15 يناير، 2025 10:43 م

ثقافة تشرين (1): ثورة الوعي التي كانت بمثابة صعقة كهربائية

ثقافة تشرين (1): ثورة الوعي التي كانت بمثابة صعقة كهربائية

 

خاص: إعداد- سماح عادل

تحل الذكرى الأولى لثورة تشرين في العراق، تلك الثورة التي ظهرت فيها بسالة وشجاعة أجيال من الشباب، والذين أعلنوا مواقفهم بصدورهم العارية، عزل إلا من رغبة وإصرار في التغيير، وقد كانت لتلك الثورة العظيمة تجليات ثقافية تمثلت في نمو حركة فن تشكيلي، ورسم كثير من الفنانين التشكيليين لوحات تعبر عن الثورة والرغبة في التغيير على جدران الشوارع التي امتلأت بالثوار، كما ظهرت الأغاني الحماسية، والصحف الورقية، ورسومات تخلد رموز الثورة وأيقوناتها وشهدائها.

وفي الذكرى الأولى أحببنا أن نتعرف على تفاصيل تلك التأثيرات الثقافية لثورة تشرين، بسؤال عدد من الكتاب والمثقفين والمتفاعلين مع أحداث الثورة.

المشروع الاستبدادي للخراب..

يقول الكاتب مازن المعموري: “في عالمنا اليوم تتوقف الأجوبة وتهيمن الأسئلة والشكوك في زمن الفوضى التي لا تعرف أحدا لتجيبه, لكن هناك علامات شاخصة لرؤية الظاهرة التي تعني أثر الثورة في الأدب والثقافة. وفي الحقيقة فإن ثورة تشرين قلبت كل الموازين وعملت على إعادة قراءة الواقع الساكن في ضمير كل مواطن عراقي غير منتم لتيار سياسي أو ديني, وهو ما جعل المجتمع العراقي يكتشف ضحالة المؤسسات الثقافية والفنية التي كان يحترمها مثل اتحاد الأدباء ونقابة الفنانين وجمعية التشكيليين والصحافة العراقية، وغيرها من المؤسسات التي كان يعول عليها صدق الموقف الوطني, واكتشاف فسادها الإداري في ضوء تعاملها مع ميليشيات القتل والعمالة الإيرانية بصفتها مواقع كسب مالي، وتعاملات خارجة عن القانون تقف ضد الدولة العراقية، وتلمع رموز نظام المحاصصة، وتعمل على غسيل الأموال باسم الثقافة العراقية بكل الطرائق الممكنة, وهو ما حصل في بغداد عاصمة الثقافة وسرقة المليارات باسم الأفلام والمهرجانات الوهمية, وقد شارك في ذلك أغلب الفنانين والمثقفين والأدباء بالأسماء والجداول المنشورة”.

مؤكدا: “لا أريد هنا الحديث عن فضائح الثقافة العراقية بكل تفاصيلها وهي معروفة للجميع, لكني أشير إلى هشاشة ما نسميه ثقافة عراقية أو حركة ثقافية لا يهمها غير المصالح الخاصة والمكاسب الشخصية على حساب الوطن والمجتمع المظلوم, ومن ثم فإن أي حديث عن ثقافة عراقية سيكون مشكوك به منذ البدء, بما أن الأسماء المسئولة عن الأحداث ما زالت حاضرة وتلبس الأقنعة وتغير المواقف حسب الطلب والمشروع الاستبدادي للخراب الحاصل في العراق. لست هنا في موقف اتهام الآخرين, لكنني أعول على مراجعة المواقف الأخلاقية للثقافة العراقية التي قد تبدو للوهلة الأولى غير نزيهة تماما, في الوقت الذي يظهر لنا الكثير من الأسماء الشريفة لتكون ندا للفساد المستشري في الوطن كله من الشمال إلى الجنوب, وهي أسماء كانت وما زالت نظيفة وغير معنية بالمكاسب الحرام والعمالة الخارجية, ولي الشرف أن أكون من ضمنهم, حيث لم أشترك في مكاسبهم وميولهم الحزبية والعقائدية ولم استلم منصبا يؤهلني لسرقة المال العام”.

ويكمل: “في مجال الأثر الثوري لتشرين، فقد ظهر الصوت الحقيقي الوطني للشعر في مجمل الكتابات التي تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي, وكان قد تحول الشاعر صفاء السراي (ابن ثنوة) إلى أيقونة اجتماعية في ضمير كل شاب خرج ليطالب بحقه في الحياة. وهو دليل على أهمية وقيمة القلة الشريفة في مواجهة الخراب والسقوط الأخلاقي للمجتمع السياسي والبرجماتي في عراق ما بعد 2003, وهنا يبرز السؤال الجوهري حول الشاعر وليس الشعر. إنه كينونة الحضور في الحاضر المعاش دون تزييف وأقنعة. وفي مجال المسرح والأداء ظهر لنا الكثير من الفنانين في ساحة التحرير للإعلان عن موقفهم الإنساني ضد القتل المجاني والتصفية الجسدية والظلم, وجلهم من الجيل الشاب والمؤمن بالحرية والعراق الديمقراطي. لقد كانت لحظة حاسمة في ضمير المجتمع كله, وقد أعلنوا عن أعمالهم في وسائل التواصل الاجتماعي والفيس وغيرها من مواقع التواصل. وكان الأثر الثقافي حاضرا في مجال العلاقات الاجتماعية, حيث تم التزاوج في ساحات الثورة وزف العديد من الشباب في ساحة التحرير في بغداد والمحافظات, وكانت قيم المحبة والسلامة حاضرة بين الناس في مجال التكافل الاجتماعي ودعم الشباب بالمال وكل وسائل المعيشة اليومية. كما شاركت العديد من النساء في دعم الثورة بمظاهر الطعام والمال والخبر وغسل الملابس وغيرها من الأمور اليومية والتي تدل على لحمة المجتمع العراقي ونبله وثقافته الرفيعة.

الجانب الثقافي لا يعني الكتابة والكتب فقط. لكنه ينتمي إلى الممارسة اليومية المتحضرة في سياق الرؤية المدنية لتكون المدينة والنظام الاجتماعي, وعليه فأنني أستطيع القول أن الثورة كانت ثقافية أكثر منها سياسية, وهو ما جعلني أنتمي لها, وبها أستطيع أن أرفع رأسي عاليا لأقول: انا عراقي وافتخر”.

العودة إلى الماضي..

يقول الكاتب خالد مهدي الشمري: لابد من العودة إلى الماضي حيث سبقنا التاريخ الثقافي والأدبي عبر نصوص يخلدها التاريخ موجودة من روايات وقصص وكتب شعر، وكذلك وثقت عبر لوحات فنية ومنحوتات توثق حقبة زمنية معينة تمر على العالم من حرب أو مرض أو كوارث طبيعية، نجد اليوم أدبا يسمى أدب الحرب وهو يوثق مجريات المعارك والحروب بكل تفاصيلها.

ويضيف: “من الكثير من الثورات التي دونها التاريخ نجد ثورة تشرين الخالدة تحرك أقلام الشرفاء لما لها من خصوصية كبيرة، حيث لم تكن لطائفة أو دين أو قومية بل شملت كل شرائح المجتمع، خرجت الجماهير بعفوية وقدمت تضحيات كبيرة قوافل من الجرحى والشهداء، لذلك تجد اليوم روايات توثق الحدث وقصص ودواوين الشعر ولوحات فنية لا تترك صغيرة ولا كبيرة، الكثير من الأعمال الأدبية نشرت وغيرها تحت الطبع لا تحصى ولا تعد”.

ويبين: “أما بنسبة لي فقد حوت مجموعتي القصصية الثانية “جذور عنيدة” والصادرة عن دار النخبة في القاهرة، العديد من النصوص التي تتحدث عن الثورة وأبطالها، وكذلك مجموعتي القصصية الثالثة “غبار الأرواح” والصادرة من دار النخبة أيضا، ومن القصص التي نشرت “خيول الأرواح” والتي تتحدث عن واقعة الناصرية والنجف وبغداد وما جرى على يد القتلة. وأيضا “راية مثقوبة” تلك المرأة التي خرجت تحمل الراية تطالب بالحليب لصغيرها وغيرها من القصص”.

صعقة كهربائية..

ويقول الكاتب سنان مفيد: “جاءت ثورة تشرين مثل صعقة كهربائية، لتفزع ضمائر الفاسدين والظلمة ولتبعث الأمل في ضمائر أضناها وأعياها بؤس حال البلد، فنفضت الغبار عن الروح الوطنية، ورفعت قيم إنسانية كثيرة، حتى صار من المعتاد مشاهد الإيثار والكرم والتضحية والبذل والعطاء ورفعت جدا من شأن العمل التطوعي الذي يتمحور حول الفرد من أجل الجماعة والجماعة من أجل الفرد، وكل هذه القيم هي ثقافة يتفرع منها سلوك وثقافات ذات مرامي سامية”.

ويؤكد: “انفتح شباب تشرين على ثقافات كثيرة من خلال مشاركتهم في المظاهرات والاعتصامات، حيث انتشرت الكتب على الأرصفة في ساحة التحرير وساحات التظاهر الأخرى، فكان منظر الكتب والقراء رائعا وذا مسحة حضارية راقية، فتأثر في ذلك كل من أحب الثورة وتعاطف معها، كما رسخت الثورة مبدأ الحب والإخاء والتسامح والعمل من أجل رفعة الوطن، كل هذه القيم والمبادئ جاءت بتضحيات شباب تشرين وشجاعتهم، و أفرزت جيلا يفتخر كل من ينتسب إليه”.

 

مشاركة الشعب..

والكاتبة منتهى عمران تقول: “بغض النظر عن التسميات المُختَلَف عليها سواء كانت تظاهرات أو انتفاضة أو ثورة تشرين فإن أهم ما ميزها هو مشاركة أعداد كبيرة من الشعب العراقي فيها، دون تمييز نساء ورجال شيبا وشباب وحتى الأطفال كان لهم دورا بشكل ما عبر عوائلهم. وبما أن السؤال محدد حول الأثر الثقافي لها فيمكن القول نعم بكل تأكيد ولولا جائحة كورونا لتبين الأمر بشكل أكبر وأوضح. كان وعي الشباب الثقافي هو سيد الموقف وانعكس بدوره على ردود الفعل من خلال كتابة النصوص السردية والشعرية والمقالات وإصدار الصحف الخاصة منها صحيفة (تكتك)”.

وتضيف: “وعروض الأفلام السينمائية والأغاني والأناشيد والفن التشكيلي، حيث ملأت الجدران الرسومات المعبرة عن الثورة وصور الشهداء وكتابة أسماءهم بالخط العربي بشكل تصاميم جميلة. كما تم تقديم العديد من العروض المسرحية بطريقة مسرح الشارع، وإقامة المهرجانات المنوعة والتي تكفل بها الشباب، وقد أظهرت الكثير من المواهب الإبداعية المغمورة. وقد صدر العديد من الكتب التي تناولت شجون ووقائع حقيقية على شكل ديوان شعر، أو رواية، أو مقالات، أو قصص لمجموعة من الأدباء العراقيين المرموقين. كل ذلك بالنتيجة كان مؤثرا في الوعي العام من خلال كشف الحقائق والفساد المستشري في البلد، وبيّن شجاعة هذا الجيل وحماسته وتغيير الكثير من المواقف التي كانت تقف بالضد من هذه الثورة، وبالنهاية يمكننا تسميتها (بثورة الوعي)”.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة