خاص : كتبت – نشوى الحفني :
بعد سنوات من الحرب والإرهاب والصراع الدائم لتنظيم (داعش) في “العراق” و”سوريا”، والتي إنتهت بطرده من معاقله، أعلن تنظيم (داعش)، لأول مرة، عن تأسيس “ولاية” له في “الهند”، بعد مقتل مسلح يقال إنه على صلة بالتنظيم في إشتباك بين مسلحين وقوات الأمن في إقليم “كشمير”؛ المتنازع عليه.
وأعلنت وكالة (أعماق)، التابعة للتنظيم، مساء الجمعة الماضي، قيام الولاية الجديدة باسم (ولاية الهند)، موضحًة أن التنظيم أوقع ضحايا من قوات “الجيش الهندي” في بلدة “أمشيبورا”، في منطقة “شوبيان” في “كشمير”. ويتفق بيان تنظيم (داعش) مع بيان أصدرته الشرطة الهندية، ذكرت فيه أن مسلحًا يدعى، “إشفاق أحمد صوفي”، قُتل في إشتباك في “شوبيان”.
وأنضم “صوفي” لعدة جماعات مسلحة في “كشمير”، على مدى أكثر من 10 سنوات، قبل مبايعته لـ (داعش)، حسبما أفاد مسؤول عسكري، يوم السبت، وأيضًا كما ورد في مقابلة مع “صوفي” أجرتها مجلة مقرها “سريناغار” تؤيد فكر (داعش).
وقالت مصادر من الشرطة والجيش إن الشبهات كانت تدور حوله في عدة هجمات بالقنابل اليدوية استهدفت قوات الأمن في المنطقة.
وتُعد هذه المرة الأولى التي يعلن فيها التنظيم وجود موطيء قدم له في الإقليم، وفقما ذكرت صحيفة (تايمز) البريطانية.
وجاء هذا التطور؛ بعد أقل من شهر من إعلان تنظيم (داعش) الإرهابي مسؤوليته عن التفجيرات الانتحارية التي استهدفت فنادق وكنائس في “سريلانكا” المجاورة، وأسفرت عن مقتل أكثر من 250 شخصًا في “عيد الفصح”.
وقالت قوات الأمن السريلانكية إن بعض منفذي التفجيرات زاروا “كشمير” للتدريب، وهو ما نفاه مسؤولون أمنيون من “الهند”.
مخاوف من اعتبار إقليم “كشمير” هدف للتنظيم..
لكن الهجوم أثار مخاوف من أن يسعى (داعش) للحصول على أراض في جنوب آسيا، مع اعتبار إقليم “كشمير” هدفًا واضحًا للتنظيم.
وأعلن تنظيم (داعش) عن نيته التوسع في “كشمير”، في عام 2016، وتشكيل جماعة جديدة تحت اسم (داعش في غامو وكشمير).
وقال مسؤولون أمنيون هنود؛ إن إعلان (داعش) عن (ولاية الهند) لا يعدو أن يكون “دعاية” للتنظيم، وأضافوا أن التنظيم “ليس له أي علاقة في كشمير”.
يسعى لجذب العناصر السلفية..
ونفت الحكومة الهندية وجود مسلحين من تنظيم (داعش) الإرهابي في إقليم “كشمير”، لكن مراقبين يرون أن المنطقة التي تشهد اضطرابات باستمرار تُعد أرضًا خصبة لتجنيد المتشددين.
ورأى آخرون إنه في إطار العلاقة التنافسية بين (داعش) وتنظيم (القاعدة)، فإن التنظيم يسعى كذلك، من خلال إعلان (ولاية الهند)، ولاحقًا (ولاية إفريقيا)، إلى جذب المزيد من العناصر السلفية الجهادية للإنضمام لصفوفه.
محاولة لإعادة تنظيم نفسه..
تعليقًا على إعلان (داعش)؛ تساءلت وحدة اللغة الأردية بمرصد “الأزهر”، هل يكون البيان محاولة من التنظيم لإعادة ترميم نفسه وإحياء الروح في نفوس “وحوشه التي تشردت وتفرقت”، وبات الحديث يتكرر حول مصيرهم، وحول عودة بعضهم لبلدانهم الأصلية، واختفاء بعضهم الآخر بشكل غامض ؟!.. أم مجرد إعلان يبطن بعض التهديدات الخاوية التي لا تعني إلا شعور بالإنهزام ومحاولة للبقاء ؟..
لا يعلن دون وجود النفوذ..
من جهته؛ قال الدكتور “محمد جمعة”، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية بـ”مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية”، إن التنظيم الإرهابي يسعى إلى تعويض خسارته الكبيرة لمعاقله الرئيسة، في “سوريا” و”العراق”، والتخفيف من وطأة الخسائر، ومحاولة أيضًا استعادة مكانته الروحية لدى أتباعه.
وأكد “جمعة” على أن توقيت إعلان (ولاية الهند) مرتبط بشهر رمضان، حيث يسعى التنظيم في هذا الشهر من كل عام إلى طرح إستراتيجيات جديدة للتنظيم أو إعلان ولايات جديدة في مناطق مختلفة أو تكثيف هجماته الإرهابية في مواقع مختلفة.
وأوضح قائلًا: “يرتبط شهر رمضان، في التاريخ الإسلامي، بعدد من الانتصارات الكبيرة للمسلمين؛ لذا يسعى التنظيم إلى تكريس مناسبة الشهر الفضيل في الإدعاء والزعم بتحقيق انتصارات”.
وأستدل الخبير في شؤون الحركات الإسلامية بإعلان أمير تنظيم (داعش)، “أبوبكر البغدادي”، الخلافة في اليوم الأول من رمضان، عام 2014، وإتساع هجمات التنظيم ضد الشيعة في “العراق” وغيره؛ خلال الشهر نفسه، في 2015؛ لتعميق حالة الإستقطاب، وفي 2016 كانت محاولاته في رمضان للتأثير والتمدد عبر هجماته ضد الغرب، وإعلانه هذا العام ولاية جديدة في شبه القارة الهندية.
وأشار “جمعة” إلى أن التنظيم لا يعلن عن ولاية جديدة في إحدى الدول، وآخرها “الهند”، دون أن يكون له نفوذ بها، والقدرة على البقاء، دون أن يستبعد في الوقت ذاته إعلان التنظيم ولاية جديدة له في “إفريقيا”، خلال رمضان الجاري، تحت لافتة دولة الخلافة المزعومة، لكنه لم يحدد موقعها في القارة السمراء، مرجحًا شن التنظيم هجمات إرهابية في “إفريقيا” خلال الفترة المُقبلة.
وقال “جمعة” إن “داعش” يحاول أن يعطي باستمرار إنطباعًا بأن التنظيم لم ينهَرْ ولا يزال بمقدوره التوسع والتمدد في مناطق مختلفة، سواء في آسيا أو إفريقيا، في آن واحد.
ولفت إلى أن اختيار “كشمير” يرجع إلى محاولة استثمار الاسم في الدعاية والشو الإعلامي له، للزعم بأنه يسعى لنصرة قضايا المسلمين والمستضعفين في الإقليم.
أسباب ساعدت “داعش” في التمدد..
فيما أشار، الدكتور “أحمد قنديل”، الخبير في الشأن الآسيوي بـ”مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية”، إلى مجموعة من العوامل ساعدت تنظيم (داعش) على التمدد والتوسع بقوة في إقليم “كشمير”، وإعلان ولايته الجديدة؛ أبرزها الفراغ الأمني، وضعف الرقابة والقبضة الأمنية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة بسبب عدم وجود فرص ومشروعات تنموية حقيقية؛ بسبب هروب المستثمرين.
وأضاف أن أسهم النزاع السياسي طويل الأمد بين “الهند” و”باكستان”، حول إقليم “كشمير”، الذي تسيطر عليها “نيودلهي” فعليًا، ساهمت في السماح لـ (داعش) بإنتهاز الفرصة واستغلال مشاعر الغضب لدى المسلمين بالإقليم ضد “الهند”، إلى جذب عناصر جديدة للتنظيم.
لتخريب مبادرة “الحزام والطريق”..
ولم يستبعد “قنديل”، في الوقت ذاته، وجود علاقة بين “مبادرة الحزام والطريق”، بـ”الصين”، والتمدد الواسع للتنظيم في الإقليم وإعلان (ولاية الهند).
وأوضح أن: “باكستان محطة مهمة في المبادرة الجديدة، وإقليم كشمير يقع على مسافة قريبة جدًا من طريق الحرير الصيني، وهناك قوى وأطراف دولية، ربما تساند بشكل غير مباشر التنظيمات الإرهابية في الإقليم؛ لتخريب المبادرة الصينية”.
وتابع أنه ربما تسعى هذه الأطراف إلى محاولة عرقلة ووقف النفوذ والنمو الاقتصادي والعسكري الكبير لـ”بكين”، وهو ما قد يفسر وقوع عمليات إرهابية عديدة على خط “طريق الحرير” الصيني، في الفترة الأخيرة.
يُذكر أن الرئيس الصيني، “شي جين بينغ”، كان قد أشاد، في تصريحات أخيرة له، بالتوقيع على اتفاقات تجاوزت قيمتها 64 مليار دولار، خلال قمة “مبادرة الحزام والطريق”، بـ”الصين”، وذلك مع سعيه لطمأنة المتشككين بأن المشروع سيحقق نموًا مستدامًا لكل الدول المشاركة فيه.
مؤكدًا “شي” أن مباديء السوق ستطبق في جميع مشروعات التعاون التي تتضمنها المبادرة التي تهدف إلى إحياء “طريق الحرير” القديم؛ الذي كان يربط بين “الصين” و”آسيا” و”أوروبا”، مضيفًا أن المبادرة ستحقق تنمية ذات مستوى مرتفع وصديقة للبيئة.
وأطلقت “الصين” مبادرتها، في عام 2013، بعنوان (مبادرة الحزام والطريق)؛ إلا أنها حملت اسم (طريق الحرير)، إشارة إلى شبكة الطرق البرية والبحرية التي ربطت بين “الصين” و”أوروبا” مرورًا بـ”الشرق الأوسط”، والتي تعدى طولها 10 آلاف كيلومتر، ويعود تاريخها إلى نحو القرن الثاني قبل الميلاد.
توقعات بمزيد من الهجمات..
وأكد “قنديل” على خطورة تمدد نشاط (داعش)، في آسيا وجنوب شرق آسيا، متوقعًا شن تنظيم (داعش) مزيدًا من العمليات الإرهابية خلال الفترة المقبلة؛ استغلالًا أيضًا لشهر رمضان، مع استمرار الفوضى وعدم الاستقرار والتوتر بالإقليم.
ودعا “قنديل”، الحكومة الهندية الجديدة، عقب إنتهاء الانتخابات الحالية، إلى استئناف المفاوضات بشكل سريع مع “باكستان” لتسوية الصراع الحالي مع “كشمير”، والتعاون بين الدولتين لمواجهة خطر (داعش)، والإنتباه لخطورة تأخر التفاوض السلمي حول الإقليم.