4 مارس، 2024 3:18 م
Search
Close this search box.

خمس نصوص برزخية.. عالمان منفصلان لا تواصل بينهما

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

كتب: صلاح القويضي

البرزخ في اللغة العربية (حسب مختار الصحاح) هو الحاجز الفاصل بين شيئين مختلفين والمانع لاختلاطهما وامتزاجهما، والكلمة تستخدم بذات المعنى بكثرة في الجغرافيا. لكني استخدم مصطلح (النصوص البرزخية) لتمييز بعض النصوص الإبداعية السردية أو الشعرية التي تدور أحداثها، وتتواصل شخوصها وعناصرها رغم وجودها في (عالمين) منفصلين يفترض ألا يكون هناك (تواصل بينهما).

النص ١-٥

من أجمل النصوص (البرزخية) نص غير منشور للراحل “زهاء الطاهر”. في تلك السردية القصيرة يتداخل فعل الأطفال (في عالم الواقع) مع فعل الأم (في عالم الحلم) بصورة تعبر عن (منتهى المحبة) و(قمة التواصل الوجداني)… إلى النص حتى لا أفسد عليكم:

(حين انتهت أمي من إعداد غدائنا، وانتظرت أوبتنا أنا وأخي من مدرستنا، كانت مرهقة جداً، فاستلقت على سرير أخي تحدق في سقف غرفتنا. مدت يدها الخضراء وتناولت إحدى كراسات أخي، وتناولت لها قلماً أحمر، فتحت الكراسة على صفحة بيضاء ورسمت عليها شجرة خضراء ظليلة كخميلة. لكنها قبل أن تتم رسمها غلبها النعاس فنامت. حين رجوعنا أنا وأخي وجدناها نائمة والكراسة منطرحة قربها. التقط أخي كراسته، وتمعن في شجرة أمي التي ما زالت ممسكة بالقلم، استطاع بجهد بسيط أن يخلص القلم من أصابع أمي، واستطاع بيسر أن يتم رسم الشجرة مضيفاً إليها رونقا، كما أضاف رسم ثمرتين ناضجتين تشبهاننا، سقطتا تحت ظل الشجرة من جهة روحها، وأعاد القلم بمهل لأصابع أمي التي ابتسمت مرتين في الحلم).

النص 2-5

ومن أجمل النصوص (البرزخية) هذا النص الفلسطيني الذي يستمر فيه التفاعل بين الصديقين حتى بعد انتقال أحدهما من عالم (الحياة) لعالم (الموت) إلى النص الذي أكرمتنا به الصديقة (Al Maab)، وهو للقاص “زياد خداش”- معلم فلسطيني:

(لم يكتشف الأولاد في الصف أبدًا لماذا يخفت صوتي في حصة النحو، ولماذا يعلو في حصة التعبير…

خلف صفي مقبرة، في المقبرة صديق لي مات قبل شهر…

كان صديقي يكره حصة النحو ويعشق حصة التعبير.

“أرجوكم يا أصحابي… لا تموتوا خلفي تماماً”…

النص 3-5

من أجمل النصوص البرزخية التي قرأتها هذا النص السردي ل”لمك عثمان أحمد حسن”.

تتداخل البرزخية في هذا النص البالغ الجمال مع (التخاطر) والذي يعني المقدرة على التواصل الذهني والعاطفي المباشر بين كائنين بدون وسيط مادي. من أهم وأروع (تخييلات) التخاطر رواية (عالم العناكب) للراحل “كولن ويلسون”.  إلى نص “المك عثمان أحمد حسن” الشجي المشجي:

(مطر الورد..

جلست وأمامي مرسمي، الدخان يتصاعد من الغليون، آنية القهوة والأكواب الفارغة تتحكر فوق المنضدة في فوضى، البيريه يعلو هامتي المتغضنة، الفرشاة والألوان والأحلام الكبيرة مبعثرة في نظام فوضوي، كلما غمست الفرشاة في الألوان أمسكت آلاء- ابنتي ذات السنوات الأربع- بيدي في عناد طفولي حميم، قلت بود أبوي يمازجه ضيق: ماذا تريدين؟ قالت وردةً حمراء!… قلت ليس لدي وردة حمراء!… قالت ارسمها الآن… قلت حسنا، شمرت عن ساعدي وشرعت أرسم وردة حمراء.

