24 فبراير، 2025 3:36 ص

قصّة قصيرة

خاص : بقلم – عدة بن عطية الحاج (ابن الريف) :

رأيت فيما يرى النّائم، كأنّ القيامة قد قامت، وزلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها، وحُشر النّاس من كلّ مكان، وخرجت من قبري فوجدت الرّسول محمّدًا (صلّى الله عليه وسلّم) في استقبالي مع موكب عظيم من الملائكة، قال لي: كيف حالك يا “ابن الرّيف” ؟، قلت له: يا رسول الله إنّي قد جرّبت عالم الكتابة، فوجدته عالمًا مليئًا بالأعاجيب، من دخله كأنّه دخل عالمًا فيه الكثير من المغامرات، خُضنا بحر الكتابة المتلاطم ووجدنا فيه سحر الحياة وألقها، يا رسول الله منذ تركتنا لم نشعر بالسّعادة، نحن نحبّك وكنّا نتمنّى أن نلقاك على هامش الحياة ونتذاكر أسرار الوجود، يا رسول الله لقد أخرجتنا من الظّلمات إلى النّور ونقلت النّاس من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد، ومن ضيق الدّنيا إلى سعة الدّنيا والآخرة، حرّرت العقول من الخرافة وجعلت النّاس يسعون إلى الحقيقة سعيًا حثيثًا، يا رسول الله لقد تركت لنا القرآن وهو حديث الله إلينا كلّما شعرنا بالضيق والحرج لُذنا بحمى كتاب الله، فالله تحدّث معنا من خلال تلك الكلمات الرّنّانة التي كانت تنساب مع أثير حياتك المكيّة والمدنية، يا رسول الله كنت أرى نورك الذي ملأ السّماوات والأرض يغمر الأفق ويجعلني أتماهى مع نورك الذي أضاء مصباح فؤادي، صرت كلّما أرى النّور في صفحة الوجود أشعر بالسّعادة الرّوحية التي تخرج من أعماق الإنسانية، يا نبيّ الله، كم أنا سعيد بلقائك في هذا اليوم الموعود، أريد أن أتناقش معك حول المحبّة الإنسانية، فديننا الإسلام دعا إلى المحبة الصّافية التّي تجعل عرش الإنسانية قائمًا في كلّ مكان وفي كلّ زمان.

ـ قال لي رسول الله: يا “ابن الرّيف”، أنت قلم واعد ومفكّر جريء ولكنّك عشت في زمن لم يفهمك فيه النّاس، أنت أردت الدّفاع عن الإسلام وأردت البحث عن الحقيقة من خلال طرحك للأسئلة الجريئة، كم أحترمك أيّها القلم الواعد، سر على بركة الله ولا تلوي على شيء، نعم التّراث الإسلامي يحتاج إلى إعادة قراءة وإلى إعادة تنقيب، فسيرتي دوّنت بعد قرنين من رحيلي الجسدي، أمّا في الواقع فأنا لم أرحل بل بقيت معكم بروحي أراقبكم عن كثب وكم أشعر بالحزن وأنا أرى الأخبار الكاذبة والمرويات الملفقة تُروى عنّي، فأنا رسول كسائر الرّسل يمشي في الأسواق ويأكل الطّعام ويشرب الماء؛ ولكنّ في العصر العبّاسي تمّ رسم صورة أسطورية لشخصيتي، أنا في الحقيقة عبد لله ولرسوله جئت لأحطّم الأصنام الفكرية التي عشّشت في عقول النّاس في العصر الجاهلي، كُنت شخصًا عاديًا ورجلاً ثائرًا على التّقاليد البالية، لم أكن صخّابًا ولا لعّانًا بل كُنت رحمة مهداة ونعمة مسداة، حاولت تغيير المفاهيم ووضع النّقاط على الحروف ولكنّ النّاس لا يعلمون، بعثني الله في آخر الزّمان لأنقذ الإنسانية من الهمجية المقيتة، وأخلّصهم الخلاص الأخير من الشّرور، بعثني الله لأقهر كلّ شيطان كامن في نفس كلّ إنسان وجد على ظهر هذه البسيطة، جئت لأوحّد الأمم وأجعلهم يعبدون إلاهًا واحدًا، يسكن في السّماء وله عرش عظيم، وحطّمت ذلك الصّنم الكبير الذي كان في جوف الكعبة، يُدعى ربّ الأرباب وله أصنام صغرى تُعبد من دون الله، كان لكلّ قبيلة صنمها الخاص، فقبيلتي “قريش” كانت تعبد “اللاّت والعزّى ومناة الثالثة الأخرى”، فجئت لأسفّه عبادة هذه الأصنام التّي لا تنفع ولا تضرّ ولا تسمع ولا ترى.

ـ قلت له: يا رسول الله، في العصر الذي عشت فيه أنا، كثرت الأصنام الفكرية وصارت تُعبد من دون الله، صار الله فكرة في عقل كلّ إنسان وجد على ظهر هذه الأرض، فالصّوفية يرون الله في كلّ مكان ويحلّ في الأجسام وهو في وحدته صار متعدّدًا في مظاهر الوجود، أمّا أهل السُّنّة والجماعة فيرون الله يسكن في السّماء ويجلس على العرش ويمشي ويهرول ويضحك ويغضب، لقد أضفوا على الله أوصافًا بشريّة تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، إنّ الله ليس كمثله شيء (هذا تنزيه) وهو السّميع العليم (هذا تشبيه)، هم ينزهون الله عن مماثلة المخلوقات ولكنّهم يُشبّهونه بالبشر عندما يصفونه بأوصاف بشرية، فالله في تصوّري يا رسول الله هو تلك القوّة الكامنة والمهيمنة في الأشياء، إنّها قوانين الطّبيعة التي تُسيّر هذا الوجود من وراء ستار، ويبقى لغز الطّاقة لغزًّا محيّرًا عجيبًا عجز العلم عن فكّ شيفراته ورموزه العصيّة على الفهم، يا رسول الله، إنّ الله تجلّى لنا في عصر العلم، صرنا نرى الله من خلال قوانين الفيزياء ومن خلال التّجارب العلمية التي أصبحت تُجيب عن كلّ الأسئلة التي أشار إليها الوحي في النّاموس الإلهي، فقوانين الفيزياء هي التي تمسك الأرض أن تقع، وهي التي تضبط الحركات بين النّجوم والكواكب والمجرّات ولا تجعلها تتصادم فيما بينها، وعندما تختلّ هذه القوانين الفيزيائية سيحدث العدم وهذا ما نسمّيه بيوم القيامة، من مات قامت قيامته، يعني من أصابه خلل في الطّاقة الكهربائية في الدّماغ مات فورًا، فالرّوح هي الطّاقة الكهربائية الكامنة في الدّماغ وهي موجودة في كلّ الكائنات الحيّة التّي نثرها الله في هذا الوجود وجعلها سارية في كلّ الأشياء.

ـ قال لي رسول الله: يا “ابن الرّيف”، عليك أن تفهم القرآن الذي أنزل عليّ بروح العصر الذي تعيش فيه، أنا عشت في عصر الجمال والخيام والصّحراء أمّا أنت فتعيش الآن في عصر النّجوم والكواكب والمجرّات، والكلّ له الحريّة في تصوّر فكرة الله كما يشاء، فنحن في عصرنا تصوّرنا الله كأنّه ملك جالس على العرش وله وزراء وحاشية وخدم وهذا لكي نُقرّب الفكرة إلى أذهان النّاس فقط، فنحن لا نُشبّه الله بالملوك وإنّما نُشبّه الفكرة فقط حتى تصل إلى المتلقين بطريقة مختصرة فقط، أمّا في عصركم هذا فسترون الله في قوانين الفيزياء الكامنة والمهيمنة في هذا الوجود، يكفيكم إيمان “اسبينوزا” وإيمان “اينشتاين” وستدخلون جنّتكم التي تحلمون بها، لي جنّتي ولكم جنّتكم ورضوان الله الأكبر يجمعنا، والكلّ له جنّته في صورة العصر الذي عاش فيه، فعش عصرك لترى جنّتك هناك، وعليك أن تراني بروح العصر الذي تعيش فيه وتُفسّر القرآن بروح العصر الذي تعيش فيه.

وأفقت من نومي ضاحكًا مسرورًا، كأنّني دخلت جنّة الله الموعودة، وإزداد حبّي لرسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، كم هو عظيم في فكره ومتألق في تعاليمه ويحترم الرأي الآخر، يجب علينا أن نقرأ شخصية الرّسول قراءة عصرية نجعله كأنّه يعيش بيننا في عصرنا هذا، وبالتّالي يتسنى لنا أن نقرأ القرآن العظيم قراءة عصرية تُعبّر عمّا يجول في خواطرنا من أفكار تواكب هذا العصر عصر الحداثة والتّنوير والتي تُساهم في بناء عقول نيّرة باحثة عن الحقيقة الكامنة في الأشياء، صوت الله ينادينا من الأعماق: أنا عقل هذا العالم، فحكّموا عقولكم وابحثوا عن سرّ الحياة الكامن في هذا الوجود، لبّوا نداء العقل ونداء الضّمير وحاولوا قراءة سطور هذا الوجود بعيون عصركم الذي تعيشون فيه.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة