خاص: بقلم- حسن مدبولي:
إبراهيم عيسى لم يُعدّ مجرد إعلامي “مثَّير للجدل”، بل تحوّل تدريجيًا إلى ما يُشبه الناطق غير الرسمي باسم تل أبيب في القاهرة. فهو ببرودٍ مذهل، يُطالبنا أن نطوي صفحة أطفال بحر البقر الذين مزقتهم الطائرات الإسرائيلية برعاية أميركية، وأسرى سيناء الذين دُفنوا أحياء تحت الرمال، وعمال أبو زعبل الذين احترقوا في مصنع كان يُفترض أنه قلعة للصمود. وكأن كل هذه الدماء مجرد تفاصيل عابرة ينبغي أن تُمحى باسم “العقلانية” و”السلام الإبراهيمي”.
لكن عيسى ليس استثناءًا، بل هو حلقة في مشروع أكبر يستهدف إعادة تدوير وجوه إعلامية قديمة لتجميل صورة إسرائيل، وتسويق الاتفاقيات الإبراهيمية كـ”خلاص لشعوب المنطقة”، بينما حقيقتها هي مشروع لمحو الذاكرة وتنظيفها من كل ما يذكّر بالجرائم الصهيونية، ومسح الدم من شاشة التاريخ.
وفي السياق ذاته يطل باسم يوسف، الذي يُسوّقونه كـ”مناضل ساخر” يواجه الغرب بخطاب مدافع عن غزة، لكن عودته – بعد عقد كامل من الإقامة الأميركية – لا تأتي عبر منصة مستقلة، بل من خلال قناة حكومية مصرية، وفي حلقاتٍ “خاصة” تبدأ صدفة يوم 07 تشرين أول/أكتوبر 2025 !
فالرجل الذي ساهم من قبل في إجهاض التجربة الديمقراطية بمصر، وغادر وكأن المهمة قد اكتملت، يُستورد الآن من جديد بديكور فلسطيني تحرري مضلل.
ولإكمال المسرحية يظهر أحمد سالم، الإعلامي الذي شبّه اغتيال إسرائيل لقادة المقاومة – من إسماعيل هنية إلى نصر الله – بأنه رد فعل “أسد على فأر”، ففي قاموس سالم المقاومة مجرد فأر جبان، وإسرائيل أسد شجاع، وحزب الله ليس ضحية عدوان إسرائيلي، بل وكيل لإيران يستفز تل أبيب. والمفارقة أن هذا الصوت “الحيادي” نفسه هو من يستضيف باسم يوسف ليؤدي دور “المناضل الفضائي” من أجل الحرية والتحرير !
وهكذا تكتمل اللوحة: إبراهيم عيسى يبًّرر، أحمد سالم يصفّق، وباسم يوسف يتوسط المشهد في دور الطبيب الساخر. أما الحقيقة فهي محاولة مكشوفة لترويض الذاكرة، وإعادة تسويق المشروع الإسرائيلي نفسه بوجوه محلية مألوفة.