خاص : كتبت – نشوى الحفني :
“الفساد”.. كلمة السر في الاحتجاجات العراقية الشعبية؛ التي إنطلقت منذ أكثر من أسبوع ونتج عنها مئات الوفيات وآلاف الجرحى، والرقم في تزايد بشكل مستمر، بسبب استخدام العنف بشكل مستفز.
وبسبب الفساد، تعهد رئيس البرلمان العراقي، “محمد الحلبوسي”، أمس الأول، بالعمل على “إحالة الأسماء المتورطة في الفساد للمحاكمة العادلة”.
وقال، في مؤتمر صحافي، إنه سيتم “تخصيص مبالغ مالية للعائلات الفقيرة والمحتاجين في العراق”.
وأكد، بعد اجتماع بوفد ممثل للمتظاهرين العراقيين؛ على: “فتح باب التسجيل للعاطلين عن العمل في وزارة الدفاع العراقية”.
وألمح إلى “إقتطاع جزء من رواتب الوظائف العليا لتدريب الكوادر والخريجين في العراق وخارجه”.
وقال إنه سيتم “تفعيل قرارات مجلس الوزراء العراقي فيما يتعلق بحاملي الشهادات”.
وشدد على أن الاجتماع مع وفد المتظاهرين أسفر عن “اتفاق على ضمان حقوق المتقاعدين”.
وأوضح أن: “مشكلة الفساد في العراق تتلخص بعدم إنجاز المشاريع”، وطالب “بتجاوز البيروقراطية لتسريع عملية إنجاز المشاريع في البلاد”.
وأضاف: “تأخرنا كثيرًا في تلبية مطالب المحتجين في العراق”، موضحًا أن: “الفقراء في العراق مسؤولية البرلمان والحكومة وجميع السلطات”، مشيرًا إلى أن: “الفساد والإرهاب خطران متوازيان يهددان الدولة العراقية”.
تنحية ألف موظف بتهمة الفساد..
في السياق ذاته؛ كان “المجلس الأعلى لمكافحة الفساد”، في “العراق”، قد أكد، الخميس الماضي، تنحية ألف موظف متورط في قضايا الإختلاس وهدر المال العام، وفقًا لما نقلته وكالة الأنباء العراقية.
وجاء في بيان نقلته وكالة الأنباء العراقية؛ أن: “المجلس أمر بتنحية ألف موظف بمختلف الدرجات الوظيفية، وبمختلف مؤسسات الدولة عن مواقعهم الوظيفية التي يشغلونها وعدم تسليمهم أي مناصب قيادية عليا أو وسطى مستقبلًا، لما لذلك من إضرار بالدولة ومؤسساتها”.
وإتخذ المجلس قرار التنحية بعد الإطلاع على تقرير “هيئة النزاهة”؛ بخصوص الموظفين الذين صدرت بحقهم أحكام قضائية متعلقة بهدر المال العام أو تعمد الإضرار بالمال العام، أو الإختلاس أو الثراء على حساب المال العام وغيرها من جرائم النزاهة.
وعانت مختلف القطاعات الاقتصادية في “العراق”، خلال الفترة الماضية، من تفشي الفساد والمحسوبية، وفقًا لتقارير صادرة عن مؤسسات دولية.
ووفقًا لمراقبين للشأن العراقي، دفع انتشار الفساد في “بلاد الرافدين”، فئات واسعة من العراقيين، للخروج في مظاهرات للمطالبة بالعدالة الاجتماعية وتوفير حياة كريمة.
يحتل العراق مرتبة عالية في “مؤشر الفساد”..
وبحسب تقرير رسمي لـ”منظمة الشفافية الدولية”، يحتل “العراق” مرتبة متأخرة في “مؤشر مدركات الفساد”، لعام 2018، وهو مؤشر على تراجع مستوى الشفافية والمصداقية في مختلف القطاعات الاقتصادية.
وحصل “العراق” على 18 نقطة، من أصل 100، في التقرير العالمي الذي يرصد 180 اقتصادًا حول العالم، إذ يعني الحصول على 100 نقطة أن الدولة “خالية من الفساد”، بينما تشير نسب إرتفاع الفساد في الدولة التي تقل عن 50 نقطة.
والمؤشر، الذي يتم نشره سنويًا، يقيس حالة الفساد التي يتم إدراكها في أوساط اقتصادية وسياسية وإدارية داخل القطاع العام في 180 اقتصادًا.
ويشهد “العراق”، منذ أكثر من أسبوع، مظاهرات شعبية واسعة، رافضة للفساد والمحسوبية والأوضاع الاقتصادية الصعبة، خلفت 104 قتلى؛ بينهم 8 من القوات الأمنية، و6 آلاف مصاب، وفقًا للمتحدث الرسمي لـ”وزارة الدفاع” العراقية، أمس الأحد.
ومنذ الإطاحة بنظام الرئيس، “صدام حسين”، إرتفعت حدة الفساد في “العراق” لمستويات غير مسبوقة، ومازالت البلاد تسجل أرقامًا من بين أسوأ الدول في مؤشرات الفساد والحكم.
وبحسب “منظمة الشفافية الدولية”، تتفاقم مخاطر الفساد، ونقص الخبرة في الإدارة العامة، وضعف القدرة على استيعاب تدفق أموال المساعدات، والقضايا الطائفية، وإنعدام الإرادة السياسية لجهود مكافحة الفساد.
التدخل السياسي أفشل مبادرات مكافحة الفساد..
وذكر التقرير أن العراق؛ “على الرغم من تقديمه عددًا من مبادرات مكافحة الفساد، إلا أنها فشلت في توفير إطار نزاهة قوي بما فيه الكفاية؛ بسبب التدخل السياسي، والإفتقار إلى الإرادة السياسية، وضعف المجتمع المدني”.
وأختمت “منظمة الشفافية الدولية”، تقريرها، بأن “العراق” يسجل باستمرار بين أسوأ دول العالم في مختلف مؤشرات الحكم والفساد؛ بسبب توسع الفساد في القطاعين العام والخاص، ما دفع إلى تآكل المؤسسات العامة، ومنع تقديم الخدمات الأساسية بفعالية.
خسارة 450 مليار دولار منذ 2003..
بحسب وسائل الإعلام التي تناولت قضية الفساد في “العراق”، الأيام الماضية، فقد “بلعت” مسيرة الفساد مليارات الدولارات، إذ تفيد التقارير أنه، ومنذ عام 2003، خسرت البلاد جراء عمليات الفساد؛ نحو 450 مليار دولار.
أما البطالة فقد بلغت مستويات متفاقمة، وقدرها “الجهاز المركزي للإحصاء”، في “بغداد”، هذا العام؛ بنحو 23 بالمئة، في حين أعلن “صندوق النقد الدولي”، منتصف العام الماضي، أن معدل بطالة الشباب قد بلغ أكثر من 40 بالمئة.
وبحسب “وزارة العمل والشؤون الاجتماعية” العراقية فإن الموارد النفطية لـ”العراق” تشكل 89 بالمئة من ميزانيته، وتمثل 99 بالمئة من صادراته، لكنها تؤمن 1 بالمئة فقط من الوظائف في العمالة الوطنية.
ورغم أن حجم احتياطيات “النفط” في “العراق” يصل إلى نحو 112 مليار برميل، فإن الفقر يطارد نحو ربع العراقيين، إذ تزيد نسبته عن 22 بالمئة، ويصل في بعض محافظات الجنوب إلى أكثر من 31 بالمئة.
تزايد عجز الموازنة بسبب النفقات المتضخمة..
النفقات المتضخمة خلقت أكبر عجز في الموازنة، إذ بلغت، هذا العام، 23 مليار دولار، ويتوقع أن تزيد عن 30 مليار دولار، بحلول عام 2020، بحسب اللجنة المالية في “مجلس النواب” العراقي.
ويعاني الاقتصاد العراقي مشكلات أخرى كثيرة، كإنعدام الصناعة، وإنهيار البنية التحتية، وضعف أداء القطاع الزراعي، والتجاري، وتفاقم المشكلات الأمنية وضعف قطاع القانون.
قبل أشهر؛ نشر معهد “واشنطن” لدراسات الشرق الأدنى تقرير مطول، قدرت فيه إحدى الدراسات العراقية؛ أن الفساد المالي يستنزف نحو 25 بالمئة من المال العام.
800 ملف فساد كشف منهم قرابة 40 ملف..
وقبل نحو عام، تناولت وسائل الإعلام العراقية حوالي 800 ملف من الفساد، قيد التحقيق.
الحكومة العراقية، كشفت، هذا العام، قرابة 40 ملف جديد عن الفساد، بحسب ما صرح رئيس الوزراء، “عادل عبدالمهدي”، فإن خارطة الفساد تتمثل في مصدرين رئيسيين: الأول في أموال الدولة، والثاني في المال العام أو في الاقتصاد الوطني، فيما تعهد “البرلمان العراقي” بإقرار حزمة تشريعات تتعلق بعمل “هيئة النزاهة” واسترداد أموال الدولة، إضافة إلى إيجاد حلول لمشكلة المشاريع الوهمية والمتعثرة، التي تشمل مدارس ومستشفيات وطرقًا وغيرها.
المحاصصة تعزز الفساد وتقويه..
ووفق تقرير معهد “واشنطن”؛ يتمتع “نظام المحاصصة”، بخصائص سياسية واقتصادية وقانونية تعزز بشكل منهجي، الفساد وتقويه.
فمن الناحية السياسية، تسمح “المحاصصة” بسهولة الوصول إلى الحكومة، إلى جانب تخصيص الوظائف لأشخاص من مناصري الأحزاب السياسية في السلطة.
وبسبب هذا النظام، يعمل أعضاء الحزب في الحكومة لصالح الحزب، بدلًا من الحكومة أو الشعب الذي يمثلونه. وبالتالي، تهتم الجماعات السياسية بشكل أكبر بالتحكم بالإدارات والبقاء فيها بدلًا من الاهتمام بمتابعة أجندة سياسية معينة.
أما من الناحية الاقتصادية، فتكتسب المجموعات السياسية، من خلال “المحاصصة”، سهولة الوصول إلى المال العام وإحتكار الأنشطة الاقتصادية في السوق، حسب تقرير المعهد.
قانون “العفو العام”..
ومن ضمن أبواب الفساد الخلفية، التي انتقدها نواب “البرلمان العراقي”، هو قانون “العفو العام”، الذي أقره البرلمان عام 2016، والذي سمح للكثير من الفاسدين بالهروب خارج “العراق”، والتنصل من جرائمهم التي إرتكبوها بحق المال العام، وما ألحقوا من ضرر بالدولة نتيجة ذلك، دون محاسبتهم، بحسب النائب عن تحالف (البناء)، “حسن شاكر”، الذي أكد أن الكثير من فقرات هذا القانون تتطلب تعديلاً، خاصة ما يتعلق بسارقي المال العام والفاسدين، كما أن “لجنة النزاهة البرلمانية” تعمل على إيجاد صيغة لتعديل القانون بالتعاون مع اللجنة القانونية بـ”البرلمان العراقي”.
ولم تكن التظاهرات الأخيرة هي الأولى من نوعها ضد الفساد في “العراق”، فقد شهدت مدينة “البصرة”، جنوبي البلاد، خلال صيف 2018، مظاهرات مشابهة نددت بسوء الخدمات العامة والفساد، وطالبت بفرص عمل وإصلاحات في أجهزة الحكومة.