7 مارس، 2024 10:37 ص
Search
Close this search box.

أحمد الزبيدي.. أرخ لثورة ظفار وحافظ على موقفه ومبادئه

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: إعداد- سماح عادل

“أحمد الزبيدي” قاص وروائي وناشط نقابي وسياسي، ولد عام 1945 في ظفار بجنوب سلطنة عمان، تنقل في شبابه بين مصر وسوريا والعراق للدراسة والتعلم، درس الحقوق بجامعة دمشق، كتب في مجلة (الأزمنة) الإماراتية وصحيفة (الخليج) وبعض المجلات اليمنية ونشر أول مجموعة قصصية له بعنوان (انتحار عبيد العماني) عام 1985.

من أبرز مؤلفاته (إعدام الفراشة) عام 2008 و(أحوال القبائل عشية الانقلاب الإنجليزي في صلالة) عام 2008 و(سنوات النار) عام 2012 و(امرأة من ظفار) عام 2013.وكانت آخر أعماله رواية (الانتماء.. النبي العُماني يونس).وقد فاز “أحمد الزبيدي” بجائزة الإنجاز الثقافي البارز في سلطنة عمان لعام 2013.

تمرد وعزلة..

تقول “باسمة القصاب” في مقالة بعنوان “الظفاري المتمرّد أحمد الزبيدي: 69 عاماً من العزلة”: “كانت “ظفار” الواقعة جنوب عمان، تعيش عزلتها عن العالم جيلاً وراء جيل، أريد لهذه المنطقة التي اتخذها الحكم عاصمة له وأدارها مثل إقطاعية خاصة، أن تكون معزولة وسط ثالوث الجهل والمرض والفقر، وأن يتربع الخوف عازلاً أكبر يحيل دون أية مواجهة أو رفض للاستبداد.في 1965، كانت ظفار قد قرّرت أن تخرج على خوفها وعزلتها القسرية مهما كلّف الثمن. في التاسع من يونيو/ حزيران أعلنت ”جبهة تحرير ظفار” الكفاح المسلَّح رسمياً ضد الحكم الذي استرسل في غلق بوابة عمان عن كل العالم، وجعلها تتكاثر جيلاً بعد جيل وسط الجهل والفقر والمرض والخوف. لم تنجح الثورة في تحقيق هدفها العسكري في تحرير ظفار، وتم وأد الحلم كاملاً في منتصف السبعينات، لكن رغم ذلك، فإن هذه الثورة (بكل ما لها وعليها)، كانت البوابة التي أخرجت ظفار من بدائيتها وظلامها المطبق، وشكّلت بداية انفتاحها على العالم والتعليم والصحة”.

وتضيف: ““69 عاماً من العزلة” هي عمر أحمد الزبيدي وخلاصة تجربته كما أراها، فبينه والعزلة علاقة شائكة ومتوترة. كل شيء في حياة الزبيدي قادم من العزلة أو مهدّد بها. لعبت العزلة دورها في حياته منذ ساعة ولادته، وفي المقابل، لعب الزبيدي دوره في التمرد عليها طوال حياته، وأحياناً اختارها كموقف.. الزبيدي هو ابن ظفار، مولود في تيه عزلتها الأولى، وابن تاريخها العصي الذي تمردّت فيه على عزلتها المفروضة عليها. عاصر أحداثها الملتهبة بكل تداعياتها المعقّدة والملتبسة، قبل أن تُلجم الثورة، ويُلجم الكلام، ويصير تاريخاً ممنوعاً من التداول، وممنوعاً من الخوض فيه أو توثيقه أو حفظه، أي قبل أن تتحوّل ثورة ظفار إلى تاريخ معزول أيضاً.. الزبيدي الظفاري، تخرج من المرحلة الابتدائية بالمدرسة السعيدية بظفار عام 1960. ثم انتقل إلى العاصمة مسقط، ارتبط اسمه بتاريخ الحركة الوطنية العمانية مبكراً، فتم (عزله) نفياً إلى المهجر خارج عمان. نشط في صفوف الحركة الطلابية في القاهرة خلال المرحلتين الإعدادية والثانوية، ومنها ذهب دمشق لمواصلة دراسته الجامعية في القانون، وهناك بقى 15 عاماً، ثم إلى العراق التي قضى فيها مرحلة انتقالية. كرَّس جهده في سبيل وحدة الحركة الطلابية العُمانية، وترأس رابطة الطلاب العُمانية بدمشق، واللجنة التحضيرية لاتحاد الطلاب العُمانيين منذ تأسيسها 1968، وحتى انعقاد المؤتمر التأسيسي للاتحاد الوطني للطلاب العُمانيين في بغداد 1973.. “عفا الله عما سلف” التي أُعلنت شعاراً بعد الانقلاب العسكري المدعوم من قبل بريطانياً في 1970، وأُعلن بها انتهاء حكم وبداية حكم آخر، وأُعلن معها البدء بمرحلة إصلاحية جديدة في تاريخ عمان، لم تُنه مرحلة (العزل) عن الزبيدي، فبعد دعوة العُمانيين المعزولين (المنفيين) والمهجرين كافَّة إلى العودة تحت هذا الشعار عاد الزبيدي، لكنه اعتقل إثر وصوله مسقط وبقى معتقلاً حتى أواخر 1971”.

وعن استمراره في موقفه المتمرد تقول”باسمة القصاب”: “كان يراد للزبيدي أن يعتزل موقفه الصريح المناوئ للأنظمة الشمولية الاستبدادية، أن يعتزل مواقفه تجاه المطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة الاجتماعية. لكنه بقى ذاهباً فيها أكثر. لقد عاد الكثير ممن شاركوا في الثورة المسلّحة في ظفار واندمجوا مع الدولة، وصار كثير منهم من رجالات السلطة ومضوا على نهجها، وأغلقوا ذاكرة الثورة داخل صندوق تاريخهم كمن يريد طيّه ونسيانه. لكن الزبيدي الذي لم يشارك (فعلياً) في الثورة المسلّحة، ولديه رؤيته النقدية تجاه الكثير مما حدث فيها، لم يفعل، بقى يطالب بمشروع إصلاحي حقيقي يقوم على تفعيل إرادة الشعوب لا الملوك. لهذا بقى عزله قائماً بشتى السبل. تم تعيينه لاحقاً في وزارة التربية والتعليم، ليقضى عمره الوظيفي في غرفة معزولة مُجمَّدًا، دون مسمًّى وظيفي أو عمل.. اختار الزبيدي اعتزال السلطة وجميع المؤسسات التابعة لها من الجمعيات الأدبية والثقافية، يرى أنها مؤسسات تمثّل السلطة لا المثقفين والأدباء المتحررين من تبعيتها، وأن هذه المؤسسات الثقافية الحكومية تهيمن على شؤون الأدب والثقافة في البلد. يحسم الزبيدي موقفه بقوله“أية مؤسسة ثقافية لا تمتلك القدرة على أن تنتخب مجلس إدارتها بشكل ديمقراطي، لن أكون يوماً جزءا منها. المؤسسة الثقافية إن لم تكن ديمقراطية ومتحررة من هيمنة السلطة، كيف لها أن تقوم بدورها الطبيعي: أن تحرر الآخرين من كل أشكال الهيمنة”.. حتى 2010 كانت روايات الزبيدي ممنوعة من دخول عمان، وحتى سنوات قريبة ظل اسمه ممنوعاً في الصحافة والإعلام العمانيين. وتم التحقيق معه في 2009 لمدة 3 أيام متتالية حول مقاصده من رواياته. كان التحقيق يستمر لمدة 10 ساعات يومياً رغم ظروف الزبيدي الصحية المتردية. اتهمت كتبه بأنها “تبث السموم والأمراض” كما صرح بذلك مدير عام الإعلام العماني في معرض رده على سبب منع إحدى رواياته من دخول معرض مسقط في 2009. لكن العزل لذي أريد له أن يكون كسراً لعظم الزبيدي، ظل محل إنتاج متمرد عصي أكثر”.

الكتابة من أجل الحقيقة..

ويقول “أحمد الزبيدي” عن هدفه من الكتابة في كتاب “عبيد العماني حيا”: “إنني أكتب من أجل الحقيقة، والجمال، وفي سبيلهما. وبعض كتاباتي في القصة القصيرة والرواية، لم تكتب من أجل هذه المرحلة. بل من أجل مرحلة يكون فيها القارئ شريكاً فاعلاً في إعادة إنتاج الرواية. بل وفي نقدها وتغيير مساراتها”.

و في إحدى مقابلاته ينصح “أحمد الزبيدي” الكتاب الشباب: “أقول لهذا الجيل الجديد من الكتاب العمانيين إنه لا يصح إلا الصحيح. وإنه ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع. وأقول لهم إن الكاتب الحقيقي لا يخون كتابته. وأقول لهم: إنكم ستخوضون في بحيرة التماسيح الجائعة. وإن عليكم أن تعبروا هذه البحيرة وتماسيحها، بكل إيمان وعزم”.

امرأة من ظفار..

في مقالة بعنوان “سؤال الرواية والتّاريخ في رواية “امرأة من ظفار” لأحمد الزبيدي” تقول “عزيزة الطائية”: “يتابع أحمد الزبيدي في امرأة من ظفار مشروعه الروائي الذي يحفل بالتّاريخ وينسج تخييلاً سردياً يحيل على واقع معيش، ويهدف إلى إنتاج معرفة تضيء الحقيقة وتعيد صياغة معانيها، علّنا نحن المعنيين بمصائب زمننا ومآسيه، ندرك مسؤوليتنا. يبدو في روايته هذه أكثر جرأة وقدرة على التّحرر من التقاليد التي طبعت الرواية الواقعية على خلفية الملازمة بين الواقع المرجعي والإحالات الرّوائية عليه وفق نمط من البناء قوامه الزّمن الخطي النّامي تصاعدياً، والاستعاضة عن ذلك بأدوات وتقنيات تنتمي إلى غير نوع من أنواع الكتابة وأساليبها. فهو يداخل بين كتابة السّيرة، وحكاية الحكاية، وسرد التّاريخ، وتقديم المقالة، ليبني فضاءات عالمه الروائي وفق ملاءمة نسجية، غير تجاورية، بين المدونة، والرّسالة، والشّهادة الحية، والاقتباس، والبيان، والمعاينة الشّخصية للراوية. وبكل هذا التّداخل ينسج الكاتب، وبمهارة فضاءات روايته، ويغزل سياقاته المتوترة. وهو ما يكسب شعرية التّأليف الروائي جمالية لاهثة وراء معرفة الحقيقي، ويوفّر للقراءة متعة اكتشافه. كأنّه بذلك يود أنْ يتجاوز تقاليد الكتابة الروائية من جهة، وأنْ يطيح من جهة ثانية بمقومات مفهومية. بنائية كادت بعض الروايات ما بعد الحداثية تكرسها وتقصر مفهوم الكتابة الروائية عليها”.

وتستطرد : “إنّه التواطؤ مع الذّات، أو الجهل أو السّقوط في هوة المعرفة بعد ضياع الحقيقة. فالرّواية تقول: التّاريخ المرجعي لحقيقة ثورة ظفار وناسها، سيرة ذاتية، هي رواية امرأة من ظفار: ذات المعسكر، وذات الأرض، تاريخها ومجتمعها وأمكنتها. إنّها سيرة الهدم والبناء، ونفوذ الخارج والداخل من التفاصيل والجزئيات، مما لا يُرى أو لا يحسب له حساب، فيتراكم ويؤول إلى ما يفاجئ بهوله وعمق مأساته. مسيرة تستدعي سيراً لأشخاص ومؤسسات ومنظمات وأماكن، كي تكشف عن معنى غرق الذات في الآخر المحدد بمقاصده لا بدينه وعرقه. وهذه المقاصد هي هوية سياسية قوامها المال والربح والاستثمار، ومآلها وطن عرقي.. فلقد كتب أحمد الزبيدي رواية أضمرت فيها دعوة إلى الاهتمام بالحكاية، حكاية الثورة في الجنوب العُماني. وقاده اهتمامه بهذه الحكاية إلى ممارسة كتابة الاختلاف البنائي للنّوع الأدبي الروائي. ولم يكن دافع الاختلاف شكليا، بل هو مرتبط بمادة الكتابة نفسها، بالمرجع، بموضوع الكتابة عن ثورة الجنوب أو حكايتها”.

انتحار عبيد العماني..

ويقول  “د. ضياء خضير” في مقالة “قراءة في مجموعة “انتحار عبيد العماني””: “تمثل مجموعة أحمد الزبيدي (انتحار عبيد العماني) الصادرة عام 1985 أنموذجا بالغ الدلالة على الوعي المأزوم في القصة العمانية. الوعي الذي يبلغ حدودا خطرة في مضامينه ودلالاته المباشرة والرمزية، بحيث لا يؤدي فقط بالراوي أو بطله المروي عنه إلى الانتحار، كما فعل (عبيد العماني) في هذه المجموعة، وإنما قد يقود إلى انتحار الكاتب نفسه، أعني صمته وعدم قدرته على تجاوز الحدود الملغومة التي سمح لوعيه بالتحرك فيها، في إطار مرحلة زمنية معيّنة..على الرغم من أن نموذج عبيد العماني يسجل بطريقته الخاصة ملامح مرحلة معينة من تاريخ عمان، ربما وضعت واقعة الانتحار نهاية مبكرة لها، فإن هذا النموذج البشري ما زال موجودا في بعض النصوص القصصيّة العمانية، ولو بطرق وأساليب مختلفة، مجسدا بقايا ما عانته الأجيال العمانية السابقة من إذلال وامتهان في ظل التخلف والجهل والفقر، وأيضا نتيجة لبعد المسافة القائمة بين أحلامها وبين الواقع الذي انتهت إليه”.

ويؤكد : “إن قصص أحمد الزبيدي تنزاح، على المستوى الفني، عن السنن القاصدة والقواعد المعروفة في الكتابة السردية. فهي قصص مهووسة بنوع معيّن من التعبير البلاغي الذي يشكل في مجموعه رمزا كليّا واستعاريّا ساخرا وقابلا للتأويل بأشكال مختلفة. وهو يمكن أن يتحول في بعض الحالات إلى برقع أو قناع شفّاف يكاد لا يخفي ما وراء جلدته من دلالات سياسيّة وفكرية واجتماعيّة وأيديولوجية”.

ويقول “سعيد بن عبد الله الدارودي في مقالة “الزُبيديُّ الأديب الذي لم يرحل”: “الروائي أحمد الزبيدي من روَّاد السرد في سلطنة عُمان، وأحد أهم كتاب الأدب السياسي في جزيرة العرب، وكان لتنقله مُبكراً من أجل تحصيل العلم بين بغداد والقاهرة وعدن وسورية والخليج العربي؛ تأثيراً واضحاً في صقل انتمائه القومي والإنساني..لم تُسلّط الأضواء على ذلك المثقف الذي ظل شامخاً ثابتاً ومن حوله تساقط ثلة من المثقفين والكتّاب. الذين برّروا سقوطهم المشين  بمبررات لا يقبلها من هو “ضمير الأمة” حقاً.. لم تُسلّط الأضواء على ذلك السياسي والناشط النقابي والقاص والروائي الذي ظل وفيَّاً لمبادئه إلى آخر رمق”.

ويقول عنه “سعيد الهاشمي” في مقدمة كتاب”عُبيد العُماني حيّاً”، الذي أعدّه وحرّره الكاتبان العُمانيان “سليمان المعمري” و”سعيد الهاشمي” وجمع كتابات عدد من الكتاب عن “أحمد الزبيدي”، بأنه: “لم يكتفِ بالعزلة بل حولها إلى مشروع حياة. لم ينشغل بالسائد، كان مهموماً بالذاكرة الوطنية كيما يبعثها إبداعياً، ويخلّد أرواحها النبيلة المثقلة بالغياب. لم يختر الكتابة ليعيش ويتكسب، بل ليتألم ويحب. لم ينتظر الثمن لأنه يعرف قدَر الحقيقة. لم يزاحم أهل الطموح، ولا باعة الزمن لأنه مشغول بطفولته وذكرياته. لم يكسره النبذ والخذلان والحصار لأن الصوفي الذي يسكن داخله من أهل الله الطيبين”.

عشية الانقلاب الانكليزي..

“رواية أحوال القبائل” هي الرواية الأولى من ثلاث روايات نشرت لـ أحمد الزبيدي و يؤرخ من خلالها للثورة ظفار التي انطلقت في منتصف ستينات القرن الماضي: “أحوال القبائل” نشرت عام ٢٠٠٨، “سنوات النار” نشرت عام ٢٠١٢ و”امرأة من ظفار” نشرت عام ٢٠١٣.. و يميل الزبيدي في”رواية أحوال القبائل”  إلى الرمزية، خيث يدور محور الرواية  عن انتقاد مجموعة الثوار الذين تراجعوا عن المشروع الثوري وانضموا إلي معسكر السلطة الحاكمة  في أعقاب حركة التصحيح التي شهدتها السلطنة بعد انقلاب عام ١٩٧٠، وتولي السلطان قابوس لمقاليد الحكم.

المرأة والثورة.. 

يقول “محمد الشحري” في مقالة “«امرأة من ظفار».. رواية  من زمن الثورة”: “ما إن ينتهي القارئ من قراءة رواية «امرأة من ظفار»، للكاتب والروائي العماني أحمد الزبيدي، حتى تدلف إلى باله أسئلة عدة عن وجه الشبه بين المرأة والثورة، فكلتاهما يُفتتن به، ويُتعلق به، وكلتاهما يحلم بالأمل، ويحمل بذور التمرُّد على الواقع السياسي والاجتماعي وعلى الظلم والاستبداد والقنوط، وكلتاهما أيضا تتعرض للخيانة.. الخيانة التي افتتحت واختتمت بها صفحات رواية «امرأة من ظفار»، والتي اعتبرها مكملة لروايتين سابقتين، هما «أحوال القبائل عشية الانقلاب الإنجليزي في صلالة التي صدرت 2008»، ورواية «سنوات النار التي صدرت 2012»، الصادرتان أيضا عن دار الفارابي، سواء بتقاطع البُعد الزماني والفضاء المكاني، أو من حيث تواتر الأبطال في الأعمال الثلاثة، فالزمان هو ما بعد منتصف ستينات القرن الماضي، والأمكنة هي ظفار وعاصمتها صلالة ومدن الخليج العربي، ودمشق، والشخصيات ثوار يتعرَّضون لسلسلة من الهزائم العسكرية والنفسية وتدمير مشاريعهم الفكرية، فتتحطم معنوياتهم على مذبح التخاذل، الذي يتقدم إليه رفاقهم من دون اعتبار للمبادئ التي آمنوا بها، ولا لشرف دماء الشهداء التي أريقت في سبيل تغيير الحال إلى الأفضل، فتنهزم نفسيات بعض الثوار أمام إغراءات المال والوجاهة التي تهبها السلطات الحاكمة في الخليج، المدعومة من المستعمر الإنجليزي.. إذا كانت روايتا “أحوال القبائل”  و”سنوات النار”، قد احتجبتا خلف ساتر الرمزية التي مارسها الكاتب في هذين العملين، فإن «امرأة من ظفار»، قد هتكت هذا الحاجز، ووضعت الشخصيات والأحداث على محك الوضوح، ونفت عنها الغموض، وهنا نتساءل، هل تخلص الزبيدي من ذاكرته في هذه الرواية وقال ما لم يقله في أعماله الأدبية السابقة، إضافة إلى مجموعته القصصية «انتحار عبيد العماني»، و«إعدام الفراشة»؟ أم أن الذاكرة تخلصت من الكاتب ونقده للمرحلة التي عايشها، وكان جزءاً منها، راصداً تحولاتها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ونتائجها التي تحدثت عنها «مثال»، البطلة الرئيسة في صفحات «امرأة من ظفار»؟”

ويواصل : “فالمرحلة التي خاض الزبيدي غمارها كانت مرحلة تصاعد الأيديولوجيات في الوطن العربي، وقيام حركات التحرر الوطنية في دول العالم الثالث، وكانت فعلاً مرحلة الآمال والغايات المنشودة، والهزائم والنكسات والخيبات، أيضا، مع ما تحمله معها من تحولات ومن انقسامات على جبهات عدة وتصدع نضالي وتبديل أماكن وارتداء قناعات وارتداد أفكار أفضت إلى خيانات للضمائر، وشراء الذمم، وتنكر لرفاق المرحلة والسلاح، وهي صفات لازمت الجنرال علوان، الشخصية الأكثر جدلا في رواية «امرأة من ظفار».. ما يميز رواية الزبيدي، أنها كتبت من قاع التحولات السياسية والفكرية التي كان واكبها”.

سيرة ذاتية..

ويقول “جعفر الجمري” في مقالة له: “يحيلنا الروائي والكاتب العماني أحمد الزبيدي في الجزء الأول من ذاكرته/ سيرته الذاتية «نبش الذاكرة»، إلى ذاكرة الناس والمكان، وفعل التوحش والظلام أيضاً، في فترة تاريخية كانت بلاده في قلب ذلك الظلام والفقر والأمراض والتوحش والنهب وشهوة السطوة.. ولعل أكثر الصور الحادَّة لذلك الواقع الغارق في الظلام والبؤس، تلك التي ينحتها الزبيدي من واقع كان شاهداً عليه ومقيماً فيه. «كانت بريطانيا شريكة فعلية لهؤلاء الطغاة… بل إنها منعت عن سكَّان جنوب اليمن وعُمان (حبَّة الأسبرين)، ومنعت وصولها بالقوة المسلَّحة من مصادر أخرى حين أمكن ذلك».. وفي موضع آخر «حاصرت الأساطيل البريطانية الموانئ حتى لا تتسلل حبَّة أسبرين واحدة قد تشكِّل سابقة خطيرة في هذا البلد التعيس».. كل ذلك لم يحل بين شعب ظفار وبين استلهام الحياة في أجلى وأعز خياراتها، بالكرامة والعزة والاستماتة لإرجاع الحياة إلى مسار حركتها الطبيعية، أو ما هو أقرب من ذلك. كان الغناء أحد تجليات الانتصار على الحياة، وكذلك اللهو البريء.«بالغناء واللهو البريء قاوم شعب ظفار الموت وأكد على انتصار الحياة».. وباعتباره أحد شهود تلك المرحلة، يكتب الزبيدي التحولات والانتقالات والصراع ما بينهما، واستماتة الإنسان العماني في حراكه الذي كانت له أثمانه الموغلة في الفداحة والخسارات ومحيطات من الألم والدموع والمعاناة..كتاب يستنفر الذاكرة كمدخل أول لفضح عالم وزمن الاستبداد والطغيان، في معالجة تستنهض تلك الذاكرة التي تبدو شخصية، ولكنها ضمن ذاكرة جمعية مع فارق أن صاحبها توافرت له الجرأة كي يسردها بأدوات الرواي القدير.. بلغة الشاعر تارة، وعوالم الرائي والروائي تارة أخرى، وبلغة الشاهد والشهيد تارة ثالثة، يكتب الزبيدي سيرة الوقت والمكان والبشر، والأحداث والغرباء والطغاة والثوار والمنتفعين، وفوق هذا وذاك، مساحة للقلب والروح والطفولة والطيش والنزق”.

وفاته..

توفي  أحمد الزبيدي” في مارس 2018 عن عمر يناهز 72 عاما

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب