20 أبريل، 2024 4:36 م
Search
Close this search box.

“الفلفل الحار” الطريق إلى “نوبل” في الطب 2021 .. هل أصبحنا الآن قادرين على تسكين الألم ؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

وكالات – كتابات :

في الرابع من تشرين أول/أكتوبر 2021؛ أعلنت “الأكاديمية الملكية السويدية”؛ أسماء الفائزين بجائزة “نوبل” في مجال علم وظائف الأعضاء أو “الطب” لعام 2021، والتي كانت من نصيب الأميركيين: “ديفيد غوليوس”؛ و”أردم باتابوتيان”، وقد حصل العالمان على الجائزة نتيجة عملٍ مشتركٍ بينها كانت نتيجته اكتشاف مستقبلات درجة الحرارة واللمس في جسم الإنسان من خلال النبضات العصبية.

وقبل التوصل إلى هذا الإنجاز، كان العلماء يفهمون آلية عمل حاسة اللمس، لكنهم لم يدركوا مصدرها في “الغينوم”، وبالتالي لم يتمكنوا من تحديد السبب وراء حدوثها، ولذلك لم تصل الأدوية المُسكِّنة إلى التطور الكافي لتخليص البشر من جميع آلامهم بسهولة، لذا يُعد الإنجاز الطبي الجديد خطوةً فارقةً في مسيرة الطب الحديث، ويسعى هذا التقرير لشرح ما قدمه العالمان وكيف سيساعدنا إنجازهم في تجنب الألم.

في العلم: الأشياء التي نأخذها أمرًا مسلمًا به تستحق الكثير من الاهتمام..

إذا تناولت الطعام في صحبة طبيب وأكلت فلفلًا حارًّا، سيُدرك الطبيب سبب شعورك بالألم، وهو مركب “الكابسيسين” الموجود في الفلفل، والذي يحفز الاستجابات العصبية في فمك فترسل على الفور إشارات كهربية عصبية للمخ، والتي تترجم إلى شعور بالألم، لكن الطبيب لن يعرف آلية حدوث هذا التواصل بين المؤثرات الخارجية، (الفلفل)، ولسانك؛ (صاحب الإشارات الكهربية الموجهة لاستجابات الجهاز العصبي)، ولن يعرف أيضًا كيف يتم تحويل المحفزات المختلفة مثل درجة الحرارة أو الضغط لإشارة كهربية بالجهاز العصبي.

فحتى وقتٍ قريبٍ، لم يكن علماء الأحياء والأطباء يعلمون ما هو الجين المسؤول عن حواس البشر الخاصة باللمس، بل كان يجري التعامل معه بوصفه من المسلمات، وعن ذلك يقول عالم الأحياء، “آردم باتابوتيان”، الحاصل على جائزة “نوبل” في الطب لهذا العام: “في العلم؛ في كثير من الأحيان، تكون الأشياء التي نأخذها أمرًا مسلمًا به تستحق الكثير من الاهتمام”.

ويتكون “الغينوم” البشري، وهو ما يُعرف باسم الـ (DNA)، من مجموعة كبيرة من الجينات قد تصل إلى: 100 ألف جين، كل جين منها مسؤول عن دور مهم في تكوين الشكل الخارجي والداخلي للإنسان، بجانب مسؤولية بعض الجينات عن آلية عمل الأعضاء الحيوية في الجسم.

ومن المعروف في علم الأحياء أن الجينات تنتقل من جيلٍ لجيلٍ، ولذلك إذا كان الجين الخاص بآلية عمل “البنكرياس” في جسد الأب به خلل أدى إلى إصابته بمرض “السكري”، فهذا الجين من المرجح أن ينتقل إلى الجيل الثاني، (الابن)، إذ سيرث عن الأب الجين نفسه، بالمرض نفسه.

وعلى الرغم من أنه من المهم فهم عمل الجينات ومسؤوليتها عن آلية عمل الحواس في الجسد، من أجل إدراك كيف يمكن السيطرة على تلك الآلية في حالة حدوث أي خلل أو مشكلات في أدائها، فإن العلماء لم يتمكنوا من استكشاف جميع الجينات، لذا يُعد الإنجاز الذي حققه كلٌّ من، “ديفيد” و”أردم”، الحاصلين على جائزة “نوبل” في الطب لهذا العام؛ ضروريًّا للغاية في تقدم علم وظائف الأعضاء.

كيف تطور فهم البشر للحواس ؟

في القرن السابع عشر؛ تصوَّر الفيلسوف، “رينيه ديكارت”، وجود خيوط تربط بين أجزاء الجسم المختلفة وما بين الدماغ، وبهذه الطريقة عندما يلمس الجسد سطح ساخن، ترسل تلك الخيوط إشارة إلى المخ فيشعر الإنسان بالألم تحذيرًا له، ولذلك تُعد تلك حاسة اللمس والشعور بالحرارة واحدة من أهم الحواس التي تُعد ضرورة لبقاء الجنس البشري، وتدعم تفاعله مع محيطه الخارجي.

منذ ذلك الحين استمرت الأبحاث، ولكن لم يجر التوصل إلى كشفٍ مهمٍ جديد عن الجهاز العصبي؛ حتى عام 1944، حين حصل العالمان: “جوزيف إرلانغر” و”هربرت غاسر”؛ على جائزة “نوبل” في الطب؛ لاكتشافهما أنواعًا مختلفة من الألياف العصبية الحسية التي تتفاعل مع محفزات مميزة، مثل الاستجابة للمس المؤلم؛ (شعور القدم بالألم عند الاصطدام بصخرة مدببة، على سبيل المثال)، وغير المؤلم؛ (الدفء الذي يشعر به الجسد عند معانقة شخصٍ عزيزٍ، مثلًا).

حينذاك ثبت أن الخلايا العصبية متخصصة للغاية في الكشف عن أنواع مختلفة من المحفزات وتحويلها، مما يسمح بإدراك دقيق لمحيطنا؛ مثل قدرتنا على الشعور بالاختلافات في نسيج الأسطح من خلال أطراف أصابعنا، والذي يتجسد في قدرتنا على التفريق بين الملمس الخشن والناعم، أو قدرتنا على تمييز كلٍّ من الدفء الممتع والحرارة المؤلمة.

ولكن حتى مع هذا الإنجاز المهم، في أربعينيات القرن الماضي، كان فهمنا لكيفية استشعار الجهاز العصبي لبيئتنا وتفسيره لها، لا يزال يتضمن سؤالًا أساسيًّا بلا إجابة: كيف يتم تحويل درجة الحرارة والمحفزات الميكانيكية إلى نبضات كهربائية في الجهاز العصبي ؟.. وهو ما وفرت اكتشافات: “ديفيد غوليوس” و”أردم باتابوتيان”؛ إجابات علمية عنه.

هل سنتمكن بعد الاكتشاف الحائز على “نوبل” في الطب 2021 من علاج الألم المزمن للأبد ؟

لم تكن المعضلة العلمية المتعلقة بالجين المسؤول عن الألم قد حُلَّت إلى أن جاء: “ديفيد” و”أردم”؛ وقدما الحل للمجتمع الطبي، فعبر استخدام “الفلفل الحار” في تجاربهما، عكف: “ديفيد غوليوس” وزملاؤه، منذ تسعينيات القرن الماضي؛ على دراسة وبحث الجينات التي تستثار عند الشعور بالألم والحرارة واللمس، بهدف الوصول للجين الذي يستجيب لمادة “الكابسيسين”، في “الفلفل الحار”، الذي يتسبب في خلق الشعور بالألم عند تناوله، أما “أردم”؛ فكان يبحث عن البروتينات المسؤولة عن استجابات الضغط المختلفة مثل الإحساس بالهواء على الجلد أو وخز الإبرة.

بدأ “ديفيد”؛ أبحاثه بالعمل على استجابة الخلايا لمادة “الكابسيسين”، وكثَّف تركيزه على مجموعة من الجينات الخاصة المرتبطة بالإحساس بالحرارة والألم، وظل يختبر كل جين على حدة، ومدى حساسية استجابة كل جين لمادة “الكابسيسين”، حتى توصل إلى الجين الذي يتحكم في بروتين يُسمى: (TRPV1)، وهو البروتين الذي يتفاعل مع مادة “الكابسيسين” والحرارة عن طريق تدفق الأيونات للخلايا العصبية.

وبهذا استطاع “غوليوس”؛ التوصل إلى الجين والبروتين اللذَين يتحكمان كليًّا في إحساس البشر بالحرارة واللمس، والذي يندرج تحت بندهم جميع أنواع الألم الذي يشعر به جسم الإنسان، وتأكد من صحة هذا الكشف عن طريق تجاربه على الفئران، إذ توصل إلى أن الفئران التي لا تملك الجين المكتشف لا تستجيب لمادة “الكابسيسين”، الموجودة في “الفلفل الحار”؛ ولا لدرجة الحرارة أيضًا.

وبعد أعوام من اكتشاف، “غوليوس”، بدأ العمل المشترك مع العالم، “أردم باتابوتيان”، إذ توصلا إلى قناة عصبية لها صلة بالإحساس بالبرودة ومادة “المنثول”، وهي المادة التي تُشعرك بالانتعاش عند تناولك علكة بالنعناع، واستخدم العالِمان تلك الصلة لدراسة كيفية استجابة الخلايا لدرجات الحرارة المنخفضة، وأثمرت جهودهما البحثية في هذا الصدد عن اكتشاف قناة عصبية أخرى، تدعى قناة: (TRPM8)؛ والتي يمكن تحفيزها بالبرودة.

وجاءت الخطوة التالية لهذا الاكتشاف من جانب العالِم “أردم”، عندما عكف على دراسة مستشعرات الضغط في جسم الإنسان مثل الشعور بالعناق أو وخز الإبر، وبعد: 71 محاولةً فاشلةً، توصَّل عالم الأحياء إلى الجين الصحيح؛ وأطلق عليه اسم: (Piezo1).

وبعد فترة اكتشفا قناة ثانية أطلقا عليها اسم: (Piezo2)، وكلتا القناتين يجري تنشطيهما للاستجابة للضغط على أغشية الخلايا، وأوضحت الأبحاث المتلاحقة لفريق العمل تحت إشراف العالِمين الدور المهم الذي تلعبه تلك القنوات في تنظيم ضغط الدم والتنفس وتنظيم عملية التبول مع شعور المثانة بضغط البول.

“مايكل كاتارينا”، عالم الأعصاب بكلية الطب التابعة لجامعة “جونز هوبكنز”، في مدينة “بالتيمور”، بولاية “ميريلاند”، علق على هذا الاكتشاف قائلًا: “الحق أن، ديفيد غوليوس؛ وأردم باتابوتيان؛ كليهما قد أسهما في تشكيل وعينا ببيولوجيا الحواس، وأعتقد أن قرار مكافأتهما عن ذلك هو قرار رائع بحق”.

وكان “ديفيد غوليوس” يقول أثناء عمله على الأبحاث: “أعتقد أن أحد أهم تأثيرات أبحاثنا هو تسهيل الطريق نحو الكشف عن إستراتيجيات جديدة لمعالجة اضطرابات الألم المزمن والمستمر”، وإلى جانب ذلك ستكون تلك الإستراتيجيات أقل ضررًا من العقاقير المسكنة الأفيونية والتي تجعل مستخدمها يتعرض للإدمان، والخمول وعدم القدرة على الحركة، بجانب مخاطر صحية على القلب وعملية التنفس مع الاستخدام المستمر.

وقد جاء في إعلان الجائزة، على لسان، “نيلس جوران لارسون”، رئيس لجنة “نوبل”، أن: “هناك العديد من المشكلات الطبية التي تُسبب الشعور بالألم، ومن المؤكَّد أن هذه المستقبلات سوف تكون أهدافًا لأدوية علاج الألم التي سيجري تطويرها في المستقبل”، إذ يفتح هذا الكشف آفاقًا بحثية جديدة أمام المختبرات حول العالم، للتوصل إلى عقاقير قد تقضي على الآلام المزمنة للأبد.

تخيَّل ألا يشعر مريض السرطان، أثناء علاجه الكيماوي بأي ألم، وتخيل ضحايا الحوادث، خاصةً الحرائق، وهم يمرون برحلة علاجهم من دون الشعور بأي ألم على الإطلاق، والأمر نفسه مع الخاضعين للعمليات الجراحية المعقدة، هذا ما فتحت له الباب اكتشافات العالِمين، إذ فتحت المجال لتطوير العقاقير المسكنة لتصبح فعَّالة للدرجة التي لا يشعر معها المريض بأي ألم بعد الجراحة، لم يُعد هذا مجرد حلم، بل أمر ممكن وإن كان يتطلب المزيد من العمل، فالمعلومات التي قدمها العالمان الفائزان بجائزة “نوبل” في الطب هذا العام 2021، سمحت أخيرًا بأن نتحرر من الألم.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب