9 أبريل، 2024 11:54 م
Search
Close this search box.

“أسرار” .. نظرة من المهجر على الصومال وهو يغرق في الإحتراب القبلي !

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : عرض – سماح عادل :

في رواية (أسرار) للكاتب الصومالي، “نور الدين فرح”، ترجمة “خالد الجبيلي”، إصدار “منشورات الجمل”.. يتناول الكاتب أزمة الهوية في “الصومال” أوائل عقد التسعينيات، وقت سقوط الديكتاتور “سياد بري” وإندلاع الحرب الأهلية.

الشخصيات..

“كالامان”: البطل.. وهو شاب في أوائل الثلاثينات من عمره، يعمل رجل أعمال، وينتمي لعائلة غنية، لكنه رغم ذلك يعيش حياة خاصة بائسة يؤرقها تبعثر أسرته وأحتفاظها بأسرار خطيرة.

“شولونغو”: شابة عاشت باقي حياتها في أميركا.. عندما كانت طفلة أرتبطت مع، “كالامان”، بعلاقة حميمية.. كانت منبوذة منذ ولادتها في مجتمعها لأنها طفلة سيئة الطالع، مما دفع أمها إلى تركها في الغابة لتموت، لكنها عاشت بمساعدة الحيوانات المفترسة؛ مما زاد من نفور الناس منها لشكهم أنها ساحرة، وأنها تمتلك قوى حيوانية سحرية.. تظهر في حياة “كالامان” فجأة وتسبب له توتر ومشاكل كثيرة ليكتشف بعدها سر حياته.

“داماك”: أم “كالامان”.. سيدة قوية، بدأت حياتها فقيرة تبيع الخرز، ثم تزوجت من رجل غني وأصبحت تدير أعماله الخاصة.

“نونو”: جد “كالامان”.. رجل غني ذا شأن في الصومال، يتمتع بقوة سحرية تجعله يتواصل مع الحيوانات، وهو رجل حكيم وقوي الشخصية ومع ذلك هو عطوف بمن حوله.

“ياقوت”: أبو “كالامان”.. تمرد على أبوه في شبابه ورفض إكمال تعليمه وأصبح يعمل في تزيين قبور الموتي، ثم في صناعة حلي فضية وحلي بالغة الروعة في صناعتها.. كان أباً حنوناً وزوجاً صالحاً يدعم زوجته ويربي ابنه بحنان.

“آرباكو”: سيدة صديقة لأم “كالامان”.. تعمل هائمة، ويعني ذلك نوع من النساء المطلقات أو الأرامل اللاتي تخلصن من سلطة الزواج في مجتمع قبلي وأصبحن أحراراً بمعنى ما، وسعين للقيام بدور الوسيط بين الناس، يسهلن أمور الزواج، وأمور علاقات الحب والجنس، ويسهلن مصالح كثيرة بين الناس مقابل المال.. ولقد كانت “آرباكو” هامة في أسرة “نونو”، حيث ساعدت “داماك” كثيراً في بداية حياتها.

الراوي..

الحكي في الرواية أسند لعدة رواة.. الأول كان “كالامان”، الذي حاز على نسبة كبيرة من الحكي في الرواية، ثم الجد “نونو”، ثم “داماك”، ثم “شولونغو”، ثم يعود الحكي في يد “كالامان” مرة أخرى، لتنتهي الرواية بحكيه.. وتعدد الرواة مهارة لا يملكها إلا كاتب متمرس في مهنة الكتابة، وقد برع الكاتب في تصوير وجهات النظر المختلفة للرواة لنفس الأحداث التي تقع.

السرد..

السرد بارع ومتميز.. يشعر القارئ بالتشويق منذ البداية وحتى النهاية، رغم أن الكاتب يعطي تنبؤات عن ما سوف يحدث، كما يعطي إشارات للأسرار التي ستنكشف في النهاية.. تقع الرواية في (358) صفحة من القطع المتوسط، وتمتلئ بالأحداث المتتابعة ليصل السرد في النهاية إلى ذروته.

أزمة هوية..

الرواية تدور في “مقديشو” في الصومال عام 1991، وقت وقوع نظام الديكتاتور “سياد بري”، وبداية حرب أهلية بين القبائل المختلفة في الصومال، وبداية إنهيار الصومال كدولة متماسكة وتحولها إلى بلاد تعاني من أزمة ومجاعة وصراعات.. لكن الكاتب لا يعطي الحكي عن الأمور السياسية سوى مكانة ثانية، فقد أعطى الأولوية لحكاية أسرة “كالامان”، وعلى خلفية الأحداث التي تدور لتلك الأسرة يتم تناول مشكلة الصومال السياسية.. “كالامان” رجل مؤرق، حياته منذ الطفولة تسير بشكل غريب، فهو يشعر بأن والديه يخفون عنه سراً ما، لذا يتقرب أكثر من جده “نونو”، ثم تتقرب إليه “شولونغو”؛ ويصبح مفتوناً بها، وتكره “أمه” ذلك وتحارب الفتاة، وحين تعود “شولونغو” بعد سنوات طويلة للبحث عن “كالامان”؛ تحاربها أمه مرة أخرى وتريد قتلها، ونتيجة لذلك التوتر يبدأ “كالامان” في التخبط ويزور والده وجده ليكتشف بعد ذلك سر حياته، وهو أنه طفل نتج عن حادثة إغتصاب جماعي حدثت لأمه، وأن “ياقوت” ليس أبيه وأنه لا ينتمي لعائلة “نونو”، ويهزه ذلك كثيراً ويشعر أنه فقد هويته وذاته.

لكن “نونو” يساعده على تقبل الصدمة، ويظل يعامله كجد، وينتقم لـ”داماك” ممن فعل بها ذلك، حيث أستغل أحد الرجال كونها فتاة ضعيفة بلا عائلة تعيش مع عمتها، ولفق عقد زواج لها، وطالبها بأموال بسبب كونه زوجها؛ وحين رفضت باع ورقة الزواج لأحد المجرمين، الذي تولى أمر إغتصابها مع عدد من أصدقائه، وكانت “داماك” ضعيفة في ذلك الوقت؛ فساعدتها “آرباكو” في البحث عن الرجل الذي تسبب في مصيبتها، لكنه كان الرجل الخطأ، حيث يتشابه في اسمه مع من تريده “داماك”، ووقعت في حب “ياقوت” منذ أول لقاء واتفقا على أن يعيشا سوياً باقي العمر، وقد دعمها “ياقوت” كثيراً وعالج آثار الإغتصاب، الذي حدث لها، النفسية. وحين إنكشف السر بعد أكثر من ثلاثين عاماً أنتقم “نونو” من الرجل الذي فعل ذلك بـ”داماك”، ثم مات مرتاحاً بعد أن ترك ثروته لحفيده “كالامان”..

وعلى خلفية تلك الأحداث يحكي “كالامان” عن الميليشيات، التي تستعد لتولي الأمر في البلاد، والتي تقتل الأبرياء في الشوارع، والتي تفتش الناس بشكل دوري، وبداية ظهور الإنتماء العشائري والقبلي مقابل فكرة المواطنة، التي كانت تجمع كل الصوماليين، فقبل إستقلال الصومال، في سنة 1960، كان الصومال مكاناً للتنافس بين بريطانيا وإيطاليا، وفي السبعينيات تحول إلى مسرح لمناورات الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وبعد سقوط نظام “بري”، في سنة 1991، تحول إلى ساحة للمواجهة بين زعماء القبائل المحلية، أباطرة الحرب الأهلية، الذين لم يفقدوا، إلى الآن، سيطرتهم على مجريات الحياة السياسية والاجتماعية، رغم المقاومة العنيفة لعناصر التقسيم العرقي واللغوي والعقائدي. ويحمل الكاتب، على لسان “نونو”، مسؤولية الإنهيار، الذي يوشك أن يحدث لبلاده، ليس فقط للديكتاتور الذي أذل شعبه، ولكن للناس أنفسهم الذي سكتوا على حكمه الظالم ولم يتصدوا له.

خصوصية الصومال..

رغم أن الكاتب قد هجر بلاده، وعاش سنوات طويلة خارجها، إلا أن روايته محملة بكثير من طقوس وتفاصيل الحياة في الصومال، فيشعر القارئ بجمال الطبيعة، النهر الذي يجري ويصطاد فيه الناس التماسيح، والحيوانات التي تتواصل مع البشر وتعيش معهم في منزل واحد، كما يحكي الكاتب عن الطقوس السحرية وعن معتقدات شعبه حول أمور كثيرة، مثل كون الغراب إلهاً في الديانة السابقة على المسيحية والإسلام وبعض المعتقدات الأخرى، كما يصور الهوس الكبير لممارسة الجنس، الذي يتمتع به بعض الأبطال، والميزة في أن هذه الخصوصية لا يعرضها الكاتب وكأنه يعرف بها القراء الأجانب على بلاده، مثلما يفعل بعض الكتاب من المهاجرين من أوطانهم لبلدان أخرى، وإنما يحكي عن خصوصية وطنه كجزء من سياق الحكي وجزء من الأحداث المعاشة في هذا البلد، كما يقدم الكاتب تحليلاً لأسباب إنهيار بلاده مطعم ببعض الأحلام الموحية والرموز المستقاة من بيئته، متنبئاً بما سوف يحدث لبلاده من مجاعة وفقر ودمار.

الكاتب..

“نور الدين فرح”، كاتب صومالي، يكتب الإنكليزية، أهتم بتحرير المرأة في فترة ما بعد الإستقلال.. ولد في الصومال عام 1945، وكتب روايته الأولى عام 1970، بعنوان: (من ضلع معوج).

كتب ثلاثيتين، وتُعد روايته (خرائط)، الرواية الأولى ضمن ثلاثيته الثانية (دماء في الشمس)، هي أهم رواياته بإجماع النقاد، كما أنها أشهر أعماله، وكتبها عام 1986. وعاش طويلاً في المنفى، (22 عاماً)، خشية رد فعل الحكومة على كتاباته الجريئة، ثم عاد إلى الصومال عام 1996، بعد أن أمضى منفاه في الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا والسودان وغامبيا والهند ونيجيريا.

إحدى رواياته اعتبرها نظام “سياد برى” مناهضة له ومنع توزيعها، وحكم عليه بثلاثين عاماً وتم إصدار حكم بالإعدام غيابياً عليه بسبب إنتقاداته للنظام الديكتاتوري.

وقرر “فرح”، بلا تردد، البقاء في إيطاليا، حيث عمل في البداية كمترجم، قبل أن يركز إهتمامه مجدداً على الكتابة. وبعد إقامته في دول إفريقية مختلفة؛ إنتقل منذ عام 1999 للعيش في جنوب إفريقيا، ورغم أنه كان يمكن لفرح أن يعود إلى وطنه بعد إسقاط الدكتاتور “سياد بري”، إلا أن البلاد إنزلقت إلى حرب أهلية متواصلة لأكثر من عقدين. وبعد إستقرار محدود ونسبي، جاء الإعتداء على مقر الأمم المتحدة في مقديشو ليذكر بأن العنف لا يزال يهدد البلاد.

بعد إصداره روايته الثانية (من ضلع أعوج)، توالت رواياته: (الإبرة العارية)، كما أصدر ثلاثيتين وهما: ثلاثية (تنوعات في دكتاتورية إفريقية) ما بين 1980 – 1983، التي تتألف من (حليب حلو ومر)، (السردين)، (أغلق يا سمسم)، ثم ثلاثية ثانية بعنوان: (دماء تحت الشمس).

إكتسب “فرح” شهرة عالمية بعد فوزه بالعديد من الجوائز الأدبية في إيطاليا، السويد، ألمانيا، فرنسا، من ضمنها “جائزة نيوستاد” عن مجمل أعماله الأدبية عام 1998، وهي جائزة تُمنح كل سنتين وتُعد ثاني أهم جائزة أدبية في العالم بعد “نوبل”، التي رشح لها أكثر من مرة كان آخرها عام 2015.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب