نبهان رمضان
كاتب مصري
روائي وقاص وناقد أدبي
يقذف “وحيد الطويلة” القارئ إلى آتون الحكاية على حين غرة فى مشهد الذروة بعد ضربة البداية الغامضة حيث يلتقي الجلاد (المتجرد من أسلحته، بل فى أضعف حالات الضعف الإنساني) مع ذلك المقهور (المحلل النفسي) الذي تلقى صنوف العذاب على يد ذلك الجلاد.
من هذه اللحظة (زمن السرد) يغوص بنا الكاتب في دهاليز الماضي مستخدماً تكنيك (المقعد والأريكة).. اللغة هي المسيطرة على السرد كما قال لاكان (التكلم والتكلم فقط). كلام الشخصية يكون وليد لحدث ما أو وليد حلم أو وليد هاجس وينظر في هذا الكلام من خلال تدفق الصور أو التصورات والأحاسيس والعواطف والذكريات والأفكار.
لم يكن إختيار وظيفة البطل مطاع اعتباطاً بل لها مدلول خاص. كونه محلل نفسي يطرح فكرة الكاتب أن الموقف الذي نحن بصدده يحتاج لعلاج نفسي. العنصر الرئيس في هذه الأسس هو مقاربة اللاوعي وما قبل الوعي ثم الوعي.
القهر الذي يربط كل شخصيات الرواية.. ربما الخوف الذي زرع في النفوس.
في هذا النوع الأدبي يجب عدم الإرتكاز على اللاشعور فقط لكن أيضاً إدغام معالجات نفسية الدائبة (السيكودينامية) بالخصائص الشعورية والمعرفية للإنسان وكيفية التعبير الأدبي عنها.. الإنسان المهزوم هو إنسان مدمر حتى لو بقي على قيد الحياة.
يذكر الكاتب في صفحة 138 (أعرف أنني ألعب بالضمائر وأتحدث بكل ضمائر المخاطب والغائب لأنني اوقن وأبصم أن تعذيب واحد يعني أننا عذبنا جميعاً).
تركيز جميع الإحداثيات البناء الدرامي للرواية تنصب على توحد مصير الفرد ومصير الجماعة. رجل واحد يلخص في نفسه كل الهزيمة وكل المأساة.
إستخدام المرأة كرمز في رواية “حذاء الفيلليني”، منصب على جسدها.. قوانين الحياة في جسد المرأة كرمز جنسي. يذكر الكاتب على لسان الزوجة (قلت لك إن هذا الوغد إعتلاني عشرين عاماً وأكثر دون إرادتي) ص 144.. إغتصاب السلطة.
تارة يستخدم زواجها من أحد الضباط دون إرادتها (الزوجة والجارة).. حتى الإيدولوجية الجنسية تعكس طبيعة العلاقة المغتصبة، في ص 27 (لم يدخلني من الأمام إلا بعد أن يدخلني من الخلف).. الممارسة الخاطئة للسلطة.
استخدام المرأة كرمز لوطن يجعلها تخسر استقلالها ويجعلها مكبلة تشبه الصلصال يصنعها الآخرون ولا تصنع نفسها دون أن تملك طاقة الحرية. كذلك كانت الجارة المستسلمة لقدرها ومصيرها.
كما إستخدم الكاتب المرأة كرمز كذلك إستخدم الكاتب الرجولة والذكورة.. الربط بين فقد كل شئ يتماهى مع خطر الإخصاء في المقام الأول. ويتضح ذلك مع أحداث الرواية فذلك الجلاد الذي يتميز بالذكورة المفرطة طالما يتمتع بكل السلطات وعندما فقد كل شئ أصابته الخيبة (بدأ بمعاودة تسليته اليومية، حاول من المقدمة فأخفق، عاد إلى حبيبته المؤخرة فلم يحصد سوى الخيبة) ص 31.
المعادلة المتكافئة في رواية “حذاء فيلليني”:
الرجولة تتماهى مع الطاقة الإيجابية والأنوثة تتماهى مع السلبية.
مشهد النهاية
عندما يحدث التأثير المتبادل بين الفكر والكلام وبين الانفعال والكلام، يتولد وعي الضرورة ليدرك تماماً بطل الرواية حجم المعضلة التي وقع فيها.. ما يجب أن يفعله وما يرغب أن يفعله (القنبلة ليست على حزامك، هي داخلك أنت، كلك قنبلة) ص111.
وعي الحرية الذي عاد لبطل الحكاية الذي مازال يبحث عن حل لمشكلة الشخصية (بدل أن أنتصر عليه إنتصرت على نفسي وعلى قهري) ص 134.
استطاع “وحيد الطويلة” رسم نهاية ترضي كل الأبطال.. موت الجلاد على يد السلطة التي لا ترحم، أو في مذبلة تاريخ الوطن.
يجد المتلقي نفسه منتشي وسعيد بعد قراءة الرواية.