7 أبريل، 2024 5:40 ص
Search
Close this search box.

مع كتابات..محبوبة خليفة: الثقافة الليبية بخير إلى حدٍ كبير خاصة في مجال النشر والفنون التشكيلية

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: حاورتها- سماح عادل

“محبوبة خليفة” كاتبة ليبية، تخرجت من جامعة بني غازي، نشرت مقالات بمجلات ليبية خارج الوطن ابتداء من سنوات الثمانينات، ولها مجموعة قصصية نشرت بعضها على المواقع الليبية (ليبيا المستقبل- جريدة ميادين- السقيفة الليبية) ومواقع عربية (أنطولجيا السرد العربي)، وصدر لها حديثا روايتها بعنوان (كنّا وكانوا.. روايتي)، عن دار الرواد.

وكان لنا معها هذا الحوار الشيق:

** متى بدأ شغفك بالكتابة، ولما تأخرت في إصدار عمل لك؟

– الكتابة شغفٌ كبير بدأ معي منذ صباي، حيث لاحظتْ معلمات المرحلة الإعدادية هذا الشغف وهذا التعلق بفرع جميل من اللغة، وأعني الإنشاء، وكنت أجيد ذلك، غير أن انتباه أستاذ اللغة العربية المصري لِمَا كتبته في امتحان التوجيهي التجريبي هو من نبهني لنفسي ولقدراتي،  لقد قال لي بأنه عرف ورقتي أثناء التصحيح لأنه- كما قال- أصبح لي أسلوباً يخصني وهذا ما أسعدني جداً وساهم في رعاية هذه البذرة التي كانت لدي فأينعتْ.

‎أما تأخري في الكتابة فله أسباب شخصية وأخرى عامة وحين تجاوزت هذه الأسباب بدأت الكتابة.

** في رواية “كنا وكانوا” رصد للتحولات السياسية والاجتماعية التي حدثت في ليبيا بعد الانقلاب على الملكية من خلال حكي سيرة ذاتية.. احكي لنا لماذا قررت سرد معاناة الأسرة بعد كل هذا الوقت؟

– كما أسلفت كانت الأسباب شخصية لانشغالي بأسرتي، رغم أنني لم أتوقف عن الكتابة بل النشر هو ما لم أفكر به ذلك الوقت، أما السبب الثاني فهو خشيتي على أسرتي وأهلي، فلو قررت النشر حينها فلن أكون صريحة وهذا ما لم أحبه ولا أبتغيه.

‎** كيف كان رد فعل القراء مع رواية “كنا وكانوا” خاصة أنك كتبتها في البداية في هيئة أوراق على “فيسبوك” وكنت تحوزين على التفاعل المباشر مع القراء؟

الحقيقة وبدون مبالغة كانت ردة الفعل طيبة، وكان التفاعل رائع وكانت هناك بعض دهشة وكثير من الاستغراب، خصوصاً بين أصدقاء وصديقات من الشباب ممن كانوا أطفالاً في ذلك العهد الذي رصدتُ ‎حوادثه.

** لاحظت أن الكاتبة اكتفيت برصد معاناة بعض أفراد الطبقة الوسطى مما حدث في ليبيا، لكن حضرتك أخبرتني أن السلطة في ليبيا أثرت على الفقراء كما أثرت على الأغنياء وأبناء الطبقة الوسطى حدثينا عن ذلك؟

‎- الحقيقة لم أكتب يوماً في السياسة ولم أحب ذلك وما كتبته كان رصداً لحالة أسرة ليبية جرى عليها ما جرى على أسر كثيرة ذلك الوقت.

وكان لابد من تلخيص الحالة للقارئ الليبي ولغير الليبي ليأخذ فكرة عن الوضع بصفة عامة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً بالتبعية. نعم كل الطبقات  تضررت بشكل أو بآخر نتيجة هذه الأوضاع وعلى الأصعدة الثلاثة التي أسلفت ذكرها.

** هل الملكية كانت ستحقق الرفاهية للمجتمع الليبي وتطوير الناس وكيف ذلك في رأيك؟

‎- نعم أو هكذا أتصور فلو استمر النظام الملكي لاستمرت خطط التنمية التي شرع فيها ذلك العهد والتي استهدفت المواطن الليبي وحاولت تطوير قدراته بتوفير وسائل العيش الكريم والمرفَّه، حدث هذا طردياً مع تنامي دخل ليبيا من النفط وظهور قيادات شابة تولَّت وزارات خَدَمية كان هدفها الأساسي هذا المواطن وظهر هذا جلياً ولا ينكره إلا جاحد.

‎** هل في رأيك احتوت السلطة في ليبيا التي حكمت منذ 1969 شروط انهيارها وفناءها وكيف ذلك؟

– نعم للأسف فكما نعرف عن الليبيين هم ليسوا طلاب سلطة على الأقل في ذلك الوقت ولو سعى ذلك النظام لتوفير العيش الكريم لمواطنيه لما حدث التذمر ولما تراكم الغضب حتى تحول إلى مدٍ عات أتى عليه بسهولة.

** التصفية وملاحقة المعارضين وسجنهم لسنوات طويلة أو قتلهم قسريا، كل تلك الممارسات عندما حكيت عنها.. هل واجهت رفضا أو هجوما من البعض لأنك كشفتي مساوئ النظام الليبي السابق؟

‎- الحقيقة كنت حريصة أثناء الكتابة ألا أجنح للغضب أو أوسع في ذكر بعض الأحداث لأنني أعرف أن من بين من أخاطبهم كُثُر لم يعايشوا تلك الحقبة أو كانوا فيها صغاراً لم يسمعوا في بيوتهم شيئاً عن هذه الأحداث، إما خوفاً أو خشية من أهاليهم عليهم فمثل هذه القصص لا تُحْكَى إلا همساً. نعم واجهتُ بعض الدهشة والاستغراب واعتبرت ذلك أمراً عادياً واستوعبته.

** عشت لسنوات طويلة في غربة متنقلة مع عائلتك بين البلدان المختلفة وعشت معاناة سجن الزوج.. احكي لنا عن تأثير ذلك عليك وعلى عائلتك؟

– نعم حدث ذلك وأصبح ماضياً ورصدته لسبب واحد وهو أن أساهم مع غيري في التأريخ  لتلك المرحلة،  كانت سيرتي أو روايتي السير ذاتية تشبه كثيراً لسير أسر ليبية عديدة واجهت ما واجهنا وأحياناً أقسى وأمَرّ.

** بعد سقوط النظام الليبي كيف تقيمين الوضع في ليبيا وخاصة على المستوى الثقافي؟

– الوضع في ليبيا يتأرجح ولم يستقر بعد، وتاريخ الثورات ينبأنا بأن ذلك يحدث وليس بغريب. أما على المستوى الثقافي ففي منظوري الشخصي ومن خلال متابعتي لما يجري هناك أعتقد أننا بخير إلى حدٍ كبير خاصة في مجال النشر والفنون التشكيلية، أما السينما والمسرح فهذه قصة أخرى من الصعب تقييمها أو حتى رصدها فهذه الفنون ضُربت في مقتل وبفعل فاعل هذا رأيي الشخصي كراصدة ومتابعة.

** بعد نشر رواية ” كنا وكانوا” هل تفكرين في مواصلة الكتابة؟

– نعم ولم أتوقف يوماً ولي مجموعة ‎قصصية قيد الطبع تحت عنوان (سيرة عالية)، وأعد الآن لمجموعتي القصصية الثانية ولم أختر اسمها بعد. كما أكتب الشعر ولي ديوان تحت الطبع بعنوان (فصول ليبية).

قصة قصيرة ل (محبوبة خليفة)..

التِكْرَه..

كنت أتأمل المكان وأعجب كيف يسكنونَه، كنت أراه بعين طفلة، كلما وقفتُ في تلك البياتسا الصغيرة (الميدان) أتوجه بوجهي مباشرة لهذا الجبل المرتفع المأهول يسمونه (باطن بو منصور)*، تسكن بعض مناطقه المنخفضة عائلات من المدينة، وبينهم بعض مدرّساتٍ لنا ولاعب كرة شهير وبعض أفراد فرقة موسيقية من الرجال التي تشارك في الأعراس وتحييها بلا مشاكل ولا فتاوى تحرّم أو تحلل.

وفيها يسكن محبي المناطق المرتفعة وهوائها العليل. أما إذا عرجت على يسار ذلك المرتفع وفي الجزء الأعلى منه فسترى تجمع كبير من العائلات القادمة من جنوب السودان  من منطقة دارفور* يقطنون هناك ويكوّنون تجمعاً فيما يشبه الجيتو لكنه ليس مغلقاً في وجه جيرانهم في باقي الجبل أو الباطن.

ربما وصل هؤلاء إلى درنة في أعقاب مجاعة ضربت منطقتهم عقب الحرب الأهلية التي اندلعت هناك في نهاية القرن الثامن عشر أو بعد ذلك بزمن طويل-  يبدو أن  معاناة دارفور وأهلها  قديمة وليست إبنة اليوم-.كنّا صغاراً وكانت البراءة تجمعنا نترك بيوتنا بعد المدرسة ونلتقي لساعة نلعب ونضحك ونتأمل الكبار مجتمعين أمام محلاتهم.

يلعب بعضهم الورق، وآخرون يلعبون السيزا، وهذه اللعبة تحتاج لرسم مربعات على الأرض ورمي الأحجار الملونة، والتقاطها وفق قواعد يعرفها اللاعبون. كل رفاقي يتابعون هذه الألعاب إلّا أنا كان قلبي معلقاً بهم  يريد أن يعرف من هم، ومن أين جاءوا، ولما يتجمعون ويسكنون هناك وحدهم.

إلى أن كان يوماً سمعنا أن حفلاً سيقام عندهم وأن الكل مدعو ليوم (التِكْرَه أو الدنقة)..

أردتُ الذهاب وقوبلت بالرفض لبُعْدِ المكان، فجاءت عمتي فاطمة على بالي وهي التي تحبني ولا تردّ لي طلباً فأخبرتها وتوددتُ إليها، وتوسّلت أن تتوسط لدى أمي، فقبلت وأخذت يدي في يدها، وصعدنا إلى هناك. كان المكان مليئاً بالناس بالإضافة إلى سكانه، كانوا في حالة بهجة شديدة، وهياج وفرح وكان الفتية يدقون الطبول وترقص النساء وتطلق العنان لغناءٍ مبهج  ينشر إيقاعه الفرح والحبور فيسري بين الحشود فيشاركون- هؤلاء الأغراب اللاجئون إلى درنة- الفرح بالتصفيق وحتى بالحركات الراقصة.

تمسكتُ بيد عمتي أطلب الأمان فالحشد كبير ولم آلف مثله من قبل وسرى الخوفُ إلي قلبي ورجوتها أن نعود فوافقت لكن سيدة سمراء جميلة الملامح تقدمت من عمتي طالبةً منها البقاء لحضور توزيع (التكرة) فوافقَتْ، وبقينا إلى أن خفتت الأصوات وهدأت الطبول، فخرجت شابات من أحد البيوت يحملن أطباقاً ملونة من السعف في بعضها تتكدس قطع الدجاج وفي الأخرى شيئاً  يشبه الأرز وليس بالأرز.

كانت الفتيات يقدمنه بالأيدي على شكل كرات صغيرة ونأخذه في أيدينا يدٌ فيها هذا الشيء واليدُ الأخرى قطعة دجاج مسلوقة ذات طعم طيب. أما الشيء الأبيض فكان (التكرة) وهو ما يسمون يوم احتفالهم على اسمها.  لا أحد يعرف مصدر التسمية ربما كانت أسم هذه الوجبة والتي تعتمد مكوناتها على  طحين الأرز وطحين القصب والسكر وماء الزهر أو الورد*..

ما يثير في النفس الحيرة أن تلك المنطقة هي تجمع لأسر فقيرة لا تملك قوت يومها ونسائهم يعملن في بيوت المدينة فكيف يجتمع كل هؤلاء الناس لديهم ويتمكنون من تقديم الطعام على بساطته!! لكل هذه الحشود. مازالت عمتي تقبض على يدي خوفاً علي من هذا التجمع الكبير للناس، لكن نظرتها إلي وكأنها تناديني لتريني شيئاً ما جعلني أسحب يدي من يد عمتي وأنطلق إلى حيث تقف.صغيرة سمراء جميلة التقاطيع عربيتها غير مفهومة تماماً لكن طفولتنا أسرعت لتلضمُ خيطاً من الحب بين قلبينا، ففهمتها وفهمتني..

أخذتني من يدي وأدخلتني إلى ما وصفته بأنه بيتهم وهو عبارة عن حوش كبير مفتوح وبلا سقف تصطف فيه بشكل دائري غرف عديدة. يبدو أن لكل عائلة غرفة هكذا بدا لي. أدخلتني غرفة بلا أثاث إلا من قطع كليم وبعض النطوعة* وملابس مكدسة هنا وهناك ولا مكان للعبة أو تسلية فزعلت لصديقتي الجديدة كيف تعيش بلا لعبة ليتها تعرف أمي لصنعت لها عروسة  كما تصنع لي ولشقيقاتي.

كانت أمي تخيط جسم (البامبولا)* ثم تحشوها صوفاً وترسم على الوجه العيون والحواجب والأنف والفم وتطرز كل ذلك بألوان مناسبة وتلبسها ثياباً تشبه ثيابنا وأحياناً مثلها، وعَدْتُ صديقتي أن أعطها واحدة من عرائسي. وبينما نحن نحكي إشارة تتبعها بعض كلمات سمعت صوتها تنادي!! ياإلهي عمتي..

خرجت مترددةً ومشفقة على نفسي مما سألقاه. رأيتها جزعةً ومتوعدة ونالني مانالني منها ومع ذلك التفتُّ لصديقتي التي لا أعرف اسمها وأشرتُ لها بأنني سأعود بالعروسة. لم أعد ولا أهديتها إحدى عرائسي! أخلفتُ بوعدي بلا عذرٍ إلّا من غياب عمتي التي رحلت دونما استئذان من محبيها فغلّف القلبُ الصغير حزنٌ لم يألفه، حزنٌ لغياب القلب الكبير وحزن لأنني لن أفي بوعدٍ  لصديقةٍ صاحبتها ذات احتفال في باطن بو منصور..

…………….

* باطن بو منصور مرتفع جبلي يقع في أهم أحياء مدينة درنة.

* المعلومات الواردة بخصوص سكان هذا المرتفع من أهل دارفور ومكونات (التكرة) حصلت عليها من الأستاذ الجامعي والباحث الأستاذ “عبد الله بودرباله” وأوجه لحضرته جزيل الشكر والشكر موصول لزوجته الصديقة العزيزة “سليمة ارحيّم”.

*النطوعة: جلود الخراف بصوفها تستخدم للجلوس عليها.

* * البامبولا: مصدرها إيطالي وعادة يطلقها الإيطاليون على اللعبة التي تلعبها الصغيرات وعلى الطفلة الحلوة. وفي ليبيا أيضاً نطلقها على العرائس التي تلعب بها الفتيات.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب