19 ديسمبر، 2024 1:46 ص

بعد شهادتي بأن لا إله إلا الله، أشهد أن سياسيي العراق الذين تعاقبوا على ترؤس مراكز الحكم والتسلط في مواقع القيادة قد أتعبوا العراقيين أيما تعب! وأشهد أنهم تعاونوا على الإثم والعدوان تجاه رعيتهم، ونأوا عن البِر والتقوى أيما نأي! فقد عانى من جورهم وظلمهم الملايين من أبناء البلاد بشرائحهم كافة، فالعامل والعاطل والموظف، والمرأة والطفل والشيخ، والطالب والمريض والصحيح، فضلا عن الكاتب والناقد والمحلل والصحفي، كلهم وقعوا في فخاخ مانصبه ساسة العراق لهم، طيلة عقد ونصف العقد من حكمهم، وأظن الشكوى ماعادت تصل آذان أولي الأمر منا، وإن وصلت فإن منفذها سالك الى الأذن الثانية لامحالة، ومنها الى العدم، ولعل بيت الشاعر عمرو بن معدي كرب خير واصف لجدوى شكوانا، حيث أنشد قبل خمسة عشر قرنا:
ولو نارا نفخت بها أضاءت
ولكن أنت تنفخ في رماد
وبعد أن استنزف سياسيو العراق ومسؤولوه أبجدية اللغة العربية، حيث مافتئ الكتاب يعتصرون حروفها علـّها توصل حقيقة مايعانيه العراقيون من مآسٍ بسببهم، ارتأيت ان يكون عنوان مقالي اليوم بلغة غير لغتي، كرسالة عسى أن يفهمها من أقصدهم.
منذ خمسة عشر عاما، والعراقيون يصحون كل صباح بأمل جديد، داعين أن يهتدي ماسكو زمام أمورهم، وينظرون صوب مناصبهم بـ (Modern look) وبعين جديدة بعيدة عن التحيز والتحزب، قريبة الى الرقي والإنسانية، والكف عن استغلال صلاحيات الكراسي في تحقيق مآرب نفعية، لهم او لشخوص آخرين يقفون وراء الكواليس يلوِّحون بـ (الشدات) والإغراءات المادية والدنيوية التي يسيل لها لعابهم، وهم بهذا يسيرون على خطى (أبو رغال) أو غيره ممن باعوا شرفهم وضمائرهم ببيعهم وطنهم وبإعلاء المصالح المشبوهة على مصالح الوطن والمواطن.
ومن جديد -وليس بجديد على متحيني الفرص والصيد في عكر المياه- يتسابقون في النيل من العراق وشعبه، فيحيدون عن جادة القيادة السليمة والحكيمة، وينزلقون في مهاوي الرذيلة، حيث إهمال مهامهم وما كلفوا به من واجب وطني ومهني وإنساني، في مؤسسات اعتلوا صهوة قيادتها، وانحيازهم الى الأنا وحب الذات وروح الإثرة، وفي حال كهذه تتفتح أمامهم دهاليز السحت وأصناف الفساد والسرقات، وبديهي أن الطريق الى النار معبدة، فتغويهم ببهرجها وتغريهم بحلاوتها، فيستسهلون حينها كل محظور، ويرغبون في كل ممنوع، ولعلي قد وُفِّقت بعض الشيء في جمعهم بأبياتي الآتية:
بـزرّاع لغــم وتفجـيـر عبـوة
وتأخيـر إقـرار وإرجاء مجلس
وآخــر راشٍ وثـانٍ مرتـــشٍ
وثالث من كأس الخيانة يحتسي
ورابع خلف الحدود مرابض
عسى الحظ يرشده علـى مفلس
فيبـيـع بالـدولار كـل عراقـه
على شحّ ضوء الظلام الدامس
وخـامـس يحبـو يؤجـج فتنة
ليدسَّـها في كـل رطـب ويابس
ويطول الحديث عن السادس والسابع والعاشر والألف، وينبغي إذاك نظم أبيات يضيق بها منبري هذا، لكني أنادي باسم العراقيين جميعا الذين ذاقوا الأمرين خلال العقود الأربعة التي خلت، كل معتلٍ منصبا من المناصب العليا ان يعيد النظر في ماهية وظيفته، وأن يسعى ويكدح لتحقيق الهدف من تسنمه إياها، وأن يأخذ على محمل الجد حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، وليعلم انه سيُسأل عن رعيته يوم لاتنفعه الأموال التي يجنيها من استغلاله منصبه، ولعل البيتين التاليين خير واعظ لمن يبتغي النصح والرشاد:
وإذا وُليت أمر قوم ليلة
فاعلم بأنك عنهم مسؤول
وإذا حملت الى القبور جنازة
فاعلم بأنك بعدها محمول

أحدث المقالات

أحدث المقالات