هند نوفل.. صاحبة “الفتاة” أول صحيفة نسائية عربية

هند نوفل.. صاحبة “الفتاة” أول صحيفة نسائية عربية

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“هند نوفل” صحفية لبنانية وهي أول امرأة في العالم العربى تنشر صحيفة تختص بقضايا المرأة فقط.

حياتها..

ولدت “هند نوفل” عام 1860 في سوريا الساحلية، ولقد نشأت والدتها “مريم النحاس” أثناء الاضطراب المدنى والكساد الاقتصادى في بيروت وذلك قبل زواجها من والدها “نسيم” وهي في السادسة عشر من عمرها وكان يكبرها بعشر سنوات. يرجع أصل نسيم إلى الروم الأرثوذكس من عائلة طرابلسية وقد ربى هند لتكون مسيحية.

انتقلت العائلة هروباً من الرقابة العثمانية في سوريا، واستقرت في الإسكندرية عام 1870, حيث التحقت “هند” بمدرسة العهد وذلك أثناء حكم الخديوي إسماعيل باشا. أقلعت مصر عن احتكارها للنشر وقيدت كذلك رقابتها على الصحافة منذ الاحتلال البريطانى لمصر عام 1882. حيث بدأت كل من الطبقتين المتوسطة والعليا الاستثمار في الأدب فقد زاد عدد الصحف المطبوعة وبالتالى تداول المادة الأدبية أيضاً.

تميزت “هند نوفل” بأنها نشأت في جو منزلى مألوف حيث كان كلا والديها كاتبين. أتمت مريم والدة هند، قاموس سير ذاتية لنساء الشرق والغرب، أسمته (معرض الحسناء في ترجمة مشاهير النساء) وأهدت الكتاب للأميرة “شيشمات هانم”، الزوجة الثالثة لإسماعيل، والذي تم نشره تحت رعايتها. بينما عمل كل من والدها وعمها في الصحافة والترجمة في الحكومة المصرية. وانتهى المطاف بوالدها ليدير المكتب الخاص بمجلة هند والذي ساعدته أيضاً فيه شقيقتها سارة.

الفتاة..

بدأت “هند نوفل” العمل في صحيفتها (الفتاة) يوم 20 نوفمبر 1892, وقد تزامن ذلك مع تزايد عدد الجرائد والصحف العلمية المتداولة وزيادة أيضاً في جمهور القراء من النساء. ومع ذلك، صرحت نوفل بأن مجلة (الفتاة) كانت الأولى من نوعها في سماء الشرق الأوسط، فقد كتبها نساء وكانت من أجل النساء وتدور حول موضوعات تخص المرأة. لقد عزمت على تزيينها بدرر أقلام النساء.

وفي أولى إصداراتها، وضعت أهدافها من المجلة والتي تتضمن: الدفاع عن حقوق المرأة والتعبير عن أرائهم وتحديد مسؤلياتهم وواجبتهم. وتناولت المجلة عدة موضوعات فرعية «علمية وتاريخية وأدبية وفكاهية»، ومع ذلك لم تطرح أي موضوعات سياسية ولم تكن النزاعات الدينية موضع اهتمامها. كانت مجلات النساء الدورية بالخارج، والتي تواجدت قبل أن تنشر مجلتها لأول مرة بحوالى قرن ونصف، مصدر إلهام لها.

تناولت المجلة العديد من القضايا مثل: الزواج والطلاق والنقاب والعزلة والتعليم والعمل والشئون المحلية والترفيه. واحتوت إصداراتها على سير ذاتية لنساء من الغرب كالملكة فيكتوريا أو حقائق شيقة تتعلق بالنساء كوصول عدد الطالبات الدارسات للطب في فرنسا إلى 252 بالإضافة إلى 121 روائية و280 شاعرة و425 كاتبة مقالات.

وشجعت المجلة لغة الحوارعن طريق مناقشة موضوعات مثل مقاييس الجمال المختلفة المتعارف عليها بين مختلف الدول. وفي بعض الأحيان، كانت “هند نوفل” تطرح على قرائها أسئلة للمشاركة والإجابة، فمثلا، في عدد فبراير 1893 كان سؤالها «أيهما عمله أكثر مشقةً، الرجال أم النساء؟». وبالتالى أصبحت مجلة الفتاة منتدى للنقاش والحوار حول أدوار النساء. لتحث النساء على المشاركة في الفتاة، أكدت نوفل أن من كتبت من النساء في الصحف لم تمسس حيائها ولم تنتهك طهرها أو حسن سلوكها.

كما أنها بذلت جهوداً لتعريف نساء محليات من عصور مختلفة حيث كانت النساء قدوة في المجتمع. فقد أشارت إلى الملكة الآشورية سميراميس وإلى بلقيس ملكة سبأ ونساء من العصور الفرعونية، والذين أظهروا لمدة ألفى عام الوداعة الشديدة والصقل وأحرزوا إنجازات ووصلو لمرحلة من الكمال لم يتوصل إليها نساء الغرب بعد. ومع ذلك، ناقشت كاتبات أمريكية وأوروبية مصرحةً أن ذلك لم يمسس وضعهم الإجتماعى، بل على العكس أضفى احتراماً لهم.

توثيق..

لم يصلنا سوى أعداد مجلة الفتاة التي وثقتها الباحثة “هدى الصدة”، من “مؤسسة المرأة والذاكرة”، تتحدث المجلة عن أوضاع النساء، ففي السنة نفسها كان قد صدر لعائشة تيمور، الكاتبة والشاعرة، كتاب عنوانه “مرآة التأمل في الأمور”، الذي يتناول وضع المرأة وأدوارها الاجتماعية الجديدة، وقد افتتحت “هند نوفل” صفحات المجلة بكلمتها التي حثّت فيها النساء على الكتابة في صحيفة “الفتاة” لـ”تزين صفحاتها بما يصل إليها من دور أقلام الفاضلات ونفايس أفكار الأديبات في المواضيع العلمية والفصول التاريخية والمناظرات الأدبية والشذرات الفكاهية، فإن مبدأها الوحيد هو الدفاع عن الحق المسلوب والاستلفات إلى الواجب المطلوب”.

ما هو الحق المسلوب الذي تتحدث عنه هند؟، كانت المجلة وسيلة لأن تنشر فيها الصحفية الشابة آرائها عن الرجل والمرأة، وفي إحدى تلك الأعداد وضّحت أكثر وجهة نظرها تحت عنوان “فن المرأة واجباتها وحقوقها” قائلة “سلبت الفتاة حقها مع إنها في مبدأ الخلق واحد في الأمر والنهي والجد والسعي، والدنيا لم تخلق أحدهما دون الآخر بل وجدت ليعملا فيها بالسواء”، لكنها استثنت من ذلك المرأة المتزوجة، التي يتمحور أهم أدوارها في إدارة شئون منزلها.

تحدى النظام السائد..

وكما قالت الباحثة هدى الصدة: “لم تكن هند نوفل تتحدى النظام السائد في تقسيم الأدوار الاجتماعية، فهي تقبل دور المرأة المحوري في العائلة، وقد آمنت أن العمل الأساسي للمتزوجات هو العمل المنزلي، أما غير المتزوجات فيمكن عملهن في المجال العام”، ففي زمن هند كان ما تنشره يعتبر أفكار تقدمية.

مسألة العمل كان محور أساسي بين صفحات المجلة، ففي أعدادها القليلة، حيث نشرت المجلة على مدار عامين فقط، بين 1892 و1894، العديد من أخبار النساء الذين يعملون حول العالم، ففي العدد الأول كانت تسرد ما يُشبه “البروفايل” عن بعض السيدات العاملات، بدأتها “هند نوفل” بذكر سيرة الملكة فيكتوريا، ثم سردت سير أخرى لنساء محررات في الصحف مثل سيرة ماريا مورجان الفارسة الأمريكية التي نعتها هند عبر “الفتاة”، في مقال بعنوان “خسارة ربات الأقلام”، حيث عملت ماريا كمحررة تكتب عن سباقات الخيول لمدة عشرين عاما.

ليس ذلك فحسب، بل كانت تنشر سيرة السيدات اللاتي يحققن إنجازات، حيث كانت تقسم الأخبار أحيانًا بحسب الدولة، وذكرت عن أمريكا خبر عن أول سيدة انتخبت كقاضية في الولايات المتحدة وهي السيدة حنة سكاي من مقاطعة يومينج، المقاطعة الوحيدة التي أجازت انتخاب النساء في ذلك الوقت.

وبجانب ذلك كانت هند ترى أن من الطبيعي معرفة المرأة لأمور الحياة من العلم والآداب وكذلك الخياطة والأزياء، فكان ذكر تلك المجالات المتباينة طبيعي داخل صفحات المجلة، ويتضح تواصل هند وتطلعها أيضًا من خلال السيدات التي استكتبتهن للمجلة، ومن بينهن صديقتها الشامية “هنا كوراني”، التي اعتلت منصة الخطابة في المؤتمر النسوي الأول الذي عقد في شيكاغو عام 1893، وأصبحت نجمة في الأوساط الثقافية، وكانت هند تنشر رسائل صديقتها لها على صفحات المجلة.

يصدر العدد الأخير من المجلة في 16 مارس 1894 وتعلن هند نوفل في أخر مقال لها أن سبب توقف المجلة هو زواجها، ملمحة إلى أنها بعد أن حققت ذاتها ونافست الرجل في مضمار كان قد احتكره لعقود تعود لتثبت مقدرتها على تكوين أسرة ناجحة مثقفة، قضت نوفل أيامها الأخيرة في رعاية  أسرتها والمساهمة في الأعمال الخيرية لتتوفى في عام 1920.

الزواج..

تزوجت “هند نوفل” من السورى، “حبيب دبانة” في أغسطس 1893 والذي كان يعمل في القطاع القانونى لوزارة المالية وأوقفت مجلتها عام 1894 لكى تعود لحياتها العائلية والعمل الخيري. وعلى الرغم من أن صحيفة “الفتاة” استمرت لمدة عامين فقط إلا أنها كانت الأولى من نوع النسوية العربية المعروفة باسم مجلات نسائية تكتبها نساء والتي بلغ عددها حوالى 30 وتزامنت مع ثورة 1919 المصرية.

تقول “نبيلة رمضانى” أن صحيفة “الفتاة” أول إصدار نسوى كامل في قائمة كبيرة من المجلات الدورية العربية. وتصرح “بيث بارون” أن المجلات النسائية العربية تتيح لنا مصدراً تاريخياً فريداً من نوعه وتعطينا فرصة لاستعادة أصوات النساء حتى نتمكن من تحقيق التوازن بين حسابات أخرى من حياتهم مع الوصف الخاصة بها. بشكل جماعي المجلات هي واحدة من أقدم الكنوز الدفينة للمواد من هذا النوع، وذلك لأنه كان الجيل الأول من النساء في العالم العربى يكتب في أعداد وينتج وينشر نصوصاً مطبوعة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة