29 ديسمبر، 2024 10:10 م

“تركي الربيعو” .. احتفى بالأساطير العربية وهاجم مثقفي العرب بسبب اغترابيتهم مستشهداً بفلاسفة الغرب !

“تركي الربيعو” .. احتفى بالأساطير العربية وهاجم مثقفي العرب بسبب اغترابيتهم مستشهداً بفلاسفة الغرب !

خاص : كتبت – سماح عادل :

“تركي علي الربيعو”.. كاتب وباحث سوري، ولد في “القامشلي” عام 1951, درس العلوم، وعمل مدرساً في مدارس القامشلي، ثم ترك التدريس بعد ذلك في  أواسط التسعينيات وجاء إلى العاصمة دمشق، وتفرغ للكتابة والبحث.

كتاباته..

نشر له العديد من المقالات الفكرية, والتي بلغت حوالي ثمانين دراسة فكرية, في الصحف العربية: (اليـوم، الرياض، الجزيرة، عكاظ، الحياة اللندنية، السفير، المستقبل، النهار اللبنانية، والشرق القطرية، والخليج الإماراتية، وعمان، والغد الأردنية، ومجلة الاجتهاد المتخصصة في الفكر الإسلامي، ومجلة المستقبل العربي في بيروت، ومجلة حوار العرب)، ونشر عدد من الكتب منها: (الإسلام وملحمة الخلق والأسطورة) 1992, (العنف المقدس والجنس في المثيولوجيا الإسلامية) 1994, (أزمة الخطاب التقدمي العربي) 1995, (من الطين إلى الحجر) 1997, (خيارات المثقف) 1998, (الإسلام والغرب) 1998, (المحاكمة والإرهاب: عقلية التخوين في الخطاب العربي) 2001, (الأرض اليباب: محاكمة الفكر الأسطوري العربي) 2007, (الأسطورة والسياسة مع الدكتور فاضل الربيعي) 2007.

ظهر “تركي الربيعو” داخل المشهد الثقافي السوري في مطلع التسعينيات, واهتم  بقضايا بلاده السياسة، حيث بحث في بنية العشائر السورية تنظيمياً وسياسياً، كما تناول واقع بلاده وحلل اتجاهاته لاسيما بعد سقوط بغداد.. وله كثير من النقد الجريء والموضوعي للتراث العربي والحركات الإسلامية وخطاب الكتاب العرب، إضافة إلى أبحاث عميقة في الأساطير والأديان.

مراحل إنتاجه الفكري..

قسم الباحث السوري “عمر كوش”, إنتاج “الربيعو” الفكري, إلى ثلاث مراحل:

1 – مرحلة الدراسات الإثنولوجية والانثروبولوجية: حيث ركز على دراسة تاريخ وتراث المنطقة عامة، وتاريخ سوريا وبلاد الرافدين بشكل خاص، باحثاً عن نشأة الأساطير والأديان والعادات والتقاليد، وقد أنتج في هذه المرحلة كتب مثل (الإسلام وملحمة الخلق والأسطورة) 1992، و(العنف والمقدس والجنس في المثيولوجيا الإسلامية) 1994, و(من الطين إلى الحجر) 1997.

2 – المرحلة الثانية: سعى إلى دراسة الأعراق والتكوينات الاجتماعية الموجودة في منطقة شمال سوريا والعراق، ودرس عادات البدو والعشائر وسلوكياتهم، ثم نتيجة ظهور النزعات القومية، وخصوصاً “القومية الكردية”، درس نشأة الأكراد وتنظيماتهم وتكويناتهم.

3 – المرحلة الثالثة: اهتم بالفكر العربي المعاصر, خصوصاً في الجانب الإسلامي, وأهم كتبه في هذه المرحلة: (أزمة الخطاب العربي التقدمي في منعطف الألفية الثالثة – الخطاب الماركسي نموذجاً) 1995، و(الإسلام والغرب: الحاضر والمستقبل) 1998، و(في خيار المثقف) 1998, و(المحاكمة والإرهاب) 2001, و(الحركات الإسلامية في منظور الخطاب العربي المعاصر) 2006.

اليسار العربي والمؤامرة الكبرى..

إدوارد سعيد

في مقالة لـ”تركي الربيعو” نشرت على موقع “الحوار المتمدن”, يقوم بتحليل خطابات بعض من الكتاب من اليساريين العرب, يقول: “ما أعنيه بالعقلية التآمرية في صفوف اليساريين العرب، أنها تقوم على الاعتقاد  بوجود مؤامرة كبيرة تستهدف اليسار العربي, وأن أطراف المؤامرة هي جهة معينة ومجهولة في آن, ويجري تحديدها تحديداً مترجرجاً، فهي تضم قوى اليمين العربي الرجعي والإمبريالية والصهيونية، وتهدف إلى القضاء على اليسار العربي والذي يضم (البعثيين والناصريين والقوميين العرب والشيوعيين بكل فرقهم وتشكيلاتهم)”.

ينتقد “الربيعو” هجوم بعض كتاب اليسار على “إدوارد سعيد”, بعد  إصداره كتاب (الاستشراق), يقول: “بربطه بين نظام الاستشراق والماركسية في جوهرها التسلطي، يكون سعيد قد تجاسر على انتهاك حرمة التابو، فقد حرم الآخرين من متعة تطبيق الماركسية على الواقع العربي, هناك خطابات صدرت عن ماركسيين عرب في عقد الثمانينيات, تستنكر بشدة أية محاولة للربط بين نظام الاستشراق والماركسية, فهو قول يتميز بالجهل بالفكر الماركسي, ولا يمكن أن يصدر إلا عن عميل يعمل لخدمة مصالح الولايات المتحدة الأميركية, كما يظن صادق جلال العظم في كتابه (الاستشراق والاستشراق معكوساً)، أو عن ممثل جديد لتيار بورجوازي كما يرى مهدي عامل, فقد حارب خطاب الماركسيين على جبهتين: الأولى: تسفيه كل كتابة من هذا النوع، واتهامها باللاموضوعية واللاعلمية ورميها إلى ساحة العقلية التآمرية، والثانية: العمل على تبرير موقف ماركس التسلطي من الشرق, وذلك من خلال اتهام الطرف الآخر بأنه يجهل الماركسية، من هنا، فإن إعلان التضامن مع ما جاء به العظم, من تكفير وتخوين لادوارد سعيد، يصبح ضرورة تاريخية لنفي سعيد وتشريده, كما يذهب إلى ذلك مهدي عامل، وبذلك تكون هذه النخبة قد أوصدت الأبواب في وجه التجديد، وفي وجه الترحيب بفكر إدوارد سعيد”.

المثقف العربي وأسر الثقافة الغربية..

في كتابه (الأرض اليباب محاكمة الفكر الأسطوري العربي)، يقوم الكاتب “تركي الربيعو” بعمل تحليل نقدي لمجموعة هامة من المفكرين العرب الذين تصدوا لدراسة أسباب فشل نهضة الأمة العربية والإسلامية وانتكاستها الكبيرة بعد حرب حزيران/يونيو 1967، وتأتي أهمية هذا الكتاب في مناقشته مشكلة الأيديولوجية الغربية التي نشأت في القرن السابع عشر, وخاصة الماركسية, التي سيطرت على عقول المفكرين الراديكاليين العرب، كما أسماهم “الربيعو”.

يقوم الكاتب بتحليل خطابات مجموعة كبيرة من هؤلاء المفكرين في ارتباطاتهم الإيديولوجية المسبقة بأنظمة التفكير الغربي والاستشراقي, من أمثال: “د. عبد الله العروي, د. محمد عابد الجابري, د. طيب تيزيني, د. صادق جلال العظم, فراس سواح, ومحمود سليم الحوت, ود. طه باقر, وحسن قبيسي, وسمير أمين, وياسين الحافظ, وعلي حرب, ود. جورج طرابيشي, وخليل أحمد خليل, وسيد القمني, ود. فاضل الربيعي”.

ينتقد “الربيعو” كتابات هؤلاء المفكرون ويبين عدم قدرتهم على تحليل أوضاع المجتمع العربي بسبب ارتباطاتهم الأيديولوجية المسبقة بأنظمة الفكر الغربي الذي ظهر في عصر النهضة, الذي أهمل الأساطير الدينية القديمة وتأثيرها في البنية الثقافية للإنسان المتحضر, كما أشارت إلى أهميته وبينته الدراسات الغربية الحديثة في علم الاجتماع, والانثربولوجيا, والإنسانيات, وعلم الأديان المقارن، ثم يقوم الكاتب باستعراض مجموعة من آراء المفكرين الغربيين حول عجز الثقافة الغربية نفسها، وعدم قدرتها على تجديد نهضتها القديمة في مواجهة الفلسفات والأساطير الهندية القديمة المكتشفة حديثاً، ويتساءل الكاتب عن السر الذي جعل ثقافتنا ومثقفونا تدير ظهرها للاكتشافات الأثرية التي تتضمن نصوصاً أسطورية في غاية الأهمية ؟.

في الفصل الأول يقوم الكاتب بدراسة الدور الكبير الذي قام به “ساطع الحصري”, عندما استلم دائرة الآثار العراقية عام 1920، ومن بعده “طه باقر” وأبحاثه واكتشافاته الهامة, مثل “ملحمة جلجامش”، ثم يتحدث الكاتب عن مضمون الأسطورة في خطاب “طه باقر” وامتداداتها الدينية, في النصوص الإسلامية.

في الفصل الثاني يقول الكاتب “تركي الربيعو”: “لماذا كل هذا التزاحم في المضيق الضيق المحدد بين شك ديكارت في أواسط القرن السادس عشر، وانطباعية كارل ماركس في النصف الثاني من القرن التاسع عشر أيها المثقفون الراديكاليون ؟.. وقد صدر لنا هذا الضرب من العقلانية (التعليلية) مع بداية الربع الثاني من القرن العشرين, وبالضبط مع تأليف طه حسين لكتابه الذائع الصيت (في الشعر الجاهلي), ومع الزخم الإيديولوجي الذي ساد في عقود الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين, الذي سعى إلى تأسيس خطابنا المعاصر على الماركسية كايدولوجيا حداثوية تنويرية (سمير أمين), على ماركسوية مبتذلة تجاوزها التاريخ وظلت مأزومة في مأزق ضيق بين الجبلين من دون أن تكون قادرة على رؤية ما وراء المأزق, ذلك الفضاء الفسيح الذي من الممكن أن يكون مجالاً رحباً لقراءات جديدة في التاريخ وعلم اجتماع الظاهرة الدينية”.

صادق جلال العظم

ويواصل: “وفي رأيي أن أهم الكتابات المعاصرة, التي جاءت في أعقاب هزيمة حزيران/يونيو 1967, التي أرست دعائم العقل التعليلي هو كتاب صادق جلال العظم الموسوم بـ(نقد الفكر الديني), فقد مارس العظم في هذا الكتاب شططاً ومزاجية في فهمه للظاهرة الدينية، واتبعه بكتاب (ذهنية التحريم السائدة في المجتمع العربي),  ثم واصل إصدار بياناته بكتاب دفاعاً عن الماركسية والتاريخ, ثم تخطى ذلك إلى كتاب سماه (ما بعد ذهنية التحريم).

في الفصل الرابع يقوم الكاتب بدراسة كتابين هما: (الأساطير والخرافات عند العرب) لمؤلفه “محمد عبد المعين خان”, وكتاب (في طريق الميثولوجيا عند العرب) لمؤلفه “محمود سليم الحوت”, ويعتبرهما خطوتين هامتين وكبيرتين في الطريق لتأسيس مثولوجيا عربية.. عن كتاب (في طريق الميثولوجيا عند العرب) لمؤلفه “محمود سليم الحوت”, يقول “الربيعو”: “إن الكتاب جاء ليخدم تطلعاً إيديولوجيا قومياً, يتمثل في البحث عن ثقافة عروبوية سابقة على الإسلام, فإن السياق الذي يحكمه هو سياق علاقة الأنا بالآخر, الشرق بالغرب, فالنهضة الغربية الحديثة, أسست نفسها على عودة إلى الماضي البعيد المتمثل في الحضارة الإغريقية، إذاً فالاهتمام الغربي بأساطير الأولين الذي ولده عصر نهضتهم القومية المعاصرة, يجب أن يوازيه اهتمام قومي عربي بأساطير ما قبل الإسلام, الأساطير التي تشغل حيزاً لما يكتشف بعد, ويحتاج إلى مزيد من الاكتشافات”.

في الفصل الخامس يقوم الكاتب بدراسة كتاب “فراس السواح” (مغامرات العقل الأولى: دراسة في الأسطورة – سورية وبلاد الرافدين)، يقول “الربيعو”: “كانت القطرية الضيقة بمثابة غطاء يستر هفوات السواح الكثيرة التي سنتعرض لها، فقد اعتبر الكتاب نقداً للفكر الديني يكمل بشكل أو آخر جهود صادق جلال العظم، وبعد مضي عقد كامل على صدور الكتاب, أكد سواح أنه لم يكن يريد لكتابه أن يكون بمثابة مقدمة لنقد الفكر الديني, خاصة أن سواح بقي ولفترة طويلة يعاني من حالة التأرجح بين الدين والأسطورة, فلم تتضح لديه قط حدود العلاقة بين الأسطورة والدين, بين الأسطورة والتاريخ, بين الأسطورة كمغامرة أولية وبين القداسة التي تهبها الأسطورة هالة ميثولوجية ترفعها إلى مستوى التدين المحض، فالدارس لسواح يلحظ أنه ينحو باتجاه تفسير الأسطورة لا تحليلها, وهذا ما يجعل من عمله الاتنوغرافي عملاً بعيداص عن الانجازات الحديثة في مجال تحليل الأساطير”.

في الفصل الثامن يقوم الكاتب بدراسة كل من “سيد القمني” و”فاضل الربيعي”.

سيد القمني

يقول “الربيعو” عن الكاتب “سيد القمني”: “كانت الدعوة إلى تقويم اعوجاج أهلنا قد وجدت تعبيرها في الدعوة إلى إحراق المجتمع التقليدي العربي, أو البجعة المحتضرة, مهما كانت الآلام التي ترافقها, ثم بعثها من رمادها من جديد على أنغام الاوركسترا التي يعزفها حجاج هذا الزمان, الذي يعزف لحناً مدوياً تاريخياً لا يطرب الأذان، لكن العقد الأخير من قرننا المنصرم, شهد تحولاً مضاداً من داخل الإطار نفسه, أي إطار المادية التاريخية, في محاولة لاستدراك ما فات, والتأسيس لنهج من البحث جديد, يطال التراث عموماً, التراث العربي الإسلامي، وقد دشن هذا الاتجاه الباحث المصري سيد القمني, في كتابيه: (رب الزمان) و(الأسطورة والتاريخ).

يواصل: “سيد القمني يرفض الفرضية الأوديبية حول الأصل الطوطمي للأضحية التي ترى أن الأبناء قد ضحوا بأبيهم الطاغية ثم بجلوه لاحقاً بعد ندمهم واحترموه في صيغة طوطم يقدم كأضحية في كل عيد، ولذلك فهو يرى وبناء على رؤية تأملية خاصة به لكلمة الأضحية والتضحية العربيتين, أن الأب الأول كان فادياً, ضحى بنفسه دفاعاً عن بنيه في وجه ضواري ذلك الزمان, فاستحق بذلك الإجلال والتقدير, الذي وجد تعبيره في عبادة القمر, العبادة التي تميز المجتمعات الرعوية نظراً للتشابه بين الهلال وقرني الخروف أو الثور. فقد تصور الإنسان أن هذا الحيوان هو السلف المعبود, فقام بذبحه في احتفالات خاصة, ثم أكله ليحتويه في أحشائه وبطنه, تذكاراً بتلك الأيام الغابرة. بهذا يثبت المحتكمون إلى المادية التاريخية, أنهم أيضاً يصابون بعدوى الأسطورة, فيهيمون في كل واد وبالأخص في وادي الأسطورة, وراء كان يما كان في قديم الزمان على حد تعبير بريتشارد في تعليقه على فرويد”.

وعن الكاتب “فاضل الربيعي”, يقول “تركي الربيعو”: “يجازف فاضل الربيعي في بحثه عن (الشيطان والعرش: رحلة النبي سليمان إلى اليمن) 1996, في الدخول إلى عالم “الميثولوجيا الإسلامية”, إلى الحقل المسيج بالألغام على حد تعبير محمد أركون, تحدوه رغبة في إعادة الاعتبار للتاريخ الحقيقي المغطى بركام هائل من الحرتقات الأسطورية، إنه يعيش طرح التساؤل الهام عن الكيفية التي يتحول بها الحدث التاريخي إلى حدث أسطوري, ولكنه يذهب في الاتجاه المعاكس وذلك عندما يقوم باستخلاص التاريخي من الأسطوري والذي يتكشف عن لوثة فكرية بقيت كراسب ماركسوي في ثقافتنا المعاصرة”.

وفي النهاية يؤخذ على الكاتب “تركي الربيعو”, أنه انتقد الكتاب العرب في انصياعهم للثقافة الغربية, في حين أنه هو نفسه يستعين بكتاب غربيين ونظرياتهم  كـ”فرويد” و”ليفي شتراوس”.

مات “تركي الربيعو” عن عمر الخامسة والخمسين بعد صراع مع مرض السرطان.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة