دبلوماسية الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط .. ميدان جديد للمنافسة الجيوسياسية

دبلوماسية الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط .. ميدان جديد للمنافسة الجيوسياسية

خاص: ترجمة- د. محمد بناية:

في إطار التطورات المتسَّارعة بالقرن الحادي والعشرين؛ لم يُعدّ “الذكاء الاصطناعي” مجرد تكنولوجيا، وإنما تحول إلى أداة جيوسياسية ذات تداعيات عميقة على الدبلوماسية، ونظام الحكم، والاقتصاد، والأمن القومي.

والقمة العالمية لـ”الذكاء الاصطناعي”؛ التي عُقدت مؤخرًا في العاصمة السعودية؛ “الرياض”، لم يكن مجرد تجمع تكنولوجي، وإنما هو رمز على ظهور؛ (دبلوماسية الذكاء الاصطناعي)، كظاهرة جديدة في السياسة الدولية. بحسّب ما استّهل “سيد عبدالمجيد زواري”؛ تخصص علاقات الدولية، ومؤسس “مركز دراسات العلاقات الدولية” عام 2006م، تحليله المنشور على موقع (مركز دراسات العلاقات الدولية) الإيراني.

“السعودية والإمارات”: التكنوقراط الجدَّد بالشرق الأوسط..

الدول العربية في الخليج التي اعتمدت؛ حتى الآن، على عوائد “النفط” في تثبيّت مكانتها، تسّعى للتحول إلى أقطاب للتكنولوجيا في مجال “الذكاء الاصطناعي”.

وتسّعى “السعودية”؛ من خلال (رؤية 2030)، وكذلك “الإمارات” بإنشاء أول جامعة متخصَّصة في “الذكاء الاصطناعي” في العالم العربي، إلى تحويل البيانات إلى رأس مال والتكنولوجيا إلى قوة ناعمة.

كما كشفت “السعودية”؛ مؤخرًا، عن إنشاء صندوق استثماري بقيمة: (40) مليار دولار في مجال “الذكاء الاصطناعي”، وفي السيّاق ذاته، شهد المعرض العالمي لـ”الذكاء الاصطناعي” في “الرياض”؛ حضور كبرى الشركات الدولية من “الولايات المتحدة الأميركية، وأوروبا، والصين”، بداية من شركات (أوبن. إيه آي) و(مايكروسوفت) وحتى (علي بابا) و(هواوي).

الدبلوماسية التكنولوجية.. أداة للقوة الناعمة أو ميدان للمنافسة الصعبة ؟

يُمكن اعتبار دبلوماسية “الذكاء الاصطناعي” جزءًا من تطور أوسع نطاقًا يُعرف باسم: “الدبلوماسية التكنولوجية”، وهو نهج تعتمد فيه الحكومات على التقنيات الناشئة في بناء تحالفات جديدة، واكتساب شرعية دولية، والتأثير على موازين القوى.

وفي هذا الصدّد تسّعى “الولايات المتحدة” انطلاقًا من الرغبة في المحافظة على التفوق التكنولوجي، إلى احتواء النفوذ الصيني في المنطقة. وما استثمار شركة (مايكروسوفت) مليارات الدولارات في شركة (G42) الإماراتية، والتوقّيع على عقود إجرائية مع “المملكة العربية السعودية”، إلا جزءًا من هذه الاستراتيجية.

لكن “الصين” بصدّد تطويد علاقاتها مع حكومة المنطقة عبر دبلوماسية أكثر هدوءً؛ لكن أكثر تأثيرًا.

تعارض المصالح والبيانات والارتباط المزدوج..

“الازدواجية الاستراتيجية” لدول المنطقة هي النقطة الرئيسة في هذه المعادلة. وبينما تسّعى “السعودية والإمارات” إلى جذب الاستثمارات الغربية وامتلاك البُنية التحتية لـ”الذكاء الاصطناعي” الأكثر تطورًا، تعمل كذلك على تطوير علاقاتها الاقتصادية بل والعسكرية مع “الصين”.

ومن الناحية الأمنية؛ تتخوف “الولايات المتحدة” من انتقال التكنولوجيا إلى هذه الدول، وتعبيّد طريق غير مباشر لحصول “الصين” على البيانات والنماذج المتطورة، الأمر الذي أصبح موضوعًا للنقاشات غير المَّعلنة وتحذيرات “الكونغرس” الأميركي أيضًا.

نظام دولي جديد وحدود غير مرئية..

يشهد العالم اليوم شكلًا جديدًا من المنافسات الجيوسياسية، التي لم تُعدّ تقتّصر على الأرض، والمصادر أو السلاح؛ وإنما تشمل: “البيانات” و”البُنية التحتية الحاسوبية” و”الخوارزميات”.

وفي هذا النظام الجديد؛ سوف تتحول الدول التي تمتلك استثمارات كبيرة، وبُنية تحتية مستَّقلة للبيانات، والمعرفة المحلية في مجال “الذكاء الاصطناعي”، إلى أطراف جديدة فاعلة على ساحة القوة.

وفي هذا المسّار؛ بمقدور “دبلوماسية الذكاء الاصطناعي” أن تكون أداة للتعامل، والسيّطرة أو المنافسة، والأمر منوط بماهية من يملك البيانات، والبُنية التحتية، وكتابة الخوارزميات.

النتيجة: مستقبل الدبلوماسية في عصر “الذكاء الاصطناعي”..

لا تعكس “القمة العالمية للذكاء الاصطناعي”؛ بـ”الرياض”، طموحات دول الخليج التكنولوجية، وإنما تُمثّل تحذيرًا للقوة العالمية التي على وشك أن تفقد احتكار التكنولوجيا.

ولم تُعدّ الدبلوماسية الآن تقتّصر على الوزارات، والمؤتمرات التقليدية، واللغة القانونية، وإنما تشمل النماذج اللغوية، والحوسبة السحابية، والتعاون القائم على البيانات.

وفي هذا الصراع الناعم؛ سيكون المستقبل للدول التي تستطيع الموازنة بين الاستقلال التكنولوجي، والدبلوماسية متعدَّدة الأوجه، وأمن البيانات.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة