خاص : كتبت – نشوى الحفني :
كان لاستقالة رئيس الوزراء العراقي، “عادل عبدالمهدي”، دويًا على مستوى الصحافة العالمية والعربية، وهي الاستقالة التي تأخرت كثيرًا وراح أمامها مئات الضحايا وآلاف الجرحى الذين انتقل معظمهم الآن إلى صفوف ذوي الاحتياجات الخاصة.
عن الاستقالة وتداعياتها؛ أشارت صحيفة (الإنديبنديت) البريطانية، في مقال بعنوان: “لماذا لن توقف استقالة رئيس الوزراء العراق الانتفاضة الكبيرة التي تلوح في الأفق ؟”، والتي رأت أن: “الثوار في العراق حققوا أول نجاح كبير لهم بإجبار رئيس الوزراء، عادل عبدالمهدي، على الاستقالة من منصبه، بعد يوم دام، قُتل فيه 45 مواطنًا على أيدي قوات الأمن”.
انتصار رمزي باهظ الثمن..
ولفتت الصحيفة البريطانية، إلى أن: “هذا الانتصار الرمزي، باهظ الثمن، إذ قُتل عدد كبير من المتظاهرين، لكن عبدالمهدي أظهر أيضًا إنعدام كفاءة في قيادة البلاد؛ كما أن النخبة السياسية يبدو أنها شديدة التمسك بالسلطة لدرجة تسمح لها بالقيام بالإصلاحات الجذرية التي يطالب بها المتظاهرون”.
وأضافت: “قارن حصيلة الضحايا المرعبة خلال ثمانية أسابيع في العراق بمقتل متظاهر واحد عن طريق الخطأ خلال مظاهرات هونغ كونغ، التي بدأت قبل 6 أشهر، وقارن أيضًا بين التغطية الإعلامية الموسعة والتعاطف الذي يحظى به المتظاهرون في هونغ كونغ بمظاهرات العراق غير المسبوقة”.
وذكرت أنه: “ربما إعتاد العالم على أنباء قتل العراقيين بأعداد كبيرة، سواء كان ذلك على أيدي تنظيم (داعش)؛ أو صدام حسين أو حتى على أيدي القوات الأميركية، لذلك لم يُعد الإعلام يعتبر ما يجري ضمن نطاق الأخبار، لكن التاريخ تصنعه الكوارث التي لا تغطيها تقارير الإعلام، فالعنف الذي يراه البعض مؤثرًا على العراقيين يحظى بقدرة على إحداث تغيير كامل في السياسة في منطقة الشرق الأوسط”.
تحولت نظرة الشيعة العراقيين منذ شهرين..
وذكرت الصحيفة البريطانية: “أن إيران، منذ الثورة الإسلامية عام 1979، أصبحت إحدى القوى الإقليمية في المنطقة وتعزز علاقاتها بشيعة المنطقة، خلال الأعوام الأربعين الماضية، وهو التحالف الذي لم تتمكن الولايات المتحدة ولا إسرائيل أوالمملكة العربية السعودية؛ ضربه في لبنان أو اليمن أو سوريا، فضلًا عن العراق”.
وتابعت: “وتكمن أهمية ما يجري في أن نحو ثلثي سكان العراق من الشيعة؛ وتمتد الحدود بينه وبين إيران على مسافة تتخطى 1100 كيلومتر، وكان الشيعة ينظرون إلى إيران على أنها حليف ضروري في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، لكن قبل شهرين تغير كل ذلك”.
وأوضحت أن هذا التحالف ربما يكون قد إنهار رغم انتصاره بعد تورط الميليشيات الإيرانية في محاولة فض المظاهرات وسحقها، وكانت هذه بداية التغيير الكبير المنتظر في الشرق الأوسط.
استجابة لأعلى سلطة شيعية في البلاد..
(ليبراسيون) الفرنسية؛ أيضًا كتبت عن استقالةُ رئيس الوزراء العراقي؛ بأنه خطوة “نحو النصر”، وقالت الصحيفة إن “عادل عبدالمهدي” أعلن استقالته، الجمعة، غداة يوم دموي، حيث تم تجاوز سقف الـ 400 قتيل في التظاهرات ضد الفساد في “العراق”، التي قُمعت بقوّة والتي تُشارف دخول شهرها الثالث. ولاحظت اليومية الفرنسية أن هذه الاستقالة جاءت استجابة لدعوة من أعلى سلطة شيعية في البلاد.
وتابعت (ليبراسيون)؛ أن المرجع الشيعي الأعلى في العراق، آية الله “علي السيستاني”، قد دعا صراحة، “مجلس النواب” العراقي، إلى سحب الثقة من الحكومة، وقال “السيستاني” إن: “مجلس النواب، الذي إنبثقت منه الحكومة الحالية، مُطالب إعادة النظر في خياراته والتصرف بما تُمليه مصلحة العراق والمحافظة على دماء أبنائه، وتفادي دوامة العنف والفوضى والخراب”.
دعوة المرجع، “السيستاني”، بدت – كما تشير الصحيفة الفرنسية – كدعم صريح للمرة الأولى، للاحتجاجات الغاضبة الداعية إلى رحيل الحكومة وتغيير الطبقة السياسية، التي تسيطر على “العراق” منذ 16 عامًا، والمتهمة بالفساد وهدر ثرواته.
لن تكفي لوضع حد للغضب..
“جورج مالبرينو”؛ يرى في صحيفة (لوفيغارو)، أن استقالة “عادل عبدالمهدي” لم تُعد الهدوء إلى الشارع العراقي.
إنه انتصار أوّل للمتظاهرين الذين يطالبون، منذ شهريْن، باستقالة الحكومة، يقول الكاتب، ولكن استقالة رئيس الوزراء، “عادل عبدالمهدي”، لن تكون كافية على ما يبدو لوضع حد لغضب المحتجّين ضد الطبقة السياسية الفاسدة وغير الكفؤة، الحليفة للجارة القويّة، “إيران”.
إنها المرة الأولى التي يدعم فيها المرجع الشيعي الأعلى، آية الله “علي السيستاني”، احتجاجات الشارع العراقي، يلاحظ “جورج مالبرينو”، في صحيفة (لوفيغارو)، وذلك منذ بداية المظاهرات التي قمعتها الشرطة بشدّة، حيث خلّفت ما لا يقل عن 420 قتيلًا 16 ألف جريح.
وقد رحّبت كتل سياسية – كما يشير الكاتب – بدعوة المرجع الشيعي، “مجلس النواب” العراقي، إلى سحب الثقة من الحكومة، من بينها تحالف (النصر)؛ بزعامة رئيس الوزراء السابق، “حيدر العبادي”، وجاء الدعم أيضًا من الزعيم الشيعي، “مقتدى الصدر”، الذي كان قد طالب مرارًا باستقالة الحكومة.
بداية النهاية لنظام “المحاصصة الطائفية”..
الصحف العربية، بنسختيها الورقية والإلكترونية، من جهتها تناولت إعلان رئيس الحكومة العراقية، “عادل عبدالمهدي”، نيته بتقديم استقالته رسميًا إلى “مجلس النواب”.
ورأى كُتاب أن استقالة “عبدالمهدي” هي بداية النهاية لنظام “المحاصصة الطائفية”، فيما رأى آخرون أن رحيله قد يؤجج الوضع ويفاقم حالة عدم الاستقرار في “العراق”.
فيقول “سلام سرحان”، في جريدة (العرب) اللندنية؛ إنه: “لا يمكن اعتبار رحيل، عادل عبدالمهدي، نقلة نوعية في بركان الثورة العراقية ضد النفوذ الإيراني، إلا إذا تم اعتبارها شرخًا أوليًا في نظام المحاصصة الطائفية، الذي تديره طهران”.
التركيز على منع تنصيب دمية إيرانية جديدة..
ويضيف الكاتب، في مقال بعنوان: “رضوخ عادل عبدالمهدي مجرد بداية”: “ينبغي الآن تأجيل جميع المطالب الأخرى المتعلقة بتعديل الدستور وقانون الانتخابات مؤقتًا، والتركيز على منع تنصيب دمية إيرانية جديدة ورفع سقف المطالب إلى أقصاها بشأن الشخصية، التي تتولى تشكيل الحكومة ومن تختارهم للحقائب الوزارية”.
ويتابع: “تأجيل جميع المطالب ضروري، لأن مسار تحديد الإصلاحات ومسار تنفيذها سوف يعتمد على استقلالية وكفاءة رئيس الحكومة الجديد وطاقمه الوزاري، والأهم من ذلك طريقة تعامله مع الاحتجاجات والتفاعل مع مطالبها والكشف عمن قتلوا المتظاهرين”.
لم تأبه لمطالب الشارع المنتفض..
ويرى “سرحان” أن: “الاستقالة لم تأت تحت ضغط جريمة المجزرتين أو غضب الثوار والغالبية الساحقة من سكان البلاد، بل جاءت استجابة لدعوة تغيير القيادة أطلقها المرجع الأعلى، علي السيستاني، أي أنها لم تحفل بالشارع المنتفض والمجازر التي إرتكبت منذ بداية الشهر الماضي”.
ويضيف: “مطالب الانتقال بالعراق إلى دولة مدنية، لا تستقيم مع انتظار رأي المرجعية الدينية فأي تدخل منها أو حتى انتظار رأيها في الحياة السياسية؛ هو سبب رئيس لخراب العراق أو أي دولة في العالم، وهو يسيء إلى مكانتها الدينية من جهة ويقوض فرص الشفافية والكفاءة والمهنية في العمل السياسي من جهة أخرى”.
الانتخابات المبكرة هي التغيير الجوهري..
أما “وائل عصام”، فيقول في جريدة (القدس العربي) اللندنية؛ إن استقالة عبدالمهدي “لا تشكل تغييرًا حقيقيًا”، ولا حتى تغيير الحكومة، لأنه سيعاد اختيار الحكومة ورئيسها من خلال القوى السياسية والحزبية نفسها، التي تهيمن على السلطة التنفيذية بعد فوزها في الانتخابات.
وأوضح أن التغيير الجدي الجوهري الذي يمكن أن يمثل إنجازًا للحركة الاحتجاجية، هو الانتخابات المبكرة.
ويتابع: “ولأن هذا الخيار يُشكل خطرًا على الأحزاب والقوى السياسية، التي تهيمن على الحكم في بغداد، فإنها تخشى أن تؤدي الانتخابات المبكرة، إلى خسارتها لمواقعها السيادية، وصعود شعبية قوى وتيارات حزبية أقرب للمحتجين”.
ويضيف: “لهذا، فإن الأحزاب الحاكمة تبدو وكأنها تحاول اللعب بأوراقها، واللجوء لخطوات تهدئة لا قيمة كبيرة لها في البنية الأساسية للنظام السياسي، مثل تغيير رئيس الحكومة”.
تقديم الشلة المجرمة للمحاكم..
ويقول “جمعة عبدالله”، في جريدة (صوت العراق)؛ إن الاستقالة لا تعني “التسامح والغفران والبراءة. يجب تقديم هذه الشلة المجرمة إلى المحاكم ومحاسبتها على كل قطرة دم طاهرة نزفت، على كل شهيد سقط بقنابل ورصاص الموت، 500 شهيد وأكثر من 22 ألف جريح ومصاب، لذا إن يوم الحساب العظيم اقترب موعده”.
ويتابع: “لا تعني استقالة عبدالمهدي شيئًا إذا لم تحقق مطالب ثورة تشرين فورًا دون تأجيل، إذا لم يضع المتظاهرون بصمتهم وموافقتهم على كل قرار”، “لا يمكن القبول بأنصاف الحلول. لا يمكن التصالح مع القتلة والمجرمين، لابد أن يعود الوطن إلى عزته وكرامته”.
تحذير من خطر حرق العراق..
وعلى صعيد آخر؛ يحذر “عزيز الخزرجي”، في جريدة (صوت العراق)، من خطر “حرق العراق” بعد استقالة رئيس الحكومة.
ويقول إن عبدالمهدي “لا يُعتبر جزءًا من الفاسدين”، لأن عمر حكومته العملية لا تتعدى السنة، قضى معظمها في ترتيب وإرضاء الكتل الكبيرة التي رشحته.
ويضيف، في مقال بعنوان: “باستقالة عبدالمهدي ستبدأ الحرب الأهلية”؛ أن المظاهرات التي توسعت “والظلم والمحاصصة قد بدأت قبل هذه الحكومة الحالية”.
وعن انتشار الفساد؛ قال إنه تجسد بوضوح من خلال معدل الرواتب والحمايات والنثريات والتحويلات العلنية؛ وبدأ مع تأسيس “مجلس الحكم”، عام 2003، برعاية وقصد من الحاكم الأميركي – “بريمر” – والفاسدون الكبار كالرؤساء والوزراء والمستشارين حتى المدراء العامين.
ويتابع “الخزرجي”: “إن وسائل الإعلام، التي تداولت بعض هتافات المتظاهرين بطلب استقالة عبدالمهدي؛ إنما كان بسبب جهلهم بحيثيات الفساد وما تخفي لهم الأيام السوداء القادمة والمؤامرات الكبرى، التي تريد إظهار الحكومة الشبه شيعية لوحدها بكونها هي الفاسدة والتي ستسبب حرق العراق كله بإنطلاقة حرب أهلية من أوساط تلك النيران”.