ارتأيت أن يكون عنوان مقالي اليوم بلغة غير لغتي الأم، ولغتي الأب، ولغتي الأخ، ولغتي الصديق.. لغتي العربية. وما حذوي هذا الحذو لقصور فيها، كما أنه ليس لخطل يعتريها او خطأ فيما تعبر عنه، إذ هي كما قال الكبير أحمد شوقي:
إن الذي ملأ اللغات محاسنا
جعل الجمال وسره في الضاد
لكنني كباقي العراقيين ولاسيما الكتاب، أعاني استنزاف سياسيي العراق ومسؤوليه مناهل أبجدية اللغة العربية، والتي لاتقل فيضا عن البحر العطاء الزاخر بالعباب الفاخر، هذي اللغة التي مافتئنا نعتصر حروفها الثرة والغنية، علـّها توصل حقيقة مايعانيه العراقيون من مآسٍ بسببهم، وما معاناتنا هذه لضعف في مفردات أو كلمات أو عبارات في لغتنا، كما أنها ليست لخور في متنها أو قواعدها أو نحوها، بل أن معاناتنا تتأتى من عظم سلبيات أنصاف الساسة، وأرباع القادة وأعشار المسؤولين، من الذين يديرون دفات مراكب البلد في شطآنه، ولجموحهم في التخبط بمقدرات البلاد، وتماديهم في فتح الأبواب أمام المسيئين والمفسدين والسراق على مصاريعها، وتلكؤاتهم بمواجهة الرياح الصفراء التي تأتيهم من خارج حدود البلد الأمين، فصاروا بنهجهم يعلنون مزادا على خيرات البلد، يتزايدون عليها بوتيرة لا تقبل الفتور، وجشع لايعرف الاكتفاء والقناعة، فراحوا يتلاقفون بنهم منقطع النظير ماغلا ثمنه من خيرات البلاد وما رخص على حد سواء، وقطعا ليس في الأفق مدى مرئي لحدود شبعهم، بل على العكس، إذ تلوح بوارق التسلط والتمكن لاحتواء آخر برميل نفط تختزنه مآقي عيون العراق. لهذا كله استعنت باللغة الإنكليزية كرسالة أسال الله ان يفهمها من أقصدهم، لاسيما أن اغلبهم كانت -ومازالت- دول مشرق الأرض ومغربها وطنا وملاذا لهم.
مع شروق الشمس.. يبدأ عراقنا بصباح جديد وأمل جديد، ويتوكل العراقيون معتمدين سعيهم الجاد ونيتهم الخالصة، للعيش في هذه المعمورة كحال باقي قاطنيها من باقي الأمم، داعين أن يهدي سياسيي العراق وماسكي زمام أموره لأن ينظروا لمناصبهم بـ (NEW LOOK) وبعين جديدة بعيدة عن التحيز والتحزب، واستغلال صلاحيات الكراسي في تحقيق مآرب نفعية لشخصهم او لشخوص آخرين، يقفون وراء الكواليس يلوِّحون بالإغراءات المادية والدنيوية التي يسيل لها لعابهم، وهم بهذا يسيرون على خطى (أبو رغال) أو غيره ممن باعوا شرفهم وضمائرهم ببيعهم وطنهم، وبإعلاء المصالح المشبوهة على مصالح الوطن والمواطن.
ومن جديد أيضا -وليس بجديد على متحيني الفرص والصيادين في عكر المياه- يتسابقون في النيل من العراق وشعبه، في أحوالهما جميعها دون استثناء، ففي السلم والرخاء، نرى السراق يتربصون في حلكة الليل وضوء النهار، متأهبين لسرقة ما تقع عليه أيديهم. وفي الحرب، يستغلون ضيم العراقيين ومصائبهم في أرضهم وعرضهم ومالهم وكيانهم وكينونتهم، آناء الليل وأطراف النهار دون هوادة وفتور، ليمارسوا -السراق- هوايتهم في كل ما تراه أعينهم، ولا يتوقفون عند ثمار يانعة أو قطوف دانية، بل تطال يدهم الطويلة الأخطبوطية ما زاد وزنه وقل ثمنه دون كلل ولا ملل، وكأنهم قد أقسموا على إفراغ العراق حتى آخر قطرة خير فيه.
هو نداء باسم ثلاثين مليون عراقي، ذاقوا الأمرين خلال العقود الأربعة الخوالي، يوجهونه الى كل معتلٍ منصبا من المناصب العليا، ان يعيد النظر في ماهية وظيفته والهدف من تسنمه إياها والمسؤولية الملقاة على عاتقه، وليعلم انه سيُسأل عن رعيته يوم لاتنفعه الأموال التي يجنيها من منصبه، وليكن على بينة، أن ما يأتي بسهولة يذهب بسهولة (easy com easy go)