11 أبريل، 2024 7:27 م
Search
Close this search box.

السينما الفرنسية (9) ليونيد موغي: العنف والجنس على الشاشة إهانة للمتفرج

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: قراءة – سماح عادل

يحتفي المخرج الفرنسي “ليونيد موغي” بالأفلام التي تصور حكايات إنسانية بسيطة، ويرفض الاستعراض والعري، ويعتبر تصوير الأفلام التي تعتمد على العري إفلاس،  ويرى أن السينما ليس هدفها الوحيد الفرجة والتسلية وإنما تحسين الظروف الإنسانية، ويعتبر أن العنف والجنس إهانة للمتفرج، كما ويؤكد أن الجمهور يتمتع بدرجة عالية من الذكاء لفهم عبقرية الأفلام، ويتذمر من المخرجين الذين حولوا الأفلام لوسيلة للتنفيس عن أنفسهم ومشاكلهم.

نواصل قراءة كتاب (قرن من السينما الفرنسية.. من خلال اعترافات مخرجيها)، تأليف “إيريك لوغيب”، ترجمة “محمد علي اليوسفي”، حيث يحتوي على عرض حوارات أبرز المخرجين في السينما الفرنسية. لنتعرف من خلال تلك الحوارات على السينما الفرنسية ورموزها واتجاهاتها.

ليونيد موغي  Léonide MOGUY

“ليونيد موغي” مخرج فرنسي، ولد في سان بطرسبورغ سنة 1899. توفي في باريس سنة 1976. أخرج أول فيلم له سنة 1936 بعنوان “الولد”، انتقل إلى أمريكا أثناء الحرب، وهناك أخرج: (باريس بعد الظلمة، المنطقة العالمية، Whistle Stop، من أجل فرنسا المكافحة). من أبرز الأفلام التي أخرجها:

(سجن بلا قضبان 1938؛ بتشابع- أم النبي سليمان-Bethsabée  1938؛ غدًا يكون الوقت متأخّرًا 1949؛ أطفال الحب 1954؛ على طول الأرصفة 1956 ؛ أُعطوني فرصتي 1957؛ الناس يريدون العيش1962).

تحسين ظروف الإنسانية..

يقول “ليونيد موغي”عن معنى السينما: “كانت السينما بالنسبة إليّ، ولا تزال، فرجة. مع التشديد على كلمة فرجة. وهي فرجة لا ينبغي أن توفر التسلية فحسب، بل عليها أن تساعد على تحسين ظروف الإنسانية. ويحتل الشعر فيها مكانة متميزة. ولهذا أرى أن السينما ينبغي أن تكون متفائلة، وغير سوداوية أبدًا. هذه القناعات جعلتني أمتنع عن إخراج أفلام بورنوغرافية وسيكولوجية.

ومن الواضح أن مهمتي قد انتهت. وما من داعٍ للتذمر والشكوى، فقد حصلتُ على نحو ثلاث وعشرين جائزة سينماتوغرافية عالمية. مؤخراً، كَرَّمتْني التلفزة الإيطالية بصفتي الإنسانية التي ناضلت من أجل تحقيقها، وليس كسينمائي”.

وعن التطورات الحالية في السينما يقول: “اعذرني على النبرة ونوعية الكلمات: لقد قرفنا من العنف والجنس على الشاشة. إنها إهانة للمتفرج. ومع أني سينمائي فقد انقطعت عن مشاهدة الأفلام”.

وعن مسيرته في السينما: “قبل تولي مسؤولية الإخراج بدأت مديراً في مجال المونتاج. ففي هذا المجال تحديداً يكتشف المرء إن كان يستطيع إضفاء قلب وروح على فيلم من الأفلام. عندما يُقْدم إليَّ سيناريو أحذِّر مباشرة بأنني أرفض ما يمس بعملي وبالسينما إجمالاً. ولهذا رفضت التعرض للعنف دائماً. من السهل عليَّ أن أضع نفسي موضع المتفرج، فأنا بدوري أدفع ثمن التذكرة عند الذهاب إلى السينما. نحن نعيش في عصر مضطرب وفاقد للوجهة. ينبغي الانتباه إلى الشباب وتفهمهم. ولهذا أرى أن على الفرجة السينمائية أن تجذب الروح كما تجذب العينين. أما ما يثير الأعصاب، فهو بالعكس، قد يحرف الأرواح، وهذا أمر لا نحتاج إليه في أيامنا”.

وسيلة تنفيس..

وعن موقفه من الجمهور: “ربما كان الجمهور لا يستطيع التوصل إلى تفسير “تقني” لبعض تقنيات السينما، غير أنني أظل مقتنعاً بأن غالبية الجمهور تتمتع بدرجة من الذكاء أعلى بكثير من أفضل المخرجين. لقد كثرت الروائع السينمائية حالياً، حتى صار الوضع مخيفاً. والحال أن الذين لم يدركوا ضرورة التحلي بالعبقرية باتوا يُعتبرون أغبياء. أما المتفرجون فقد تعبوا من استهلاك العبقرية حتى قل ارتيادهم قاعات السينما.

لقد باتت السينما وسيلة تنفيس لدى بعض المخرجين. فصاروا يعرضون مشاكلهم الشخصية، ويصدمون المتفرج. بالأمس كان يمكن، بل يتوجب، أخذ الأطفال إلى السينما. أما اليوم فلم يعودوا يطالبون بذلك، إلا إذا كان الأمر يتعلق بإعادة التفرج على أفلام ديزني أو تان تان. بعض السينمائيين يعملون على إبعاد الشباب عن الشعر، وعلى تخريب البيوت والعلاقات. إن الفراغ الأخلاقي لدى هؤلاء المخرجين يجعلني أخجل أحياناً من الإفصاح عن مهنتي. أنا لست ضد تفسير الحب للصغار، غير أن الممثلين أنفسهم صاروا مضطرين لممارسة العهر؛ حتى بات عدد النجوم بعدد أيام السنة، غير أنها نجوم زائلة، ليس لها غد.

ثمة جريمة أخرى، هي القضاء على الكوميديا. حقاً إننا نعيش عصراً مادياً مريضاً. اكتشفت، من خلال بعض الندوات، أن الشباب صاروا يشمئزون حتى من أفلام الطليعة، وهي الوجه الآخر للسينما التجارية”.

وعن بداية موهبته يحكي: “ولدت لعائلة فرنسية تعيش في روسيا. زوجتي من أصل دانمركي وسويدي. أما ابنتي كاتيا فهي الآن مواطنة أمريكية. عندما كنت طفلاً عشقت نجمة. ثم عملت مساعداً للمخرج سلتيكوف مع متابعة دراسة الحقوق في روسيا. ومن المؤكد أنني تأثرت بالتصور الروسي للسينما. وهكذا سعيت إلى إنشاء أول مكتبة سينمائية في العالم. ومنذ العام 1927 ساعدني كل من بودفكين ودفجنكو، لهذا الغرض. وكان ايزنشتاين من أصدقائي المقربين.

عندما جاء بندرتشوك إلى باريس لعرض شريطه “الحرب والسلام” زارني في شقتي وطلب مني أن أجري المونتاج لبعض مشاهد الفيلم. وهكذا عملت عدة أشهر من أجل جعله تجاريّاً. يتوصل المرء إلى إتقان مهنته عبر مراقبة الآخرين، وخاصة عبر تأمل أخطائهم”.

الاستعراض والعري..

وعن طريقته في اختيار الممثلين وإداراتهم يقول: “أول ما أفعله هو إطلاعهم على السيناريو عدة مرات، كي أهيئهم لمعرفة سيكولوجية الشخصيات وعلاقتها ببعضها بعضاً. أنتظر من الممثل أن يتفهم الشخصية ثم يعيشها. ينبغي عليه أن ينسى بأنه ممثل. وفي هذه المرحلة أسمح لنفسي بأن أسأله عن كيفية رؤيته لدوره، لأن الممثل الحقيقي يستطيع أن يقدم أفكاراً تفوت المخرج. أنا ضد الهيمنة على مبادرات الممثلين. إنهم أطفال وينبغي على المخرج أن يشجعهم، ويهيئ لهم الأجواء، والثقة. ذلك أن الممثلين الذين يزعمون أنهم غير خائفين، يكونون كاذبين. لقد عرفت ذلك جيداً بعد توصلي إلى نتائج جيدة مع آفا غاردنر، ميشال مورغان، مادلين روبنسون، آني ديكو، مادلين سولونيي، ميشال مرسييه، كورين مارشون، دانيك باتيسون…

أنا مع الأفلام الإنسانية البسيطة. وأكره الاستعراض والعري، لأنني أحب النساء، فكيف أجعل الملايين يتفرجون على مشاهد جنسية جماعية فاضحة؟ وحتى ابنتي أتمنى أن تترك السينما نهائياً، رغم حصولها على إحدى جوائز الأداء”.

وعن رأيه في دور النّقاد يقول: “كثيراً ما أخذوا عليّ البساطة الفنية في أفلامي. والحال أنني جئت إلى السينما من خلال التكنيك. وهو ما أعتبره لعبة أطفال. بالنسبة للمخرجين الجدد تأتي التقنية والجمالية بعد الحكاية. أنا لا أريد أن يخرج المتفرجون من القاعة، بعد مشاهدة الفيلم، ويقولوا: “آه! ما أجمل الديكور! ما أجمل الموسيقى!”. أرى أن الفيلم كل متكامل، ولا ينبغي، في القاعة، أن يُكتشف العنصر الأهم، لأنه لا يُعزل عن العناصر الأخرى. غير أنني أهتم كثيراً بالموسيقى. ألم أحصل على قطعة أصلية من آرتور هونيغر لفيلم “سوف أنتظر” الذي مثل فيه جان بيار أومون؟ كانت بمثابة حفلة موسيقية ذات ديمومة معادلة لبث الفيلم!”.

وعن ارتياده للسينما يقول: “مؤخراً، ذهبت لإعادة رؤية أحد أفلام شارلو. لقد عملت بكدّ طيلة حياتي إلى حد شعوري بأن الوقت قد حان للتمتع بالحياة. كلنا سجناء ذواتنا. ولا يذهبن بك الظنّ إلى أنني من باب المصادفة قد اخترت شقة في باريس مشرفة على مقبرة. في تلك المقبرة جهزت حفرتي. وكثيراً ما أخرج إلى الشرفة، وقت الأزمات، لكي أستعيد هدوئي.

أعشق الريف، الأشجار، عائلتي، وصرت الآن أدمن الذهاب لرؤيتهم. بل صرت أقدِّرهم أكثر مما في السابق. تعرضت إلى الاحتيال، عدة مرات، في قاعات السينما، لأنها صارت تعج بالأوغاد الأنيقين. وفي الأثناء وجدت أنني ما زلت أمتلك بعض الأفكار، لهذا وافقت على مشروع للتلفزيون. هذه الوسيلة تشكل سلاحاً فعالاً. ومن خلالها تعلمت الكثير. وهذا سبب اختياري لهذه الوسيلة الجديدة للتعبير. سيتم تصوير الفيلم في بلغاريا. وهو من النوع الذي تم التعارف على أنه درامي، وتجري أحداثه داخل عائلة، تكتشف فيها الفتاة أنها قادرة على التوصل إلى فهم والدها الذي تعتبره “منهاراً”، عبر بذل جهد لفهم شخصيته”.

ويجيب عن سؤال “بأية كلمات تصف نفسك؟”: “لا شك أنني مثقف، بالنظر إلى أنني أُخرج أفلاماً، وأكتب، غير أنني أرفض التعصب. وأفضل على كل ذلك، حرية التعبير التي لا تفسد الروح الإنسانية. أن أكون إنساناً قبل أن أكون سينمائياً، ذلك ما حاولته.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب