15 نوفمبر، 2024 8:40 م
Search
Close this search box.

“يوميات سراب عفان” .. الحب مغامرة خطرة الجنون هو ما يعطيه حلاوته !

“يوميات سراب عفان” .. الحب مغامرة خطرة الجنون هو ما يعطيه حلاوته !

خاص : عرض – سماح عادل :

رواية (يوميات سراب عفان)؛ للكاتب، “جبرا إبراهيم جبرا”، تحكي قصة حب عنيفة وجامحة، وتصور بطلة خارجة عن المألوف في مجتمع آسن وخانق..

الشخصيات..

“سراب عفان”: البطلة.. فتاة غريبة الأطوار، نصف عاقلة ونصف مجنونة، تكتب يومياتها، وتريد أن تقع في حب عاصف وقوي، وحين يحدث تترك هذا الحب في ذروته لتغير مسار حياتها، هي ابنه لطبيب شهير تخرجت من كلية الفنون في الفنون المسرحية، عمرها 26 عاماً، حين تخرجت عملت في مكتب تجاري رغم عدم حاجتها للعمل، تسخط على المجتمع الذي تعيش فيه وترى أنه مجتمع خانق لا يتيح للمرء التمتع بأية حرية.

“نائل عمران”: البطل.. روائي معروف، يعمل بالمحاماة وكتب عدة روايات ناجحة، تحدث له مأساة في حياته وتقابله “سراب” بالصدفة، ويعيش معها علاقة حب عاصفة ثم تتركه وترحل.

“تالة”: صديقة لـ”نائل”.. كانت حبيبته في وقت سابق؛ ثم تركها وتزوج من صديقتها “سهام”، ولم تغفر له ذلك، وظلت تحقد عليه رغم موت “سهام”، فتاة مدللة غنية تحب الإستحواذ على ما تريد.

هناك شخصيات أخرى ثانوية..

الراوي..

الكاتب يقسم الحكي بين البطلين، “سراب” و”نائل”، كل يحكي بصوته بشكل متتابع، تبدأ الرواية بحكي “سراب” وحديثها عن يومياتها ثم يتنقل الحكي إلى “نائل”، الذي يقدم عرضاً لحياته الماضية بشكل موجز، ثم يحكي عن تأثير “سراب” به المتصاعد ويتتابع الحكي بينهما إلا أن تنتهي الرواية بحكي “نائل”.

السرد..

الرواية عذبة، مليئة بالأفكار الفلسفية، قد تكثر تلك الأفكار عن الأحداث، فهي تناقش فكرة الحب وفكرة الحرية ومحاولة التحرر من مجتمع عربي محافظ، ومناقشة القضية التي يوهب لها المرء نفسه ليشعر بقيمته، أفكار كثيرة تتخلل الرواية والتي تنصب الحكاية الأساسية فيها على عشق “نائل” و”سراب” والرواية تقع في حوالي 270 صفحة من القطع المتوسط.

فتاة نصف مجنونة..

“سراب عفان”؛ بدء من اسمها تبدأ الغرابة.. فهي “سراب” يخايل الإنسان، لكنه لا يتحقق، امرأة مزدحمة من الداخل تنازعها الأفكار والشخصيات ومحاولة العيش بحرية.. تجيد التمثيل وتعشقه، بداخلها شخصيتان أساسيتان إلى جانب شخصيات أخرى لم تتبلور بعد.. الشخصية الأولى، “سراب عفان”، تلك الفتاة شديدة الجمال التي ينسدل شعرها الأسود الطويل على وجهها، التي تمشي كفرس تتوزع مشيتها بين الخفة والطيران، وطولها الفارع وقوامها الرشيق يبهر كل من ينظر إليها، حتى أن “نائل” يتأملها في كل مرة ينتظرها فيها في موعد وكأنه يراها لأول مرة، يتأمل أصابعها الرشيقة وشفتاها التي بلون الورد دون أن تلونها وحركاتها الرشيقة وهي تحتسي القهوة، وهي تلتصق به أثناء سيرهما معها وهي تسلم له شفتيها بضراعة ويأس، فتاة حساسة تجاه الحياة طائشة محبة ومندفعة، تريد أن تعيش علاقة حب عاصفة وقوية.

والشخصية الثانية، “راندة الجوزي”، فتاة تحكم عقلها وتوازن الأمور وتفكر بما هو متاح وممكن لفعله، وتتواءم مع ما يسمح لها في ظل قيود المجتمع، تظهر “راندا الجوزي” دوماً لتشذب جنون، “سراب”، وتقص كلمات كثيرة من يومياتها، وتنبهها إلى خطورة علاقة حبها مع “نائل”، ذلك الروائي الكبير، تقحمها “سراب” دوماً في حديثها مع “نائل” وتوهمه أنها صديقة لها، ليكتشف في النهاية أنها شخصيتها الثانية العاقلة.

عشق قوي..

تتخيل “سراب عفان” في بداية الرواية، حين تندفع لكتابة يومياتها وهي في العمل وهي في المنزل، وتعيش اضطراب من لم يستطيع ممارسة الحياة بحرية، وتتقلب في أفكارها الكثيرة حول ماذا تريد أن تفعل أو تعيش، وعدم احتمالها لملل حياتها وسكونها، تتخيل بعد أن قرأت الرواية الأخيرة لـ”نائل عمران” محادثة خيالية بينهما، وأنها تهاتفه كمتحدثة مجهولة وتلعب معه لعبة خيالية، وتظل تعيش في تلك اللعبة الخيالية وتشعر بإشباع ما من خلالها، وبالمصادفة تتقابل معه في أحد الأيام يسير في الشارع بعد أن تجولت أمام بيته لتراه مرات عديدة، وحين تراه يسير في الشارع تندفع وراءه لتحدثه وتجري وتتعرف عليه، وهو لا يفهم اقترابها الغريب لكنه يتعامل معها بحياد ظانا أنها صحفية، وتسعى لعمل حوار معه لكنها تخطفه بطريقة حديثها وحركاتها الرشيقة وجمالها، لكن ما يوقعه في حبها طريقتها الغريبة في الحديث وميلها إلى تمثيل عدة أدوار مختلفة وعمل لعب شيقة معه حتى أنها أدخلته في دائرة جنونها.

رغم حزنه الشديد على زوجته “سهام” التي ماتت في منتصف شبابها من مرض خطير واعتكافه سنوات في حزنه حتى أنه فقد طعم الحياة، تستطع “سراب” إخراجه من حزنه وإعادته إلى الشعور بالحياة وبجمال العشق، يتقربان من بعضهما ويصنعان لغة مشتركة وينسيان العالم المحيط بهما حين يتقابلان، تبدأ “سراب” تقلق من قوة عشقها ل”نائل” رغم أنه عرض عليها الزواج والعيش حياة مشتركة معه، لكنها لا تستجيب وتقرر دون أن تعلمه أن تسافر،  أن تنخرط في المقاومة لتحرير فلسطين، وكأن هذا الطريق هو الذي سيشبع ذاتها القلقة المزدحمة.

لا تقول له ذلك وترحل دون أن يعرف كل شيء، وتتركه سنتان ونصف يتخبط في أزمة رحيلها المفاجئ، لا يفهم لماذا رحلت وهما في ذروة العشق وبعد أن أصبح مجنونا بها، يقدم سيناريوهات متعددة ليفسر ذلك الرحيل لكنه لا يصل إلى أي تفسير مقتع، يغرق نفسه في العمل وفي كتابة رواية حتى ينسى رحيلها المفجع، وهو يتخيل نهايات مأساوية لها، وبالصدفة أيضا يقابلها في باريس أثناء حضور مؤتمر، يقابلها في مكتبة عامة تتعمد تجاهله وتوهمه أنها امرأة أخرى لكنه لا يستسلم وهي تضعف في النهاية، ويعرف أنها تدرس للدكتوراه وتناضل مع منظمة تحت الأرض لصالح القضية الفلسطينية، ويفترقان لكنه يرحل راضيا لأنه ممتلئا بها وعشقها المجنون، رغم أنه عشق متناقض، يحزنه ويفرحه، يعذبه ويشعره بالسعادة، ووجودها فيه أجمل رغم غيابها، يقول “نائل” داخل الرواية “الخلاص هو في الروح. في اختراق الفاجعة. في السموّ على الحزن. وعندها، ينفتح عقل المرء، وقلبه، وكيانه جميعاً، وعلى إمكانيات التغلب على هذا الشرّ الناخر في وجودنا عنيداً كالدود. ولعلّ البشرية تصبح أكثر خيرا عندما تصبح أكثر حباً”.

الكاتب..

“جبرا إبراهيم جبرا” هو مؤلف ورسام، وناقد تشكيلي، فلسطيني من السريان الأرثوذكس ثم اعتنق الإسلام للزواج من “لميعة العسكري”، ولد في بيت لحم في عهد الانتداب البريطاني، استقر في العراق بعد حرب 1948. أنتج نحو 70 من الروايات والكتب المؤلفة والمترجمة، وقد ترجم عمله إلى أكثر من اثنتي عشرة لغة. وكلمة جبرا آرامية الأصل تعني القوة والشدة..

ولد في بيت لحم، ودرس في القدس وانكلترا وأمريكا ثم تنقل للعمل في جامعات العراق لتدريس الأدب الإنجليزي، وهناك تعرف عن قرب على النخبة المثقفة وعقد علاقات متينة مع أهم الوجوه الأدبية مثل السياب والبياتي. يعتبر من أكثر الأدباء العرب إنتاجا وتنوعا إذ عالج الرواية والشعر والنقد وخاصة الترجمة كما خدم الأدب كإداري في مؤسسات النشر. عرف في بعض الأوساط الفلسطينية بكنية “أبي سدير” التي استغلها في الكثير من مقالاته سواء بالانجليزية أو بالعربية.

توفي “جبرا إبراهيم جبرا” سنة 1994 ودفن في بغداد. قدم جبرا إبراهيم جبرا للقارئ العربي أبرز الكتاب الغربيين وعرف بالمدارس والمذاهب الأدبية الحديثة، ولعل ترجماته لشكسبير من أهم الترجمات العربية للكاتب البريطاني ، وكذلك ترجماته لعيون الأدب الغربي، مثل نقله لرواية «الصخب والعنف» التي نال عنها الكاتب الأميركي وليم فوكنر جائزة نوبل للآداب.

أعمال جبرا إبراهيم جبرا الروائية يمكن أن تقدم صورة قوية الإيحاء للتعبير عن عمق ولوجه مأساة شعبه، وإن على طريقته التي لا ترى مثلباً ولا نقيصة في تقديم رؤية تنطلق من حدقتي مثقف، مرهف وواع وقادر على فهم روح شعبه بحق. لكنه في الوقت ذاته قادر على فهم العالم المحيط به، وفهم كيفيات نظره إلى الحياة والتطورات. في الشعر لم يكتب الكثير ولكن مع ظهور حركة الشعر النثري في العالم العربي خاض تجربته بنفس حماس الشعراء الشبان.

في الرواية تميز مشروعه الروائي بالبحث عن أسلوب كتابة حداثي يتجاوز أجيال الكتابة الروائية السابقة مع نكهة عربية. عالج بالخصوص الشخصية الفلسطينية في الشتات من أهم أعماله الروائية “السفينة” و”البحث عن وليد مسعود” و”عالم بلا خرائط” بالاشتراك مع عبد الرحمن منيف.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة