خاص: إعداد – سماح عادل
“وسماء حسن الأغا” فنانة تشكيلية عراقية وأستاذ بدرجة بروفيسور، برزت موهبتها في فن الرسم بسنّ مبكرة فأقيم لها أول معرض شخصي وهي في الرابعة عشر من عمرها.
حياتها..
ولدت الدكتورة “وسماء الأغا” في بغداد عام 1954 لعائلة محبة للفنون التشكيلية، وبرزت موهبتها في الرسم في سن مبكرة من خلال مشاركاتها في المعارض المدرسية، وحصلت على تقدير أساتذتها خلال المراحل الدراسية كافة. وبعد حصولها على درجتي الماجستير ثم الدكتوراه، تولت تدريس تاريخ الفن الإسلامي والحديث في كليتي الفنون الجميلة بجامعتي بغداد ومن ثم صلاح الدين، وكانت أول مشاركة فنية لها في معرض المتحف الوطني للفن الحديث في بغداد عام 1976، بلوحة “مأساة تل الزعتر”، شاركت بعدها في العديد من المعارض والمؤتمرات العلمية المتعلقة بالفن التشكيلي والدراسات التراثية داخل العراق وخارجه، كما ألّفت العديد من الكتب الفنية التي اعتمدت كمناهج دراسية في المعاهد والكليات الفنية وعملت مصممة للديكور ورسامة أيضا في تلفزيون بغداد من عام 1976-1980, وهي ما تزال طالبة في كلية الفنون الجميلة –بغداد..
مراحل عدة..
مرّت “وسماء الأغا” خلال مسيرتها الفنية بمراحل عديدة اطلعت من خلالها على كافة المدارس الفنية وتبنت أساليب جديدة مبدعة صبغتها بروحها الشرقية، يوصفها النقاد بأنها عاشقة اللون ويوصفها البعض الآخر بعاشقة الفرح العراقي وكتب عن تجربتها كبار نقاد الفن التشكيلي العراقي والعربي، شكلت المرأة الموضوع الرئيسي في معظم لوحات الدكتورة أسماء الأغا فالمرأة من وجهة نظرها أساس وجمالية الحياة وهي أفضل ما يعبر عن الجمال بمفهومه العام.
صدر لها عدة كتب ومنها: (كتاب التكوين وعناصره التشكيلية والجمالية في منمنمات الواسطي عام 2000- كتاب الواقعية التجريدية في الفن عام 2007).
والجوائز والشهادات التي نالتها: (شهادة الدكتوراه في فلسفة تاريخ الفن من جامعة بغداد عام 1996 بدرجة امتياز- شهادة الماجستير في فلسفة فن التصوير الإسلامي من جامعة بغداد عام 1987 بدرجة امتياز- جائزة التخطيط والألوان لندن 1975- شهادة BA في الفنون التشكيلية عام 1981 بدرجة جيد جداً عالي).
المنمنمات..
في مقالة بعنوان “فنّ المنمنمات.. في أعمال الفنانة وسماء الآغا” تقول “د. مكية الشرمي”: ” شكّلت المنمنمات التي ابتكرها الفنان المسلم بتنوّعها الشكلي وألوانها وتكرارها، تحوّلا كبيرا في الحركة التشكيلية الإسلامية المعاصرة، إذ ظهر العديد من الفنانين التشكيليين ممن تأثّروا بمنمنمات يحيى بن محمود الواسطي، من حيث بنائية اللوحة وتشكيلها وتوزيع عناصرها الفنّية والجمالية، ومن ضمن هؤلاء نذكر الفنانة وسماء حسن الآغا ، التي وجدت في إعادة صياغة رسومات الواسطي منفذا جعل من تجربتها الفنّية ذات مضمون اجتماعي، وذلك من خلال اعتمادها على رؤية مزدوجة تقوم على منح القصّة بعدا زمنيا لما بين الماضي والحاضر، وكذلك في منحها على قدرات تعبيرية تتوازن مع تيارات الحداثة والمتغيرات الثقافية الأخرى.. فلم تقم الفنانة وسماء بتكرار الواسطي، بل عملت على تطعيم هذا الفن وجعله يذكرنا بموروث ثقافي فنّي اجتماعي مازال يمتلك نبضه وتأثيراته البصرية، من خلال سعيها للمحافظة على العلاقة ما بين القصّة وجماليات الممارسة التشكيلية في الرسم، ممّا أدّى بهذه الفنانة، للعمل على منح التصوير الواسطي بعدا جماليا تعبيريا دون التفريط بالقواعد والتقاليد لهذا الفن القديم في جذوره، إذ أنّ عملية إعادة رسم الواسطي بتغيرات واقعية يشكّل أحد مناهج تأمّل الموروث العراقي الفنّي.. إنّ العودة إلى الواسطي تنبع من أصالة الطرح الفنّي لهذه الفنانة، تبحث فيه عن الجذر الأسلوبي، وروح التراث، فضلا عن استطاعتها التعبير عن موقفها الحضاري الثقافي، واعتبرت أنّ دورها كفنانة يكمن في البحث عن التوازن ونقاط الالتقاء بين كلّ تلك الكنوز والإبداعات في حضارات مختلفة زمانا ومكانا، مطعّمة كلّ ذلك بمستجدات العصر ومؤلّفة بين ما توصّل إليه الفن الغربي من ناحية وروحية الفن الإسلامي والفن العراقي القديم من ناحية أخرى، مؤكّدة في ذلك بمدى وعيها بحضارة عصرها”.
وتضيف “مكية الشرمي”: “نلاحظ أنّ الشخصية الأنثوية لهذه الفنانة ستبقى واضحة لا في اختيار الموضوعات، بل في أسلوبها بما يمثّله من إتقان ومهارة إبداعية، وإن كان موضوع المرأة قد شغل وسماء الآغا، طيلة مسيرتها الفنّية، فقد جرّها ذلك إلى تناول موضوع النساء بصفة عامة، انطلاقا من الحياة اليومية، ومرورا بالخرافات والأساطير الشعبية، ووصولا إلي حكايات ألف ليلة وليلة، كمخزون حضاري رحب، مؤمنة بأنّها جدير أن يكون مرجعية لمواضيع أعمالها، والفن الإسلامي، وخاصّة أعمال الواسطي، أن يكون مرجعية لإنجاز مشروعها الفنّي.. إنّ انطلاق وسماء الآغا في تصويرها لكلا العملين، ما هو إلا دليل على وعيها الدقيق بالموروث الأدبي والأساطير والحكايات الغنّية بالمثل، والأشكال الفنّية والمفاهيم المترافقة مع التركيبة الاجتماعية والثقافية لبلد أصيل كالعراق. فقد أتت خطوط تلك اللوحتين نقّية واسطية، في تناظر ديناميكي كطريقة بناء وجدانية وتأليف إنشائي، كلّ ذلك في تكافؤ بين الشكل والمضمون وبخطوط منسابة وحركية وحيوية ومنتظمة بين مستقيمات ومنحنيات، في تحوير للرموز، تماشيا مع الموضوع، مع الحفاظ على التوازن والتناسق بين كلّ ذلك، سواء بين الثبات (الخزانة) والحركة (الشخوص)، أو بين المساحات اللونية (الشفافة) وبين الخطوط (العاتمة الداكنة) أو بين بساطة المساحات (الستائر والخزانة) ودقّة التفاصيل (الوجوه والزخارف وبعض الملابس)، أو بين الألوان (الوهّاجة والنقية) وبين درجاتها اللونية (الهادئة)، كلّ ذلك عملت من أجله الفنانة لتتجاوز فيهما أسلوب الواسطي.. وعملت وسماء الآغا على ابتداع أسلوبها الشخصي من خلال اعتمادها على صياغة متفرّدة لموضوعها الشعري بطابعه القصصي والجمالي، فضلا عن تحويراتها للأبعاد المعاصرة في الرسم، حيث راحت تستقي من الأشكال والأساليب من مصادر متنوّعة ومتباعدة شكلا وزمانا ومكانا وأهدافا”.
عصر الرشيد..
في حوار مع “وسماء الأغا” نشر في موقع “الناقد العراقي” تقول عن البداية لرسوماتها: ” والدتي كانت تحب النحت وتصنع التماثيل وتقلد فيها آثار العراق الخالدة كأسد بابل والجنائن المعلقة والمنارة الملوية في سامراء. كان هذا يشكل أول خطواتي وحافزاً لي في الفن حيث أن والدتي كانت تشجعني أيضا على الرسم وتقليد اللوحات العالمية كلوحات روفائيل ورامبرانت وغويا وبيرمير وآخرين.. أول لوحة رسمتها كاحتراف عن مأساة تل الزعتر والتي عرضتها عام 1976 في المتحف الوطني للفن الحديث (كولبانكيان) ولكن قبل ذلك عندما كنت طالبة في الابتدائية، ومن ثم المتوسطة، كنت أشارك في المعارض المدرسية حتى أنه أقيم لي معرض شخصي وأنا في مرحلة الأول متوسط عام 1968 وحصلت على وسام والجائزة الأولى لمنطقة الكرخ”.
وعن ما يميز لوحاتها تقول “وسماء الأغا”: “إن عملية النقد الآن لا تصل إلى مستوى الأعمال الفنية وتقييمها جماليا، لأنها قد انحسرت ولم يعد النقاد العراقيون، وهم في الأصل كانوا قلائل، يستوعبون هذا الزخم الهائل من الأعمال الفنية. ولكن المنتديات الثقافية والفنية على شبكات الانترنيت أعطت اهتماما واسعا جدا وكبيرا لإبداعي الفني، وحتى أنهم أعطوني لقب (فنانة من عصر الرشيد) وأشادوا كثيرا بأعمالي الفنية”.
وعن كتابها “الواقعية التجريدية في الفن” تحكي: “من المعروف أن هناك عدد قليل من الفنانين العراقيين يجمعون بين إبداع التأليف والفن في آن واحد، وأنا اعتبر من هؤلاء إلى جانب الدكتور “ماهود أحمد” وهناك الفنان الرائد الكبير “نوري الراوي” والفنان الكبير الراحل “شاكر حسن السعيد” والفنان الكبير “شوكت الربيعي” والفنان المبدع “عادل كامل”، وبالنسبة لي ربما أكون الوحيدة التي أمارس الفن والكتابة في نفس الوقت، وسوف يصدر لي عن قريب كتاب جديد .أما عن كتابي “الواقعية التجريدية في الفن” فقد حظي بالاهتمام الكثير من قبل الصحافة العربية، وخاصة هنا في عمان كصحيفة “الرأي” وصحيفة “الدستور” لمادته الفكرية الجديدة في مجال الدراسات في فلسفة تاريخ الفن والنقد”.
وعن زوجها تقول: “إن الجهود التي بذلها زوجي الفنان الكبير الدكتور ماهود أحمد قد أثمرت وحققت الكثير من خلال تشجيعه وتوجيهاته لي مما أهلني بأن أكون فنانة الوطن العربي كما ذكر لي الكثيرون” .
وعن أحلامها تقول “وسماء الآغا”: “من أمنياتي أن يتوحد كل المثقفين من أجل أن ينهض العراق من جديد وتسود المحبة بين أبنائه، وأن يكون فوق مستوى الضغينة والحقد والحسد والاعتداء على الآخر، وأن تنام عيون العراق بسكينة واطمئنان”.
الانتشاء اللوني ..
يقول “مؤيد داود البصام” في مقالة بعنوان “نساء وسماء الأغا والانتشاء اللوني”: ” أعمال الفنانة وسماء الأغا تقدم للمتلقي عند الوقوف أمام لوحتها هذا الانبهار في الرؤية البصرية منذ الوهلة الأولى، هناك غنى لوني ورؤية للالتفاف على موضوعات واقعية أو موضوعة شعبية ما زالت حاضرة كواقع في المخزون اليومي للمتلقي، ولكنها تعمل على تحوير الواقع، وتغيير الأبعاد الواقعية، لإزاحتها من واقعها العيان المرئي للجميع ضمن خصوصيته، إلى الرؤية البصرية التي تكشف المضمر، المخفي الذي يتستر وراء مصدات الواقع، واقع المرأة كما يراد رؤيتها الذي يفرضه عالم واقعها وبيئتها، ويحجب ما لا يراد أن يكشف لنا عن حياتها من غير المرئي، إنها تحول الرؤية من موقع الرؤية الخاصة، إلى موقع الرؤية العامة ضمن خصائص الإبداع الجمالي، وهو ما يجعل التشخيص في لوحاتها للعنصر النسائي، يحمل منعطفات فكرية ورؤية بصرية مبهرة، لوحاتها تحمل في طياتها فرادة المرأة التي ترسمها، وما تتمتع به من نشوة وإمتاع، أجساد مترعة بضة ولدنة، وجوه منتشية بالحياة، يطفح منها البشر والترف، خدود موردة، أشكال تستقبل الحياة بحلم وخيال، تظهر هذه الوقائع من خلال الألوان الحارة والمفرحة التي اشتغلت عليها الفنانة وسماء الأغا، محاولة أن تستخدم طاقة الألوان التعبيرية لإظهار حالة الترف والبذخ في حياة المرأة التي تراها في عينها قبل أن تقدمها لنا، فنسائها إما في أفراح وأعراس أو في حلم في الفراش، إن كان الرجل مرافق أو لم يكن، وعلى الأغلب العنصر الذكوري مكمل وليس الأساس، أو مكمل بشكل وآخر للموضوع، فالمرأة هي التي تأخذ مساحة الحلمية والنشوة في اللوحة”.
ويواصل: ” الفنانة وسماء الأغا تزاوج في عملها بين عدة وقائع لحياة المرأة العراقية، تظهر المرأة البغدادية بكل عنفوان ترفها وبذخها و جمال شكلها، وبين المرأة من المجتمعات العراقية الشعبية في السواد الذي يلفها، وبين المرأة الغجرية ( أو ما يسمى في العراق بالكاولية )، التي تزركش ملابسها، ولهذا تختلط الرؤى في لوحاتها بين المرأة البغدادية والمرأة في المناطق الشعبية، وهذا الفرق يعطي أبعاده في تصوير الحياة الشعبية بكل أشكال العلاقات التي تترابط فيها الحياة الأنثوية وحياة المرأة الخاصة في مجتمعها الأنثوي، في الأفراح أو في حمامات النساء أو في غرفة النوم، فهي تنقل خصوصية مجتمعات الأنثى، وما تراه عين الفنانة وسماء التي تعايشت مع هذه الرؤية البصرية ونقلتها ضمن مفهومها ورؤيتها الخاصة، أو نقلتها عبر ما سمعته وعرفته، وليس هناك مجالا لرؤية المرأة في نظرها منتكسة، أو ضامرة أو عجفاء، فهي اعتادت أن ترى ارستقراطية المرأة العراقية والنخبة من النساء، حتى وهن في مواضع الرؤية الخاصة مثل وجودهن في الحمام، أو في غرفة النوم مضطجعة في الانتظار، إنها تنقل واقعا تعايشت معه أو سمعته ونبت في خيالها وفي اللاوعي العام، وهو ما يمكن أن نطلق عليه المضمر أو الخيال العام لمجتمع الأنوثة المحجوب عن رؤية الرجل لمجتمع المرأة، والمجتمعات المنغلقة الخاصة بها، وهي وإن تملكتها هذه الرؤية الجميلة للمرأة، وصورة وجه المرأة البغدادية والمرأة في الريف والمرأة الغجرية، وتصوير وجهها بشكل البدر المكتمل التدوير، إلا أنها أعطت خصوصية لوجه المرأة البغدادية، أعطتها سمات الكبرياء والارستقراطية، وإن قامت بالكشف عن هذا الانحياز بالشكل العام للتشخيص إلا أنها جعلت الفرق في النظرة والملابس، وعلى الرغم من نقلها هذه الفرحة والنشوة التي تمتلك وجوه وأجساد نسائها، إلا أنها من ناحية أخرى تبرز الدوامة التي تعيشها المرأة، فهي تغوص في أعماق شخوصها من خلال إيجاد بعد رياضي في حركة اللوحة للكشف عن أعماق المرأة وليس بإظهار الانطباع على وجهها في رفض الواقع أو التعايش معه على مضض، أو لحظات الحزن التي تلف وجوه نسائها، فإذا أخذنا معظم أعمالها فإن المرأة تقع ضمن الدائرة التي أوجدتها لإظهار باطن العلاقة بين المرأة والواقع وتفسيرا لطابع الحزن الذي يكتنفها، ولهذا لا نجد في أعمالها على قلتها التي يشكل العنصر الذكوري الأساس دائرة يلتف حولها، فلا وجود له داخل الدائرة المفترضة التي أحاطت بها أعمالها والتي تشكل المرأة العنصر الأساس”
وفاتها..
في التاسع من أيار عام 2015 العاصمة الأردنية عمان رحلت”وسماء الأغا” عن عمر 61 عاما بعد صراع مرير مع مرض أصابها فأدخلها في غيبوبة لمدة أسبوع قبل أن تفارق الحياة، وقد نعتها الأوساط الفنية والثقافية في العراق وفي البلدان العربية.