خاص: إعداد- سماح عادل
“يعقوب الشاروني” كاتب مصري، من رواد أدب الأطفال في مصر والعالم العربي.
نشر أول كتاب للأطفال عام 1959، وتم تكريمه بجائزة الدولة الخاصة بالآدب في عام 1961، وذلك خلال حفل كبير أقيم في مدينة المنصورة بمناسبة الاحتفال بذكرى انتصار شعب المنصورة على الاحتلال الفرنسي. وعلى الرغم من بدايته في مجال القانون وتخصصه في الاقتصاد السياسي، إلا أن شغفه بالكتابة كان أكبر.
كتب بابا في جريدة الأهرام تحت عنوان “ألف حكاية وحكاية” منذ عام 1981. حائز على جائزة لجنة التحكيم الخاصة لمسابقة سوزان مبارك لأدب الأطفال عام 2001 في مجال التأليف عن كتابه «أجمل الحكايات الشعبية» التي تسلَّمها من سوزان مبارك.
وفي عام 2002 فاز كتابه نفسه بجائزة «الآفاق الجديدة» من معرض بولونيا الدولي لكتب الأطفال بإيطاليا، وهي جائزة تُمنح لكتاب واحد على مستوى قارات آسيا وأمريكا الجنوبية وإفريقيا وأستراليا، وهي واحدة من أهم جائزتين يمنحهما المعرض سنويًّا على مستوى العالم.
عالم الطفل..
في حوار معه ل “بوابة ماسبيرو” يقول “يعقوب الشارونى” عن انجذابه إلى عالم أدب الطفل وهل تختلف الكتابة للطفل في مراحل سنية مختلفة: “الأطفال هم الذين اختاروني لأكتب لهم، وكان نجاحي هذا مع الأطفال، من أهم أسباب اقتناعي بسلامة اتخاذي قرار ترك العمل القضائي نهائيًا، والاستمرار في العمل بوزارة الثقافة، وكان ذلك نهاية عام 1968، بعد فترة انتداب من عملي القضائي، واخترت، منذ ذلك التاريخ أن اتجه بكل ما أملكه من موهبة لعالم الكتابة للأطفال، ثم توليت رئاسة المركز القومي لثقافة الطفل، متخليا عن أية ميزة اجتماعية ومادية للمنصب القضائي
لكل مرحلة من مراحل عمر الطفل مجموعة من الكلمات يكون اكتسبها وتعلمها، ثم تزداد حصيلته بانتقاله من مرحلة إلى أخرى، ولن يستطيع الطفل الإقبال على قراءة ما يوجه اليه من كتب، الا إذا كانت مكتوبة في حدود الحصيلة اللغوية له”.
كاتب الطفل..
وعن الصفات التي يجب أن يتميز بها كاتب الأطفال يواصل: “كاتب الأطفال فنان قبل أن يكون رجل تربية، والفن يقوم أساسا علي امتاع القارئ بما يتميز به العمل الأدبي من تشويق وجاذبية، وشخصيات حية يعايشها الطفل، وحبكة تثير اهتمام الفئة العمرية التي تتوجه إليها القصة أو الرواية
لكن كلما كان كاتب الأطفال معايشا وعلي دراية بواقع الأطفال الاجتماعي والنفسي والبيئي واليومي كلما وجد نفسه يختار موضوع أعمال الإبداعية حول ما يعايشه الأطفال في واقعهم أو خيالهم، كما أن مؤلف أدب الأطفال إذا كان مسلحاً بالرؤية الواعية لقضايا مجتمعنا وقضايا الطفولة فلا بد أن يسهم ما يكتبه بشكل ما في التربية والتغير المجتمعي”.
وعن الشروط لكتابة النصوص للأطفال وحقيقة أن الكاتب يكتب عن طفولته يوضح: “لم تكن المادة الأدبية لقصص الأطفال التقليدية، والتي ظلت شعوب العالم تحكيها لأطفالها على مر الأجيال، مُنفصلة عن قصص الكبار، ولم تنشأ مُنعزلة عن التيار العام لخيال وتفكير كل شعب بشكل جمعي، لأن المُتطلبات الأساسية لأدب الأطفال هي نفسها متطلبات أدب الكبار، من حيث ضرورة وجود فكرة أساسية يعرضها الكاتب بأسلوب مشوق يرضى عنه الجمهور الذي يتوجه إليه الكاتب، ولذلك اقتضت الكتابة للأطفال اختيار الكلمات ذات المضمون المادي الملموس أكثر من الكلمات ذات المعاني الموجودة، بالإضافة إلى ضرورة توخي البعد عن التعقيد فيما نقدم للأطفال من أدب، حيث يتم تقليل عدد الشخصيات في العمل الأدبي، ولا يكون مزدحما بالأحداث، مع تجنب ما لا يناسب الصغار من موضوعات قاسية أو مؤلمة أو تتعلق بالعنف.
أما عن الكاتب الذي يكتب عن طفولته، فلاشك أن طفولة الكاتب سواء كان يكتب للأطفال أو للكبار تعد أحد مصادر خبرته، التي يمكن أن يستمد منها ملامح بعض الشخصيات، أو عناصر بعض الأحداث، لكن ليست مرحلة الطفولة وحدها، بل إن خبرات الكاتب التي يكتسبها طوال حياته من أهم مصادر خلفيات قصصه أو رواياته”.
الخصائص النفسية للطفل..
وعن الخصائص النفسية للطفل العربي يقول: “الطفل هو الطفل في كل زمان ومكان، الذي يتغير فقط هو البيئة التي تحيط به، كذلك الثقافة السائدة في المجتمع الذي يعيش فيه، وكثيرا ما نقول أن الصدق مع تناول الواقع المحلي، هو الذي يقود الي العالمي.
وهنا نؤكد دور التعليم في التكوين الثقافي والفكري، وهذا يتعلق بزيادة القدرة على التلقي والتعايش مع كل جديد، والطفل في أي مكان في العالم قادر بالتعليم أن يغير كثيرًا من واقعه”.
وسائط..
وعن تأثير الوسائط الأخرى علي كتاب الطفل يقول: “لا، مازال الكتاب يشكل أهم ركائز المعرفة على الرغم من المنافسة الشديدة لأجهزة الإعلام والتكنولوجيا الرقمية الحديثة، فالكتاب يمنح القارئ القدرة على التركيز والتفكير والتأمل، بالإضافة إلى أهميته في إثراء اللغة وإثارة الخيال، فالطفل عندما يقرأ يتخيل نفسه كجزء من التكوين الأساسي للقصة، فهو يكشف نفسه ويكتشف الآخرين و العالم كله من خلال ما يقرأ”.
أصغر رئيس تحرير..
وفي حوار ثان معه أجراه “أحمد عبد النعيم” لصحيفة “الأخبار المسائي” يقول “يعقوب الشاروني” عن عمله بالصحافة وكونه أصغر رئيس تحرير يقول: ” كنت في السنة الرابع الثانوي، وعمرى 14عاما، تم اختياري لأتولى رئاسة تحرير العدد السنوي لمجلة المدرسة، وكان هذا أول احتكاك عملي مباشر لي بالعمل الصحفي والطباعة، ولأول مرة في حياتي المدرسية اتخلى عن الالتزام بحضور الحصص الدراسية، لأتابع الصحيفة في المطبعة حتى صدور العدد، وهكذا اكتشف أن كتابة القصة والمقال والعمل الصحفي، هي الإغراء الأكثر جاذبية له من أي شيء آخر في حياتي، وعدت للعمل الصحفي مرة ثانية عام 1951، في السنوات النهائية بكلية الحقوق، وأصدرت مع زملائي مجلة اسمها “الرجاء”، أثار العدد الثالث منها كثيرًا من العواصف لما قيل من أن فيها تحريض للطلبة على الثورة والتغيير، فقد كان فيها مقال غير موقع، انتهى بعبارة “تحت السطح يتأهب البركان”، ولم يعرف أحد أن كاتبه هو أنا كان ذلك قبل ثورة يوليو بشهور. وقام بالتحقيق معي أساتذة متعاطفون، فانتهى التحقيق بالحفظ، لكن أصحاب المجلة حرصوا على تحويل المجلة بعد تلك العاصفة إلى شيء مُسل، فابتعدت غير آسف”.
ترك القضاء..
وعن بالتفرغ للأدب وترك منصة القضاء يقول: “عندما طلب وزير الثقافة الدكتور ثروت عكاشة من وزير العدل انتدابي للعمل في وزارة الثقافة، لم توافق وزارة العدل إلا على الانتداب لمدة ثلاثة أشهر. وبعد كل ثلاثة أشهر، تبدأ معركة الموافقة على مد الانتـداب، إلى أن انتهى الأمر في 68 بنقلي نهائيًّا إلى وزارة الثقافة، في ضوء نجاح تجربة عملي الثقافي في بنى سويف، وذلك عندما اختارني عضوًا في بعثة طويلة إلى فرنسا، لمعايشة الحياة الأدبية والثقافية هناك. وبعد عودتي من بعثة فرنسا، ومن سنة 1970 حتى 1973، أشرفت على الإدارة العامة لثقافة الطفل ومسرح الطفل بالهيئة العامة لقصور الثقافة، ثم عملت مستشارا لوزير الثقافة لشؤون ثقافة الطفل”.
مقاومة الابداع..
وعن حدوث معوقات الإبداع بالنسبة له يقول: “مع ملاحظة أن هناك إجماعا في دراسات الإبداع على أن المبدع كثيرا ما يجد مقاومة أو رفضًا أو عدم ترحيب ممن يحيطون به، في العمل أو المجتمع. فالإبداع، في أحد جوانبه، هو تغيير ما سبق الاستقرار عليه، أو إضافة الجديد له، وأحيانا يكون ثورة على ما أصبح من العادات العقلية المتوارثة.
لهذا يجد المبدع مقاومة شديدة ممن حوله، لأنهم يسبغون نوعا من القداسة أو الاحترام المبالغ فيه على عاداتهم العقلية والسلوكية، وبالتالي يشعرون أن إبداع المبدع، بما فيه من تجديد وعدم قبول للمتفق عليه، فيه نوع من التحدي أو الإدانة، يحتاج إلى قمع ومقاومة وتعطيل. ولكن هذا لم يمنعني خلال حياتي من الاستمرار في طريقي، حتى لو تعارض مع ما استقر في أذهان من أتعامل معهم
ولم أكن أهتم كثيرًا عندما تنتهى الأمور بوضع العراقيل في مواجهة ما أقوم به من مسيرة للأفضل في مجال أدب وثقافة الأطفال. وقد حدث معي أكثر من مرة أن أفاجأ بإبعادي عن عملي عندما تبدأ ثمار نجاحه في التبلور والتأثير، لكنني بدلاً من الغضب والثورة، كنت أجدها فرصة لكى أتفرغ للقراءة والكتابة والسفر واكتساب الخبرات الجديدة”.
الدور التربوي..
وعن الدور التربوي الذى يقدمه الشاروني في إبداعه يقول: “مؤلف أدب الأطفال، إذا كان مسلحا بالرؤية الواعية لقضايا مجتمعه وقضايا الطفولة، فلابد أن يسهم ما يكتبه، على نحو ما، في التربية وفى التغيير المجتمعي، وإذا كانت قصص يعقوب الشاروني حافلة بالشخصيات الحية وبالحبكة القوية وبالجاذبية والتشويق، فإنه لا يغفل الدور التربوي الذي لابد أن يتواجد في خلفية كل عمل أدبى يقدم للأطفال، لكنه دور يأتي دائما من خلال الصياغة الفنية الروائية أو القصصية، بعيدًا تمامًا عن المباشرة. والأدب بوجه عام، نافذة يستطيع القارئ من خلالها أن يفهم نفسه على نحو أفضل، وأن يفهم الآخرين أيضا على نحو أفضل.
لكننا نعود لتأكيد أن أية قيمة تربوية أو سلوكية يتضمنها العمل الأدبي، لابد أن تأتي من خلال الفن وليس على حساب الفن، فمن الخطأ أن يقصد المؤلف للأطفال توظيف عمله الأدبي من أجل إحداث أثر أخلاقي أو تربوي معين، لكن صدق الكاتب مع نفسه ومع القراء لابد أن يترك أثرا شاملا في أعماله الأدبية، وبالتالي لابد أن يؤثر في إحداث التغيرات المُستقبلية في مُجتمعه، وفى نفسية وعقول وسلوكيات القراء من الأطفال والشباب الصغير”.
وفاته..
توفى “يعقوب الشارونى” يوم الخميس23 نوفمبر 2023 عن عمر يناهز 92 عاما.