خاص: إعداد- سماح عادل
هل وسائل التواصل الاجتماعي تسبب الاكتئاب أو تساعد على ظهور أعراضه لدى الأشخاص الذين يعانون منه؟، هل تساهم في ظهور أمراض نفسية أخرى؟.
الموقع العلمي الأمريكي “ميديكال نيوز توداي” أصدر نتائج دراسة، صدرت في شبكة “جاما” للأبحاث العلمية، بحثت في العلاقة بين الاكتئاب ومنصات التواصل الاجتماعي. وتتوقع خلاصة الدراسة وجود ارتباط بين استخدام عدد من وسائل التواصل الاجتماعي وارتفاع أعراض الاكتئاب. إلا أن ذلك لا يسري على كل المنصات.
اعتمدت الدراسة على استطلاع شمل 5395 شخصاً فوق سن 18عاما في 50 ولاية أمريكية، ينتمون لخلفيات ثقافية وعرقية متنوعة. وكان متوسط عمر المشاركين هو 55.8 عاماً.
ولاحظ الباحثون أن استخدام تطبيقات “سناب شات” و”فيسبوك” و”تيك توك” كان له ارتباط بالاكتئاب، إذ تم الكشف عن وجود مخاطر كبيرة بشكل ملحوظ لزيادة أعراض الاكتئاب المبلغ عنها ذاتياً أي من قبل المشاركين أنفسهم، لكن هناك اختلاف بين هذه المنصات.
ففي حين أن استخدام “تيك توك” و”سناب شات” كانت له علاقة بأعراض الاكتئاب بين أولئك الذين تبلغ أعمارهم 35 عاماً أو أكبر، فإن استخدام “فيسبوك” كان له ارتباط بهذه الأعراض بين أولئك الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً.
ويقول أحد الباحثين المشاركين: “تفسير محتمل لنتائجنا هو أن الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بالاكتئاب، حتى لو لم يكونوا قد أصيبوا به، هم من يستخدمون أكثر وسائل التواصل الاجتماعي”. ومن أبرز الأسئلة ما يخص تأثير جائحة كورونا على المستخدمين وزيادة مخاطر الاكتئاب عند استخدام وسائل التواصل، وهو احتمال لم تستبعده الدراسة، لكنها كذلك لم تؤكده بشكل قطعي.
ومن تفسيرات هذه النتائج أنه بسبب الإحساس بالعزلة، يلجأ عدد من الأشخاص إلى هذه المنصات للبحث عن التواصل مع آخرين، ولكن ذلك قد يكون له تأثير عكسي، وبالتالي يؤدي إلى ظهور أعراض الاكتئاب، لاسيما أن عدداً من المستخدمين لهذه المنصات غالباً ما يظهرون وهم يعيشون حياة جميلة ويحققون إنجازات كبيرة، ما قد يؤدي بمستقبلي تلك الرسائل إلى التفكير السلبي.
وتنصح باحثة بضرورة وضع حدود لمدة استهلاك وسائل التواصل الاجتماعي والاستفادة من القيود التي تتيحها بعض الهواتف الذكية أو التطبيقات لقياس الزمن الذي نقضيه على هذه المنصات، وبالتالي عدم تجاوز حد معقول يومياً.
المراهقون..
دراسة أخرى صدرت في 2020، وركزت على المراهقين، خلصت إلى أن استخدام الإنترنت للتواصل وللألعاب لفترة تزيد على أربع ساعات يومياً يدل على أعراض الاكتئاب، والذي يزيد بتراجع الوقت المخصص للنشاط الاجتماعي خارج شبكة الإنترنت.
خمس ساعات..
ووجدت دراسة أخرى أن الذين يقضون خمس ساعات يوميا على وسائل التواصل الاجتماعي هم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بثلاث مرات أكثر من أولئك الذين يقضون أقل من ساعتين يوميا. وشارك أكثر من 1000 شاب أمريكي في الدراسة، التي تتبع عدد الأشخاص الذين ظهرت عليهم أعراض الاكتئاب على مدار ستة أشهر.
ويعتقد الخبراء أن الهواجس مع منصات مثل “إنستغرام” و”تويتر” و”سناب شات” و”فيسبوك” توقف تكوين صداقات بين الشباب.
وقد يؤدي الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي أيضا إلى عدم تحفيز الشباب للذهاب وتحقيق أهداف في حياتهم المهنية، ما يؤدي إلى تأجيج المشاعر السلبية.
مقارنة..
ووجدت الدراسة أخرى أن المراهقين يُعتقد أيضا أنهم يقارنون أنفسهم بأسلوب حياة مثالي “معدّل بالصور” ويستحيل الحصول عليه ويشعرون بأنهم لا قيمة لهم بالمقارنة بذلك. وتعد هذه الدراسة الكبيرة، التي نُشرت في المجلة الأمريكية American Journal of Preventive Medicine، الأولى من نوعها التي تربط بين وسائل التواصل الاجتماعي والاكتئاب.
وقال المؤلف الرئيسي الدكتور بريان بريماك، أستاذ الصحة العامة في جامعة أركنساس: “معظم الأعمال السابقة في هذا المجال تركت لنا أسئلة محيرة. نعلم من الدراسات الكبيرة الأخرى أن الاكتئاب واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي يميلون إلى التلاقي معا، لكن كان من الصعب معرفة أيهما يأتي أولا”.
وأوضح: “تلقي هذه الدراسة الجديدة الضوء على هذه الأسئلة، لأن الاستخدام الأولي الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي أدى إلى زيادة معدلات الاكتئاب”.
ومع ذلك، لم يؤد الاكتئاب الأولي إلى أي تغيير في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. سأل فريق البحث المشاركين في الدراسة عن عدد المرات التي استخدموا فيها وسائل التواصل الاجتماعي، وقارنوها بنتائجهم في اختبار شامل يقيس الاكتئاب. ومن بين 1289 فردا في العينة النهائية، كان 299 مصابا بالفعل بالاكتئاب عند خط الأساس، وتم تتبعهم لمعرفة ما إذا كان هذا قد أثر على استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي.
وخلال فترة المتابعة التي استمرت ستة أشهر، أصيب 95 مشاركا آخر بأعراض الاكتئاب. وكان الشباب الذين استخدموا وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من خمس ساعات يوميا أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بمعدل 2.8 مرة في غضون ستة أشهر من أولئك الذين استخدموها أقل من ساعتين يوميا.
وعلى الرغم من ثقة الباحثين في الرابط المكتشف، إلا أن الدراسة لا يمكنها إثبات السبب والتأثير، بأن وسائل التواصل الاجتماعي، وليس أي عامل آخر، هي التي تسبب الاكتئاب.
وقال الأستاذ المساعد في الطب النفسي بجامعة بيتسبرغ ا لدكتور “سيزار إسكوبار فييرا”: “قد يكون أحد أسباب هذه النتائج أن وسائل التواصل الاجتماعي تستغرق الكثير من الوقت. قد يحل الوقت الزائد على وسائل التواصل الاجتماعي محل تكوين علاقات شخصية أكثر أهمية، أو تحقيق أهداف شخصية أو مهنية، أو حتى مجرد قضاء لحظات من التفكير القيّم”.
ويقترح المؤلفون أن المقارنة قد تكمن وراء هذه النتائج أيضا، حيث غالبا ما تمتلئ قنوات التواصل الاجتماعي بحياة المشاهير الساحرة.
وأضاف المؤلف المشارك الدكتور جايمي سيداني، الأستاذ المساعد للطب في جامعة بيتسبرغ: “غالبا ما يتم تنسيق وسائل التواصل الاجتماعي للتأكيد على الصور الإيجابية. وقد يكون هذا صعبا بشكل خاص بالنسبة للشباب الذين يمرون بمنعطفات حرجة في الحياة تتعلق بتنمية الهوية ويشعرون أنهم لا يستطيعون الارتقاء إلى مستوى المثل العليا المستحيلة التي يتعرضون لها”.
فيسبوك..
لكل شخص تجربته مع مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا ينطبق أيضا على الاكتئاب، إذ يُعد الاكتئاب مرضا تتسبب فيه عوامل عديدة من المشاعر والأفكار، إلى البيئة الاجتماعية، والجينات. وتختلف درجات وأنواع الاكتئاب من شخص لآخر.
إلا أن ثمة أنماط متكررة اكتشفها الباحثون مؤخرا، إذ أثبتت دراسات عديدة منذ عام 2010 بالدليل أن الاستخدام المتكرر لوسائل التواصل الاجتماعي، وتحديدا موقع فيسبوك، قد يكون سببا في الاكتئاب، أو على الأقل الأعراض الشبيهة بالاكتئاب.
وفي عام 2016، توصلت دراسة شارك فيها 1.787 شخصا تتراوح أعمارهم بين 19 و32 عاما في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى وجود علاقة بين الوقت الذي يقضيه الشخص على مواقع التواصل الاجتماعي يوميا، وعدد أعراض الاكتئاب التي تظهر عليه.
فكلما زادت الساعات التي يقضيها المرء على هذه المواقع، زاد شعوره باليأس وانعدام الثقة وضعف الهمة، وفقا لهذه الدراسة.
لكن الباحثة ليو يي لين وزملاءها من جامعة بيتسبرغ يرون أن هذا وحده لا يثبت أن وسائل التواصل الاجتماعي نفسها هي السبب في الاكتئاب، فربما كان الاكتئاب هو ما يدفع الناس إلى قضاء وقت أطول على وسائل التواصل الاجتماعي.
وكتبت لين وفريقها: “الأشخاص المصابون بالاكتئاب الذين ضعفت ثقتهم بأنفسهم، قد يلجأون إلى التفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي بحثا عن إعجاب الآخرين وتأييدهم لآرائهم لاستعادة الثقة بالذات”. وهؤلاء سيفضلون التفاعل عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن التفاعل وجها لوجه، لأن وسائل التواصل الاجتماعي تسهل عليهم الوصول إلى عدد كبير من الناس والتحكم في الحوار.
وما يزيد الأمور تعقيدا، أن ثمة أدلة أيضا تؤكد أن وسائل التواصل الاجتماعي قد تفيد الصحة النفسية، ربما لأنها تشجع الأشخاص المعرضين للشعور بالعزلة على التواصل مع غيرهم للخروج منها.
الاستخدام اليومي..
في دراسة جديدة نُشرت في مجلة علم النفس الاجتماعي والسريري (Journal of Social and Clinical Psychology) والتي أضافت بعض الأدلة التي تدعم نظرية بعض العلماء الذين رأوا أن الاستخدام اليومي لمنصات التواصل الاجتماعي (مثل فيسبوك، وتويتر، وإنستغرام، وسنابشات) قد يكون لها تأثيرات واضحة على الصحة العقلية على المدى البعيد. وعلقت “ميليسا جي هانت”، عالمة النفس في جامعة بنسلفانيا والقائمة على هذه الدراسة: “استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أقل من المعتاد يؤدي إلى انخفاضات كبيرة في كلٍّ من مُعدلات الاكتئاب والشعور بالوحدة. هذه الآثار واضحة بشكل خاص على الأشخاص الذين كانوا أكثر اكتئابا عندما تطوعوا لهذه الدراسة”.
وفي دراسة أُجريت في عام 2018 وَجدت أن المراهقين الذين يقضون وقتا طويلا أمام وسائطهم الاجتماعية هم الأكثر تعاسة. ولكن إذا قُلل هذا الوقت بمقدار ساعة واحدة فقط في استخدام التكنولوجيا يوميا، فإن العكس هو الصحيح. تقترح هذه الدراسة أيضا أنه يجب علينا معاملة هذه الوسائط، التي تعدّت مرحلة أن تكون دخيلة على يومنا وباتت ضرورة يومية يحرص على متابعتها والتفاعل معها الجميع، بأن يكون استخدامها مُعتدلا كباقي أمور حياتنا. وعلى الأرجح، تأثيرها ليس سيئا كما قيل لنا. وهذا ما يراه أندرو برزيبيلسكي، كبير الباحثين في معهد أكسفورد للإنترنت، فيقول: “إنّ الكثير من تحيزنا ضد وسائل التواصل الاجتماعي قد يكون مجرد توقعات لمخاوفنا. نتحدث مع بعضنا البعض ونتناقش حول كيف أننا نشعر بالتهديد بأن الهواتف الذكية تُقلل من ذكائنا وتُدمر صداقاتنا الحقيقية، ولكن في الواقع، ربما نكون قلقين من أن هذا صحيح. وهذا لا يعني -بالضرورة- أن يكون صحيحا”.
“تايلور هيفر”، مؤلف دراسة أُجريت مطلع هذا العام، من جامعة بروك في سانت كاترين، كندا، يرى أن التوصل لاستنتاج قطعي يُنبئ بأن مواقع التواصل الاجتماعي تُعتبر مَدخلا للاكتئاب بحاجة إلى أن تُجرى على أشخاص يُتابعون الشخصيات نفسها، يتعرضون للوقت نفسه، يقرأون محتوى المنشورات نفسه للحصول على نتائج دقيقة. حيث أُجريت هذه الدراسة على مجموعتين منفصلتين، مجموعة من طلاب الصف السابع، والثامن، والتاسع، ومجموعة أخرى من الطلاب الجامعيين. بعد ذلك، قام الباحثون بتحليل البيانات وفصلها إلى العمر والجنس. وكشفت النتائج أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لا يؤدي إلى أعراض اكتئابية في وقت لاحق. وكان هذا صحيحا لكلتا المجموعتين. إلى جانب ذلك، وجد العلماء أنه كان هُناك علامات تُنبئ بأعراض الاكتئاب عند الإناث المراهقات. يشير هيفير إلى أن الإناث في هذا العصر “اللواتي لا يشعرن بالراحة قد يلجأن إلى وسائل التواصل الاجتماعي لمحاولة جعلهن يشعرن بتحسن”.