “سوريا”، ولكن عدم تطبيق ذلك القرار بل والأسوأ مباركة قرار الهجوم التركي على شمال “سوريا” بحجة القضاء على الأكراد.
وبينما يحاول الرئيس الأميركي التأكيد على فكرة إنهاء “حروب لا نهاية لها”، إلا أنه لا يتخذ خطوات تنفيذية متزنة نحو ذلك، حيث أرسل 14 ألف جندي للشرق الأوسط، في أيار/مايو 2019، بطريقة تنذر بأن انسحاب “الولايات المتحدة” من المنطقة هو أمرًا مستحيلًا حدوثه مع تواتر الأحداث والتحديات الكبيرة في المنطقة.
إعادة توطين وليس انسحابًا..
أكد تقرير لمجلة (فورين بوليسي)؛ أن الرئيس الأميركي عندما ينفذ خطة انسحاب من “سوريا”، دائمًا يقع في خطأ اللامسوؤلية عقب الانسحاب؛ وينطبق ذلك على سبع من الدول التي تتواجد فيها القوات الأميركية، وهي كل من “أفغانستان، العراق، ليبيا، النيغر، الصومال، سوريا، واليمن”.
فعندما أعلن “ترامب”، بشكل كبير، عن قراره بسحب القوات البرية من “سوريا”، في كانون أول/ديسمبر 2018، كان يفتقر إلى خطة للمتابعة.
من خلال أحد الإحصاءات، التي حصلت عليها (فورين بوليسي) في هذا الشأن، تبين أن “ترامب” كرر نفس التعهد 13 مرة على الأقل، لكنه حظي بفرصة كبيرة للانسحاب بمسؤولية، أي من خلال المشاركة في الدبلوماسية للتوسط في تسوية بين الحكومة السورية والأكراد السوريين و”تركيا”؛ عقب ما يسمى بعملية “نبع السلام” التركية على شمال “سوريا”.
وبالرغم من أن “ترامب” يعارض الحرب بخطابه فقط، يستغل “صقور الحرب” في إدارته الترويج للاستمرار في البلدان المذكورة بهدف الحفاظ على الأمن القومي، وتجلى ذلك في أن دعوة “ترامب” للانسحاب من “سوريا” لم تكن إلا مجرد نقل للقوات من جزء إلى آخر داخل الأراضي السورية، ويجري حاليًا مناقشة نقل القوات من “سوريا” إلى منطقة أخرى في الشرق الأوسط، لم يتم الإعلان عنها بعد. وهو ما يؤكد أن إعادة التوطين هي فكرة مختلفة عن الانسحاب النهائي للقوات.
ومن المفارقات، أن أعلى الأصوات المناهضة لـ”ترامب”، في “واشنطن”، تؤكد على إدعاء الرئيس بأن هناك انسحاب للقوات من الشرق الاوسط، مستخدمة فكرة كاذبة بأن “ترامب” ينفذ الانسحاب لتبرير المزيد من التدخل العسكري.
بين الانسحاب المسؤول والدبلوماسية الفعالة..
رأت المجلة الأميركية أنه إذا كانت ستأخذ “الولايات المتحدة” فكرة التحالفات على محمل الجد، فإنه من الأولى حماية “تركيا” على أساس أنها حليفة بـ (الناتو)، الذي تقتضي معاهداته بحماية الدول الأعضاء فيه، على عكس ما يطالب به نقاد الإدارة الأميركية مثل؛ “هيلاري كلينتون”، وزيرة الخارجية السابقة، و”نيكي هالي”، سفيرة “ترامب” السابقة لـ”الأمم المتحدة”، القائلين بأن “ترامب” يجب أن يدعم الأكراد حتى النهاية. وهو زعم غير صحيح من قِبل نقاد “ترامب” إذ أن التحالف مع الأكراد كان مؤقت وبهدف القضاء على (داعش) في “سوريا”، وهو ما تحقق منذ عامين أو أكثر.
أكدت المجلة على أن أقدام “أميركا” ستبقى موحلة في أزمات الشرق الأوسط، إذا لم تنسحب نهائيًا، وبطريقة مسؤولة، مع خطة طويلة المدى لاستقرار البلدان التي يتم الانسحاب منها، موضحة أنه لا يزال هناك الكثير مما يجب فعله في تلك المنطقة، ومن ذلك تأمين الطموحات السياسية للأكراد ردًا لجميلهم في دعم الحرب ضد (داعش)، مواجهة النفوذ الإيراني أو التأكد من عدم عودة (داعش).
إذا أراد القادة السياسيون أن يخاطر الجنود الأميركيون بحياتهم للدفاع عن المقاتلين الأكراد، فيجب عليهم التصويت لإعلان الحرب في “الكونغرس”، كما يقتضي الدستور الأميركي. ولكن لا يجب أن يكون ذلك من خلال تقديم كلمات فارغة وحسب.
ترى المجلة الأميركية أن “ترامب” ونقاده يشتركون في عيب قاتل. إنهم يضعون القوة المسلحة الأميركية وحدها كدليل على نفوذ “أميركا” في المنطقة. نتيجة لذلك، يتعامل الجانبان مع نشر القوات أو إزاحتها باعتباره العمل الوحيد المهم حقًا. وبذلك فهم يشوهون الأداة الوحيدة القادرة فعلاً على حل النزاعات والانسجام مع المصالح الأميركية: الدبلوماسية.
ومن ذلك القبيل؛ في وقت مبكرمن الحرب الأهلية السورية، رفضت إدارة “أوباما” عرض الرئيس السوري، “بشار الأسد”، بإجراء محادثات. أقنع المسؤولون الأميركيون أنفسهم بأن “الأسد” كان بعيدًا عن فقدان السلطة.
في وقت لاحق، شاركت الإدارة نفسها في عملية دبلوماسية في “جنيف”، لكن كان الشرط لتلك المحادثات، ترك “الأسد” السلطة، لذلك أصبح محكوم على المحادثات السورية، في عهد “أوباما”، بالفشل. ولذلك عندما تخلت “الولايات المتحدة” عن محادثات “جنيف”، كنتيجة لذلك، سمحت للسوريين بالتحول إلى محادثات “آستانا”، برئاسة “تركيا وإيران وروسيا”.
أختتمت (فورين بوليسي) بأنه إذا استمرت الإدارة الأميركية على دعم العقلية العسكرية وتجنب الحوار الوطني، في الدول ذات الصراع، فإن “الولايات المتحدة” قد تبقى أبد الدهر في تشتت ودمار وضياع لقواتها وإمكاناتها في حروب الشرق الأوسط.