16 ديسمبر، 2024 2:32 ص

سائقو الـ”توك توك” .. ثوار ومسعفون أنقذوا آلاف الجرحى بالعراق !

سائقو الـ”توك توك” .. ثوار ومسعفون أنقذوا آلاف الجرحى بالعراق !

خاص : كتبت – هانم التمساح :

لم يشعر بأبناء الطبقة الكادحة الثائرة في “العراق”؛ إلا أبناء جلدتهم.. ففي الوقت الذي وقفت فيه الطبقة السياسية بكل طوائفها تشاهد الدم العراقي ينزف، وهي تقف إما مكتوفة الأيدي تشاهد بلا مبالاة؛ وإما أنها تشارك في عملية القتل وتقوده.. خرج سائقي الـ”توك توك” إلى شوارع “بغداد” والمدن الثائرة للملمت جراحات المصابين ونقلهم للمشافي محاولين إنقاذ حياتهم.

وأصحاب هذه العجلات الصغيرة، الـ”توتوك”، قصة أخرى للوجع العراقي وتردي أحوال شعبه الذي أُفقر كثيرًا نتيجة جشع السلطة وثرائها على حساب أبناء الشعب المنهوبة ثرواته المقدرة بالمليارات، والتي ضاعت في آلاف المشروعات الوهمية، وخلفت أجيالاً من جيوش العاطلين الذين يصرخون لكراماتهم وجوعهم في شوارع العاصمة والمحافظات.

يُسميهم العراقيون أبطال الـ”توك توك”، وهي تلك العربة الصغيرة ثلاثية العجلات، ذات الحجم الصغير، والقادرة على النفاذ خلال الأماكن الضيقة التي لا تتمكن السيارات حتى الصغيرة نسبيًا من مشاطرتها فيها.

ثوار الـ”توك توك”..

سائقو الـ”توك توك” نافسوا نظائرهم من “الستوتات”، (عربة بأربع عجلات)، وهي الأكبر حجمًا والأكثر سعرًا، والتي انخفض دورها بسبب هذين السببين، يميزها لونها الأحمر في مسارها، وهي أقل قدرة على النفاذ في الأزقة الضيقة، والقدرة على المناورة بين حشود المتظاهرين الذين هم من ذات البيئة التي إنحدر منها أصحاب الـ”توك توك”. لذلك تلمس تعاطفًا وإستماتة لإنقاذ أبناء جلدتهم، وأي مصاب من دون معرفة وجهته، وإيصاله لأهله أو لأقرب مستوصف صحي، وحين تسألهم عن جدوى تلك التضحيات التي يقدمونها يخبرونك بأنهم جزء من الحراك الشعبي، “ومن واجباتنا الوطنية أن ننقذ المصابين برصاص السلطة”.

وعجلة الـ”توك توك”، التي زادت قيمتها في تظاهرات الأول من تشرين/أول/أكتوبر الجاري، في “العراق”، وطوّر أصحابها ذلك الدور في الخامس والعشرين منه، برفع أعلام “العراق” وشعارات التظاهر على سقوفها وأبوابها، بسرعة وصولها إلى الجرحى الذين يصابون بإطلاق الرصاص من القناصين لاستهداف المدنيين العزل، حيث يهرع سائقو الـ”توك توك” إليهم ويحولون دون موتهم بنقلهم سريعًا إلى الخطوط الخلفية من التظاهر حتى يمكن إجراء الإسعافات الأولية لهم لحين إيصالهم للمستشفيات القريبة.

غدت هذه العجلة الغريبة على شوارع “بغداد” والمدن العراقية، بلونها الأصفر، تطغى على لون الشارع العراقي؛ كأنها خنافس صفراء صغيرة، منقذة للمصابين والمحتاجين واختراق زحام الشوارع والأزقة وقت الأزمات.

حكاية وجع عراقي.. فقر أفرز الـ”توك توك” !

سائقو الـ”توك توك” هم تعبير عن حكاية طويلة من الألم والعذاب والفقر وجيوش العاطلين، التي خلفها نظام المحاصصة الحالي الذي فشل في استيعاب الطاقات الشابة الصاعدة واضطر آلاف الشباب إلى البحث عن العمل بأي وسيلة شريفة، بينها استخدام عجلة الـ”توك توك”، رخيصة الثمن التي يتراوح سعرها ببن الخمسمائة والألفين دولار، حتى أضحى الكثير من أهل “بغداد” يضيقون بها ذرعًا، لكثرة انتشارها في الشوارع الرئيسة ومضايقة السيارات الحديثة التي تعيقها تلك العجلات؛ التي انتشرت سريعًا خلال سنتين في العاصمة. لكن دورها تغير كثيرًا وهي تجوب شوارع التظاهرات الأخيرة، وهي تنقل المؤن والأغذية إلى المتظاهرين ونقل العاجزين عن المشي في الشوارع الخالية من سيارات المُسعفين، التي تغيب عادة وقت الأزمات، ولكثرة الحشود التي تعيق حركتها.

إزدادت شعبية شباب الـ”توك توك” لنوع وكثرة التضحيات التي يقومون بها يوميًا وعلى مدار الساعة، إذ يتوجهون بها من مناطق سكنهم في مدينة “الصدر”، ذات الأغلبية الشيعية التي تعيش دون خط الفقر، ويقطنها ما يربو على ثلاثة ملايين مواطن عراقي قدموا من أرياف المدن الجنوبية هاربين من الإقطاع الذي إنهار في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، وعملت الأنظمة المتعاقبة على اعتبار وجودهم عقبة في مدنية العاصمة.

وعلى الرغم من تعشم سكان تلك المناطق وتوقعهم حياة أفضل من الأنظمة والحكومات اللاحقة بعد التغيير، لا سيما بعد عام 2003، أن تحدث النقلة النوعية في حياة هذا التجمع البشري الكبير الذي يمثل نصف سكان العاصمة سكانيًا، فإنهم وجدوا أنفسهم في حالة من العوز وإنعدام الوظائف التي إستحوذت عليها الأحزاب الدينية بهدف كسب أصوات المرشحين الموالين لتوجهاتهم.

قادة عربات الـ”توك توك” هم نتاج تلك البيئة المعدمة التي تناضل من أجل لقمة العيش، والإندماج في تفاصيل الأحياء الشعبية الفقيرة التي ملأت “بغداد”، وشكلوا جماعة مرجعية، لإشاعة حياة شعبوية لا تخلو من بطولات يومية لمساعدة الآخرين، حيث برزت مهمتهم بين الأسواق والمحال التجارية التي تكمن في الأزقة والأحياء البعيدة عن مركز الأسواق الرئيسة؛ مثل “الشورجة” في شارع “السعدون”؛ و”الرشيد” قلب “بغداد”.

لماذا ظهر الـ”توك توك” في العراق ؟

لدواعي أمنية؛ قسمت وفصلت معظم شوارع العاصمة، “بغداد”، بحواجز كونكريتية أربكت حركة سير المواطنين بالمركبات، الأمر الذي أفضى لإيجاد وسائل بديلة للتنقل بين الأحياء الضيقة والفرعية، لا سيما بين جانبي الكرخ والرصافة، فبعد ظهور “الستوتة” انتشر، بـ”بغداد”، عربة الـ”توك توك” أو ما يسمى بـ”تاكسي الفقراء”.

والـ”توك توك” وسيلة نقل بسيطة، “صنع في الهند”، وهي مركبة نارية ذات ثلاث عجلات، تستخدم غالبًا كوسيلة للتنقل بالأجرة.

وينتشر الـ”توك توك” بكثرة في البلاد الآسيوية، ولا سيما في البلاد العربية، ويتسع الـ”توك توك” لراكبين بالمقعد الخلفي، (أو ثلاثة محشورين بجانب بعض)، بالإضافة للسائق الذي يجلس في المقدمة.

“تاكسي الفقراء”، كما يسمى، ينشط عمله في الأحياء الفقيرة أو المكتظة، (كمدينة الصدر والشعب والشعلة والكاظمية)، إضافة إلى الأحياء التي توصف بالراقية، لكنها قسمت بحواجز كونكريتية لدواعي أمنية حكومية، وهي بحسب مستخدميها وفرت وسيلة لنقل الحاجيات والأشخاص بأجور زهيدة لا تتجاوز الـ (1000 دينار).

صحافيو “رويترز” : شاهدنا قناصة غامضين !

وكشف تقرير لوكالة (رويترز) للأنباء، (الثامن من تشرين أول/أكتوبر 2019)، عن دور عربات الـ”توك توك”، ثلاثية العجلات، في إنقاذ المصابين في الاحتجاجات العراقية.

فالأكثر دموية في مشهد الاحتجاجات في “العراق” هو إطلاق رصاص القنص، “الغامض”، على المتظاهرين، وخلقت ظروف هذا التحدي المأساوي وسيلة إنقاذ جديدة، إذ يسحب متطوعون يرتدون سترات حمراء محتجًا مصابًا من الجزء الخلفي من عربة “توك توك” أخلته ميدانيًا، ويحملونه إلى سيارة إسعاف تقف في مكان خارج ميدان الاحتجاجات بعيدًا عن رصاص القناصين.

لقد قُتل أكثر من 110 شخصًا وأُصيب أكثر من  ستة آلاف آخرون في الانتفاضة، وهي أسوأ أعمال عنف يشهدها “العراق” منذ هزيمة “تنظيم الدولة الإسلامية”، (داعش)، قبل عامين. وذكر تقرير لوكالة (رويتزر) أن صحافييها شاهدوا قناصة يقتلون أو يصيبون محتجين بالرصاص من فوق أسطح المباني.

ويقول محتجون إن سيارات الإسعاف إما لم يكن بإمكانها الوصول إلى الضحايا في الشوارع المكتظة بالحشود أو كانت نفسها أهدافًا للقناصة. ولذلك ملأ سائقو عربات الـ”توك توك”، الذين يكسبون عيشهم من نقل الركاب بالمروق في الشوارع، فراغ سيارات الإسعاف ونزلوا إلى الشوارع لإلتقاط الضحايا.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة