13 أبريل، 2024 7:11 ص
Search
Close this search box.

ثقافة تشرين (17): الانتفاضة جعلت المثقف والكاتب لا يكتفي بالكلمات

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

حلت ذكرى ثورة تشرين، وبدأت التظاهرات في بعض الأماكن، ترى هل سيعود الحراك الشعبي الذي اشتعل في العام الماضي بنفس زخمه وقوته؟؟، تساؤل يشغل بال الكثريين، هذا ما ستخبرنا عنه الأيام القادمة، ونحن في انتظار أخبار مبشرة، لكن قبل ذلك لابد من وقفة ومحاولة فهم تداعيات الحراك الشعبي الذي حدث في 2019 ليس فقط اجتماعيا وسياسيا، ولكن على مستوى الثقافة أيضا.

بمناسبة ذكرى ثورة تشرين العظيمة نواصل نشر ملف عن (تأثيرات ثورة تشرين الثقافية) وكيف تجلت تلك التأثيرات على أرض الواقع. ونجمع آراء مجموعة من الكتاب والمثقفين والمتفاعلين مع أحداث ثورة تشرين

الحقائق لا تؤخذ بالمطالبة..

يقول الكاتب “حمدي العطار”: “دور المثقف في رفد الحركات الثورية بما يملكه من وعي على الأغلب يكون قد اكتسبه من المرحلة التاريخية وحركة الجماهير الراغبة في التغيير، المثقف قادر على التعبير وأن يكون ناطقا باسم الثورة لما يملكه من قابليات ذهنية وفكرية ومعرفية أكثر من باقي فئات الشعب.

قبل انتفاضة تشرين 2019 كان المثقف والكاتب متهما بغياب دوره وتأثيره في محاربة الفساد والمحاصصة الطائفية وغياب الخدمات وضياع الثروات على الرغم من أن العديد من الكتاب قدموا أعمالا روائية وقصصا ومقالات فيها إشارات واضحة لإدانة هذه الممارسات والتنديد بمرتكبيها! لكن المطالبة والمناشدة والتنديد وغيرها من التعبيرات التي لا تغني ولا تسمن ولا تقدم ولا تؤخر، ما هي إلا (كلمات.. كلمات) كما يقول (هملت).

انتفاضة تشرين جعلت المثقف والكاتب لا يكتفي بالكلمات بل من أجل أن تكون وظيفته مؤثرة وتسعى إلى تحقيق الأهداف من الانتفاضة وأحداث التغيير، استوعب هذا الشعار السياسي (الحقوق لا تؤخذ بالمطالبة بل بانتزاعها من مغتصبيها) لذا نجد أن الكثير من الكتاب قد نزلوا في ساحات الاحتجاج لتسجيل موقفهم من الأحداث والأوضاع!”.

القلق الثقافي..

وعن القلق الثقافي يضيف: “وجدت نفسي في حالة من الإحراج فلا  يكفي ذهابي إلى ساحة التحرير يوميا لتسجيل حضوري أمام الناس ويتم تصويرنا عبر الفضائيات، بل شعرت بأن من واجبي أن أمارس الكتابة عن الاحتجاجات واعتبرت نفسي (ناطقا عن خواطر المحتجين).

تحول عندي الأمان الثقافي إلى ما يطلق عليه (القلق الثقافي) وكنت اسأل نفسي هل مشاركة المثقف والكاتب بحجم مشاركة الثوار والإنسان العادي البسيط الذي خرج يطالب في البداية بحقه في العيش الكريم والعمل الشريف واللقمة الحلال، حتى تحولت شعاراته إلى (نازل أخذ حقي) و(نريد وطن)، لقد أحسست بأن هؤلاء يستحقون نظاما سياسيا عادلا، كما يستحقون موقفا داعما من المثقفين والكتاب فضلا عن الكتابة عنهم يجب المشاركة معهم، وقد قدم الصحفيون والأدباء والكتاب الشهداء والجرحى في هذه الانتفاضة والتظاهرات السلمية”.

شرعية السلطة..

وعن شرعية السلطة يوضح: “لقد تأكد لي بما أن الثقافة (جهد إيجابي خلاق) علينا أن نقدم للانتفاضة محتوى متجدد يثري حياتهم، معركتنا كانت ضد الخطر الداخلي (من أجل الحرية) وضد الخطر الخارجي (التدخلات الإقليمية والدولية)، فكانت لي مقالات نشرت في جريدة الزمان عن (الشرعية بين السلطة والاحتجاجات) لأن من يملك السلطة على الأغلب  يتوهم بأنه سيكون بعيدا عن المساءلة والمحاسبة، ويرى نفسه فوق القانون (الحصانة)  ويمارس سلوكا مناقضا للقوانين التي وضعها ومنافيا للتقاليد والأعراف الاجتماعية، مستخدما نفوذه السياسي وإمكانياته المادية ّولا يمكن قبول خرق القانون بمجرد أن من قام فيها من رجال الحكم. بينما ينزل القصاص الشديد لو اقترف أقل منها من عامة الناس!”.

أمراض الديمقراطية..

ويضيف: “وجود شرعية للسلطة لأنها تحكم هذه تمثل الشرعية الشكلية لكن ما تحتاجه الشرعية في الأنظمة الديمقراطية هو المعيار الموضوعي، فنحن نعاني من (أمراض الديمقراطية) وهي كما يحددها (كولين كرتش) في كتابه “ما بعد الديمقراطية” يكون فيها سلوك السياسيين في دول ما بعد الديمقراطية أقرب ما يكون إلى سلوك “المهربين” القائم على الخداع والمراوغة والتسلل حتى يتم تمرير بضاعتهم في غفلة من المجتمع، والسيطرة بعد ذلك على الأنشطة الاقتصادية التي لا تقوم نظم التمثيل الديمقراطي بوظائفها الصحيحة في التعبير عن إرادة المواطنين والدفاع عن حقوقهم..

حينما تستغل السياسة مجال الثقافة يسود الشعور بالإحباط عند الكتاب، وتبرز قسوة الأحزاب، وتصبح مصدرا للفساد والإفساد، وأن الجماهير الغاضبة تعبر عن رفضها بالاحتجاجات وحالة عدم الرضا وعن الرغبة في المشاركة السياسية واتخاذ القرارات التي تحقق مصالحها وتطلعاتها وتحديد سطوة السلطة وانفرادهم بإدارة شؤون المجتمع والدولة، وتعد الاحتجاجات هي السلاح المشروع وأداة لتمارسه الجماهير للتخلص من أمراض الديمقراطية. بعد مرور سنة على الاحتجاجات والانتفاضة، وعلى المثقف أن يصطف مع الجماهير ويدافع عنها وليس مع السلطة والحاكم!”.

العصيان المدني..

وعن العصيان المدني يقول: “حينما كانت الجماهير تريد تطبيق (العصيان المدني) كخطوة تصعيدية لتطوير التظاهرات لتصل إلى الاعتصام ومن ثم تحقيق التغيير! لم يحقق العصيان المدني المطلوب منه، وظهرت اختلافات حتى بين المتظاهرين فكان ما يزال البعض يؤمن بالإصلاح وليس بالثورة والتغيير، والبعض يتحدث عن دستورية التظاهرات وعدم دستورية العصيان المدني! وتناقضت وتباينت المواقف فالأغنياء مثلا يهتمون كثيرا بالاستقرار السياسي وهم يكرهون الثورة أكثر مما يكرهون حتى الاحتلال! لأن هؤلاء لن يشعروا بالظلم طالما ثرواتهم تتضاعف وتزيد! كما أنه ليس كل الفقراء مع الثورة، لأن هؤلاء على الأغلب لا يملكون أحيانا الوعي المناسب لمثل هذه الظروف، أما الطبقة المتوسطة فهي مقسمة ومترددة تنتظر أكثر مما تشارك في عملية التغيير، في أنظمة مثل العراق يستبعد حدوث (انقلاب عسكري) لأن الجيش أصبح محايدا يدافع عن السلطة بغض النظر عن مقبوليتها أو رفضها من قبل الشعب! (شلع قلع) يعني رفض الجميع استراتيجية  لا تمثل (الواقعية السياسية) وهي التي جعلت السلطة غير منقسمة لولا الرفض الكامل للعملية السياسية الذي ينادي به المتظاهرون كان يمكن احتمال التغيير أن يأتي بمساعدة من داخل السلطة!”.

المزاج الثوري..

وعن ما أسماه المزاج الثوري يبين: “كما غاب أحيانا (المزاج الثوري) أو (الروح الثورية) وقد يكون من مستلزماته هو العيش في أصعب الظروف وتحمل العذاب والحرمان والتمتع بالصلابة والصمود والصبر وهذا يخلق الظروف المناسبة للتغيير وليس العكس، لأن من يختار هذا الطريق لا يفكر بنوع الأكل أو بالنوم المريح ولا بالرفاهية الناعمة، كنا أثناء تجوالنا في ساحة الاحتجاج- ساحة التحرير- كأننا في مهرجان أو مناسبة احتفال بأحد الأعياد، مع غياب المزاج الثوري!

هناك مبالغة قد تصل إلى حد الاسترخاء تتجلى في (المطعم التركي) الذي تحول إلى (دار ضيافة) درجة أولى 5 نجوم، سجاد وأفرشة وحتى مكتبة، التغيير لا يمر عبر هذه الرفاهية! الحكومة كانت مرتاحة لساحة التحرير فهي منطقة لحصر نشاطات المتظاهرين وإسكات حالات الغضب الجماهيري بتوفير الأكل والشرب والأناشيد والأغاني وصالونات الحلاقة والحمامات وغيرها! كل هذا يطيل المدة ويمتص الغضب وينهي (الروح الثورية) للحركة وهو ليس مفيدا لإنهاء الأزمة الموجودة بين المتظاهرين والحكومة”.

نضوج الاحتجاجات..

ويؤكد: “يجب الاعتراف بأن احتجاجات تشرين هي الأكثر نضوجا من جميع التظاهرات السابقة، فقد تبلورت رؤية سياسية بعيدة عن الحالات الآنية التي تطالب بحل مشاكل البطالة وتوفير فرص العمل وباقي الخدمات الضرورية! لقد حددت التظاهرات هدفها بشكل واضح وهو هدف سياسي لا يرضى إلا باستقالة الحكومة وتغيير قانون الانتخابات وإجراء انتخابات مبكرة تحت إشراف القضاء وممثلين عن المنظمات الدولية، كما أن هناك حاجة لأجراء تغيير بالدستور بعيدا عن تعقيدات آلية التغيير التي نص عليها الدستور نفسه!

المتظاهر أصبح أكثر وعيا فأخذ يصرخ بأنه لا يريد اليوم تعينا أو قطعة أرض أو راتبا ومنحة بل هو خرج يطالب باستقالة الحكومة وبانتخابات نزيهة بقانون عادل للانتخابات بعيدا عن التزوير والتهديد، لكي يمارس الشعب الديمقراطية لا بد أن يكون أهلا لها، الشباب بما يملكه من حيوية الطموح والمبادرة والمغامرة وحب الحياة وقبول التحديات هو من سوف يحقق الأهداف ويقلب المعادلة على الطبقة السياسية الفاشلة، وكان على الآباء تشجيع أبنائهم بالمشاركة بالاحتجاجات السلمية لتحقيق التغيير والتخلص من (العاطفة السلبية)، حينما جاء نابليون إلى مصر ووجد شابا يجلس تحت الشجرة يبكي، سـأله عن السبب؟ أجاب الشاب بأن حبيبته لم تأت بالموعد! عندها قال نابليون لمرافقيه “حان وقت غزو مصر لأن العاطفة تتغلب عليهم”!”.

دور التواصل الاجتماعي..

ويقول: “وسائل التواصل الاجتماعي توفر مجالا واسعا للتعبير عن الرأي ونقد أساليب الحكم التي تتوارى خلف الشعارات الديمقراطية لإخفاء نواياها الحقيقية للسيطرة على السلطة، لذلك يسبب “الفيسبوك” كثيرا من القلق للحكومات التي تعجز عن السيطرة على المدونات المتنوعة، لذلك لجأت السلطة إلى قطع النت بحجة (دواع أمنية)، الأساليب القديمة في السيطرة على الحكم ومنها التضييق على الحريات ومنع الرأي الآخر وقمع المعارضين لم تعد في هذا العصر ذات جدوى، وتهم التحريض وتقديم الأخبار المفبركة تحت عناوين لافتة، ومبالغات كاذبة، ومشاحنات مفتعلة بطريقة غير مهنية، بل ولا أخلاقية أحيانا! كل هذا أصبح من التراث! اليوم العالم يبحث عن مصدر للمعرفة ولا يمكن للأنظمة من خلال إعلامها الحكومي بأن تستنسخ جيلا لا يعرف عن وطنه شيئا مهما، علينا أن نضع خريطة إعلام بها كل الألوان، وبشكل يمنح  تربية العين على نبذ الرؤية الأحادية المنغلقة على نفسها، إن حرية الآخرين جزء من حرياتنا، ويبدو لي أن في العراق رجال السلطة لم يستوعبوا الدرس ولم يستفيدوا من تجارب العالم”.

ثورة تحرر..

تقول الكاتبة “وداد فرحان”: “ثورة تشرين السلمية هي لسان الضمير والوعي العراقي بل هي الضمير الإنساني، وكانت بحق موقد شعلة الأفكار الأدبية والثقافية التي تجسدت في كتابات وقصائد أصحاب الضمير الغيور على الوطن، وكل المفردات تقف خجلة أمام تضحيات ونضال أبناء تشرين السلميين. إن الشباب في الساحات يبحثون عن كرامتهم، وعن رغيف يومهم، وسقف يؤويهم ويؤوي ذويهم، وطرقات سالكة آمنة دون لثام وكاتم غادر”.

وتواصل: “لقد رفع شباب تشرين السلميين شعارهم الذي أرعب المتسلطين على الرقاب: “نريد وطن”. وطن يجمعنا من أقصاه إلى أقصاه. كتبوها على صدورهم ونقشوها على جباههم وجدران الساحات وأقاموا معارض الرسم والندوات التثقيفية التي تعزز سلمية التظاهر. ثورة تشرين، ثورة الأقلام النزيهة، ثورة تحرر الإنسان من العبودية والتبعية. إنها ثورة المبادئ والقيم دون زيف وأباطيل. أيها العقلاء، إن الثورة مستمرة اجتماعيا وثقافيا ولن توقفها كل أشكال الاتهامات المخبوزة بالحقد، المختمرة بالمستورد من الأفكار التي يخجل من صناعتها حتى الشيطان!. فلم لا تجنح العقول المستبدة إلى الصواب؟  تكاشفوا وأعيدوا البوصلة إلى اتجاهها القويم، وكونوا مع الشعب في كلمته الفصل، فإنها الفيصل بين أن يكون هناك وطن أو لا يكون”.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب