خاص: حاورته- سماح عادل
“ممدوح أبارو” كاتب سوداني، صدرت له عدة أعمال، وفاز بجائزة الطيب صالح للإبداع الروائي- التي ينظمها مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي، في الدورة الثامنة عشرة “مناصفة” عن روايته “الناجي الغريق”. وجاء قرار لجنة التحكيم بفوز رواية “الناجي الغريق” لتميزها فنيّاً وسردياً، وقالت اللجنة بأن الرواية “فضحت سياسات الأنظمة الاستبدادية، وما خلّفته من مآسٍ واختلال في بنية المجتمع، عبر حوارات لا تخلو من متعة، وتشويق، وتحكم في منظومتي الزمان والمكان، ورسم ملامح الشخوص، والحبك المُحكم، القابض على الوقائع وسبك التفاصيل”.
إلى الحوار:
** في رواية “شاخيتو بوابة بوهين الضائعة” الحديث عن مجد الأجداد الذي ضاع بسبب تنكر الأحفاد له.. وبسبب سعي قوي الشر لطمسه.. حدثنا عن ذلك؟
– قيل أن التاريخ يكتبه المنتصر، وأنا أظن أن التاريخ يفقهه الفطن. لقد ظل تاريخ السودان القديم مطموساً ومحرم الحديث عنه في كتب المدارس، بل وضع بدلاً عنه تاريخ أوربا والعالم العربي. وهي لبنة وضعها المستعمر وسار عليها نخب البلاد من بعد للأسف.
غير أن الرواية لا تكتب تاريخاً بل تستنطق التاريخ بحبكة أدبية وخيالية، وترمي الكرة في ملعب الباحثين عن طريق سرد التاريخ المتخيل أو “الميتا تاريخي” في قالب روائي.
** في رواية “شاخيتو بوابة بوهين الضائعة” لما ماتت الشخصيات في النهاية ولم يتم الأحياء.. هل هذا إقرار من الكاتب أن أحياء الماضي العريق الحضاري أصبح أمرا مستحيلا في ظل كل التغييرات العالمية الحالية؟
– في كتاباتي دائماً ما أشرك معي القارئ، فأنا لا أكتب أدباً جاهزاً، وكذا لا أشرحه. كما جاء في أحد نصوصي الشعرية: “الشرح يخون النص، والرمز يؤازره، وسلاح الكاتب؛ أناه ضد الابتذال”.
فالنص متى ما خرج من ذهن الكاتب إلى القراء، فلم يعد ملكه.
غير أني سأجيب كقارئ هنا..
في تقديري لو تمت طقوس الإيحاء لما كان هنالك من أسئلة تستوجب البحث، ولتلزم على الراوي وضع رؤيته كاملة مكشوفة، وهنا تصبح الرواية مخطوطة تاريخية أو دراسة بحثية. ثم أن من العبث التصديق بأن الماضي يمكنه أن يحل قضايا المستقبل، وقد تكون هذه إحدى رسائل الكاتب، من يدري!.
** في رواية “شاخيتو بوابة بوهين الضائعة” إشارة لسرقة الآثار من قبل الدول الرأسمالية الكبرى. وإلى تعمد طمس والتعمية على عظمة الحضارات القديمة.. حدثنا عن ذلك؟
– حادثة نهب الثروات هذه ليست خيال، فمتاحف العالم تعج بآثار الحضارة الكوشية، وتماثيل الكنداكات تزين ردهات اللوفر وغيره من المتاحف العالمية.
** في رواية “شاخيتو بوابة بوهين الضائعة” تمجيد للكوشيين واعتبارهم أصل الحضارات الإنسانية على الأرض.. هل ينطوي الأمر على مبالغة ما، خاصة وأن شعوب حضارية أخرى تدعي لنفسها هذا الأصل مثل المصريين والعراقيين والسوريين والكتب حافلة بتلك الدعاوي.. هل هناك مصادر اعتمدت عليها لهذه الفكرة؟
– كلٍ معجب بأصله ولا يرى غيره، غير أن سابقية الحضارة الكوشية لا تخطئه العين فعدد الأهرامات وحتى الكشوفات الأنثروبولوجية تؤكد قدم وجود الإنسان على هذه البقعة (إنسان سنجة نموذجاً).
** فازت روايتك “الناجي الغريق” بجائزة الطيب صالح ٢٠٢٠. كيف كان تأثير ذلك الفوز عليك؟
– بالتأكيد له أثر كبير قد ينعكس على قادم كتاباتي، فمن الآن صارت مسؤوليتي أكبر في الكتابة.
** هل يمكن الحديث عن تهميش للأدب السوداني في منطقة الشرق أم أن هناك مشاكل في خروج الأدب السوداني للبلدان المحيطة؟
– مشكلة النقد هي أكبر عائق لانتشار الأدب السوداني، فقلما تجد نقاد عرب أو أجانب يحتفون بالكتابات السودانية منذ الطيب صالح، لكأنما لم تكن بعده كتابات.
وهو أمر مرتبط بسيطرة أسماء بعينها على سوح النقد والصحافة بعموم. وكذا ترشيحات المسابقات الدولية كالبوكر وغيرها.
النشر أيضاً له تأثير كبير، فما بين محليته، وإرتفاع تكلفته في الخارج تضيع كثير من الكتابات الجيدة.
** ماتقييمك لحال الثقافة والأدب في السودان خاصة بعد ثورة شعبية كبيرة؟
– في تقديري مازال الأدب يترنح حتى ما بعد الثورة، برغم الانفتاح الثقافي الحادث الآن. فما حدث بعد الثورة في مصر مثلاً لم يحدث ربعه من حراك، وقد يكون مرد ذلك أن الثورة لم تكتمل بعد في السودان.
** هل كانت للثورة الشعبية تأثيرات اجتماعية وثقافية وكيف ذلك؟
– بالتأكيد للثورة تأثيرات كبيرة أهمها حالة الانفراج الكبيرة في الحريات الشخصية، وما تبعها من حرية صحافة وإعلام. وهو ما كان مفقوداً أيام النظام البائد. حيث يسيطر النظام على كل دور الثقافة من مسارح وقنوات وصحف وغيرها من المفاجآت الثقافية.
** ما الإشكاليات التي يعاني منها النشر في السودان؟
– الإشكال الأكبر هو غياب الصنعة نفسها، فالنشر في السودان يقوم على الاستهلاك لا الإنتاج، فمعظم دور النشر إن لم يكن كلها تطبع خارج السودان لقلة التكاليف. نحتاج في السودان لمطابع تتبع للدولة وكذا مصانع للورق بدلاً عن استيراده من الخارج.
ولن يحدث ذلك إلا بدعم من الدولة أو رؤوس الأموال الوطنية. والدولة كما تعلمين لا توفر الأساسيات من خبز ووقود فكيف توفر الرفاهية؟
** في قطر هل هناك احتفاء بالأدب السوداني؟
بالطبع الأدب السوداني مقروء في قطر، ويتم الاحتفاء به على مدار المواسم الثقافية في قطر. وهناك أسماء كبيرة من الكتاب السودانيين لهم وجود في المكتبات والفعاليات، أمثال الروائي الحسن البكري والدكتور أمير تاج السر، والأستاذ حامد الناظر وغيرهم كثير من الأسماء التي لا تسعها هذه العجالة.