خاص : ترجمة – سعد عبدالعزيز :
لقد أثار تعيين وزير يهودي ضمن الحكومة التونسية الأخيرة، حالة من التفاؤل الشديد لدى المسؤولين والمحللين الإسرائيليين، معتبرين ذلك دعمًا للروابط التاريخية والثقافية بين الدولة التونسية والجالية اليهودية فيها، كما هو الحال في “المغرب”.
لذا يرى المحللون الإسرائيليون أن تلك هي الروابط التي يجب على “إسرائيل” ترسيخها ودعمها، إن كانت تريد بالفعل تطبيع علاقاتها مع العالم العربي. بحسب الباحثة الإسرائيلية في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، “عدينا فريدمان”، في مقالة لها بموقع (دافار ريشون) باللغة العبرية.
ركيزة أخرى من الروابط الأعمق والأهم..
تقول “فريدمام”: خلال سنوات “اتفاقية أوسلو”، شهدت “إسرائيل” حالة من الانفتاح الاقتصادي والدبلوماسي مع كثير من الدول العربية. وهناك من يسارع بوصف العلاقات الأمنية السرية مع دول الخليج بأنها إنجاز سياسي هام سيُتيح لـ”إسرائيل” أن تصبح أخيرًا، جزءً لا يتجزأ من مكونات الشرق الأوسط العربي.
ولا ينبغي في الحقيقة، التقليل من أهمية تلك العلاقات، لكن لا بد في الوقت نفسه أن نشير إلى أن هناك ركيزة أخرى من الروابط الأعمق والأهم، التي يجب على “إسرائيل” أن تبني عليها علاقاتها مع الدول العربية – ألا وهي الركيزة الثقافية التي تحترم الهوية الذاتية.
بين مناهضة إسرائيل وتعيين “الطرابلسي” !
يُذكر أن تعيين/ “رينييه الطرابلسي” – وهو رجل أعمال يهودي من مدينة “جربة” – في منصب وزير السياحة ضمن الحكومة التونسية، في الرابع من تشرين ثان/نوفمبر 2018؛ قد أثار اهتمامًا دوليًا كبيرًا، لكنه في المقابل، أثار جدلًا داخليًا واسع النطاق بين الأوساط السياسية والإعلامية التونسية، نظرًا لأن “تونس” لا تربطها في الوقت الحالي علاقات دبلوماسية رسمية مع “إسرائيل”، رغم وجود محاولات سابقة لإقامة علاقات إيجابية بين البلدين.
وهناك جهات تونسية تعارض بشدة تطبيع العلاقات مع “تل أبيب” وتؤيد حركة مقاطعة “إسرائيل”، الـ (BDS). وفي ظل هذا التوجه والموقف المناهض لـ”إسرائيل”، فإن الأمر المُحير بالفعل، هو تعيين “الطرابلسي” في منصب رسمي بالحكومة التونسية يجعله قادرًا على تحقيق آرائه وسياساته. وهو يهودي يمتلك وكالة سفريات؛ وظل لسنوات عديدة يستضيف إسرائيليين في “تونس”، وقام شخصيًا بزيارة “إسرائيل” عدة مرات ويؤيد إحراز السلام مع “إسرائيل”.
لا ينبغي التعويل على العلاقات الأمنية..
توضح “فريمان”؛ أنه لا ينبغي بالطبع التقليل من أهمية التعاون الإستراتيجي والأمني والاقتصادي بين “إسرائيل” والدول العربية، لكن بدلاً من السعي إلى إقامة علاقات ضحلة وسرية وقصيرة الأمد مع حكام متسلطين في المنطقة، ينبغي على “إسرائيل” ان تولي اهتمامًا بالإشارات والرسائل التي تأتي – أحيانًا بشكل مباشر أو غير مباشر – من دول أكثر إعتدالًا مثل “تونس” و”المغرب”.
الدور المحتمل.. يهود تونس !
يُعتبر “الطرابلسي” هو الشخص اليهودي الوحيد، الذي يعمل وزيرًا حاليًا في دولة عربية، وهو بشكل عام ثالث يهودي يتم تيعيينه وزيرًا في “تونس”، منذ حصلت الدولة على استقلالها عام 1957.
فيما يُعد تعيين “الطرابلسي”، من ناحية، تمثيلًا ضئيلًا للطاىفة اليهودية المقيمة في “تونس” منذ تدمير الهيكل الأول. لكن هذا التعيين، يعد من ناحية أخرى، أمرًا مهمًا بالنظر إلى طبيعته وتوقيته، فهو يحمل عدة رسائل مهمة، سواء فيما يخص أسلوب التعامل مع “إسرائيل” أو ما يتعلق بالدور المحتمل الذي يمكن أن يلعبه اليهود التونسيون في إقامة علاقات قوية بين البلدين.
لم يكن تعيين “الطرابلسي” هو المؤشر الوحيد للدلالة على التعامل الإيجابي مع اليهود في “تونس”. ففي انتخابات المجالس المحلية، التي جرت في نيسان/أبريل 2018، كانت قائمة مرشحي “حزب النهضة الإسلامي” تضم شخصًا يهوديًا. ورغم أنه لم يحظى بالعضوية، إلا أن مجرد اختياره ضمن قائمة المرشحين كان يهدف إلى توجيه رسالة تحمل معنى الانفتاح والإعتدال تجاه اليهود و”إسرائيل”.
المملكة المغربية هي الرائدة..
جدير بالذكر؛ أن “تونس” ليست الدولة العربية الوحيدة التي تقلد فيها اليهود مناصب مرموقة، أو تم التعامل معهم بشكل إيجابي من قِبل النظام والسكان المحليين؛ فـ”المملكة المغربية” تعد هي الدولة الرائدة في هذا الصدد، إذ سبق لليهود فيها أن تولوا مناصب وزارية، كما كان هناك يهود من كبار رجال الأعمال. وحتى في الوقت الراهن، هناك يهودي يدعى، “أندريه أزولاي”، يعمل مستشارًا للملك المغربي.
ويؤدي “أزولاي” دورًا مهمًا في تعزيز العلاقة بين اليهود والمسلمين، لا سيما في المجال الثقافي، الذي يشهد تعاونًا مثمرًا بين الإسرائيليين، (معظمهم من أصول مغربية)، وبين اليهود والمسلمين في “المغرب”.
أهمية الصلات التاريخية والثقافية..
ترى الباحثة الإسرائيلية ضرورة الاستفادة من اليهود في الدول العربية، وكذلك الإسرائيليين الذين هم من أصول عربية، لأن هؤلاء اليهود يشكلون أداة قوية للتواصل بين “تل أبيب” وعواصم وشعوب الدول العرببة.
وينطبق ذلك، بشكل خاص، على “تونس” و”المغرب”، حيث لا تزال هناك جاليات يهودية نشطة، ولكنه ينطبق أيضًا على “العراق”، الذي كان يضم في السابق جالية يهودية مزدهرًة ومؤثرة. ولا ينبغي أن نفهم من ذلك ضرورة التركيز فقط على تعزيز العلاقة مع كبار السياسيين أو الدبلوماسيين اليهود في الدول العربية، لأن التركيز على مثل هؤلاء قد يقوض جهودهم للتقارب مع “إسرائيل”.
لكن المقصد من ذلك هو التأكيد على وجود صلات تاريخية وثقافية وشخصية ومجتمعية بين يهود الدول العربية، بما في ذلك دول شمال إفريقيا، وبين اليهود الذي هاجروا من تلك الدول ويعيشون حاليًا في “إسرائيل”.