خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في واحدة من التصريحات التي تضاف إلى رصيد تراجع الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، وحزبه في الداخل التركي، قال رئيس الوزراء التركي السابق، “أحمد داود أوغلو”، إن الرئيس، “رجب طيب إردوغان”، يعاني “من تعاسة واسعة النطاق”، وإن المؤسسات التركية تضعف.
وحذر، خلال حديثه لصحيفة (فايننشال تايمز) البريطانية، من “عدم رضا واسع النطاق” في “حزب العدالة والتنمية”، الذي يترأسه “إردوغان”، ومن إمكانية قيادة مجموعة منشقة يمكن أن تقسم الحركة السياسية المهيمنة في “تركيا”.
وقال “أحمد داود أوغلو”، موجهًا تحذيره إلى الرئيس “إردوغان”، إن إنحراف “حزب العدالة والتنمية” عن مبادئه وقيمه الأساسية يثير غضبًا عميقًا بين القاعدة الشعبية ومستوياتها العليا، مشيرًا إلى أن “حزب العدالة والتنمية، تمتع ذات يوم بالعدالة والحرية وحرية الفكر وحرية التعبير، ولكن على مدى السنوات الثلاث الماضية، ما لاحظته هو أن هذه القيم الأساسية التي احترمناها طوال حياتنا قد جرى تجاهلها”.
مضيفًا “داود أوغلو”، رئيس الحزب السابق؛ الذي استقال في عام 2016، بعد صراع على السلطة مع “إردوغان”: إن “المؤسسات التركية تضعف”، وأن التحول إلى نظام رئاسي يضع سلطات غير مسبوقة في يد “إردوغان” بما “يضر بالهياكل الأساسية” لـ”تركيا”.
ويُعتبر “داود أوغلو” – وهو شخصية مهمة في “حزب العدالة والتنمية”، منذ تولى الحزب السلطة، في عام 2002 – واحدًا من إثنين من الأعضاء الأثقل وزنًا الذين عبّروا علنًا عن سخطهم بعد نكسة الانتخابات المؤلمة التي أدت إلى فقدان الحزب السيطرة على “إسطنبول”، أكبر مدينة في “تركيا”، بالإضافة إلى العاصمة، “أنقرة”.
نقد مسبق لسلوك الحزب..
وسبق وأن كسر رئيس الوزراء السابق صمته، في نيسان/أبريل 2019، بمقال من 4000 كلمة نقد فيه الإتجاه الذي سلكه “حزب العدالة والتنمية”.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، استقال “على باباغان”، وزير الاقتصاد السابق، من الحزب لأن “تركيا” بحاجة إلى “رؤية مستقبلية جديدة”.
ويمثل هذا الانتقاد، من كبار المخضرمين في الحزب، تحديًا غير مسبوق لـ”إردوغان”، ويواكب مع مواجهته لمشاكل اقتصادية عميقة، وتوترات متصاعدة مع الغرب. وأثار احتمال حدوث انقسام في الحزب غضب “إردوغان”، الذي حذر الأسبوع الماضي، قائلاً: “إن أولئك الذين يشاركون في هذا النوع من الخيانة سيدفعون ثمنًا باهظًا”.
وقال “داود أوغلو”، الذي لا يزال عضوًا في “حزب العدالة والتنمية”، إنه لا يزال يشعر “بالمسؤولية” في محاولة إصلاح الحزب من الداخل، إلا أنه أضاف: “ليس لدي الكثير من الأمل”. ولم يقم بتحديد جدول زمني لتشكيل حزب جديد.
تشكيك من المعارضة تجاه “أوغلو”..
وشكك الكثيرون في جبهة المعارضة التركية الحالية تجاه محاولة “داود أوغلو” اعتبار نفسه حلاً لمشاكل البلاد، وبصفته المهندس الرئيس للسياسة الخارجية لـ”حزب العدالة والتنمية”، ويلقي الكثيرون باللوم عليه بسبب العزلة الإقليمية التي تعاني منها “تركيا” بعد “الربيع العربي”.
وفيما يواجه “داود أوغلو” بعض الانتقادات بأن دعوته الحاشدة تُعد جوفاء، فهو نفسه أسهم في فرض قيود شديدة على حرية التعبير وحقوق الإنسان في “تركيا”، وحتى موعد خروجه من منصبه، في عام 2016.
فيما دافع “داود أوغلو” عن سجله، حيث أصر على أنه قام بالتعبير عن مخاوفه، مرارًا وتكرارًا، بشأن إنجراف “تركيا” إلى الاستبداد، قائلًا: “لقد دافعت عن العديد من الصحافيين. وقلت إنه يجب احترام الأفكار والحرية الفكرية”.
ومن غير المرجح ألا يتأثر الليبراليون المشككون في رفضه إدانة سجن “صلاح الدين دميرطاش”، وهو زعيم معارض كُردي أمضى ما يقرب من 3 سنوات وراء القضبان بتهمة الإرهاب. وقال: “تم وضع دميرطاش في السجن بعد 6 أشهر من استقالتي، ولذا فأنا لست مسؤولاً عن ذلك”، مضيفًا: “إنها عملية قانونية.. لا أستطيع فعل أي شيء”.
غضب في صفوف الحزب من تهديدات “إردوغان”..
ولن تمر التصريحات الأخيرة لـ”إردوغان”، التي هدد فيها المنشقين عنه، مرور الكرام، بل بدأ يتصاعد الغضب في صفوف الحزب في وجهه بشكل غير مسبوق.
وكان “إردوغان”، خلال كلمته في اجتماع رؤساء الحزب في المدن، يوم الجمعة الماضي، قد اتهم من يسعون لتأسيس حزب جديد منشق عن “حزب العدالة والتنمية”، بـ”الخيانة”، وهدّد مثلث: “عبدالله غول” و”أحمد داود أوغلو” و”علي باباغان”، ومن يؤيدونهم داخل الحزب، قائلًا: “سيدفعون ثمن ذلك باهظًا”.
التعليق الأول على تهديدات “إردوغان” جاء من نائب الحزب السابق داخل البرلمان، عن مدينة “مانيسا”، “سلغوق أوزداغ”، حيث قال: “إن حزب العدالة والتنمية ليس مؤسسة دينية، لكي يوصف من يخرج عنه بالخيانة”.
يريد توحيد صفوف الحزب..
الكاتب الصحافي بجريدة (دنيا) التركية، “عثمان أرولات”، أوضح أنه تحدث مع عدد من أعضاء “حزب العدالة والتنمية” حول تهديدات “إردوغان”، لـ”عبدالله غول” و”علي باباغان” و”أحمد داود أوغلو”؛ بشكل غير صريح.
وأشار إلى أن أحد أعضاء الحزب قال: “إن إردوغان يرى أن هذا التحرك سيؤدي إلى انشقاقات داخل الحزب، ويريد بهذه التهديدات توحيد صفوف الحزب ومنع هذه الانشقاقات من خلال إطلاق اتهامات بالخيانة”.
وأكد أعضاء “حزب العدالة والتنمية” أن تهديدات “إردوغان” هي ترهيب لأعضاء الحزب الذين يفكرون في التحرك مع “باباغان و”غول” و”داود أوغلو”.
أشار “أرولات” إلى أن “إردوغان” يحاول، من خلال هذه التهديدات، وقف عملية الانشقاق داخل قاعدة الحزب في منطقة “الأناضول”، التي يحظى فيها بشعبية كبيرة، حسب تعبير مصادره.
ونقل “أرولات”، عن مصادره، قولهم: “هذه أزمة تعبير. تأسيس الأحزاب ليس خيانة في الأنظمة الديمقراطية. وهو نفسه يعلم ذلك جيدًا. وقد أسس حزب العدالة والتنمية منشقًا عن حزب الرفاه ذي التوجه الإسلامي بقيادة الراحل نجم الدين أربكان”، الذي يعتبر شيخ “إردوغان” والأب الروحي للإسلام السياسي في “تركيا”.
وأضاف المصدر أن: “الأنظار داخل الحزب تتجه نحو، باباغان وداود أوغلو، خاصة وأن الحديث يدور عن تأسيسهما حزبين منفصلين. كما يترقب الجميع تعديلات وزارية. أرى أن إجراء هذا التعديل في وقت عدم وجود انتخابات أمر مفيد وجيد. الحزب، (حزب العدالة والتنمية)، يحتاج إلى التجديد والتحديث”، لافتًا إلى أن “حزب العدالة والتنمية” قد شهد انشقاقات سابقة وتأسيس أحزاب جديدة، إلا أنها لم تكن فعالة.
توقعات بانتفاضة سياسية على “إردوغان”..
وبحسب موقع (الشرق الأوسط أون لاين)؛ فإن المشهد التركي بتجلياته الراهنة يشير بوضوح إلى أن أعمدة “العدالة والتنمية” بدأت تتداعى شيئًا فشيئًا مع اتساع الشروخ والانشقاقات وتنامي الشعور بأن “إردوغان” بات عبئًا على الحزب وعلى “تركيا” عمومًا.
ومن السيناريوهات التي باتت تتردد كثيرًا في الفترة الأخيرة، انتفاضة سياسية على الرئيس التركي الذي ذهب بعيدًا في سياساته الاستبدادية وفي تخريب الدبلوماسية عبر خصومات مجانية مع الحلفاء والشركاء.
اختلافات تحت سقف الحزب..
وفي تعليق على تصريحات، “داوود أوغلو”، أكد الكاتب والمحلل السياسي التركي، “يوسف كاتب أوغلو”، أن ما يحدث ليس انشقاقًا بالمفهوم السياسي؛ وإنما هو اختلافات تحت سقف الحزب، مشيرًا إلى أنه في حالة “أحمد داود أوغلو”، تحديدًا، فإن الرجل له رؤية سياسية لا تتفق مع هذه المرحلة، وهو حر في آرائه وفيما يتصوره، فـ”حزب العدالة والتنمية”، حزب كبير، ينضوي تحته كثير من الرؤى والأفكار.
مضيفًا إن فكرة تكوين أحزاب جديدة انشقاقًا عن “العدالة والتنمية” فكرة ليست جديدة؛ ومنيت بالفشل من جانب من قاموا بها مثل “عبدالله شنار”، الذي انشق وكون “حزب تركيا”، وكذلك “حزب الاستقلال”؛ الذي كونه أحد المنشقين عن “العدالة والتنمية”. “من يسمع الآن بهذه الأحزاب ؟”.
اختلاف على القيم الأساسية..
فيما قال “دانيال عبدالفتاح”، المحلل السياسي التركي، أن الخلاف بين “أحمد داود أوغلو” و”إردوغان” تفاقم بعد التغيرات التي أجراها الرئيس التركي مؤخرًا في هياكل الحزب والتحول للنظام الرئاسي، مشيرًا إلى أنه اختلاف على القيم الأساسية التي قام عليها “حزب العدالة والتنمية”.
وأشار “دانيال” إلى أن كلام الرئيس التركي، مهددًا عن الثمن الباهظ الذي سيدفعه هؤلاء “الخونة” كلام قد يفهم منه إعلاميًا على أنه تنكيل قد يوقعه بهم واضطهاد سياسي وأمر بالحبس وغير ذلك، لكن الحقيقة أن الرئيس التركي يقصد أنهم سيدفعون ثمنًا باهظًا عبر تجاهل الناس لهم وعدم تحقيقهم أي نجاح في صناديق الإقتراع.
إنذار بتشطي الحزب..
أما الدكتور “بشير عبدالفتاح”، المختص بالشأن التركي بمركز “الأهرام” للدراسات السياسية والاستراتيجية، فقد أكد على أن ما يحدث هو نُذر تشظي هذا الحزب إلى أكثر من حزب وكيان سياسي.
وردًا على ما قاله “يوسف كاتب أوغلو”؛ من أن الانشقاقات السابقة لم تكلل بنجاح ملحوظ، قال “عبدالفتاح”؛ إن المنشقين السابقين لم يكونوا بوزن “أحمد داود أوغلو” أو “عبدالله غول” أو “علي باباغان”، فضلًا عن أن الظروف السياسية والاقتصادية المحيطة بـ”تركيا” لم تكن كما هي الآن.