18 نوفمبر، 2024 5:50 م
Search
Close this search box.

وقت مستقطع للفرح .. حلم العودة النوراني محفور في الوجدان

وقت مستقطع للفرح .. حلم العودة النوراني محفور في الوجدان

 

خاص: قراءة – سماح عادل

كتاب “وقت مستقطع للفرح” للكاتب الفلسطيني “طلال أبو شاويش” الصادر عن دار الكلمة 2017، هو عبارة عن مجموعة من القصص والنصوص، بدأها الكاتب بمقدمة لافتة يقول فيها: “أعظم درس تعلمته يوم أقنعتني أمي بأن أمزق السيناريو الذي أمرني المخرج بأن أحفظه وأسير وفقه.. قالت لي يومها دورك في الحياة تكتبه أنت! منذ ذلك الحين لا ترسو سفني إلا في موانئ الحقيقية واليقين”.

في قصة “شانيل .. سكلبتشر” يحكي الكاتب مشهد ما بين رجل وامرأة جذبهما إلى بعضهما عطر كل واحد منهما، ويحكي عن أن لكل عطر قصة حب انتهت بألم، هو فقد حبيبته بعد عشرين عاما من الحب بموتها، وهي فقدت حبيبها بهروبه، لكن بقى شغفهما بالعطر الذي خلفته قصة الحب حاضرا وقويا، وكأن الحب في هذه القصة يعتمد على إمتاع الحواس وخاصة حاسة الشم، كما أنه يعتمد على ذاكرة هذه الحاسة والتي تحمل الكثير من الحنين للغائب. القصة تناولت انجذاب سريع بين رجل وامرأة لكنه يعتمد على خلفيات عميقة لكل منهما، لذا كان الصمت بينهما هو سيد الموقف وكان التلامس الجسدي والروحي هو ما جمعهما.

في قصة “لغات غير مكتوبة” حكاية حزينة عن سيدة تطعم الحمام ولا ينجذب إلا إليها، حتى أنه حين تغيب يظهر حزنا لفراقها.

أما قصة “صلاة كافرة” فهي قصة بديعة تصور بطلا مجهولا، ربما في أسر أو في سجن، ابتعد عن أهله وأطفاله ورغم تلك الوحشة إلا أنه يتعرض للأسوأ، حيث يجبره المتواجدون معه على الصلاة، وحين يعترض على ممارستهم لتلك العبادة ويرفض مشاركتهم في صلاتهم يضربونه بوحشية بخراطيمهم البلاستيكية ويجبرونه على الصلاة، والقصة لها دلالات هامة عن المتشددين دينيا الذين يمارسون العبادات بصلافة وغلظة، ولا يقبلون أن يخالفهم أحد بل يعيدونه إلى صفوفهم البغضية بعنف وغلظة، هؤلاء المتشددون دينيا تخلو عن إنسانيتهم بإرادتهم متخفيين وراء طقوس يمارسونها بعنف وغلظة.

وقصة “قرصنة حلم” عن سخرية جنود الاحتلال حتى من أحلام الشباب ومن مشاعرهم وأحاسيسهم والاستهزاء بها.

إصابة بليغة..

وقصة “إصابة بليغة” قصة بديعة أخرى تحكي عن طفل صغير، قبل أحد جنود الاحتلال أثناء اقتحام بيت أهله وتهديدهم بقسوة، وكانت تلك القبلة إصابة بليغة للجندي، الذي بلغ به التوتر مداه حتى أنه وقف قبالة المنزل لا يريد الذهاب، وهذه القصة تحكي عن الإنسانية البريئة التي لا دخل لها بالاحتلال والقسوة ووحشية العالم.

وقصة “أحذية مقدسة وأخرى” حكاية حزينة عن طفل قتل بطريقة وحشية على أيدي جنود الاحتلال البغيض، حيث تقطع جسده إلى أشلاء بسبب قذائف العدو هو وأطفال آخرون وشقيق له، تلك الميتات التي نكب بها الفلسطينيين في حرب غير متكافئة بأي وجه من الوجوه، وترصد حزن مدرسه الذي يقتله الحزن دائما ومجددا حين يعرف بمقتل أحد من تلامذته.

نص “وصية” هو وصية لأحد المعذبين بأن يتبرعوا بما يصلح من جسده حين يأتيه الموت، والذي هو أمر متوقع وشبه يومي، والنص يشير وبشكل مباشر لنقائص كثيرة، حيث ينتقد رجال الأحزاب المتعصبين والذي يصفهم بذوي الرائحة الكريهة، كما ينتقد رجال الأمن الذين انتزعت قلوبهم واستبدلوا مكانها أحجار صلبة، حتى تسهل مهمتهم في إذلال مزيد من المواطنين والتنكيل بهم، كما يتمنى ذلك الرجل صاحب الوصية أن يعطي يديه للبسطاء لكي “يحفروا جرانيت أحلامهم” ويقتنصوا حقوقهم بدلا من التسول. النص يكشف تفاصيل كثيرة مما يعانيها ليس فقط الإنسان الفلسطيني وإنما الإنسان في منطقة الشرق وما يعانيه من عذابات.

ونص “من ذ كريات صديق القبر” يمجد فكرة العودة.. ذلك الحلم الذي يداعب كل فلسطيني، ويظل يلازمه منذ طفولته وحتى إلى القبر، حلم العودة إلى الوطن المغتصب المستباح، ورغم كل تلك العقبات من تخلي ومن قسوة ومن حرب ظالمة وغير متكافئة، ومن سلام زائف، ومن كثرة إعداد الخونة والمتخليين والمتجاهلين، إلا أن حلم العودة يظل موجودا ومحفورا في الوجدان.

وفي “كاراج الجنوب” قصة تحكي عن مفارقة غريبة، عن سائق لا يجيد القراءة ولا الكتابة، لكنه رغم ذلك يوزع منشورات سرية لجماعته المتشددة دينيا والتي ينتمي إليها.

“دائما ما نعود” قصة حزينة أخرى عن عودة فلسطيني إلى بلاده في تابوت.. رحلة ميت من بريطانيا حتى غزة، عبورا بكل العوائق والإجراءات القاسية واللا إنسانية في لغة هادئة وأقرب إلى الحياد، لكنها طافحة بالحزن والأسى.

وفي “آخر مدونات حلمي المهاجر” قصة حزينة عن مهاجر من غزة يذهب إلى ايطاليا في إحدى السفن، ويجتاز رحلة طويلة مليئة بالخوف والترقب، يدون مذكراته، مشاعره وانفعالاته، ويتمنى أن يصل بسلام، لتنتهي مذكراته في يد مترجمة بعد أن يغرق هو ومن معه، من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين الذين يحاولون البحث عن حياة أفضل.

وفي “أن يتسول بطل” حكاية عن بطل حزين، بعد أن عاش زمنا لا يتم فيه تقدير الأبطال ولا مراعاتهم إنسانيا.

وفي “ذاكرة سمكة” قصة حزينة تنطوي على سخرية مرة، فهي تحكي عن مراهنة بين عمال جمع القمامة حول أن القمامة الخاصة بالناس الذين يجمعون قمامتهم سوف تقل، بعد حادثة حرق الطفل الدوابشة في الضفة، لكنهم يخسرون الرهان لأن القمامة التي وجدوها كما هي،  ويزيد الكاتب في المفارقة ليصور بطل القصة وهو يذهب إلى طبق فاكهة لديه ليلتهمه، مصورا بسخرية مرة مدى الحياد الذي وصل إليه البعض، ومدى التعود على الكوارث والذي أصبح لا يمنع الناس من ممارسة حياتهم اليومية.

وفي “قلب ضائع”  نص ساخر أيضا عن ضياع قلب أحدهم وبحثه عنه وسط كل تلك الأحداث التي يعيشها.

وفي “لماذا” نص موجع آخر عن موت الأطفال، أطفال المخيمات بوحشية وقسوة.

وفي “من ذاكرة المخيم وأشياء أخرى” نص عن الجوع والفقر في مخيمات اللاجئين، وعن قسوة هذا الجوع الذي يدفع بالبعض إلى السرقة أو العمل المضني.

وفي “وقت مستقطع للفرح” دعوة للضحك رغم الواقع الكئيب.

وفي “جولة إخبارية على شاشات إبريل” سخرية مرة من لعبة المصالح الاقتصادية والتي تحكم الأمور السياسية في العالم وفي منطقة الشرق.

وفي “عن العشق والوقود” نص ساخر عن موت الحب والعشق في غزة، نتيجة عدم توافر الأشياء الأساسية، الكهرباء، الوقود، أشياء للحياة اليومية تجعل الحياة الطبيعية حلما من الأحلام.

الكتاب ممتلئ بقصص ونصوص مكتوبة بلغة عذبة، محملة بدلالات وشحنات عاطفية رغم حيادها الظاهر، يحكي الكتاب في المجمل عن غزة وحصارها المميت ومشاكلها وتفاصيلها اليومية والحياتية والتي تنعكس على البشر، كما يحكي عن هموم اللاجئين في المخيمات وعن قسوة ووحشية العدوان الإسرائيلي عليهم والذي لا يتورع عن قتل الأطفال بوحشية مخلفا الآلام والحزن والخيبات في نفوس ذويهم وناسهم، كما يحكي عن حلم الهروب من ذلك الواقع البائس والذي قد ينتهي بمأساة هو أيضا، يحكي عن أحاسيس الغربة وعن الأحلام غير المحققة، وعن حلم العودة النوراني والذي يداعب خيال الفلسطينيين رغم تباعده، عن السلام وكوارثه، ويشير بشكل خفي للعبة المصالح والفاسدين من السلطة والخونة، هي هموم إنسانية غاية في الخصوصية ومغرقة في عموميتها، أنها هموم بشر زرعت الحروب والصراعات داخلهم اليأس والحزن.

الكاتب..

“طلال أبو شاويش”، كاتب فلسطيني يعيش في غزة، صدر له:

– وداعاً أيها الأنبياء. مجموعة قصصية 1999.

– بقايا ليست للبيع. مجموعة قصصية 2001.

– اغتيال لوحة. مجموعة قصصية 2003.

– نستحق موتاً أفضل. رواية 2005.

– كوابيس شرق أوسطية. رواية 2007.

– مواسم الحب والدم. رواية 2013.

– كتاب غزة. مجموعة قصصية مشتركة باللغة الإنجليزية- بريطانيا 2015.

– وقت مستقطع للفرح. قصص ونصوص 2017.

 

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة