23 ديسمبر، 2024 1:39 م

“هيكل” ضحيته .. التأريخ كعلم منهجي محايد لدى “سيار الجميل”

“هيكل” ضحيته .. التأريخ كعلم منهجي محايد لدى “سيار الجميل”

كتبت – سماح عادل :

معركة مكبوتة.. لم تلق من الشهرة أو الكتابة عنها بقدر ما لاقت من متابعة وأهتمام الأوساط الثقافية والعلمية والسياسية التي إنشغلت بها وتابعتها، ربما لأنها كانت معركة من طرف واحد.. أفرد الأسانيد وفند الحجج العلمية التي لا تثير شهية الصحف الطيارة بالخبر والمثير، أو ربما لان ضحيتها كان طرف – رغم صمته الذي ألتزمه خلالها – صحفي بسطت شهرته على العالم العربي وتجاوزته في أحيان كثيره، نظراً لقربه من زعامة كاريزمية وصناع القرار في حقبة تاريخية عربية خصبة الأحداث وتحديد المصير.. فكانت المعركة حول تاريخ تلك الحقبة، وأطرافها المؤرخ والأكاديمي العراقي المخضرم الدكتور “سيار الجميل” والكاتب الصحفي المصري “محمد حسنين هيكل”، وجاءت نتيجتها.. “تفكيك هيكل”.

قيمة “سيار”
كرس المؤرخ العراقي “سيار الجميل” مجهوده لعمل تأريخ يقوم على أسس علمية ومنهجية، يتصف بالحياد بعيداً عن مغالطات السياسة وتحزباتها، وإستخفاف الهواة.. اهتم في الأساس بتأريخ “تكوين العرب الحديث”، وألف عدة كتب في ذلك، كما اهتم بفلسفة التكوين التاريخي وكان تميزه فيما عرف بـ”المجايلة التاريخية”.. حيث قسم التاريخ العربي الحديث بدءاً من عام 1799 وحتى 2099 إلى عدة أجيال.

أنتج أكثر من 25 بحثاً أكاديمياً علمياً، وترجمت بعض أعماله إلى الإنكليزية والفرنسية والتركية، وخصوصاً نظريته عن “المجايلة التاريخية” وبنية الأجيال في فلسفة التكوين التاريخي، وحاضر في جامعات معظم الدول العربية، وتتلمذ على يديه كثير من دارسي وكتاب التاريخ.

من أهم كتبه: (العثمانيون وتكوين العرب الحديث – حصار الموصل – التكوين العربي الحديث – التحولات العربية: إشكاليات الوعي وتحليل التناقضات وخطاب المستقبل – العرب والأتراك: الإنبعاث والتحديث – الباشوات العثمانيون والنهضويون العرب – العولمة الجديدة والمجال الحيوي للشرق الأوسط – تفكيك هيكل – دراسة في النخب العراقية المثقفة الحديثة).

لماذا أراد تفكيك هيكل؟
جاء نقد “الجميل” للكاتب المصري “محمد حسنين هيكل” رصيناً.. حيث فند كتاباته، “كتبه، ومقالاته”، بشكل تفصيلي.. خاصة تلك التي أصدرها هيكل في فترة التسعينيات وما بعدها، وأوضح مواطن الخلل فيها عبر كتابه “تفكيك هيكل”، الذي صدر في عام 2000 م، وكانت اهم نقاط نقد “سيار الجميل” لهيكل هي:

– أن هيكل فاقد للمصداقية.. لأنه لم يوثق أية مادة كتبها توثيقاً منهجياً وعلمياً دقيقاً، مؤكداً على أن هيكل ليس مؤرخاً كما يدعي وإنما “كاتب صحفي” يعتمد على التلفيق والإثارة، ولا يميز استخدام المصطلحات السياسية، ويسرد الوقائع فقط دون تحليلها، ويقف عند الأبطال التاريخيين دون اهتمام بالتأريخ الجمعي للمجتمع، كما وان أعماله ترصد البطل وعلاقاته ورسم صورة عجيبة له، ونوازعه الأيديولوجية تحكمت في كتاباته.

– هيكل صاحب توليفات كتابية.. تختلط فيها الآراء السياسية بالمقابلات الصحفية بالمعلومات التاريخية، وفي كتبه يزور المعلومات ويحرف النصوص المنقولة عن مصادر غير مكتملة إعتماداً على إحصائيات كاذبة وبيانات ملفقة وسرد وقائع غير صحيحة، ومعظم مصادره من صحفيين أميركيين وصهاينة.

– كان هيكل بعد موت الزعماء العرب.. يكتب عنهم ويدعي أنه على علاقة قوية بهم وأنهم كانوا يأخذون رأيه في قرارات هامة وأهمهم “عبد الناصر”، كما كان يهاجمهم بعنف وشراسة مثلما فعل مع “أنور السادات” في كتابه “خريف الغضب” و”الملك حسين” ملك الأردن و”الملك الحسن” ملك المغرب في مقالاته خاصة.

– كثرة الإتهامات والإنتقادات التي وجهت لهيكل.. مثل إتهام الرئيس المصري “محمد نجيب” في كتابه “كلمتي للتاريخ” أن هيكل عميل لدولة أجنبية، وإتهام الرئيس الروسي “خرتشوف” بالعمالة لمخابرات دولته، ونقد الكاتب المصري “فؤاد زكريا” له، وإتهام “مصطفي أمين” الذي عمل معه وكان صديقه بأن هيكل وشي به وادعى أنه كان عميلاً للمخابرات الأميركية وتسبب في إدخاله السجن.

– هيكل كان مهادناً للنظام السياسي.. بكل مراحله ملكي وجمهوري، وخلافه مع “السادات” كان خلافاً شخصياً مما أدى إلى إعتقاله، حتى أنه هادن “حسني مبارك”.

– هيكل كذب.. بشأن إدعاء أن “عبد الكريم قاسم” زعيم حركة تموز 1958 كان معجباً بعبد الناصر، في حين أن شريكه في الثورة العسكرية “عبد السلام عارف” هو الذي كان معجباً بناصر، وكان هذا سبب تفجر الخلاف بينهم فيما بعد، وكذب أيضاً بأن الحركة أرسلت وثائق سرية خاصة بحلف بغداد إلى ناصر، وتساءل “الجميل” عن أدلة هيكل على قراءته للوثائق السرية لحلف بغداد كما ادعي، وأوضح الجميل أنه سأل رجال قريبين من أحداث 1958 وقالوا له أن بعض الصحفيين المصريين جاءوا برفقة السفير المصري في بغداد، ودخلوا في المرافق العليا للدولة بتخويل من عبد السلام عارف واخذوا بعض الأوراق والوثائق ورحلوا إلى مصر في طائرتهم.

الطريف أن هجوم “سيار الجميل” على “محمد حسنين هيكل”، بدأ في عام 2000 واستمر حتى عام 2008، بصدور جزء ثاني من كتابه “تفكيك هيكل”، كما وأنه تحداه أكثر من مرة عبر حواراته في الصحف خاصة “الجزيرة”، ودعاه للرد على نقده له، لكن هيكل لم يرد على إنتقادات سيار الجميل له، واكتفى بالصمت، وكان رأي الجميل أن هيكل لا يقوى على دحض إنتقادات الأكاديميين مثله ومثل “فؤاد زكريا”، وأنه حين تتم مهاجمته يحاول إيقاف المقالات الناقدة له بالضغط وبشكل سري على الصحف، وأيضا بعقد إتفاقات متبادلة أو بإيذاء منتقديه وتسليط كتاب آخرين عليهم.

نشأ المؤرخ سيار الجميل في الموصل، في عائلة لها تاريخ سياسي، لكنه مع ذلك معروف بإستقلاله السياسي فهو لا ينتمي لأي حزب أو جماعة سياسية، تخرج في كلية الآداب قسم التاريخ عام 1974، وأكمل دراساته في بريطانيا ونال دكتوراة الفلسفة “التاريخ الحديث للشرق الأوسط” في جامعة سانت اندروس الاسكتلندية العام 1982.

اشترك في دراسات مشتركة مع كتاب آخرين، منهم “بيتر بيرك” و”توماس لنك” و”خليل انالجيك” و”سمير أمين”، كما شارك في العديد من المؤسسات الأكاديمية والمراكز العلمية والجمعيات الثقافية والمنتديات الفكرية والسياسية في العالم.

اهم الجوائز التي حصل عليها “جائزة شومان للعلماء الشباب” منفرداً (1991)، وعلى براءة تقدير (1992)، وعلى قلادة الإبداع للعلماء المتميزين (1995).. ويحمل جائزة “الكوريار” (2004).

يعد سيار الجميل خبيراً دولياً في الدراسات الإجتماعية والثقافية، لكل من منظمتي “اليونسكو” و”الإسيسكو”، والعديد من مراكز البحوث والدراسات العربية والغربية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة