17 نوفمبر، 2024 9:44 ص
Search
Close this search box.

وقائع “نوبل” بين نجيب محفوظ ويوسف إدريس !

وقائع “نوبل” بين نجيب محفوظ ويوسف إدريس !

خاص : بقلم – مصطفى عبدالسلام :

مقدمة

عند فوز “نجيب محفوظ” بجائزة (نوبل).. ناقشت مع الصديق “قباري البدري”؛ أن أكتب مجموعات مقالات عن أدباء ومفكرين مصريين أعتقد أنهم كانوا يستحقون جائزة (نوبل).

وحددت الأسماء؛ وهي: “طه حسين”؛ و”توفيق الحكيم”؛ و”لويس عوض”؛ و”يوسف إدريس”. ومن حماسي بدأت مباشرة في كتابة دراسة عن “طه حسين”.

مجموعة من مقالات متعددة في جريدة تتخطى حدود “السويس”. ولكن لم يسّر الأمر من أول مقال على ما يرام.. كان حدسي أن في الأمر شيئًا.. فأثرت التوقف عن إهانة “طه حسين” في قبره.

إلا أني التقيت بعد عام بشخصية رديئة عند طبيب؛ لا نتبادل الود.. وكان أميرًا للجماعة الإسلامية؛ وبدون مقدمة أو سلام.. قال: “أحنا ضغطنا بقوة؛ ما تنزلش مقالات عن الملحد طه حسين؛ وخصوصًا منك أنت”.

لم أعره أي اهتمام؛ لأن الأمر يُمثل حقيقة موضوعية تعلوا على الإرادة المعادية للنور.. هؤلاء الأدباء والكتاب أحدثوا ثورات في مجال الأدب تتخطى الحدود والوقت.. وكان مما كتبته عن فرصة سنحت لي لقرأة تفصيلية بعض الشيء عن همسات “يوسف إدريس” العاصفة.

وأول أمس؛ كتب الدكتور “أحمد الخميسي” مقالاً فائق الروعة لأيام أصبحنا حين نتذكرها نُصّر أن نذكرها. وحكى عن تفاصيل جميلة عن لقاءات متعددة جدًا وجلسات نقاش بدأت وهو فى مطلع شبابه ومعه “جمال الغيطاني” من زمن الستينيات مع “نجيب محفوظ” و”يوسف إدريس”.

ولم يفتّه توافقًا مع طبيعته الراقية أن يؤكد لنا أنه لا يدعى أنه كان صديقًا لهما رغم ما ذكره من تعدد اللقاءات. وعقب صديقًا على صفحته متسائلاً عن الخلاف بين “نجيب محفوظ” و”يوسف إدريس” بسبب (نوبل).. ورأى الدكتور “الخميسي” أنها مسألة معقدة وشائكة. وعقبت عن سبق كتابتي عن الأمر بتفصيلات ليست بالقليلة.

لو أن هناك من يهمه أن أعيد الكتابة.. وأشار علي أستاذي وصديقي الدكتور “أحمد الخميسي”: “إن أمكن نشرها ثانية سيكون مفيدًا جدًا”…

( 1 )

قضيتنا الأساسية كانت ما بين “نجيب محفوظ” و”يوسف إدريس”؛ بشأن جائزة (نوبل).. وكلاهما في رأيي يستحقانها. لكن علينا أن نُحدد الموقف فيما جرى بالفعل. بعد الهمس الذي خرج من مكتب “يوسف إدريس” في (الأهرام).

فسر البعض من المثقفين؛ وبدقة أكبر من اليساريين، أن الحافز السياسي كان وراء موقف الأكاديمية في منح (نوبل).. وقلت إنه لم يكن هذا الأمر مقبولاً عند “نجيب محفوظ”؛ الذي تأخرت عليه الجائزة كثيرًا. الآن سأذكر موقف كل من “برنارد شو”؛ كمثال على خلل المعايير في بعض الترشيحات، والثاني يبدو الدافع فيه ذاتيًا؛ حين أرى الفيلسوف متسقًا مع فلسفته.. وهو “جان بول سارتر”.

“برنارد شو”.. وعندما منحته الأكاديمية جائزة (نوبل) رفضها؛ وقال إنني أغفر لـ (نوبل) أنه اخترع الديناميت؛ ولكنني لا أغفر له أنه أنشأ جائزة (نوبل)، وقال أنا أكتب بهدف أن يقرأ الناس ما أكتبه؛ وليس لكي أحصل على جائزة. وقال أيضًا مقولته الشهيرة: “هذه الجائزة أشبه بطوق نجاة يُلقى به إلى شخص وصل فعلاً بر الأمان ولم يُعد عليه من خطر”، أما “جان بول سارتر” حاول البعض أن يُفسّر رفضه للجائزة بسبب أن “ألبير كامو” حصل عيها قبله بسبع سنوات. لكن “سارتر”؛ الذي قُدمت له الجائزة عام 1964؛ تحدث حديثًا عظيمًا متسقًا مع فيلسوف الوجودية وفلسفته. لفيلسوف وجودي. وقال “سارتر” في رفضه للجائزة بأنها جائزة سياسية، قائلاً: “أنا أرفض صكوك الغفران الجديدة التي تمنحها جائزة (نوبل).. الكاتب الذي يقبل تكريمًا من هذا النوع يشمل هو نفسه الجمعية أو المؤسسة التي كرمه. إن تعاطفي مع الثوريين الفنزويليين لا يلتزم إلا بنفسي، بينما إذا كان جان بول سارتر الحائز على جائزة نوبل هو مناصر المقاومة الفنزويلية، فإنه يلتزم بجائزة نوبل بأكملها كمؤسسة، لذلك يجب على الكاتب أن يرفض السماح لنفسه بأن يتحول إلى مؤسسة، حتى لو حدث هذا في أحسن الظروف”.. هذا الموقف الإستثنائي خاص بـ”سارتر” (أهم فلاسفة الوجودية).

( 2 )

نعم.. كانت هناك دوافع سياسية وراء حصول البعض على جائزة (نوبل) في الأدب.. وحدث خللاً في المعايير مرات. إن أي مثقف يهتم بالرواية المصرية والعربية؛ سيكون من البديهي أن ينحاز لـ”نجيب محفوظ”.

لكن المسألة لا تنتهي هنا. لأن المثقف الذي يُتابع الأدب العالمي في منابعه المختلفة. ويعتّني بالإطلاع على أعمال أدباء حصلوا على (نوبل). سيُدرك أن (نوبل) قد تأخرت كثيرًا. بل كثيرًا جدًا.. على “نجيب محفوظ”.. ووجود الدافع السياسي للجائزة قائم. لكن يحدث مع أدباء لا ترقى أعمالهم للحصول على الجائزة. بجانب أن هناك معايير مختلة للأكاديمية أثارت كثيرًا من السخط والغضب. حدث حين منحت الأكاديمية (نوبل) للشاعر الإسرائيلي؛ “شموئيل يوسف عجنون”، بالمشاركة مع الكاتبة السويدية. عام 1966: “لكتابتها الغنائية والدرامية الرائعة، والتي تُفسّر مصير إسرائيل بالقوة المؤثرة”. وتحدثت اللجنة بالنسبة  لـ”يوسف عجنون” عن تمكنه من: “فن السرد المميز بعمق. مع زخارف من حياة الشعب اليهودي”. وكتب النقاد حينها كسبت السياسة وسقطت (نوبل).

و”عجنون”؛ شاعرًا تم تضخيمه قسرًا ولم يفلح ذلك في إقناع الذين أتيح لهم قرأة شعره. وقد قرأت غير القليل منه. ومتعددة الحالات التي تكشف الخلل.

الروائية “الفريدى يلينيك” النمساوية.. حصلت على (نوبل) 2004. ووصفت الأكاديمية أعمالها بقولها: “لأن جريان موسيقاها يتوالف من تيار الأصوات الموسيقية والأصوات المضادة في رواياتها وأعمالها الدرامية مع الحماس اللغوي غير المألوف الذي يُميز نتاجها الأدبي، الذي يكشف اللامعقول في الكليشيهات الاجتماعية وقوتها المستعبدة”.

لكن تصريح الأكاديمية أثار استفزاز عضوًا في الأكاديمية منذ 1987؛ وقرر فور الإعلان تقديم استقالته قائلاً احتجاجًا على قرار منح الجائزة لـ”إلفريدي يلينيك”: “لأن لغتها الأدبية بسيطة، ونصوصها كتل كلامية محشوة، لا أثر لبنية فنية فيها، نصوص خالية من الأفكار، لكنها مليئة بالكليشيهات ( والخلاعة)”.

ولعل المثال الصارخ  كان استقالة “غون-بريت ساندستروم”، عضو لجنة (نوبل) في الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، احتجاجًا على منح جائزة (نوبل) في الآداب عام 2019؛ لكاتب نمساوي ينكر وقوع إبادة جماعية في “سريبرينيتسا” البوسنية، ويدافع عن مجرمي الحرب. وقال إن: “السياسة تدخلت في اختيار الأسماء الفائزة بجائزة (نوبل) في الآداب، وهذا ليس من إيديولوجيتي”.

وتواصلت الاحتجاجات المطالبة بسحب الجائزة من الكاتب النمساوي، الذي منحت له في 10 تشرين أول/أكتوبر الماضي. وفي العاصمة “ستوكهولم”، واجتمع عدد من الأكاديميين والنشطاء أمام متحف (نوبل)، مطالبين الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم بسحب الجائزة من “هاندكه”، وفي بيان مشترك تلته الكاتبة “أمريكا فيرا-زافالا”، أدانت منح جائزة (نوبل) في الآداب لـ”هاندكه”. وأضافت “زافالا” أن الجميع يأملون سحب الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم جائزة (نوبل) لـ”هاندكه”. أما أكثرها إثارة للصخب وإثارة للجدل؛ حين منحت الأكاديمية جائزتها لأول مرة لكاتب أغاني أميركى شهير فى عام 2016. المغني العالمي؛ “بوب ديلان”، وقالت: “لأنه خلق تعابير شعرية جديدة ضمن تقاليد الغناء الأميركية”.

وكانت أغانيه في الستينيات مناصرة لذوي الأصول الإفريقية. ودافع عن المظلومين حسب وصفهم؛ لكنه لم يُدافع طوال تاريخه عن الفلسطينيين والعراقيين.. وقد توقف منذ عشرات السنين عن أغانيه من وسط الطبقة العاملة.. ولم يحتج على حرب “العراق” وأصبح مناصرًا مرموقًا للرؤساء من الحزب (الديمقراطي).

هذه الخلفية أردتها قبل الدخول في تفاصيل حصول “نجيب محفوظ” عليها. ورأيي أؤكده.. الجائزة قد تأخرت عليه كثيرًا.. أصابت الجمهور بعد الإعلان واعتبرها البعض فقدان الجائزة روحها.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة