26 مايو، 2024 11:37 ص
Search
Close this search box.

عطلة “يوم الغدير” بين الموافقة السياسية والجدل الطائفي .. هل تفتح الباب للمصالحة بين الصدر والتنسّيقي ؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: كتبت- نشوى الحفني:

مع إقرار “عيد الغدير” عُطلة رسّمية في “العراق”، تفجر سّجالاً طائفيًا وفتح نقاشًا سياسيًا حول شكل العلاقة بين زعيم (التيار الصدري)؛ “مقتدى الصدر”، وبين خصومه في (الإطار التنسّيقي).

والأربعاء؛ أقر “مجلس النواب” العراقي، مشروع قانون العُطلات الرسّمية والتي تضمنت عطلة “عيد الغدير”؛ وهي مناسبة دينية يحتفل بها الشيعة، أثارت مؤخرًا جدلاً واسعًا في البلاد بين من يعتبرها رمزية دينية مهمة، ومن يرى فيها فرضًا لسّردية طائفية تثُّير حسّاسية المكونات الأخرى.

لإبراز المناسبات المرتبطة بمشاعر العراقيين..

وقال رئيس “مجلس النواب” العراقي بالنيابة؛ “محسن المندلاوي”، في بيان، إن مشروع قانون: “يهدف إلى إبراز المناسبات المرتبطة بحياة ومشاعر الشعب العراقي، وتنظيم العُطلات الرسّمية في البلاد”، مشيرًا إلى أن القانون شمل جميع العطل والمناسبات والأعياد الرسّمية في البلاد.

وأضاف “المندلاوي”؛ أن: “رئاسة مجلس النواب؛ منحت اهتمامًا خاصًا لمشروع قانون العُطلات الرسّمية، وحرصت على جعل يوم 18 ذي الحجة عُطلة عامة، وذلك لرمزية (يوم الغدير) لدى غالبية العراقيين”.

لنبّذ الفُرقة والطائفية..

وأفاد عضو “اللجنة القانونية” في “البرلمان العراقي”؛ النائب “عارف الحمامي”، لموقع (الشرق)، بأن “مجلس النواب” صوّت في جلسة الأربعاء، على قانون العُطلات الرسّمية، ومن ضمنها عطلة “عيد الغدير”، بعد موافقة مجلس الوزراء على مشروع القانون وإرساله إلى البرلمان لتمريره.

موضحًا أن القانون الجديد شمل (10) عطل رسّمية بعضها ذات طابع وطني وأخرى ديني، “خاصة عطلة (عيد الغدير)؛ التي تُمثل أهمية كبيرة لدى غالبية الشعب العراقي نابعة من مكانتها الدينية في نفوس معظم المسلمين سواء داخل العراق أو خارجه، وخصوصًا أبناء الطائفة الشيعية”.

واعتبر أن التصّويت على عطلة “عيد الغدير” ضمن مشروع قانون العُطلات الرسّمية: “يُمثل مناسبة مهمة لتوحيد المسلمين ونبذ الفُرقة والطائفية، إذ يؤيد الكثير من أبناء السُنة المعتدلين هذا الطرح، ولا يعترض عليه إلا الأشخاص الذين يحملون العقد المذهبية والحّس الطائفي السّاعي للفرُقة بين أبناء الشعب الواحد، وهم قليلون، إذ جرى التصّويت على القانون بأغلبية أعضاء مجلس النواب بكامل فقراته”.

تشّريع غير صحيح..

من جهتها؛ ذكرت النائبة في “البرلمان العراقي” عن كتلة (تقدم) النيابية؛ “نهال الشمري”، أن التصّويت على مشروع قانون العُطلات الرسّمية الذي يتضمن عطلة “عيد الغدير”، جاء بسبب ضغط الشارع العراقي بقيادة زعيم (التيار الصدري)؛ “مقتدى الصدر”، لتشّريعه، أكثر مما هو رغبة من النواب الشيعة داخل “البرلمان العراقي”.

وأضافت “الشمري”: “مضى الأمر بهذه الطريقة.. حاولنا رفع فقرة القانون من جدول أعمال جلسة البرلمان ليوم الأربعاء، كون مشروع القانون عُرض للتصّويت دون تقديمه للمناقشة”.

وأشارت إلى أن تشّريع قانون في هذه المرحلة أمر غير صحيح، خاصة مع وجود أصوات طائفية ومشاكل وخلافات تحول دون مرور مثل هذه القوانين بصورة صحيحة، بالإضافة إلى أن المكون السُّني يفتقد حاليًا لاستحقاقه في رئاسة البرلمان، ومن المفترض عدم تمرير تشّريعات من هذا النوع إلا بوجود رئيس للبرلمان وفق الاستحقاق السياسي.

وتابعت “الشمري”: “مناسبة (عيد الغدير) عليها الكثير من الاختلافات الفقهية أولاً، فضلاً عن وجود شركاء في العملية السياسية من السُنة وبقية المكونات الأخرى كان يجب احترام توجههم الديني والعقائدي وعدم فرض إرادة مكون معين عليهم، والأمر الآخر أن قانون عطلة (عيد الغدير) سيفتح الباب أمام بقية القوميات والأديان في العراق للمطالبة بعطل خاصة بها”.

ورأت النائبة عن كتلة (تقدم)؛ أن إثارة موضوع عطلة “عيد الغدير” من قبل (التيار الصدري)، يأتي بمثابة دعاية انتخابية مبكرة باعتبار أن (التيار) مقبل على العودة إلى العملية السياسية والانتخابات البرلمانية.

تبنّي سّردية دينية شيعية..

وقال السياسي السُّني والنائب السابق؛ “مشعان الجبوري”، إن تحويل “عيد الغدير” عيدًا وطنيًا سيؤدي إلى حسّاسيات، الشعب العراقي في غنى عنها. وكتب “الجبوري”، في منصة (إكس) : “محاولة تشّريع عطلة (عيد الغدير) يعني عمليًا تبني سّردية دينية شيعية لا وجود لها بالمطلق في السّردية السُّنية”.

وتابع: “يحق للشيعة الاحتفال بـ (عيد الغدير) كما يشاءون، لكن تحويله عيدًا وطنيًا وفرضه سيؤديان إلى مشكلات”.

احتدام خلاف سياسي..

ومنذ أدرج “مجلس النواب” العراقي مقترح القانون على جدول أعمال جلسته لغرض قراءته قراءة أولى، احتدم خلاف سياسي بين الأحزاب العراقية بشأن عطلة “عيد الغدير”، بين مؤيد يرى رمزية دينية مهمة للمناسبة يجب وضعها في خانة العُطل الرسمية، ورافض للقانون معتبرًا إياه فرض سّردية طائفية تثُّير حسّاسية المكونات الأخرى.

القصة بدأت حينما دعا زعيم (التيار الصدري)؛ “مقتدى الصدر”، في 19 من نيسان/إبريل 2024، “مجلس النواب” العراقي لتشّريع قانون يجعل من “عيد الغدير” عُطلة رسّمية في “العراق”، معتبرًا في كلمةٍ متلفزة له أن: “العيد درء الطائفية وتفعيل للتعايش السّلمي”.

وعلى منصة (إكس)؛ قال “الصدر”: “بأمر من الشعب العراقي والأغلبية الوطنية المعتدلة بكل طوائفها، يجب على مجلس النواب العراقي تشّريع قانون يجعل من الثامن عشر من شهر ذي الحجة (عيد الغدير) الأغر عُطلة رسّمية عامة لكل العراقيين بغض النظر عن انتمائهم وعقيدتهم”.

فوجدت الدعوة تجاوبًا من قبل عدد من أعضاء “مجلس النواب”، إذ جرى جمع تواقيع أكثر من: (100) نائب، ورُفع طلب إلى رئيس البرلمان الذي أعلن تسّلمه الطلب، لكن ما لبث الأمر أن أثار جدلاً سياسيًا وسّط سّيل من الاعتراضات بشأنه.

المرجعية الدينية السُّنية في “العراق”؛ متمثلةً بـ”المجمع الفقهي العراقي”، شّددت في بيان في وقتٍ سابق خلال الشهر الجاري، على ضرورة ابتعاد البرلمان عن تشريع أي قانون يغًّذي: “الانقسام المجتمعي”، و”يُهدد الهوية الوطنية والقيّم الأصيلة”.

تُعيّد إنتاج دوامة الفعل ورد الفعل..

من جهته؛ أعرب (الحزب الإسلامي العراقي) عن معارضته لمقترح اعتماد “عيد الغدير” عُطلة رسّمية في البلاد، لافتًا إلى أن: “هذه مناسبة لها خصوصيتها لدى مكون دون آخر، وستُّعيد إنتاج دوامة الفعل ورد الفعل بما لا يخدم المصلحة الوطنية العُليا”.

أما حزب (السيّادة)؛ بزعامة “خميس الخنجر”، فاقترح ترك مسألة عُطلة “عيد الغدير” إلى مجالس المحافظات لتقرير ذلك، معربًا في بيان عن مخاوفه: “من تحول النظام السياسي تدريجيًا إلى نظام دولة ثيوقراطية دينية بسبب هذه القوانين”.

من صلاحيات الحكومات المحلية..

ويمنح القانون العراقي الحكومات المحلية صلاحية إعلان أي يوم عُطلة، لكنها تقتّصر على أهالي المحافظة نفسها دون غيرها لمختلف الأسباب، وخلال السنوات السابقة كانت محافظات جنوب ووسط “العراق”، تحتفل بـ”عيد الغدير”، وتمنح الدوائر الحكومية في المحافظة عُطلة رسّمية، دون شمولها باقي مدن البلاد.

وسبق أن صوّت مجلس الوزراء العراقي، في تموز/يوليو، على اعتبار “عيد الغدير” من كل عام عُطلة رسّمية، غير أن ذلك يُعتبر قرارًا حكوميًا وليس برلمانيًا، من المحتمل انتهائه بانتهاء المدة الزمنية لحكومة؛ “محمد شيّاع السوداني”، أما تشّريع القانون داخل “مجلس النواب”، فإنه يكون بشكلٍ دائم، ولا تنتهي بانتهاء حكومة معنية، بحسّب ما ذكره قانونيون.

هدنة أم مصالحة مع “الصدر” ؟

وخارج السّجِال الذي يأخذ بُعدًا طائفيًا إلى حدٍ ما؛ ينشط نقاش حول سيناريوهات سياسية للعلاقة بين “الصدر” وقادة (الإطار التنسّيقي)، وفيما إذا كان تشّريع عُطلة “الغدير” يمُّهد لهدنة أو صلح بين الطرفين.

وقبل أيام من جلسة التصّويت؛ وجّه “الصدر” رسالة شديدة اللهجة للنواب الشيعة في البرلمان، قائلاً: “إذا صوّت أعضاء البرلمان على هذا، فسأقدم لهم الشكر، وإن لم يصوّتوا فسيكون النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) والإمام عليّ خصميهم، بسُّنتهم وشيعتهم”.

وتابع “الصدر”: “أرفض أن يزاودني أحد على نبذ الطائفية؛ فنحن من أسهم في درء التأجيج الطائفي، والمطالبة بعطلة (عيد الغدير) جاءت تفعيلاً للتعايش السّلمي”.

واستجاب جميع النواب الشيعة لدعوة “الصدر”، وقد يعكس هذا مؤشرًا على تفاهم بين الطرفين. وقال ناشطون إن التخادم بين الخصمين حول “عيد الغدير” قد يفتح الباب لمصالحة تاريخية، أو على الأقل هدنة طويلة الأمد.

ومع ذلك؛ استبعد مراقبون تحقق المصالحة بين الطرفين، ولا سيما أن الجميع بدأ يُعد العُّدة للانتخابات المقبلة، لكنهم حددوا مستقبل العلاقة بين “الصدر” وخصومه بأمرين؛ الأول إذا عاد (التيار الصدري) مشاركًا في الانتخابات، وفي حال استخدم عُطلة “الغدير” وسّيلة للدعاية الانتخابية، فإن الخلافات ستنفجر مع (الإطار التنسّيقي)، صاحب التأثير المباشر في التصّويت على القانون.

ويحتفل المسلمون من أفراد الطائفة الشيعية بـ”عيد الغدير”؛ في الـ 18 من شهر ذي الحجة، أحد الأشهر الحُّرم حسّب التقويم الهجري من كل عام، نسبة إلى منطقة “غدير خم”؛ بين “مكة” و”المدينة”، وهي منطقة قريبة من “الجحفة”؛ (ميقات أهل الشام وبلاد المغرب ومصر ومن جاء عن طريقهم وبها ينزل الحجاج)، نزل فيها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بعد إلقائه “خطبة الوداع”.

ويقول المسلمون الشيعة إنه خلال هذا اليوم الذي خطب فيه النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)؛ “خطبة الوداع”، في “غدير خم”، “عَين فيها ابن عمه وزوج ابنته؛ عليّ بن أبي طالب، خليفة للمسلمين من بعده”. ويُعد موضوع خلافة النبي “محمد” مثار جدل مستمر بين أتباع الدين الإسلامي من الشيعة والسُّنة.

كيفية الاحتفال بـ”عيد الغدير”..

يقول “حيدر البصير”؛ وهو صحافي عراقي، متحدثًا لـ (بي. بي. سي)، من العاصمة العراقية؛ “بغداد”، إن الاحتفال بـ”عيد الغدير” يبدأ من ليلة العيد، يوم الـ 17 من شهر ذي الحجة، حتى الـ 18 يوم العيد.

ويوضح “البصير”، قائلاً: “يتركز الاحتفال في مدينة النجف، إذ أن جميع العراقيين المسلمين؛ وخاصة الشيعة، يزورون النجف، حيث مرقد الإمام عليّ أبن أبي طالب بدءًا من عصر يوم 17 ذي الحجة”.

ويتبادل المسلمون الشيعة التهاني والتكبيّرات، قائلين: “مبارك عليكم عيد الغدير وكل عام وأنتم بخير”، بحسّب ما يقول “البصير”؛ لـ (بي. بي. سي).

وعن كيفية الاحتفال بهذا العيد؛ يقول “حيدر” إنه يبدأ بالاحتفال ليلة العيد بشراء باقة من الورود وبعدها يشتري أكياسًا من الحلوى ويوزعها داخل ضريح “الإمام عليّ بن أبي طالب” أو خارجه.

ويقول “حيدر”؛ إنه لا توجد أنواع معينة من الحلويات يتناولها العراقيون أثناء “عيد الغدير”.

إذ يتبادل المحتفلون توزيع الشكولاتة وبعض من الحلوى العراقية التقليدية؛ مثل “حلال المشاكل”، (خليط من المكسّرات)، و”الملبس” و”الحلقوم”؛ (حلوى مصنُّعة من السكر والنشا وماء الورد).

كما يتناول المحتفلون أنواعًا أخرى من الحلوى التقليدية الوطنية مثل حلوى “الدهين ” أو “الدهنية”؛ (حلوى مصُّنعة من السمن والسكر وجوز الهند والمكسّرات، تشتهر بها مدينة النجف).

“طقس المؤاخاة”..

أما في صباح يوم 18 ذي الحجة، يوم “عيد الغدير”، فيبدأ المحتفلون بعد صلاة الفجر حتى صلاة العصر بممارسة طقس “المؤاخاة”، إذ يشُّابك المحتفلون أيديهم بأيدي بعض ويرددون بعض الأدعية الدينية.

ويقول “حيدر”: “إنه لا يتعيّن ممارسة طقس المؤاخاة مع الأقارب والأصدقاء فقط. فقد أمارسّه مع أي من المحتفلين في محيط ضريح الإمام عليّ في النجف، حتى وإن كان شخصًا لا أعرفه”.

ويُستحب لدى الشيعة صوم هذا اليوم: ” لكن الأغلب لا يصومون لأن معظم المحتفلين يكونون مسافرين أثناء قدومهم من باقي المحافظات إلى محافظة النجف، ومن ثم لا يستطيعون الصيام”، وفقًا لـ”البصير”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب