خاص: إعداد- سماح عادل
“وليد إخلاصي” روائي سوري اشتهر باستقلاله الفكري والسياسي.
حياته..
ولد “وليد إخلاصي” في لواء اسكندرونة في 27 أيار عام 1935، والده هو الأزهري “أحمد عون الله إخلاصي”، كان رئيساً للتحرير (مجلة الاعتصام) الشهرية في أواخر العشرينات وأوائل الثلاثينات من القرن العشرين، والتي أوقفها الحاكم الفرنسي في فترة الانتداب، وقد أثرت طموحات الوالد الفكرية على بداياته المبكرة.
تلقى تعليمه في مدينة حلب حيث درس المرحلة الابتدائية في مدرسة الحمدانية بحلب، والثانوية في التجهيز الأولى – المأمون بحلب، والجامعية في كلية الزراعة – جامعة الإسكندرية بمصر في 1954 ليحصل على بكالوريوس في العلوم الزراعية عام 1958، ودبلوم الدراسات العليا القطنية 1960.
عمل في مديرية اقتصاد حلب، ومحاضراً في كلية الزراعة بجامعة حلب، ثم انتقل إلى المؤسسة العامة لحلج وتسويق القطن عام 1966.
الكتابة..
كتب “وليد إخلاصي” في مجالات القصة والرواية والمسرحية والدراسة والمقال والزاوية الصحفية والشعر، وتمت ترجمة أدبه إلى لغات عدة منها الإنكليزية والفرنسية والألمانية والهولندية والأرمينية والروسية واليوغسلافية والبولونية. ترأس فرع اتحاد الكتاب العرب في حلب أكثر من مرة.
عضو منتخب في مجلس اتحاد الكتاب العرب لثلاث دورات متعاقبات.
ساهم في تأسيس مسرح الشعب والمسرح القومي والنادي السينمائي بحلب.
عمل في الصحافة الأدبية وخصوصاً في مجلة الموقف الأدبي.
عضو جمعية القصة والرواية.
الجوائز..
حصل على جائزة اتحاد الكتاب العرب التقديرية بدمشق 1990، وجائزة القصة العربية (محمود تيمور) في مصر (1994)، وجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية في الرواية والمسرحية في دورتها الخامسة عام 1996، و حاز على وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة عام 2005.
المكان قدر الروائي..
في حوار معه أجرته”بيانكا ماضية” يقول “وليد إخلاصي” عن المكان في الرواية من خلال اتصاله بأمرين مهمين هما الإحساس والذاكرة، وكيف يتجسد ذلك: “بشكل عام الرواية هي شعر المكان ولا يتحقق وجود للحدث الروائي إلا بارتباطه بمكان ما. المكان هو قدر الروائي حتى لو بلغ به التخييل حداً يحلق فيه بعيداً عن مكان موصوف أو حقيقي. صحيح أن الكتابة الروائية هي الإحساس بالعناصر التي تتشكل منها الرواية وتساهم الذاكرة في جعل الزمن قيمة متفاعلة مع المكان لكي يكون له وجود ولو روائي.
بشكل عام أنا لا أستطيع أن أختار الأمكنة بقدر ما هي التي تختارني، بمعنى أن الفكرة عندما تهم علي لتصوير شي ما، تكون مرتبطة بمكان ولو أن هذا المكان غير جغرافي، باختصار نستطيع أن نقول إن الشرط الموضوعي لتكوين عمارة الرواية يرتبط بالمساحة التي اسمها المكان”.
وعن ثنائية الزمان والمكان والملامح الجديدة التي ترسمها هذه الثنائية في الرواية، وهل وجودها مرتبط بتغليب أحد عناصرها على الآخر يقول: “هناك إحداثيات هامة لبنية الرواية بشكل خاص وأي عمل إبداعي بشكل عام وتتحدد هذه الإحداثيات بطرفين الأول الأفقي وهو المكان والثاني العمودي وهو الزمان، ولا يمكن لأي حدث تفصيلي أو لأي بنية لشخصية في الرواية أن تتجلى في حضورها إلا بالتقاء النقطة التي يحددها هذان الإحداثيان أي الزمان والمكان، لينشأ مفهوم جديد يتجلى في الرواية هو الزمان المكاني أو المكان الزماني أو مايصطلح عليه بالزمكان.
أي أن نقطة الالتقاء هي نقطة تصالح ذلك العنصرين حيث يلتقيان في النقطة الروائية التي هي واحدة من نقاط كثيرة تشكل جسد الرواية، صحيح أن المكان أبقى بالمعنى الفيزيائي الحسي ولكن الزمان هو عامل التغير أو ما يمكن أن نقول عنه بالعامل الكيميائي الذي يساهم في تحويل أية ظاهرة من حالة إلى أخرى”.
عملية كيميائية..
– وعن هل الإبداع الروائي هروب من الزمان والمكان نحو زمان ومكان يتكافآن لمنح الحياة معنى جديداً يقول: “الإبداع بشكل عام هو تخطي الواقع في حركة نحو الأمام لخلق واقع جديد، فتنتقل آنذاك جميع عناصر الرواية والزمان والمكان منهما إلى تلك الحالة الجديدة، ذلك أن السؤال الأساسي من أي عمل فني، والرواية على وجه الخصوص، هو لماذا نكتب؟ وقد يكون الجواب المحتمل: نكتب لأننا نتجاوز دوماً الماضي والحاضر في طريق باتجاه واحد هو المستقبل.
بمعنى ما أن الرواية هي عملية كيميائية، الهدف منها ليس الهرب من الماضي وإنما إخضاع الأزمان، الزمنين الماضي والحاضر إلى هروب نحو المستقبل الذي سيصبح بعد فترة من الأزمان الغابرة أيضاً، إذن الهدف من العمل الفني هو سباق الزمن، ليس عن طريق الجسد وإنما عن طريق الفكر الذي يرتبط دوماً بقيم قد تكون محاربة كالعدل أو الوفاء أو الارتباط بالوطن والآخرين، فتأتي الرواية في سياق صيرورتها لتتقدم نحو المستقبل.
العهر السياسي السائد..
في حوار آخر معه أجراه “مهند عبد الرحمن” يقول “وليد إخلاصي” عن نفسه بعد مشوار أدبي طويل: “أنا مواطن كان من حسن حظه أنه ولد في فترة ما بين الحربين العالميتين، شاهد فترة الاستقلال السوري وعاصر المأساة العربية الأولى بضياع فلسطين عام 1948م، وعاصر فترة مهمة في الوطن العربي وهي تأميم قناة السويس ومن ثم الوحدة بين سوريا ومصر ومرحلة الانفصال وبعدها حرب الخامس من حزيران التي كانت السبب الرئيسي في النكسة الحقيقية للروح العربية الإسلامية والعودة إلى الماضي دون تدقيق.
في هذه الأثناء تحول القمع إلى أصولي دون دراية من الناس ما صنع ردة فعل هائلة في التخطيط للمستقبل وكان الناس ليس بالمعنى ضد الأصولية وإنما بالمعنى الموضوعي العكسي للأصولية والذي كان وليد إخلاصي واحداً منهم، متمسكين بالتراث من أجل تحقيق المستقبل، وأعتز بتراثي العربي والسوري ولكن اعتزازي الأساسي هو لقدرتي على الانفتاح على العالم الثقافي وعالم الفكر الإنساني الواسع، وكنت واحداً من الذين منحوا نعمة الانفتاح الذي أرجو أن تظل مع تقدمي في السن بفرصة للانفتاح الأكبر على الفكر الإنساني.
وأنا أبن عائلة دينية حلبية معظمها من رجال الدين ولكن والدي هو أحد المنابع الذي غرفت منه الفكر الديمقراطي على الرغم من كونه رجل دين، وكان هو مفتاحي لفهم الآخر، فلم يردعني ذات يوم إذا كان لدي أفكار متطرفة وكان لديه رأي سليم ومهم وهو أنَّ الحقيقة لا تكتشف إلا من نقيضها ومن ممارستها، وقد حافظت على استقلالي من خلال عدم انتسابي لأي حزب سياسي”.
وعن وجود خطة معينة لكتابة نص أدبي، وسبب توقفه عن الكتابة في الفترة الأخيرة يقول: “أنا لا أملك خطة ما ولكن أملك طموحاً في أن أفعل شيئاً ما ولا أعلم متى، وعندما توقفت نهائياً عن الكتابة منذ أشهر وذلك لعجزي تماماً عن إمساك القلم ولكني سأعود حتماً، أما عن أسباب توقفي عن الكتابة فقد تكون الأسباب السياسية في المنطقة ووقوعي في فخ متابعة الأخبار في العراق ولبنان وفلسطين.. وهذه المآسي التي نشاهدها وهذا العهر السياسي السائد في المنطقة، وهذا شيء غير معقول أبداً!..
وهناك شيء يخيفني جداً وهو الخشية من أنَّ الكتابة أصبح لها مردود مادي، وبالتالي أخشى أنَّ المردود المادي يشجعني على الوقوع في فخ الكتابة الإنشائية والجمل المرصوفة.
وأؤكد لك بأنَّ هناك هدفاً للكتابة ليس مرسوماً مسبقاً ولم يدرسوني إياه في الكتب أو حتى في التعاليم السياسية أو الدينية، وهذا ينبثق من الداخل مثل الحب فعندما يقع الإنسان في الحب… فمتى وكيف ولماذا ؟.. بالفعل لا يعرف الإنسان الإجابة”.
وعن سبب عدم انضمامه لأي حزب سياسي، وهل أثرَّ هذا على مشوارك الأدبي الطويل يقول: “في الحقيقة أنا بالصدفة اكتشفت أني مستقل بشكل مرضي، فلا أستطيع أن أتلقى الأوامر في تنظيم حزبي ما على الرغم من أن مبادئ الحزب قد تكون جيدة ولكن هذا الحزب يضم عدداً من أكبر الناس الإرهابيين بمعنى الإرهاب من خلال الأفكار (أي إرهاب فكري).
فكنت أخشى الانتساب لأي حزب لأني سوف أصطدم بعد مرور سنة على أكثر تقدير مع القيادات في هذا الحزب، ولكني حريص على أن أكون ودوداً مع الكل فلماذا أدخل معركة أنا الخاسر الوحيد فيها.
وأريد أن أضيف أن عداوة الحزبي لعضو آخر من حزبه أشدّ قسوة من عداوة الأجنبي للعضو الآخر، كل هذا بالإضافة إلى عوامل عديدة تبدأ من العائلة والوالد بالذات وتنتهي بالمعرفة التي كنت قد بدأت باكتسابها في ذلك الوقت التي تجعلك تكتشف أنَّ معظم الأحزاب على حق، فلا يوجد حزب سيء ولكن يوجد حزبيين سيئين، وأريد أن أقول أني أعتبر نفسي كلما ابتعدت عن التنظيمات المحلية أو الداخلية من نادي رياضي إلى حزب سياسي ازددت تعلقاً بالمجموع تحت اسم الوطن وبصراحة شديدة أعتزُّ بأني حافظت على استقلاليتي وأشجع الإتقان والمهارة وأحترم خصمي لو كانت لديه المهارة والإتقان بالعمل”.