وكالات – كتابات :
في حادثة تُعد الأولى من نوعها عالميًا، استهدفت مقاتلات إسرائيلية من طراز (إف-15) و(إف-16)، (F-15 وF-16)، مفاعل (تموز) العراقي النووي، في 7 حزيران/يونيو 1981، وقد دُمر المفاعل بصورة شبه كلية، مع مقتل 10 عراقيين ومدني فرنسي، وعُرفت العملية باسم: (أوبرا).
ورغم أن “العراق” كان يخوض، حينها، حربًا ضروسًا مع “إيران”، ورغم امتلاكه دفاعات جوية وطائرات حربية وجهاز مخابرات قويًا، فإنه أخفق في اكتشاف الضربة والدفاع عن المفاعل النووي.
تحقيق طموحه القومي..
يقع المفاعل النووي العراقي، المعروف باسم “مفاعل تموز”، (أوزيراك)، بالفرنسية، في منطقة “التويثة”، التي تبعد 17 كيلومترًا إلى الجنوب الشرقي من العاصمة، “بغداد”.
وكان “العراق”؛ قد حاول منذ ستينيات القرن العشرين؛ الدخول رسميًا في “النادي النووي” السلمي، وربما العسكري، عبر برنامج نووي طموح، حيث استغل، حينها، إمكانياته البشرية العلمية والثروة التي تحققت بعد تأميم نفطه، عام 1973.
مطلع عام 1975؛ وافقت “فرنسا” على بناء مفاعلين نوويين، في “العراق”، بمنطقة “التويثة”، وكانا مشابهين للمفاعلات النووية في مركز الأبحاث النووية التابع لـ”وكالة الطاقة الفرنسية”، (CEA)، حيث كان المفاعل الأول: (تموز 1)، بقدرة 40 ميغاواط، والآخر: (تموز2)؛ لأغراض التدريب بقدرة: 600 كيلوواط.
ومع قرب اكتمال بناء المفاعل العراقي، شهدت البلاد أول عملية عسكرية نوعية في العالم، عندما تمكنت القوات الجوية الإسرائيلية من تدمير المفاعل النووي العراقي بصورة كلية، في 7 حزيران/يونيو 1981.
فشلت إيران في استهدافه ونجحت إسرائيل !
يقول المؤرخ العراقي وأستاذ التاريخ الحديث في جامعة الموصل، “إبراهيم العلّاف”؛ إن استهداف “إسرائيل”، مفاعل (تموز) العراقي، لم يكن الأول، إذ ومع استمرار وتصاعد الحرب “العراقية-الإيرانية”، (حرب الخليج الأولى)، شنت “إيران”، في 30 أيلول/سبتمبر 1980، غارات جوية على المفاعل العراقي، لكنها لم تُصب أي منشآت مهمة في المفاعل، واقتصرت الأضرار، حينها، على الأبنية الفرعية.
ويضيف “العلاف”، (مؤلف كتاب: “القدرات النووية في الشرق الأوسط”)، أنه وبعد تلك الحادثة بـ 9 أشهر، جاء القصف الإسرائيلي للمفاعل، في 7 حزيران/يونيو 1981، حيث أدى القصف إلى خسائر بالغة بالمفاعل.
وجاء القصف الإسرائيلي؛ بعد أن أعيد انتخاب، “مناحيم بيغن”، رئيسًا لحكومة “إسرائيل”، عام 1981، واتخذ حينها قرارًا بقصف المفاعل النووي العراقي، مبررًا ذلك بأن مفاعل (تموز1)؛ كان على وشك البدء بالتشغيل العملي، ولابد من إحباط محاولة “بغداد” استخدام هذه المفاعلات لإنتاج أسلحة نووية تستخدم ضد “إسرائيل”، التي تمكنت من إنتاج نحو 200 قنبلة نووية من مفاعلها الفرنسي الأصل، (مفاعل ديمونا)، خلال 3 عقود.
ألغاز مازالت حية..
وبغض النظر عن كيفية استهداف المفاعل؛ وتمكن الطائرات الإسرائيلية من اختراق حدود دول أخرى والوصول إلى المفاعل النووي العراقي، فإن أسئلة كثيرة تُطرح عن أسباب فشل أجهزة الاستخبارات العراقية في اكتشاف الضربة قبل حدوثها؛ وعن فشل الدفاعات الجوية العراقية في مواجهة الطائرات الإسرائيلية على أقل تقدير.
وبالعودة إلى “العلاف”، يُشير إلى أن ما سُمِّي عملية: (أوبرا) الإسرائيلية لاستهداف المفاعل النووي العراقي؛ كانت دقيقة للغاية، وتفوق بكثير المحاولة الإيرانية.
ويؤكد أن الاستخبارات العراقية والدفاعات الجوية لم تكن في وضع يساعدها في كشف الطائرات الإسرائيلية التي كانت تُحلق على مديات مختلفة، حيث قطعت مسافة 2500 كيلومتر وعبرت أجواء “الأردن” و”السعودية”، وهي على ارتفاع لا يزيد على: 100 قدم من الأرض، دون أن تكشفها الرادارات الأردنية والسعودية.
ويتابع أن الطائرات الإسرائيلية كانت تستخدم تكنولوجيا متطورة للغاية، فضلاً عن أن الطيارين الإسرائيليين كانوا قد تدربوا لفترة طويلة على استهداف المفاعل العراقي.
ومن جانبه؛ يقول “سالم الجميلي”، مدير شعبة “أميركا” بجهاز المخابرات العراقي السابق؛ إن مهام جهاز المخابرات العراقية الخاصة بحماية المفاعل النووي؛ كانت تنحصر في 3 مهام، الأولى تتعلق بأمن الموظفين، ويشمل ذلك التدقيق وجمع المعلومات عن جميع الأفراد العاملين في البرنامج النووي للتأكد من سلامة وضعهم قبل وأثناء العمل.
أما المهمة الثانية؛ فكانت تتعلق، حسب “الجميلي”، بأمن المنشأة النووية؛ بما في ذلك السيطرة على المداخل والمخارج وإصدار بطاقات الدخول ومراقبة المنشأة من الداخل، والتنسيق مع القوة العسكرية المسؤولة عن حراسة المفاعل ومحيطه.
ويتابع “الجميلي”؛ أن المهمة الثالثة: كانت تتعلق بأمن العلماء، إذ وبعد عملية اغتيال العالم النووي المصري، “يحيى المشد”، عام 1980، في “باريس”، والذي كان له دور بارز في البرنامج النووي العراقي، اتخذت القيادة العراقية قرارًا بتخصيص ضباط مخابرات لمرافقة العلماء وحمايتهم داخل وخارج البلاد.
قصور في النظام السابق..
أما الخبير الأمني والإستراتيجي، “فاضل أبورغيف”، فيعزو فشل “العراق” في الدفاع عن المفاعل لعدة اعتبارات، أولها التخبط السياسي للنظام السابق في التعامل مع “فرنسا”؛ بأحادية دون الرجوع لـ”الولايات المتحدة” و”بريطانيا”، الرائدتين في هذا المجال.
ويتابع “أبورغيف”؛ أن المخابرات العراقية لم تكن عالمية، إذ كانت تعمل ضد معارضي النظام في الداخل والخارج دون العمل الحثيث على حماية الأمن القومي، لافتًا إلى أن النقطة المفصلية كانت تتمثل بشخصية الرئيس، “صدام حسين”، الذي كان دائمًا ما يدعو إلى مهاجمة “إسرائيل”، مما أدى لتسريعها في شن ضربة على المفاعل النووي؛ خشية قدرة “العراق” على الحصول على القنبلة الذرية.
ويذهب في هذا المنحى – كذلك – “العلاف”، الذي يؤكد أن الإسرائيليين برروا قصف المفاعل العراقي؛ بأنه دفاع عن النفس واستباق لما كان يمكن أن تفعله “بغداد”، التي كانت تهدد الوجود الإسرائيلي، صباح مساء، فضلاً عن أن “العراق” كان البلد الوحيد، الذي لم يوقع على اتفاقيات الهدنة، بعد حرب 1948.
اختراق الخبير الفرنسي !
ويُفصل “العلاف”؛ أن استهداف المفاعل تم من خلال الخبير التقني الفرنسي؛ الذي أعطى إحداثيات المفاعل للجهات الاستخبارية الإسرائيلية عبر وضعه جهاز تحديد للمواقع الجغرافية داخل المفاعل، مشيرًا إلى أن هذه الرواية أكدها كتاب صادر عن جهاز (الموساد)، في “تل أبيب”، مستدركًا: “كثير من تفاصيل الهجوم الإسرائيلي لا تزال غامضة، خاصة أن الخبير الفرنسي قُتل بالضربة الجوية، حيث لم يُغادر المفاعل، ولا أحد يعلم لماذا ؟!”.
ورغم امتلاك علاقات قوية مع “الاتحاد السوفياتي”، آنذاك، فإن “العراق” لم يتلق أي تحذير استخباراتي، ويعلل ذلك الخبير الأمني والعسكري، “مؤيد سالم الجحيشي”، الذي يرى أن العملية كانت إسرائيلية بحتة، وبالتالي لم تكن الاستخبارات الدولية على علم مسبق بالضربة.
وإلى جانب تقصير أجهزة الاستخبارات العراقية، أخفقت الدفاعات الجوية في اكتشاف الطائرات الإسرائيلية وصدها، وفي هذا المنحى؛ يرى “أبورغيف”، أن “العراق” كان يمتلك منظومة دفاع جوي سوفياتية من طراز (سام-6)، وكانت تُعتبر قديمة ومتهالكة في تلك الفترة، فضلاً عن أنها كانت متأخرة تكنولوجيًا مقارنة بالطائرات الأميركية التي استخدمت في الضربة الجوية.
أسباب عديدة..
ويتابع “أبورغيف”؛ أن أنظمة الرادارات أخفقت في اكتشاف الطائرات التي استخدمت أنظمة الحرب الإلكترونية والتشويش؛ مما حال دون اكتشافها، لافتًا إلى أن الضربة الإسرائيلية كانت تهدف، بالإضافة لمنع “العراق” من الحصول على قدرة نووية عسكرية – للحفاظ على الميزان العسكري بين “العراق” و”إيران”، خلال حرب البلدين التي أمتدت 8 سنوات.
أسباب عديدة يُشير إليها الخبراء العسكريون، وبالعودة إلى “الجحيشي”؛ فإنه يؤكد أن “العراق”، وفي خضم حربه مع “إيران” كان يركز جلّ اهتمامه الأمني والعسكري على الجبهة الشرقية للبلاد، وبالتالي لم يكن يتوقع ضربة عسكرية من “إسرائيل”، بحسبه.
ويتابع “الجحيشي”؛ أن بطاريات الإنذار ومنظومات الرادار كانت نادرة على الحدود الغربية لـ”العراق”، التي جاءت منها الطائرات الإسرائيلية، لافتًا إلى أن الخطأ العراقي الرئيس كان في الإعتقاد بأن استهداف المفاعل النووي سيكون من “إيران” التي تخوض “بغداد” معها حربًا وليس من أي جهة أخرى.
تفاصيل تنشر لأول مرة..
في أيلول/سبتمبر عام 1975، وقبيل زيارته المرتقبة لـ”باريس”، صرح الرئيس العراقي، “صدام حسين”، أن: “البحث عن التكنولوجيا ذات الإمكانات العسكرية؛ هو رد على التسلح النووي الإسرائيلي، وأن الاتفاق (الفرنسي-العراقي)، هو الخطوة العربية الأولى لإمتلاك أسلحة نووية، حتى لو كان هدفنا المعلن هو بناء مفاعل وليس إنتاج قنابل ذرية”.
وصادف، أمس الإثنين 7 حزيران/يونيو؛ الذكرى الأربعين للعملية التي قامت بها وحدة (أبوكاليبس)، أي “نهاية العالم”، التابعة لجهاز (الموساد) الإسرائيلي؛ لتدمير المفاعل النووي العراقي، (تموز)، حيث نشرت صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية تقريرًا مطولاً؛ يكشف عن تفاصيل دقيقة للمرة الأولى عن: “عملية أوبرا”، التي تُعتبر من أهم العمليات العسكرية الإسرائيلية تدميرًا وأكثرها جرأة حسب وصفها، بعد لقاء أحد أعضاء الفريق ورجل الاستخبارات السري، “أيغال بالمور”.
أنضم “أيغال بالمور”، كجندي في وحدة “الإنذار المركزية”، في آب/أغسطس عام 1979، إلى إحدى القواعد العسكرية الرئيسة على قمة أحد الجبال على الحدود الشمالية، وكان يأمل بأن ينضم إلى قسم “أبحاث الاستخبارات” خلال خدمته، لكن لأنه أبن أحد أقدم الدبلوماسيين الإسرائيليين، “أليعازر بالمور”، وأكثرهم خبرة، ولأنه أمضى طفولته ومراهقته في “أوروبا” بحكم عمل والده، وكان يجيد اللغتين: الإنكليزية والفرنسية بطلاقة، فقد كان لدى مركز التجنيد الاستخباراتي خططًا أخرى له، وتم إدراجه في وحدة التنبيه كمترجم للمحادثات باللغات الأجنبية، وصدر أمر بنقله الى الوحدة (8200) إلى قاعدة أخرى داخل مجمع مغلق ومعزول إلى جانب جنود ومجندات آخرين، أخبرهم هناك ضابط المخابرات، “رافي كنافو”: “أن مهمتهم ستكون التجسس على المكالمات الهاتفية الأجنبية، تسجيلها وتصفيتها وتلخيصها ونسخها”، بحسب “بالمور”.
عمليات التجسس والتعقب..
وأضاف “بالمور”؛ أن مهمتهم السرية كانت تنحصر في الإستماع إلى المحادثات الهاتفية بين العراقيين والفرنسيين حول موضوع المفاعل النووي الضخم، الذي بناه الفرنسيون. كانوا يستمعون لكل شيء وقاموا بتسجيل كل المكالمات بما في ذلك الكلام البذيء، وجمعوا المعلومات الأكثر دقة وحساسية عن المفاعل، تلك المعلومات سمحت لجهاز (الموساد) تفجير أجزاء من المفاعل والتجسس على العلماء العراقيين.
وسرعان ما أدرك الجنود أن التكنولوجيا الجديدة ربطت جزءًا كبيرًا من بدالات الهاتف الدولية بأنظمة اتصالات جديدة تنقل المكالمات الهاتفية من دولة إلى أخرى، كما تعامل الجنود مع جهاز غريب بحجم، “الثلاجة”، قيل لهم أن بعض الحكام في الشرق الأوسط يمتلكون مثله؛ ويستخدمون جهاز: (الفاكس)، الذي يقوم بمسح المستندات ضوئيًا ونقلها إلى مكان آخر عبر خطوط الهاتف الدولية، إضافة إلى 17 جهاز تسجيل مع بكرات، كل جهاز متصل بخط مخصص للربط الهاتفي بين “العراق” و”فرنسا”. وقام القادة بتسليم الجنود قائمة بأسماء الشركات الفرنسية والمسؤولين والمهندسين والعلماء العراقيين الذين بمجرد ورود اسم أحدهم في مكالمة أو محادثة يتعين عليهم على الفور تحرير زر التسجيل والنسخ.
فريق “أبوكالبيس”..
فهم الجنود ما يدور حولهم بالضبط؛ ولماذا كان مهمًا لـ (الموساد) إحضارهم إلى هناك؛ وقاموا بتسمية الفريق: “أبوكاليبس”، أي: “نهاية العالم”، في إشارة إلى نشاط الفريق وما قد يحدث بسبب القضية التي كانوا يتعاملون معها، فسلاح الجو الإسرائيلي سيقصف المفاعل النووي، في “العراق”، والعملية خطرة وحساسة، وبدأوا برسم خريطة للأقسام المختلفة لتحديد من كان يتحدث إلى من، وأصوات المتحدثين المهمين، وبحسب طبيعة المحادثات كانوا يقومون بترجمتها إلى العبرية ونشر معلومات مفصلة عنها، كما اعترضوا آلاف عمليات إرسال التلكس ليتم فحصها في وحدة (أمان).
رأى “صدام حسين” نفسه زعيمًا عربيًا تاريخيًا من شأنه أن يجعل من “العراق”، قوة إقليمية موازية لـ”إيران”، وقد وصف “إسرائيل”: “أنها كيان صهيوني عدواني وسرطان رهيب في المنطقة”، وفهم أن “العراق” لن يكون أبدًا قوة من دون مخزون كبير من الأسلحة، وأن الطريقة الوحيدة لغزو الشرق الأوسط هي إمتلاك القدرة على تدميره.
كان “صدام”؛ ثاني أهم رجل في “باريس”، في ذلك الوقت؛ بسبب المال الوفير الذي كان في جعبته، ما شكل إغراءً لـ”فرنسا” و”الولايات المتحدة”، للتحكم في الجغرافيا السياسية وقواعد اللعبة السياسة، وكان رئيس الوزراء الفرنسي، آنذاك، “جاك شيراك”، وراء سلسلة من الصفقات الضخمة بين “فرنسا” و”العراق”، على رأسها بيع مفاعلين نوويين، مفاعل تدريبي: (إيزيس)؛ صغير بقدرة: 5 ميغاواطات، أطلق عليه: (تموز 2)، سيستخدمه الفرنسيون لتدريب كوادر لتنفيذ العمل على المفاعل الرئيس: (أوزوريس)؛ الأكبر بكثير بقدرة: 40 ميغاواطًا، مع إمكان التوسعة ليصل إلى: 70 ميغاواطًا، وأطلق عليه: (تموز 1). ويحتوي المفاعل الكبير على: 12 كيلوغرامًا من (اليورانيوم) المخصب، بنسبة 93 في المئة، وبذلك يمكن إنتاج قنبلة نووية منه، لذلك في حال أوفت “فرنسا” بوعودها واستبدلت بين الحين والآخر قضبان الوقود المستخدمة، فيمكن للعراقيين ببساطة تحويل بعضها إلى سلاح نووي، وأطلق العراقيون اسم: “أوزيراك”؛ على المفاعل النووي، حيث كان العلماء الفرنسيون يُدركون أن حكومتهم كانت تكذب في تصريحاتها للعالم من أن المشروع لم يكن لديه أي إمكانات ليتحول نحو الاتجاه العسكري.
صفقة رابحة للجانب الفرنسي..
وبحسب التقرير؛ فإن الفرنسيين فهموا أن الصفقة كانت مثالية للاقتصاد الفرنسي وأشبه بحلم تحقق، حيث دفع العراقيون مبلغًا أعلى من قيمة المفاعل، كما حصلوا على حسم كبير وشروط مواتية لواردات “النفط”، من “العراق”.
شارك في المشروع الضخم؛ عدد كبير من الشركات الفرنسية، وتم إنشاء إدارة مشتركة، بين “باريس” و”بغداد”، وبناء آلاف المباني السكنية الخاصة للمهندسين والفنيين الفرنسيين بالقرب من المشروع؛ سميت: بـ”العشتار”.
وبدوره؛ قام جهاز (الموساد) الإسرائيلي بتشكيل فريق يضم أفرادًا من “وزارة الخارجية” و”مجلس الأمن القومي”، أطلق عليه اسم: “العصر الجديد”، وطُلب منه بذل جهود خاصة ومركزة للتغلب على المحاولات العراقية لتحقيق أي قدرة نووية بطلب من نائب رئيس (الموساد)، في ذلك الوقت، “ناحوم أدموني”، علمًا أن المشروع بدأ في “فرنسا”، حيث تصنيع المكونات الرئيسة؛ وحيث يتلقى قادة المشروع تدريباتهم، ليتم بعدها استكمال المرحلة الثانية في مركز أبحاث “التويثة”، بالقرب من العاصمة، “بغداد”، وتم إقرار مراقبة كل المحادثات خاصة بالفرنسية.
استعدادات إسرائيلية..
في المقابل، قام ضباط من وحدة (تسوميت) لتجنيد العملاء، بالتخفي في “فرنسا”؛ تحت ستار رجال أعمال وقاموا بالتقرب من العراقيين في محاولة لتجنيدهم ليصبحوا جواسيسهم وأعينهم داخل “العراق”.
أحد الفنيين، الذين عملوا في المفاعل؛ نقل لمشغله الضابط، “يهودا غيل”، معلومات داخلية عن المفاعل الذي كان يجري بناؤه، حيث أخبر “غيل”، الفني، إن هذه المعلومات يحتاجها للتنافس على المناقصات النووية في “العراق”، وبحسب تقرير (يديعوت أحرونوت)؛ فإن النجاح كان نادرًا؛ لأن “صدام حسين”، نجح في بث الخوف والرعب في قلوب العاملين في المشروع، لذلك عمل ضباط (الموساد) على الاتصال بالجانب الفرنسي ونجحوا في تجنيد فنيين وسكرتيرات وموظفي الخدمات اللوجستية، سواء لأسباب إيديولوجية أو بدفعهم مبالغ مالية ضخمة.
هكذا تمكنت “إسرائيل” من الحصول على المخططات التفصيلية ووثيقة كتبها علماء فرنسيون تلخص كل الاتفاقيات الموقعة مع “العراق”، كما تم تجنيد عالم فيزياء نووية من جامعة “بن غوريون”؛ هو الدكتور “رفائيل أوفك”، وعقد مجلس الوزراء الإسرائيلي؛ سلسة من الاجتماعات، بعد فشل “إسرائيل” في مساعيها الدبلوماسية، وتقرر اتخاذ الإجراءات الضرورية لتقويض المشروع النووي العراقي، ومنح (الموساد) الضوء الأخضر للعمل.
بداية العملية..
ليلة 5 و6 من نيسان/أبريل من عام 1981، رصد حراس مجموعة: (سينم)، المتخصصة في إنتاج الأجزاء المعدنية الضخمة للمفاعلات النووية، سيارة (فيات 127)، تقترب من المنشأة، في “لا سين سور مار”، غرب مدينة “تولون” الفرنسية، حيث كانت الشركة تستعد لإرسال شحنة لمركز “التوثية”.
أدعت سيدتان أنهما سائحتان بريطانيتان تعطلت سيارتهما، وبعد أن فتح الحراس البوابة وساروا باتجاه السيارة تسلق خمسة رجال، يرتدون ثيابًا سوداء، السياج ودخلوا بهدوء وربطوا خمس رزم من المتفجرات القوية حول الشحنة وضبطو أجهزة التوقيت؛ ثم تسللوا إلى الخارج، واختفوا في عتمة الليل، لم يستغرقهم الأمر أكثر من خمس دقائق بين الدخول والخروج، بعد بضع دقائق هز انفجار هائل مخازن المجموعة وأحرقت ألسنة النار المكان، بما في ذلك الغطاء الأساس المخصص للمفاعل، الذي من المفترض أن تمر من خلاله أنابيب مياه التبريد.
بعد ساعات قليلة؛ أعلن المتحدث باسم مجموعة: “الخضر الفرنسيين”، مسؤوليتها عن الانفجار بحجة حماية البيئة، إلا أن الشرطة الفرنسية توصلت لاستنتاج مفاده أن (الموساد) قد قام بالعملية.
وعلى الفور؛ أوعز “صدام”، لعلمائه، بعدم تأخير التقدم في المشروع بأي شكل من الأشكال وأرسل وزير دفاعه، “عدنان خيرالله”، إلى “باريس”، مطالبًا الفرنسيين بإصلاح الأضرار وإرسالها على الفور إلى “العراق”.
أكثر عدوانية في تعقب العلماء..
كانت تعليمات “صدام”، سريعة وواضحة، هنا أوصى رئيس الوزراء الإسرائيلي، “مناحيم بيغن”، بالانتقال إلى أساليب أكثر عدوانية، وهنا بدأ تعقب العلماء العراقيين.
لم يفهم القادة العسكريون أي شيء من المواد التي تم جمعها، لكن سرعان ما ظهرت أسماء العلماء العراقيين الذين كان (الموساد) يبحث عنهم، وعلى رأس القائمة: “حيدر حمزة” و”جعفر ضياء جعفر”، وهذا الأخير كان عقل المشروع، وأهم عالم حاصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء من جامعة “مانشستر”؛ وعمل باحثًا في معهد الفيزياء النووية، في “إمبريال كوليدغ”، في “لندن”، كما أستعان “العراق” بعلماء مصريين؛ أهمهم: “يحيى المشد”، خريج قسم الفيزياء النووية من جامعة “الإسكندرية”، وكان يتنقل باستمرار بين “مصر” و”العراق”، حيث بدأ (الموساد) يتتبع تحركاته، في “فرنسا”، إلى أن تمت تصفيته على يد ضابط ومقاتل من (الموساد) باستخدام منفضة سجائر من الزجاج داخل غرفته في الفندق.
أما المهندس العراقي البارز، “عبدالرحمن رسول”، الذي أدار الجزء المدني من المشروع، وبعد أن حضر مؤتمرًا رسميًا لـ”الوكالة الفرنسية للطاقة الذرية”، مباشرة بعد حفل الكوكتيل والاستقبال الرسمي أصيب بما بدا كأنه تسمم غذائي توفي بعدها بخمسة أيام في المستشفى، في “باريس”، وفشل التشريح في تحديد سبب الوفاة.
وأدت هذه الحوادث لتأخير المشروع، نحو عام ونصف العام، لكن “صدام” عزم على تنفيذ المشروع إلى النهاية.
الإصرار على “أوبرا” حتى النهاية..
وخوفًا من أن يكون لدى “صدام” أسلحة نووية قابلة للتشغيل ووسائل لإطلاقها، حتى نهاية العقد، بدأت “إسرائيل” تستعد لتنفيذ عملية (أوبرا).
التقى مسؤولون في (الموساد) مع طيارين في سلاح الجو، بعد أن حصل (الموساد) على صور جوية من خلال موظف كان جاسوسًا لـ”إسرائيل”، في قلب المشروع استخدم مروحية لإلتقاط الصور.
الخلافات داخل الحكومة الإسرائيلية؛ كانت على أشدها، حتى أن “بيغن” توقف عن دعوة رئيس لجنة الطاقة الذرية، “عوزي عيلام”، فقام أحد مساعدي، “عيلام”، البروفسور “عوزي إيفين”، بتسريب خطة الهجوم إلى زعيم المعارضة، في ذلك الوقت، “شمعون بيريز”، والذي حاول منع العملية، المخطط لها في اليوم التالي، فأرسل لـ”بيغن” ملاحظة بخط صغير كتب فيها: “أشعر هذا الصباح؛ بأن من واجبي أن أنصحك بكل جدية بالإمتناع عن القيام بذلك…”.
كان “بيريز”؛ يخشى من الهجوم على “العراق”، وأن أي عملية ضد “العراق” ستجعل “إسرائيل” معزولة عالميًا، لكن “بيغن”، ورئيس هيئة الأركان، “رافائيل إيتان”، (رافول)، رفضا أي حجة.
وحسب أقوال “بالمور”؛ فإن المستوى السياسي والأمني في “إسرائيل” كان يعتقد أنه يجب مهاجمة المفاعل في أسرع وقت قبل أن يصبح ساخنًا، أي قبل أن تصل قضبان الوقود.
في يوم 4 من حزيران/يونيو عام 1981، تم إلغاء عطلة: “نزول التوراة”، وأخبار الجميع أن مرافق الوحدة كافة ستكون مغلقة تمامًا أمام الدخول والخروج، وتم إصدار أمر بمضاعفة الورديات.
يوم 7 من حزيران/يونيو، عند الساعة 4 مساءً، أقلعت ثماني طائرات من طراز (أف-16)، من “مطار عتصيون”، في “سيناء”، لمهاجمة المفاعل، وأقلعت خمس طائرات أخرى من طراز (أف-15)، إلى جانب 60 طائرة أخرى شاركت في العملية، بما في ذلك طائرات (بوينغ) للتزود بالوقود ولتسهيل الاتصالات بين القيادة والاستخبارات، وطائرة (هليكوبتر) مروحية للدعم في حال الإشتباك أو الحاجة لإنقاذ طيارين.
كان الهدف هو تدمير كامل للمفاعل وتدمير البركة الداخلية التي من المفترض أن تستثمر فيها قضبان (اليورانيوم).
حلقت الطائرات المهاجمة على ارتفاع أقل من 300 قدم للتهرب من أنظمة الرادار في: “الأردن” و”السعودية” و”العراق”، وأجتازت مسافة: 1100 كيلومتر، تم اختيارها بعناية شمال، “المملكة العربية السعودية”، وجنوب “الأردن”، مرت بطريق الخطأ فوق يخت العاهل الأردني، الملك “حسين”، الذي كان على متنه في “خليج العقبة”، الذي لاحظ الطائرات، وفهم بأي اتجاه كانت تطير، لكن من غير المعروف ما إذا كان قد أبلغ السعوديين أو العراقيين.
وصلت الطائرات إلى وجهتها عند غروب الشمس، حوالي الـ 5:30 مساء من ذلك اليوم، عندها أرتفعت طائرات (أف-16) إلى: 10000 قدم، وأجرت مناورات متدحرجة، وفقًا لآليات القصف التي تم تكييفها لاختراق قبة المفاعل، وقصفت المفاعل بزاوية: 35 درجة… كل طائرة أسقطت قنبلتين بوزن طن، تم تصميم نصف القنابل لتنفجر عند ملامستها لقبة المفاعل ونصفها الآخر لتنفجر عند توغلها في عمق الهيكل، واخترقت 12 قنبلة من أصل 16، أصاب 7 من أصل 8 طيارين الهدف.
عند منتصف تلك الليلة؛ تم فك رموز شرائط الكاميرا الموجودة أسفل أجنحة الطائرات التي أظهرت أضرارًا جسيمة في موقع المفاعل، ووزع قادة المستوى السياسي والاستخبارات بيانًا مفاده: “أن المفاعل دمر بالكامل”.
بعد ثلاثة أسابيع من العملية، أحتفل “بيغن” بفوزه في الانتخابات العامة، وبعد شهر ونصف الشهر تم تفكيك الفريق وغادر الجنود الوحدة، وأصبح “صدام” أكثر تصميمًا على تحقيق هدفه، وتحول مشروع بقيمة: 400 مليون دولار مشروعًا بـ 10 مليارات دولار، و400 عالم أصبحوا 7000.