أنهيت رسم وردة حمراء، لونها يضج بالنداوة، ينضح الطل من أكمامها وحواشيها، بعد أسبوعين من العمل المضني رأتها آلاء، قالت شكراً يا بابا، وضعتها في إطار من الخشب المصقول، حملتها للمعرض، آلاء ألحت في مرافقتي للمعرض، جعلت تدور وتغير من مكان وقفتها مرات ومرات وعيناها مركوزتان في الوردة اللوحة.

افتتاح المعرض كان مهرجاناً لكل شيء، نساءٌ جميلات ورجالٌ منعمون  صبيةٌ وصبايا بين الألفة والعشق، يتناغون ويتناجون، العطر الفواح والابتسامات الاستثمارية، كاميرات الإعلام وأجهزة التسجيل، كلها كانت حضورا.

في اليوم الثاني واصلت آلاء إلحاحها وجاءت للمعرض، حملتها علي عاتقي، تجولنا في أرجاء المعرض، عند مرورنا بلوحة الوردة أشارت نحوها و قالت أريد هذه الوردة، قلت هذه ليست وردة، إنها لوحة، غايظتني بقولها أنت لا تعرف شيئا، إنها وردة، حدقت في وجهها ولذت بالصمت. أثناء حوارنا جاء رجل يفوح عطره وتكتنز وجناته بنضرة النعيم، أخذ يحدق في الوردة اللوحة، غير موقع وقوفه عدة مرات وهو يحاول تغيير زاوية الرؤية، لدهشتي أخرج من جيب سترته دفتر شيكات وقلم، وقع شيكاً  وترك مكان الأرقام فارغاً، مد إلي الشيك وهو يحدق في اللوحة، قال: أريدها هديةً لابني بمناسبة عيد ميلاده الخامس! ضع المبلغ الذي يروقك من خمس أرقام، ألجمتني الدهشة وعمني الذهول، طفقت أحدق في وجهه الذي يتلألأ نضارةً ونعيماً، فقدت توازني فاستندت لحافة منضدةٍ مجاورةٍ، انفجر بركان من غضب آلاء وهي تزعق: لا لا لا هذه الوردة ليست للبيع! هذه الوردة لوليد!! قلت وليد من؟ قالت وليد، نركب الحافلة معاً ونذهب للروضة معاً ونقتسم ساندويتشات الفطور!… حدقت في وجهها وانطلق لساني كالعاصفة وأنا أفكر في الرقم الذي سأكتبه على الشيك قبل تقديمه للصرف حيث لم يسبق لي امتلاك مبلغ من خمسة أرقام، لم أمتلك أكثر من خمسة أصفار ليس على يسارها سوى الفراغ، قلت غاضباً: هو يأخذ اللوحة ونشتري وردة حقيقية لوليد، قالت في عناد طفولي: لا لا لا، هذه الوردة لولييييد… من بين سيقان الجموع التي تقف تراقب ما يدور نبت طفل خماسي أمسك بيد الرجل الذي ما زالت يده تمسك بالشيك ووجهه تسمر على الوردة اللوحة وبيننا حوار لم يكتمل، البنت الشقية والولد الذي نبت من بيت سيقان الناس، راحا في عناق حميم، هي تهتف: ولييييييد، وهو يهتف آآآلااااااااااء.

أمسكت آلاء بيد وليد وجرته نحو اللوحة، مدت يدها، لدهشتنا أمسكت بالوردة وهي ندية طازجة يتقطر نداها ويضوع أريجها في أنحاء المكان! أنا والرجل الذي يمد يده اليمنى بالشيك، ويسراه تمسك بيد وليد، فغرنا أفواهنا نحدق في الفراغ الذي أعقب خروج الوردة من إطارها، أمسك الصغيران الوردة بين يديهما المتشابكتين وخرجا، نحن لا نزال نحدق في الفراغ!

الرجل قال بصوت متهدج: هذا وليد، ابني الذي عزمت أن أهديه هذه اللوحة الجميلة!

قلت وهذه آلاء ابنتي التي طلبت رسم هذه اللوحة العجيبة!

قال الرجل لقد أنجزت لها طلبها وأنجزت لي ما أريد، أُكتب مبلغاً من ستة أرقام في فراغ الشيك. ودفع بالشيك لجيبي وخرج لا يلوي على شيء.

عدلت وضع البيريه فوق رأسي الأصلع، أشعلت الغليون وسحبت منه أنفاساً أطلقتها كزخات الندى، فتلت جانبي شاربي الكث مرات ومرات، رفعت ساعدي الأيسر، تطلعت للساعة وزفرت زفرة حرى، فقد مضى موعد إغلاق أبواب المصارف، وفاتت علي فرصة قضاء أول يوم في حياتي وفي ملكي مبلغ من ستة أرقام، خرجت متثاقلا أجرجر أقدامي.

لدهشتي كانت شوارع المدينة تعج بالأطفال، أولاداً وبنات، يضجون بالبهجة والحبور، يمسكون وروداً حمراء ذات بهجة تسر الناظرين، وسطهم كانت آلاء تمسك بيد وليد وهما يرتفعان نحو الأعلى، الأعلى، الأعلى، تتبعهم جموع الأطفال، لحظات واكتست المدينة بقبة من  الورود، تمسكها أكفهم الغضة، وروداً حمراء فواحة العبير.

وقفنا ننظر للسماء الملائكية، والأطفال يدورون في سماء المدينة، حين مرت آلاء ووليد فوق رؤوسنا فردوا أياديهم يشيرون إلينا ويصيحون: بابا بابا بابا، انطلقت حناجر بقية الأطفال وهم يشيرون لجهات الأرض كلها: بابا  بابا  بابا، الورود المنطلقة من الأيدي هطلت على المدينة مطرا، هبط الأطفال بسلاسة كل في جانب أبيه، استوقفت سيارة أجرة ودفعت آلاء لجانبي، فقد كان مطر الورد منهمرا).

النص 4-5

آخر النصوص البرزخية التي قرأتها هذا النص السردي الجديد ل”عبد العزيز بركة ساكن”.

والحقيقة أن التي بيني وبين سرديات “بركة ساكن” ليست عامرة (دائما). فكثيرًا ما تراوح كتاباته بين (القمة) في بعضها و(السفح) في بعضها الآخر.

لكنه في هذا النص الأخير يلج بقوة عوالم (السرد البرزخية) ويحلق في (قممه) بقوة وجمال أتمنى أن يدوم. تتجلى برزخية هذا النص في كل جزئياته. لكنها تتجلى أشد ما يكون في فكرتي (الحلم الثنائي المشترك) و(حضور شخوص الحلم) لعالم (الواقع). إلى نص بركة الجميل:

(قالت لي أمي  في الحلم،

– الدنيا زائلة يا ولدي.

قلت لها وأنا نائم،

– ليس صحيحاً… نحن الزائلون.. الدنيا باقية.

حاولت أن تبتسم، لكن الموتى في الحلم عادة لا يستطيعون التبسم لأن هرموناً خاصاً بانفراجة الفم في تلك الصورة السحرية لا يتم إنتاجه في الحلم، ثم وقف الموتى صفاً واحداً أمامي: جدي عبد الكريم، جبران خليل جبران، حبوبة حريرة، محمد مستجاب، علاء الدين الشاذلي، الكيوكة الصغيرة، قدورة جبرين، نادية، أبوقنبور، محمد عثمان، خديجة، مرجان كافي كانو، محي جابر عطية، عم موسي، انتصار، أبو ذر الغفاري، علي المك، وولت ويتمان، إخلاص أبو غزالة، عمر إبراهيم، قالوا بصوت واحد

– الدنيا زائلة.

قلت لهم،

– يا أيها الموتى،

قلت لهم اسماً اسما

– يا أيها الموتى، الدنيا باقية.

وقف سجان نزق بيني ومحمود محمد طه، استل من بين قلبه وعقله محبرة، كان الشيخ نحيفاً وجميلاً، مكان عينيه الدنيا كلها تزول تدريجياً وتتلاشى، لكن دون انتهاء، قال لي في الحلم،

افتتانك بالحق فوت عليك إدراك عين الحق.

قلت له وأنا نائم،

– سم لي القتلة حرفاً حرفاً والحق حرفاً حرفاً، العدل والمظلمة والروح حرفاً حرفاً..

قال لي في الحلم،

– اقرأ.. ذات الشيء، يسقط عنك حجاب الشيء،  حرفاً حرفاً.

قلت له وأنا نائم،

– بسم الله الرحمن الرحيم.

قال لي في الحلم وكاد أن يبتسم،

– إذن، ما هو لون الحقيقة؟

قلت له وأنا نائم،

– أسود.

قال لي في الحلم،

– إذن؛ ما هو لون العدل والمظلمة والروح، ما هو لون مسك الأنفس؟

قلت له وأنا نائم،

– أسود.

قال لي في الحلم،

– إذن، ما هو لون الجهات الست؟

حينها فقط تنزلت علي الأحرف الوسطى من أسماء القتلة، جاءت تعوم في سيل من الدم، أخذ يحيط بي وأنا نائم، أفادني صف الموتى في شيئين:

إن الدنيا ليست زائلة، الشيء الآخر، أن الموتى لا يبتسمون، الشيء الآخر، أن ذاكرة الموتى محشوة بالأحياء. قالت لي أمي في الحلم،

– سوف لن تنجو من الموت، الأشجار، الطين، والهوام كلها لا تحميك، وأنت إذ تهرب من الموت تذهب إليه.

بكيت، عندما استيقظت وجدتهم جميعاً يصطفون أمامي، تماماً مثلما كانوا في الحلم، لم يهتم أحد بما كنت أثرثر فيه، لم يفسر أحد لي  شيئا، ولم يضحكني نداء المنادي: أنت، يا أحد الموتى).

النص ٥-٥

سردية الشاب “موافي” الواردة أدناه جمعت بين الفانتازيا والسحرية الواقعية بالمعنى المعروف للمصطلحين كما اشتملت على مقاطع برزخية بالمعنى الذي أوضحته في تحريري المصطلح… إلى نص “موافي يوسف” الجميل:

[سِفْرُ الصُّعُود]

للمَوت.. في أجمل حالات فِخاخِهِ المُحزِنة!

ـــــــــــــــــــ

 

وأنت في اضطِّجاعِكَ الأخير/ الوَخزاتُ بجسدك الطِّيني لا تُبارِحُ اشتِغالها/

ما أوهَنَ الصَّلصال!

بإصرارِ عدَّاءٍ لا تفصِلهُ عن خط النهاية سوى ثلاث قفزات، تنظر لوجه أمك وتمُد كفَّك بِحُنُو/ قطرةٌ

مالِحةٌ

أخيرة

تتوترُ

بزاويةِ عينِك،

تبرُق

ثُمَّ

تنحدِرُ

برقةٍ مالحة ..

الأطباءُ حولَك بعيون مِلؤها القلق

يتقاطعون/

يقطِّبون/

يتكلمون بلغة أجنبية مقتضبة/

كِدت تتكلم، غير أنك لم تُدرك صوتَك، كي تقول: أيها الطيبون، لا بأس، لا بأس/تخرجُ أمك والآخرين/يبقى ذوو المرايل الخُضْرِ القلقين/ جسدُك المليءُ بالتِّكنولوجيا والأجهزة الدقيقة/الصُّفارات المُتَّصِلة والمُتقطِّعة تحومُ مُتوفِّزةً حولك/النافذةُ التي لم تكن مُوصَدة جيداً/سوف لن ترحم من تركها غير مُوصده جيداً/تُسرِّب عبرها بُكاءً مُختنِقاً/انحدرت ثلاث دمعات مالحة دفعه واحده/

كم تؤلمك نهنهاتهم/

كم تؤلمك نهنهاتهم..

 

critical case !/

 

||      hurry ..

hurry!

 

خرج الصوت عبر فمه المُلثَّم/خرج عبر عينيه القلقتين من خلف النظارة/وارتبك أصحاب المرايل الخُضْرِ الآخَرِين/كانت ضربات قلبك تتزايد ..

 

تَتَزايَد/

تَتزايَد/

تَ

تَ

ز

ا

يَ

د

كانت عميقة كأنها صوت دف نابع من بئر/يضربه حامد الأعرج، ضارب النوبة بالزاوية التجانية/ صفير نابع من جهاز/ حاد مثل صرصور الليل/ورتيب/غشاوة انبَنَت في عينيك مثل خيوط عنكبوت/

صرت شاحب الرؤى/

صرت بعيداً وقريباً/

معهم وليس معهم/

حاضراً وغائباً/

مُتأرجحاً كنت، مثل زَورقٍ يتقاذفه مَوج/

ترى ذوا المرايلِ الخُضْرِ شاحبينَ كأشباحِ الكوابيس/

 

محاليلَ … محاليلَ … إبَرَ …

نُتَفَ شاشٍ بيضاء … نُتَفَ حمراءَ قانِية ……

 

في بُرهةٍ حاضِره، رأيت ما يشبه مِكواة موسى المَكوجي/هبطت على صدرك/انتفضتَ بهَلع/تقاذفتك الذكريات…/

يوم تعلُّمك الدرَّاجة، سقوطك على الأرض، ضحِك أقرانك الطفولي اللَّزج…/

يوم خِتانك، جُلبابك الأبيض، الهلال على جبينك، زغاريد جدتك، بكاؤك وأنت تتبوَّل بصعوبة…/

وأنت تتقافز تلعب الحِجلة مع بنات الجيران، براءتهن، ضحكاتهن الطُّفولية المُعدية وبلا سبب، تأتيك

كأصداءَ

بعيده

من وراء

سبعةَ بِحار…/

 

صعقة أُخرى/

تُشتِّت أطيافَ ذِكراك، تُنبِّه خلاياك/ تقفز نصف شِبرٍ ..وتهبط/كلمات أجنبية تتقاذف/تسمعها بعيده، وهي قريبة لأصحاب المرايل الخُضْر…/تندفن في رمال الذكرى مُجدداً…/جدتُك وأنت، في وسطِ جلسةِ زار/يرن طار في دماغك/بُثينة الحلبية، صديقة جدَّتك، تراها، بجلابيه، وطربوش أحمر، تنفخ سِيجارة، وتتمايل، وتلفِظُ كلمات أجنبية مثل التي لأصحابِ المرايل الخُضر../ وتتماوج في دماغك الرؤى كخيطِ دُخانِ السِّيجارة/

صَعقه ثالثة/

لم تدرك أنك قفزت أم لا/ كنت خارج حِسِّك ووعيِك../ صِرت حالة مُشوَّشة لا واعية، خَدِرَ جسدُك، أحسَستَ بأنك تركته في مكانٍ ما../

ضحكة طفولية، مُقهقهه، مَرِحة، لها صدىً عذب، تأتيك من قاعِ بئرِ الذكريات.. كانت لأختِكَ الوحيدة../

وردة حمراءَ، تُحلِّق في فراغِ أرخبيلٍ حافلٍ بالخُضرة.. كانت لحبيبتِك في عيد ميلادك الأخير../

امرأة ورِيفة الملامِح، ترتدي أبيضاً، وتسيرُ عبر نهرٍ من حليب.. كانت أمك/

ثُمَّ…./

حلَّ عليكَ ضيف، تراه لأول وآخر مره/على مِشجبٍ كان يعلق ابتسامته المُريبة/ بحُنُوٍّ دنا من وجهِك/ له رائحةُ المِسك والزَّعفران/ حملَقَ كأنَّما يتأكَّد هل أنت فِعلاً/مسح بيدٍ باردة جبينَك/ أخرج ورقة، وقبل أن يشطُب اسمك، قرأه مصحوباً باسمِ أمِّك التي كانت لتوِّها ترتدي أبيضاً، وتسيرُ عبر نهرٍ من حليب/ بمِهنيةٍ عالية أعتَقكَ من صَلصالِك/صِرتَ خفيفاً خِفة الرِّيح/ كنت بصحبة الضيف وآخرين عمالقة بِيض تعرُجُون نحو السماء/ في طريقِك، كان يتّكئ على سحابه شيخ أبيض الوجه واللِّحية، قال لك: إزيَّك يا حبيب/ قلت: تعرِفني؟/وه! قال باستِهجان: عيب يا حفيدي الـتَّاسِع والسَّبعين! ثم قَهْقَهَ

وقَهْقَهَ

و

قَ

هْ

قَ

هَ

كطِفل/

 

تُصادفك مِرآة كبيرة تعكس أصدقائك الصَّلصاليون في الأدنى/حزانَى، كأنَّ نَكبةً حلَّت بهم/

الصِّحاب…

الأخِلَّاء/

الأجِلَّاء/

الوريفين/

الأوفِيَاء/

تقول، ربما لم أُخبرهم، أنِّي الآن في زِيارةٍ فلكيَّه لأوَّلِ مرَّه، لا أعرف حتى كم تستغرِق/ لم يتركوا لي فرصة أن أخبركم، أو حتى أن أترك لكم رسالة على الواتساب/ آسف حقاً، ولا أعرف حتى أين هاتفي الجوال، فقط لا تقلقوا/ آه، تذكَّرت، أخذ هاتفي الجوَّال وأشياء أخرى أحد أصحاب المرايلِ الخُضر قبل دخولي تلك الغرفة، اخخخ، لن أُسامحهُ/

آسِف

آسِف

آسِف

 

ومضيتَ ..

خفيفاً ..

صاعداً ..

 

ذائباً في السَّديم/

 

صاعداً ..

خفيفا ً..

خفيفاً ..

صاعداً ..

خفيفاً ..

 

تتنشَّق رائحةَ الأزَل/

 

خفيفاً ..

صاعداً ..

خفيفا ً..

خفيفاً ..

صاعداً ..

خفيفاً ..

 

صاعدا،ً نهائياً، وبلا عَودة!

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب