خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
تعمل الثقافة باعتبارها المحرك الرئيس لتعزيز العلاقات بين بلدين. وكانت “الإمارات” قد وقّعت و”إثيوبيا” اتفاقيات تعاون ثقافي بغرض زيادة الوعي المتبادل والتعاون في المجالات الثقافية. وهذا يشمل مبادرات تُركز على حفظ التراث، والفن، وتبادل المعرفة وتطويرها.
وفيما يلي نناقش الاتفاقيات الموقّعة بين البلدين والتعاون بينهما. بحسّب تقرير “نجمیة پوراسمعیلي”؛ عضو الهيئة العلمية بـ”مركز بحوث الدراسات الإفريقية”؛ جامعة (تربيت مدرس)، المنشور على موقع “مؤسسة الدراسات المستقبلية في العالم الإسلامي” الإيرانية.
زيادة التعاون الإماراتي مع الجانب الإثيوبي..
في العام 2018م؛ وقّعت “الإمارات” و”إثيوبيا” اتفاقية للتعاون الثقافي تشمل التعاون في المجالات المختلفة مثل: “تقوية السياحة والتبادل الثقافي بين البلدين”. بخلاف التوقّيع على اتفاقية الثقافة وتنمية المعرفة؛ بما في ذلك التراث، والآثار، والفنون، والمكتبات، بهدف زيادة الوعي بالهوية الوطنية، والثقافية، والفنية للبلدين، وتقوية أواصر التواصل بين الشعبين.
وقد أعرب مسؤولي البلدين؛ خلال المشاركة في “ويبنار”، بتاريخ آب/أغسطس 2021م، عن التزامها بالتعاون معًا في تنمية وتطوير التراث الثقافي، بغرض تعزيز العلاقات بين الشعوب بما يتجاوز الروابط الحكومية، وإبراز أهمية الدبلوماسية الثقافية من خلال المهرجانات، والمناسبات الثقافية، والزيارات الفنية، وتبادل الخبرات، والتعليم، والعروض، والمعارض الثقافية والفنية، والبرامج التعليمية.
وفي كلمته؛ قال “طلال الزيزي”، رئيس القسم السياسي، والاقتصادي، والإعلامي بالسفارة الإماراتية: “نشر التراث الثقافي على نطاقٍ واسع، وكذلك الأماكن والمشاهد الفنية ساهمت في نشر صورة إيجابية عن الإمارات في المجتمع العالمي”.
وهذه الاتفاقيات أثبتت عزم “الإمارات” تعميّق العلاقات الثقافية مع “إثيوبيا”، ورفع مستوى الوعي المتبادل، والتعاون في المبادرات الثقافية المختلفة.
ترويج الحوار بين الأديان..
كما أبدت “الإمارات” رغبتها في التعاون مع المؤسسات الدينية الإثيوبية، في ترويج القيم الإسلامية والمسّاعي الأخوية، بهدف تقوية دور المنظمات الدينية في تطوير المجتمع ومبادرات السلام.
وفي هذا الصدّد يمكن الإشارة إلى مبادرة مهمة، تهدف إلى ترويج الحوار بين الأديان، والتسامح، والفهم المتبادل. وفي هذا الشأن؛ شاركت “الإمارات” بفاعلية في تنظيم “مؤتمر الحوار بين الأديان”؛ بـ”إثيوبيا”، وافتتاح “المؤتمر الدولي للحوار بين الأديان”؛ بالتعاون بين “وزارة السلام” الإثيوبية والمجلس بين الأديان، بضيافة جامعة (محمد بن زايد) للعلوم الإنسانية، والذي عُقد بتاريخ (04-05) تشرين ثان/نوفمبر 2024م.
هذا الحدث مهد الأجواء للحوار بين الأديان، ونشر القيّم العالمية؛ (التسامح، والمواطنة، والسلام)، في إطار التوجهات الاستراتيجية الإماراتية. وكان المؤتمر يهدف إلى تمهيد الأجواء للحوار الحر حول تقوية الفهم بين الأديان، ونشر قيّم التسامح والسلام، ودعم المواطنة الشاملة، تماشيًا مع تجربة “الإمارات العربية المتحدة”؛ في ترسيّخ التعايش وبناء جسور التعاون بين الثقافات المختلفة.
“وثيقة أديس آبابا”..
وقد شهد هذا المؤتمر إطلاق “وثيقة أديس آبابا للتسامح والمواطنة والسلام”؛ بمشاركة القيادات الدينية، والتي تُعتبر ميثاق للسلام والتسامح.
وهذه الوثيقة باعتبارها خطوة كبرى على صعيد تحقيق التضامن الواقعي، تعمل على تقوية الوحدة الوطنية، وكذلك التكاتف الأخلاقي والإنساني بوصفه أساس للحوار الديني، واحترام المعتقدات والتعدّدية الدينية، ونشر مفهوم المواطنة.
كما تُعتبر هذه الوثيقة ركيزة أساسية في فهم الأديان، وبناء جسور للحوار الحر والتواصل. وكذلك يُمثل هذا الإعلان إنجازًا تاريخيًا وحضاريًا جديدًا تقدمه “إثيوبيا” للمجتمع الدولي.
كما شهد المؤتمر توقّيع اتفاقية تعاون بين جامعة (محمد بن زايد) للعلوم الإنسانية و”وزارة السلام” الإثيوبية، تنص على التزام الجامعة بتعزيز التعاون العلمي مع “إثيوبيا”، ودعم المبادرات التي تسَّهم في تعزيز التسامح والتعايش السلمي في المنطقة.
وشمل المؤتمر مناقشات بحضور قيادات دينية من مختلف الأديان، شدّدت على أهمية التعايش والتعاون في جهود بناء السلام.
أهداف الوثيقة..
كما اتفقت جامعة (محمد بن زايد) للعلوم الإنسانية؛ في آب/أغسطس 2024م، مع “وزارة السلام” و”المجلس الإسلامي”؛ في “إثيوبيا”، على تنظيم “مؤتمر أديس آبابا” حول موضوع المواطنة والسلام بين الأديان، والذي انتهي بتدوين “وثيقة أديس آبابا للمواطنة والسلام بين الأديان”، ولذلك لتعزيز التواصل والتفاهم بين الأديان عبر إنشاء منصة للحوار الحر بين الأديان والطوائف والمجموعات المختلفة.
كما تسعى إلى تقديم أفكارٍ تُسهم في الحد من التميّيز وتعزيز جهود “إثيوبيا” لترويج التعايش، إلى جانب مناقشة البرامج والاستراتيجيات لدعم السلام الاجتماعي ومواجهة التحديات المشتركة.
وخلال المؤتمر، أكد وزير الدولة لشؤون بناء السلام والمصالحة الوطنية في جمهورية إثيوبيا؛ “خير الدين تيزيرا”، على مبادرات “الإمارات العربية المتحدة” في تعزيز العلاقات الأوثق بين الدول وبناء جسور التواصل بين مختلف البلدان، قائلًا: “من خلال هذه الجهود، انحسر التعصب والتطرف، مما يُمهدّ الطريق لتحقيق السلام والاستقرار”.
مبادرات إماراتية..
وتشتهر “الإمارات” بجهودها في تعزيز التسامح والتعايش على المستوى العالمي. وفي الحوار مع المسؤولين الإثيوبيين، يبَّرز دور “الإمارات” في تعزيز هذه القيم لتحقيق الانسجام الاجتماعي في “إثيوبيا” كعامل بالغ الأهمية.
ويتضمن ذلك دعم المبادرات التي تُعزز المباديء الإنسانية والقيم الإسلامية، والتي تتناغم مع الرؤى الدينية المتنوعة في “إثيوبيا”. هذه المبادرات انعكاس للمسّار الاستراتيجي الإماراتي في إطار تدعيم التعايش السلمي والعلاقات الثقافية.
وتهدف “الإمارات”؛ من خلال هذه المبادرات إلى خلق إطار قوي للحوار بين الأديان، لا تدعم فقط العلاقات الثنائية؛ وإنما تساعد في استقرار المنطقة عبر تقوية ثقافة السلام والاحترام المتبادل بين المجتمعات الدينية المختلفة في “إثيوبيا”.
من هذه المبادرات:
– تطوير التراث الثقافي: تلتزم “الإمارات وإثيوبيا” بتطوير ونشر التراث الثقافي. وقد أبدت “الإمارات” ميلًا لمشاركة تجاربها في نشر الثقافات المتنوعة، وإنشاء مراكز فنية؛ الأمر الذي يمكن أن يسَّهم في تعزيز المشهد الثقافي الإثيوبي.
– حماية المشاريع التراثية: في آيار/مايو 2022م؛ أعلنت “الإمارات”؛ ممثلة في “وزارة الثقافة والشباب”، وبالتعاون مع “وزارة الخارجية”، عن تقديم حزم مالية لمشاريع تهدف للمحافظة على التراث العالمي وتنمية الاستثمارات البشرية في “إفريقيا”، مثل ترميم كنيسة (يمرهانا كرستوس)؛ أحد الأماكن الأكثر رمزية في البلاد، وتضم قطر وكنيسة يعود تاريخها إلى القرن الحادي عشر.
كذلك أعلنت “الإمارات” عن تأسيس صندوق لدعم المحافظة على التراث العالمي في عموم :إفريقيا”، بما في ذلك “إثيوبيا”، في آيار/مايو 2023م. وتهدف هذه المبادرات للمحافظة على التراث الثقافي.
تُبرز هذه المبادرات والاتفاقيات الثقافية التزام “الإمارات” بتعزيز الدبلوماسية الثقافية مع “إثيوبيا”، بهدف تدعيم العلاقات من خلال التجارب الثقافية المشتركة والحفاظ على الإرث المشرِّف.
بشكلٍ عام، يمكن أن تُحقق هذه الشراكات لـ”الإمارات” الفوائد التالية:
– تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع “إثيوبيا”؛ وتسعى “الإمارات”؛ من خلال الدبلوماسية الثقافية، إلى تقديم صورة إيجابية على الساحة العالمية. غالبًا ما تؤدي الاتفاقيات الثقافية إلى زيادة التعاون الاقتصادي.
كما تتماشى المبادرات الثقافية في كثير من الأحيان مع أهداف إنسانية أوسع.
– المساهمة في التنمية المستَّدامة بدولة “إثيوبيا”، وتدعيم السلام والديمقراطية والتماسك الاجتماعي في هذا البلد.
ومن ثم تعكس هذه الفوائد النهج الاستراتيجي لـ”الإمارات” في العلاقات الدولية عبر الدبلوماسية الثقافية، الذي يهدف إلى إقامة شراكات مستَّدامة تُحقق منافع متبادلة لكلا البلدين.