خاص: كتبت- نشوى الحفني:
في الوقت الذي تسعى فيه “طهران”؛ خلال مفاوضاتها النووية غير المباشرة مع “واشنطن”، إلى رفع العقوبات الاقتصادية الخانقة، تُحاول الأخيرة ضمان عدم امتلاك “إيران” للسلاح النووي، وسط غموض يلف آليات التفاوض وحدود التنازلات الممكنة.
ويأتي استئناف الحوار غير المباشر بين الطرفين؛ في وقتٍ تُشير فيه بعض المؤشرات إلى انفراج نسّبي، سواء من خلال تصريحات وسائل الإعلام الإيرانية، أو تحركات الأسواق الداخلية، ما يعكس أهمية هذه المفاوضات وانعكاساتها المباشرة على الداخل الإيراني والمشهد السياسي.
ورأت معظم وسائل الإعلام الإيرانية أن “طهران” تبدو في وضع قوي لإجراء مفاوضات نووية مع “الولايات المتحدة”، بعدما عقد الطرفان جولة ثانية من المحادثات في “روما”؛ السبت.
وأعلنت “واشنطن” و”طهران”، عن تحقيق تقدم، السبت، كما اتفقتا على مواصلة المحادثات في “سلطنة عُمان”.
مرحلة التفاوض المباشر..
وفي السيّاق؛ رأت صحيفة (هام ميهان) الإصلاحية، أن مسألة إطلاق: “مفاوضات مباشرة” ستطرح نفسها، معتبرة في الوقت ذاته أنه: “ليس من المفيد ولا الممكن ولا المنطقي” مواصلة هذه الطريقة: “أثناء مرحلة (تفاوض) الخبراء”.
ويتوقع أن تجري محادثات تقنية بين خبراء إيرانيين وأميركيين؛ الأربعاء، في “عُمان”، قبل المفاوضات التي ستجري السبت بين وزير الخارجية الإيراني؛ “عباس عراقجي”، والمبعوث الأميركي للشرق الأوسط؛ “ستيف ويتكوف”.
انتعاش سوق الأسهم والعُملة..
وفي “إيران”؛ تُحيّي المحادثات الأمل في تحسَّن الوضع بينما تسعى البلاد إلى التوصل إلى رفع العقوبات التي تخنق الاقتصاد.
وقد شهدت سوق الأسهم، السبت، ارتفاعًا “تاريخيًا”، حسبّما أفادت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية؛ (إرنا)، في حين استعادت قيمة العُملة الوطنية بعضًا من قوتها.
ووفق مواقع إيرانية عدة لتعقب سعر الصرف غير الرسمي؛ فقد تم تداول الدولار، الأحد، مقابل حوالي: (830) ألف ريال، مقارنة بأكثر من مليون ريال في بداية نيسان/إبريل؛ أي قبل بدء المفاوضات.
إجبار على التفاوض..
من جانبها؛ عنونت صحيفة (كيهان) المعارضة بشدة لأي تسوية مع “الولايات المتحدة”: “القوة الإيرانية العسكرية أجبرت أميركا على التفاوض”.
وفي الأيام الأخيرة؛ تبنّت الصحيفة المتشدَّدة التي تُعارض إجراء مفاوضات مع “واشنطن”، نبرة أكثر تصالحية.
وكتبت الصحيفة أن: “أميركا.. بحاجة إلينا وإلى المصداقية التي تمنحها إياها المفاوضات مع إيران”.
فرص جديدة تتشكل..
أما صحيفة (شرق) الإصلاحية؛ فرحبت بحذر بتقدم المحادثات، معتبرة أنها تتَّيح: “اكتشافًا تدريجيًا لما يُريده الطرف الآخر”.
وقالت الصحيفة إن البلدين لديهما: “خطوطًا حمرًا”، ولكن: “فرصًا جديدة” تتشّكل.
وتُصّر “إيران” على أن تقتّصر المحادثات على ملفها النووي ورفع العقوبات، معتبرة نفوذها الإقليمي وقدراتها الصاروخية ووقف نشاطاتها النووية بما يشمل الأغراض المدنية: “خطوطًا حمراء”.
أما بالنسبة للرئيس الأميركي؛ “دونالد ترمب”، فإن الخط الأحمر يتمثل في منع “إيران” من امتلاك قنبلة ذرية. وتنفي “طهران” سعيها للحصول على سلاح نووي، وتُدافع عن حقها في امتلاك الطاقة النووية للأغراض المدنية.
تقدم جيد في نتائج “محادثات روما”..
وقال مسؤول أميركي كبير في إدارة “ترمب”؛ إن الاجتماع الذي عُقد في السفارة العُمانية في “روما” أحرز: “تقدمًا جيدًا جدًا” في المفاوضات بشأن برنامج “إيران” النووي، وأن الجانبين اتفقا على عقد جلسة أخرى الأسبوع المقبل.
وكان مسؤولون إيرانيون قد صرحوا؛ في وقتٍ سابق، بأنه ستكون هناك محادثات فنية في “عُمان”، خلال الأيام المقبلة، وأن “ويتكوف” ووزير الخارجية الإيراني؛ “عباس عراقجي”، سيلتقيان مجددًا في 26 نيسان/إبريل.
وقال “عراقجي”؛ للتلفزيون الإيراني الرسمي، إن: “المحادثات جرت في أجواء بناءة، ويُمكنني القول إنها تمضي قدمًا. آمل أن نكون في وضع أفضل بعد المحادثات الفنية”.
وأضاف: “لقد نجحنا هذه المرة في التوصل إلى فهم أفضل لنوع من المباديء والأهداف”.
تُعيّد تشكيل منطقة الشرق الأوسط..
وفي تعليقه؛ قال “كامران بخاري”، الأكاديمي المتخصص في شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية في جامعة (أوتاوا)، إن المفاوضات الدبلوماسية لإدارة الرئيس؛ “دونالد ترمب”، مع “إيران” تتجاوز منع الانتشار النووي، فكل ما سيحدث سيكون له تداعيات هائلة على “طهران”، في وقتٍ يقف فيه النظام على أعتاب مرحلة انتقالية حرجة في القيادة.
وأضاف الكاتب في موقع (جيوبوليتيكال فيوتشرز) البحثي الأميركي: تُعدّ المحادثات “الأميركية-الإيرانية”، من نواحٍ عديدة، أكثر صعوبة من الجهود المبذولة لإنهاء الحرب “الروسية-الأوكرانية”. وبغض النظر عن نتائجها، فإنها ستُعيّد تشكيل منطقة الشرق الأوسط، وسيكون لها أصداء في جميع أنحاء “أوراسيا”.
في 15 نيسان/إبريل؛ دعا المبعوث الخاص للرئيس الأميركي؛ “دونالد ترمب”، إلى الشرق الأوسط؛ “ستيف ويتكوف”، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، “إيران” إلى إلغاء برنامجها لتخصّيب (اليورانيوم).
وقبل ذلك بيوم؛ عقب اجتماع مع وزير الخارجية الإيراني؛ “عباس عراقجي”، في “عُمان”، صرح لقناة (فوكس نيوز)، أن الإدارة الأميركية تسعى إلى فرض قيود على قدرات “إيران” في مجال التخصّيب، دون تفكيك برنامجها بالكامل.
وجاء هذا التحول في الخطاب الدبلوماسي بعد اجتماع صاخب في “البيت الأبيض” ضم “ويتكوف”، ونائب الرئيس؛ “جاي. دي. فانس”، ووزير الخارجية؛ “ماركو روبيو”، ووزير الدفاع؛ “بيت هيغسيث”، ومستشار الأمن القومي؛ “مايك والتز”، ومدير وكالة المخابرات المركزية؛ “جون راتكليف”.
وحسّب تقرير لموقع (أكسيوس)؛ فإن “فانس وهيغسيث وويتكوف” يُفضلون التوصل إلى حل وسط لتأمين اتفاق بينما يُطالب “روبيو ووالتز” بالتفكيك الكامل.
لن يُزيل خطر تقدم إيران النووي..
ويعكس الخلاف داخل “البيت الأبيض”؛ في عهد “ترمب”، توترات استراتيجية أعمق. فباديء ذي بدء، فإن الاتفاق الذي يُقيّد التخصيّب في الوقت الحالي لن يُزيل خطر تجاوز “إيران” العتبة النووية بمرور الوقت.
ولا يستطيع مفتشو “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” فعل الكثير لمراقبة أنشطة نظام مصمم على امتلاك أسلحة نووية. إن المقترحات المتعلقة بالمفتشين الأميركيين غير عملية، في ظل ما يقرب من نصف قرن من العداء بين البلدين.
استمرار طرح الخيار العسكري..
بالإضافة إلى ذلك؛ يظل الخيار العسكري مطروحًا على الطاولة، لكنه يتعارض مع هدف “ترمب” المُعلن المتمثل في تجنب: “الحروب الأبدية”، خاصة في الشرق الأوسط.
والأهم من ذلك؛ حسّب الباحث، أن النظام الدولي غير مستقر بالفعل في ظل قيام إدارة “ترمب” بإصلاح السياسة الخارجية الأميركية. وآخر ما تُريده “واشنطن” هو الانجرار مرة أخرى إلى الشرق الأوسط – مثل العديد من الإدارات السابقة – بدلًا من التركيز على سبُل مواجهة الصعود الجيواقتصادي والتكنولوجي لـ”الصين”.
اقتصاد ضعيف وسخط شعبي..
وتابع الكاتب أن تجنب الحرب يكتسب أهمية أكبر بالنسبة لـ”إيران”؛ التي تمّر بأضعف فترة لها منذ عام 1979. واقتصادها في حالة يُرثى له والسخط الشعبي في أعلى مستوياته على الإطلاق. ومن المُرجّح أن تؤدي الضربة الأميركية إلى تدمير المنشآت النووية الإيرانية وقد تؤدي إلى الانهيار النهائي للنظام نفسه. بحسب مزعمه.
وعندما توصلت “طهران” إلى “الاتفاق النووي”؛ لعام 2015، مع إدارة “أوباما”، كانت تأمل في أنها وجدت توازنًا بين سياستها الخارجية الطموحة واحتواء المعارضة في الداخل. لكنها تخلت عن هذا التصور عندما ألغت إدارة “ترمب” الأولى الاتفاق في عام 2018؛ واستبدلته بسياسة “الضغط الأقصى”. وحاولت “إيران” إحياء الاتفاق خلال إدارة “بايدن”، لكن “البيت الأبيض” عارض ذلك سياسيًا.
ثم تدهورت الأمور. أدى دعم “إيران” لهجوم (حماس) على “إسرائيل”، عام 2023، إلى تداعيات خطيرة؛ إذ دمّرت القوات الإسرائيلية قيادة (حزب الله) وقدراته الهجومية، وانهار نظام “الأسد” في “سورية”.
وأضعف هذا الأمر “إيران” إقليميًا وعرّض دفاعاتها الجوية للضربات الإسرائيلية الانتقامية. وأدّت هذه الأحداث إلى تفاقم الانقسامات الداخلية في النظام الإيراني وقلّصت نفوذه الإقليمي، وحوّلت تركيزه إلى الدفاع عن سيطرته على “العراق”. كما يواصل “بخاري” مقاله الدعائي المضلل.
قمع المعارضة وصراع القيادة..
كما يواجه النظام الإيراني صعوبة متزايدة في قمع المعارضة الشعبية، ومع اقتراب نهاية حكم المرشد الأعلى؛ “علي خامنئي”، من المُرجّح أن يحل الجيش محل رجال الدين في قيادة النظام المنقسّم في حد ذاته بين (الحرس الثوري) الإيديولوجي والجيش الأكثر احترافية؛ (القوات المسلحة النظامية).
وهذا ترتيب هش على مستوى القيادة، على أقل تقدير. وتخشى “طهران” من أن يؤدي موت “خامنئي” إلى انتفاضة شعبية خلال انتقال السلطة. لذلك، تسعى إلى تخفيف العقوبات لتحسّين أوضاعها الداخلية قبل أزمة الخلافة.
ولفت الكاتب الغربي النظر؛ ضمن مزاعمه المضللة، إلى أن المحافظة على النظام كانت هي الهدف الأساس لـ”إيران”، التي لم تتجاوز مرحلة البقاء بسبب ضعف الإيديولوجية وفشل الاقتصاد الناتج عن المواجهة مع “الولايات المتحدة” والمنطقة.
في غضون ذلك؛ ستستمر المفاوضات الفنية والسياسية ببطء. وفي أفضل السيناريوهات، سيؤدي التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض إلى سد الطريق أمام امتلاك “إيران” للأسلحة النووية مقابل تخفيف محدود للعقوبات. ولكن مهما حدث، فإن البيئة الاستراتيجية لـ”إيران” على وشك تغييّر دراماتيكي، حسّب ادعاءات الكاتب.