خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
الأنظمة السياسية القائمة على الهوية العرقية أو الدينية؛ تحتاج في الأغلب للتهديدات الخارجية، بهدف تقوية التلاحم الداخلي، وتبرير العمليات الأمنية، والحفاظ على الشرعية. بحسّب ما استهل “عبد الرضا داوري”؛ تحليله المنشور على موقع (الدبلوماسية الإيرانية).
ولطالما استفادة الحكومة الإسرائيلية التي تشّكلت على أساس “عرقي-ديني” يهودي استثنائي، من التهديدات الخارجية في استمرار بقاءها وشرعيتها الأمنية.
وقد لعبت الحكومات العربية مثل: “مصر وسورية والعراق”، وحتى “منظمة التحرير الفلسطينية”، هذا الدور حتى أوائل التسعينيات. لكن بعد انهيار “الاتحاد السوفياتي”، واندلاع “حرب الخليج” في العام 1991م، وانطلاق مشروع “سلام مدريد وأسلو”، كان على “إسرائيل” مراجعة استراتيجيتها الأمنية، وتقديم عدو جديد؛ بحيث تحولت “إيران” تدريجيًا إلى تهديد تقليدي بالنسبة للكيان الإسرائيلي.
فراغ استراتيجي واستبدال العدو..
– تسببت “حرب الخليج الأولى”؛ عام 1991م، في إقصاء الجيش العراقي عن المعادلات الأمنية الإقليمية.
– قاد “مؤتمر مدريد” و”اتفاقيات أوسلو” عام 1993م، “منظمة التحرير الفلسطينية” إلى مسّار المصالحة.
– وقّعت “مصر” عام 1979م، و”الأردن” عام 1994م، اتفاقية سلام مع “إسرائيل”.
وفي ظل هذا الفضاء الخالي من التهديدات التقليدية؛ كانت العقيدة الدفاعية الإسرائيلية بحاجة إلى تهديد وجودي جديد.
تقديم “إيران” باعتبارها تهديد استراتيجي..
– في العام 1993م؛ نشرت مراكز الدراسات الأمنية الإسرائيلية مثل: (INSS) و(بيغن-السادات)، الكثير من التقارير التي توصّف “إيران” بالتهديد الناشيء.
– في العام 1996م؛ جرى إعداد تقرير لـ”نتانياهو” يُطالب باحتواء “إيران وسورية”.
بالوقت نفسه بدأت وسائل الإعلام الغربية، تربط تدريجيًا بين “إيران” وكلمات على شاكلة: “رعاية الإرهاب”.
فترة “خاتمي” والمقاومة الدبلوماسية..
غلب على فترة؛ “محمد خاتمي”، الرئاسية (1997-2005م)، حوار الحضارات والتعامل الفعال مع “أوروبا”. وكانت نبرة “إيران” تجاه “إسرائيل” نقدية، لكن لم تكن حادة أو تحمل نبرة تهديد.
في تلك الفترة؛ ورُغم مؤامرات منظمة (مجاهدي خلق) في الكشف عن البرنامج النووي الإيراني، وبسبب الاهتمام الجاد والتركيز القيادي لحكومة “خاتمي” وشخصيات مثل: “حسن روحاني”؛ في “المجلس الأعلى للأمن الوطني”، على مسألة الحوار والتفاهم مع المجتمع الدولي، باءت جهود “إسرائيل” بالفشل في تصوير “إيران” كتهديد فوري للرأي العام العالمي.
فترة “نجاد” والتورط في فخ استراتيجي..
مع استلام حكومة “أحمدي نجاد” للعمل؛ عام 2005م، اكتسبت السياسة الخارجية نبرة أكثر حدة. واشتمل خطابه في مؤتمر (عالم بلا صهيونية)؛ عشية فوزه بالانتخابات الرئاسية، والذي انتشرت ترجمته الخاطئة في وسائل الإعلام الغربية، على عبارات مثل: “يجب حذف إسرائيل من صفحة الزمن”، بجانب انكار المحرقة.
هذا الخطاب الإيراني الجديد والهجومي؛ كان ذريعة جيدة للصهاينة، وبخاصة “نتانياهو”، لتصوير “إيران” باعتبارها تهديد وجودي. وبالتالي دخلت “إيران” الإطار الأمني والإعلامي الذي أعدت له “إسرائيل” قبل عقد من الزمن.
التداعيات الاستراتيجية لصورة التهديد الوجودي..
في الأجواء الجديدة التي تبلورت عقب صعود “نجاد” للسلطة، تحول اهتمام الرأي العام العالمي تجاه الخوف من البرنامج الصاروخي والنووي الإيراني، بدلًا من التركيز على حقوق الفلسطينيين.
وحظيت الإجراءات العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية ضد المصالح الإيرانية بتضامن المؤسسات الدولية. واستفادت “إسرائيل” من اتفاقيات مثل “تحالف إبراهيم”، وشكلت تحالفات مع الحكومة العربية ضد “إيران”.
ومن ثم تمكنّت عبر الاستفادة من أخطاء التواصل والنبرة الراديكالية في فترة “نجاد”؛ في تقديم “إيران” كتهديد عالمي لا كطرف ثوري إقليمي.
وتثبَّيت هذه الرواية؛ نقل التركيز الدولي من “فلسطين” إلى الملفات الإيرانية. ومن ثم يتعيّن على “إيران” إعادة النظر في سياساتها الدبلوماسية والأمنية، لإعادة تعريف مكانتها الاستراتيجية.
مقترحات استراتيجية..
01 – إعادة تعريف الخطاب الدبلوماسي وفق القانون الدولي، والعدالة الإقليمية، والأخلاق العالمية.
02 – الترفع عن النبرة التي يُمكن أن يُسّيء العدو استخدامها أمنيًا أو إعلاميًا.
03 – تقوية الدبلوماسية الثقافية، والحوار الإقليمي، والتعاون متعدَّد الأوجه لتحسيّن صورة “إيران” العالمية.
04 – الاستثمار في مؤسسات إنتاج الروايات لنقل مواقف “الجمهورية الإيرانية” بطريقة ذكية عبر قوالب عالمية مقبولة.