خاص : ترجمة – لميس السيد :
أصبح الموقف المحايد بحزم تجاه شؤون المنطقة، الذي طالما تبنته “سلطنة عُمان” تحت قيادة السلطان الراحل، “قابوس بن سعيد”، عرضة اليوم للتساؤلات والمخاوف من إنهيار تلك الصورة الصارمة التي رسمتها “عُمان” لشخصيتها في المنطقة برحيل القائد “قابوس”؛ وحلول خليفته السلطان “هيثم بن طارق”، فهل يمكن للسلطان الجديد الاستمرار في نفس النهج المرسوم على مدار أربعة عقود ماضية أم أن التغيرات الجديدة ستشجع “السعودية” و”الإمارات” على التدخل في شؤون الدولة ؟
ألقت مجلة (فورين بوليسي) الأميركية الضوء على التحديات الجديدة التي تواجهها “سلطنة عُمان” بالرغم من الانتقال السلس للسلطة، لكن لا تزال الأطماع تُحدق بـ”عُمان”؛ بسبب جيرانها الذين قد يفتعلون المشكلات، بالاضافة إلى تعقد الوضع الداخلي للسلطة إلى جانب التطورات الإقليمية وعواقبها على السلطنة.
تحديات الحفاظ على منهج “قابوس”..
وفي ظل صعود “السعودية” و”الإمارات”، منذ زمن؛ على ساحة صُناع القرار في المنطقة واتفاق الكثير من النقاط في أجندات سياستهم الخارجية، لم يُعد مستبعدًا أن تقع “عُمان” فريسة لاتحاد المصالح المشتركة بقيادة “السعودية” و”الإمارات”، خاصة مع غياب الحلول الحاسمة لأسباب الاضطرابات الداخلية المحتملة، ومنها ارتفاع معدلات البطالة وعجز الموازنة وتراجع الاحتياطي النفطي، ويواجه السلطان “هيثم” عددًا من التحديات، حتى في غياب تهديد التدخلات الخارجية.
كان قد أثنى الكثيرون من المراقبين بعملية الانتقال السلمية والشفافة للسلطة في “عُمان”، التي شهدت تعيين، “هيثم بن طارق”، سلطان “عُمان”، خلفًا للسلطان “قابوس”، في 10 كانون ثان/يناير 2020. ونظرًا إلى أن السلطان “قابوس” لم يُعلِن عمن يخلفه، فضلت العائلة الحاكمة فتح مظروف مغلق يحوي اسم الشخص المفضل للسلطان، بدلاً من اختيار السلطان الجديد بأنفسهم.
ويبدو أن اختيار السلطان “قابوس” لابن عمومته، “هيثم”، الذي عمل سابقًا في “وزارة الخارجية”؛ ومؤخرًا وزيرًا للتراث والثقافة، بدلًا من شقيقيه، “أسد” و”شهاب”، وهما رجلان عسكريان، يعكس رغبته في إستدامة دور “سلطنة عُمان” وسيطًا في الدبلوماسية الإقليمية.
أنتهج “قابوس”، في عهده، سياسة الحياد مع أزمات المنطقة، وهو ما مكنه من لعب دور الوسيط بإقتدار، ولكن هذا الوضع كان غير مفضل بالنسبة للقوتين الإقليميتين في ظل اشتداد المواجهات والتنافس بين “إيران” و”المملكة العربية السعودية”؛ في أعقاب الغزو الأميركي لـ”العراق”، عام 2003، والذي أنهى جهود “العراق” لموازنة النفوذ الإيراني في المنطقة، وأشعل مزيجًا ملتهبًا من التنافس الجيوسياسي والطائفي.
اعتراضات “عُمان” على سياسة “السعودية”..
في عام 2013، رفضت “عُمان” مقترح خطة، الملك “عبدالله”، لتحويل دول “مجلس التعاون الخليجي” إلى “اتحاد خليجي”. وفي عام 2015، كانت “عُمان” هي الدولة الوحيدة غير المشاركة في عملية “اليمن”. وفي عام 2017، لم تؤيد “عُمان” دبلوماسية مقاطعة “قطر”؛ وتحدت هذا الحصار من خلال السماح للرحلات الجوية القطرية والشحن البحري بالعبور من وإلى “مسقط” وبقية الموانيء العُمانية.
ودفعت شهرة “سلطنة عُمان” بالحيادية وتاريخها في تيسير المفاوضات، إدارة “أوباما”، إلى طلب مساعدة السلطان الراحل، “قابوس”، في ترتيب اجتماعات سرية مع “إيران”، في عامي 2012 – 2013، إنتهت بتوقيع صفقة “إيران” النووية، في 2015.
ولكن تحت إدارة “ترامب” بدت إشارات ضمنية تقول بأن الرئيس الأميركي لا يقبل مقاومة “عُمان” لسياسته وسياسة الخليج الموالي له، بينما على سبيل المثال بادرت “المملكة المتحدة” بإرسال، الأمير “تشارلز”، ورئيس الوزراء، “بوريس غونسون”، لتقديم التعازي.
وفي حالة “عُمان”؛ من المتوقع أن يتم عمل حصار مماثل لحصار “قطر”، ولكن مع اختلاف القدرة على تحمل وطأة هذه المقاطعة، حيث اختلاف طبيعة وموارد الدولتين يشير إلى أن “عُمان” قد لا تصمد أمام تلك الخطوة إذا تمت.
ضغوط “السعودية” على “عُمان” بعد حرب اليمن..
تعمل “السعودية” على تنفيذ مصالحها وإستراتيجياتها من خلال أجندة محددة؛ بغض النظر عن الآثار المترتبة. فعلى الرغم من أن “السعودية” تسببت في أسوأ أزمة إنسانية في العالم بسبب التدخل في “اليمن”، مدت “السعودية” حدود منافعها من هذا التدخل مستغلة وجودها العسكري للإعلان عن إعتزامها بناء خط أنابيب يمر بمحافظة “المهرة”، وتشييد ميناء لـ”النفط” على الساحل اليمني. وتنقل “السعودية” شحناتها من “النفط” حاليًا عبر مضيقَي، “هرمز” و”باب المندب”، في حين سيسمح خط الأنابيب المُقترَح بالشحن المباشر إلى “المحيط الهندي”.
وترتبط محافظة “المهرة” اليمنية بصلات وثيقة مع منطقة “ظفار” العُمانية المتاخمة، التي لطالما اعتبرتها “عُمان”؛ منطقة عازلة غير رسمية عن الاضطرابات في الأجزاء الأخرى من “اليمن”.
في عام 2017؛ بدأ التدخل الإماراتي هناك، في عام 2015، بعد فترة وجيزة من بدء الأعمال العسكرية بـ”اليمن”. وأعرب سكان “المهرة” عن إحباطهم من الوجود السعودي والإماراتي على أرضهم.
واعتقل “يحيى السويري”، الصحافي اليمني، الذي كتب تقريرًا عن الأنشطة السعودية والإماراتية بالمنطقة، في تموز/يوليو 2019، ولا يزال مكان وجوده مجهولًا.
خطة موانيء الإمارات..
يعكس أسلوب “الإمارات”، في “اليمن”، أن مشاركتها في الحرب هناك بمحض اختيارها كوسيلة لفرض النفوذ الإقليمي، ولكن إمتداد نفوذ “الإمارات” في “اليمن” يُقلق “عُمان”، في ضوء خطة لتطوير “سلسلة من الموانيء”؛ التي ستدخل فيها جزيرة تُمثل نقطة حيوية لـ”سلطنة عُمان” في “مضيق هرمز”.
بنت “الإمارات”، في جزيرة “سقطرى” اليمنية، قاعدة عسكرية في محيط بيئي فريد من نوعه تحميه منظمة “الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة”، (اليونسكو)، كجزء من خطة الموانيء لدحض الضغط المحتمل من “إيران” في مياه الخليج.
وتشمل الطموحات الإماراتية الأخرى شبه جزيرة “مسندم”، وهي جيب عُماني يُشكل أضيق نقطة في “مضيق هرمز”. ويرتبط سكان شبه الجزيرة بعلاقات وثيقة مع “الإمارات”، إذ تتصل “مسندم” جغرافيًا بإمارتي، “رأس الخيمة” و”الفجيرة”، وليس بـ”سلطنة عُمان”. وتعود سيطرة “سلطنة عُمان” على هذه النقطة الإستراتيجية لتاريخ السلطنة حين كانت إمبراطورية تمتد أراضيها من جنوب “باكستان” إلى “زنغبار”.
ولم يجرِ ترسيم الحدود بين “عُمان” و”الإمارات” رسميًا؛ إلا في عام 2008، لكن العُمانيين يرون دائرة من التهديدات المحتملة الناشئة عن النشاط الإماراتي أو المخططات المحتملة في “مسندم والمهرة وسقطرى”.
توقعات..
يتوسم الإماراتيون في خليفة “قابوس”؛ ميول لتزكية مصالح “أبوظبي”، حيث أنه كان رجل أعمال دخل في شراكات عديدة مع إماراتيين؛ وهو ما يميزه عن سلفه المنعزل، خاصة مع فقر الاحتياطات النفطية لـ”عُمان”، مقارنة بدول الخليج، وصعوبة إستخراج المتبقي منها وارتفاع معدلات البطالة.
وتعود مخاوف “عُمان”، من سلطة “الإمارات”، لعام 2011، عندما اعتُقِل عضو كبير بجهاز الأمن الداخلي العُماني كان فردًا من شبكة تجسس جندتها “أبوظبي”. وأدى الإيقاع بشبكة تجسس أخرى، في تشرين ثان/نوفمبر 2018، إلى تعميق شعور العُمانيين بالخوف.
وعلى إثر ذلك، أصدر السلطان الراحل، “قابوس”، في الشهر نفسه، مرسومًا ملكيًا بمنع المواطنين غير العُمانيين من إمتلاك الأراضي بالمناطق الحدودية الإستراتيجية في “عُمان”، وضمن ذلك “مسندم وظفار”، ردًا على شراء مواطنين إماراتيين أراضي بتلك المناطق.