16 نوفمبر، 2024 3:33 ص
Search
Close this search box.

قصة الحضارة (79): تعمق الهنود في الفلسفة وتعددت المذاهب فيها

قصة الحضارة (79): تعمق الهنود في الفلسفة وتعددت المذاهب فيها

خاص: قراءة- سماح عادل

يظهر الكتاب اندهاشه بقدرة الفلسفة الدينية لدى الهنود على التوغل عميقا في العقل البشري، ويواصل طرح المذاهب البرهمية. وذلك في الحلقة التاسعة والسبعين من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.

2– مذهب فايشيشيكا:

يواصل الكتاب الحكي عن المذاهب البرهمية في فلسفة الهند القديمة: “وكما أن جوتاما هو في الهند بمثابة أرسطو، فكذلك “كانادا” هناك بمثابة ديمقريطس؛ وأن اسمه الذي معناه “آكل الذرات” ليدل بعض الدلالة على احتمال أن يكون شخصاً أسطورياً خلقه خيال المؤرخين؛ ولم يتحدد بالدقة تاريخ صياغة هذا المذهب الفايشيشيكي، فيقال أنه لم تتم صياغته قبل سنة 300 ق.م ولا بعد سنة 800 م، واسمه مشتق من كلمة “فيشيشا” ومعناها “الجزئية”:

فالعالم في مذهب “كانادا” مليء بطائفة من الأشياء، لكنها جميعاً لا تزيد على كونها تركيبات مختلفة من الذرات، صيغت في هذا القالب أو ذاك، وتتغير القوالب، لكن الذرات يستحيل عليها الفناء؛ ويذهب “كانادا”- على أتم شبه بديمقريطس فيما يذهب إليه- يذهب إلى أنه ليس في العالم إلا “ذرات وفراغ” وأن الذرات لا تتحرك وفق إرادة إلهية عاقلة، بل بدافع من قوة غير مشخصة، هي القانون- أو “أدرشتا” ومعناها “الخفي”.

ولما كان الثائر في تفكيره لا ينسل إلا خَلفَاً جامداً، فكذلك كان الأنصار المتأخرون لمذهب فايشيشيكا يعجبون كيف يمكن لقوة عمياء أن تخلع على الكون نظاماً ووحدة، فوضعوا عالماً من أنفس دقيقة جنباً إلى جنب مع عالم الذرات، ثم جعلوا فوق العالمين إله عاقل وهكذا ترى نظرية ليبنتز في “التناسق الأزلي” موغلة في القدم”.

3– مذهب سانخيا:

ويضيف عن المذهب الثالث: “يقول مؤرخ هندي عن هذا المذهب “إنه أبعد المذاهب الفلسفية التي أنتجتها الهند دلالة” ولقد وجد الأستاذ “جارْب” الذي كرس شطرا كبيرا من حياته لدراسة سانخيا، عزاء لنفسه إذ وجد أن “مذهب كابيلا قد اشتمل لأول مرة في تاريخ العالم استقلال العقل الإنساني وحريته الكاملتين، وثقته التامة بقدراته” وهو أقدم المذاهب الستة ولعله أقدم مذهب فلسفي ولسنا ندري شيئاً عن “كابيلا” نفسه، سوى أن الرواية الهندية تزعم- في استهتار بدقة التواريخ كالذي تراه عند التلميذ الناشئ- تمجيداً له، أنه مؤسس فلسفة سانخيا في القرن السادس قبل الميلاد.

يجمع “كابيلا” في شخصه الواقعية والاسكلائية، وهو يبدأ كلامه بما يكاد يشبه أقوال الأطباء، إذ يضع قاعدة في أول حكمه يسوقها، وهي “أن انعدام الألم انعداماً تاماً.. هو أكمل غاية ينشدها الإنسان”، وهو يرفض الاكتفاء بمحاولة الإنسان اجتناب الألم بوسائل جسمانية، ويدحض بشعوذة منطقية آراء الباحثين في الموضوع واحدا واحدا؛ ثم يأخذ بعد ذلك في تكوين مذهبه الميتافيزيقي الخاص به، في سلسلة من “السوترات” المقتضبة الغامضة؛ وهو يسرد في سانخيا أنواع الحقائق وهي خمس وعشرون، ومن هذا السرد للأنواع جاءت كلمة سانخيا (لأن معناها السرد)

وهو يسمي هذه الحقائق “تاتوات” (أي الذلكات جمع ذلك) ومنها يتألف العالم في رأي “كابيلا”؛ وهو يرتب هذه الحقائق في علاقة مركبة تربط بعضها ببعض، ويمكن توضيحها بالقائمة التالية:

(1) أ – العنصر (برا كريتي، أي المنتج) وهو مبدأ فيزيقي عام ينتج بما له من قُوىً تطورية (واسمها جونات).

(2) أ- الذكاء (بوذي) وهو قوة الإدراك الحسي، وهذا بدوره ينتج بما له من قُوىً تطورية.

(3) أ- العناصر الخمسة الدقاق، أو القوى الحاسة للعالم الداخلي، وهي:

(4) 1- البصر

(5) 2- السمع

(6) 3- الشم

(7) 4- الذوق

(8) 5- اللمس

والحقائق المرقومة من (1) إلى (8) تتعاون على إنتاج الحقائق المرقومة (10) إلى (24)

(9) ب – العقل (واسمه ماناس) وهو الإدراك الفكري.

جـ – أعضاء الحس الخمسة، وهي التي تقابل الحقائق المرقومة (4) إلى (8)

(10) 1- العين

(11) 2- الأذن

(12) 3- الأنف

(13) 4- اللسان

(14) 5- الجلد

د- أعضاء الفعل الخمسة

(15) 1- الحنجرة

(16) 2- اليدان

(17) 3- القدمان

(18) 4- أعضاء الإفراز

(19) 5- أعضاء النسل

هـ- عناصر العالم الخارجي الخمسة الغلاظ.

(20) 1- الأثير

(21) 2- الهواء

(22) 3- النار والضوء

(23) 4- الماء

(24) 5- التراب

(25) ب – الروح (بوروشا أي “الشخص”) وهو مبدأ نفسي عام وهو الذي يحرك ويحيي “براكريتي” على الرغم من أنه عاجز عن فعل شيء بذاته، وهو يستثير كل ما في “براكريتي” من قوى تطورية لتباشر أوجه نشاطها.

وإن هذا ليبدو في أوله مذهباً مادياً خالصاً، فعالم العقل والنفس، مثل عالم الجسم والمادة، عبارة فيما يظهر عن حركة تطورية تتأثر بالعوامل الطبيعية، ومعنى ذلك أنه يسير في حركة مستمرة التكوين والفساد، بادئاً من أدنى الدرجات ومنتهياً إلى أعلاها، ثم يعود إلى أدناها من جديد، كل ذلك والعالم هو هو من حيث عناصره في وحدتها واستمرارها؛ فكأنما كان “كابيلا” يشق الطريق أمام “لامارك” حين يقول إن حاجة الكائن العضوي (النفس) تولد الوظيفة (البصر والسمع والشم والذوق واللمس) ثم تنتج الوظيفة عضوها (العين والأذن والأنف واللسان والجلد)”.

إنكار الاله..

ويشرح الكتاب بشكل أكثر تفصيلا عن المذهب: “وليس في هذا المذهب فجوة، بل ليس في أية فلسفة هندية تمييز بين اللاعضوي والعضوي من الكائنات، أو بين عالم النبات وعالم الحيوان، أو بين الحيوان وبين الإنسان؛ فهذه كلها حلقات من سلسلة الحياة الواحدة، أو قل إنها قضبان عجلة التطور والانحلال، أي عجلة الولادة والموت ثم الولادة من جديد؛ وإنما يتحدد مجرى التطور اعتباطاً بتأثير الخصائص أو القوى (الجونات) الثلاث الفاعلة في “العنصر”:

ألا وهي الطهر والفاعلية والجهل الأعمى، وليست هذه القوى بذات هوى نحو التقدم مناهضة للانحلال، بل إنها تنتج الواحد في إثر الآخر على دورات لا تنتهي، مثلها مثل ساحر عابث يظل يخرج أشياء لا تنتهي صنوفها من قبعة، ثم يعيد وضعها في القبعة، ماضياً في هذه العملية إلى الأبد؛ كما يقول هربرت سبنسر في عصر متأخر هو أن كل مرحلة من مراحل التطور تحتوي في ذاته ميلاً إلى الانحلال باعتباره مكملاً لها ونهاية لا محيص عنها.

وكان “كابيلا” شبيها بلابلاس حين لم يجد ضرورة لفرض قوة إلهية يقسر بها الخلق أو التطور؛ وليس من الغرابة في شيء أن تجد ديانات أو فلسفات بغير إله في هذه الأمة التي هي أكثر الأمم إمعاناً في الدين والفلسفة؛ وإنك لتجد في كثير من نصوص “سانخيا” إنكاراً صريحاً لوجود خالق مشخص، والخلق عندهم شيء لا يمكن للعقل أن يتصوره لأن “الشيء لا يخرج من لا شيء” والخالق والمخلوق جانبان لشيء واحد، وترى “كابيلا” يكفيه اطمئنانا أن يكتب (كأنه “عمانوئيل كانت” على وجه الدقة) بأن الخالق المشخص يستحيل أن يقيم عليه الدليل عقل بشري، لأن كل ما هو موجود في رأي هذا الشكاك الدقيق لا يخرج على أحد فرضيتين، فإما أن يكون مقيداً أو حراً، ولا يمكن لله أن يكون هذا أو ذاك ولو كان الله كاملاً لما مست به الحاجة إلى خلق العالم، ثم لو كان ناقصاً لما كان إلهاً؛ ولو كان الله خيراً وله قدرات إلهية، لما أمكن قط أن يخلق عالماً على هذا النقص الذي نراه في العالم”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة