هل يُسرع فيروس “كورونا” عملية تحول المجتمع الإيراني إلى العلمانية ؟

هل يُسرع فيروس “كورونا” عملية تحول المجتمع الإيراني إلى العلمانية ؟

خاص : ترجمة – محمد بناية :

الأمراض المعدية والحوادث الطبيعية بآثارها المرعبة قد تتحول إلى محلل اجتماعي، وتكشف بوضوح الجوانب الخفية والحقائق المعلنة وغير المعلنة للمجتمع. فالمجتمع والرأي العام يحتاج أحيانًا إلى هزة عنيفة، بحيث يتمكن من النظر على نحو مختلف لما هو غارق فيه دون أن يراه على نحو جيد.

وكأن وباء فيروس “كورونا” المُستجد قد استحال مرآة بيد المجتمع ينظر فيها إلى نفسه بعيون نظيفة. بحسب “سعيد پیوندي”، عالم الاجتماع والأستاذ الجامعي الإيراني المقيم في فرنسا، في أحدث مقالاته التحليلية على موقع (الغد) الأميركي الناطق بالفارسية.

“كورونا” والمعتقدات الدينية..

يبدو أن ما يمر به المجتمع الإيراني حاليًا هو نموذج واقعي للدور الذي يلعبه الوباء إزاء الفهم الاجتماعي.

وتكفي جولة بالشبكات الاجتماعية للإيرانيين لتُصدم بعدد هائل من الأسئلة والملاحظات، ومنها على سبيل المثال ما يتعلق بالمعتقدات الدينية وانتشار فيروس “كورونا” في مدينة “قُم”، والحرب بين العلم والخرافات أو طبيعة رد فعل “الملالي”.

كثير من التعليقات الساخرة، بخصوص رد فعل “الملالي”، الذين صنفوا ومازالوا “زيارة عاشوراء”، وقراءة “سورة الحمد”، و”آية الكرسي”، والدعاء، والطب الإسلامي أو تناول تربة “الإمام الحسين”؛ كسُبل لمكافحة “كورونا”.

ويتداول النشطاء الأخبار والصور والفيديوهات المتعلقة بفرار جموع رجال الدين من مدينة “قُم”، التي يتعين اللجوء إليها بحسب الروايات أثناء البلاء، وكذلك نص الخبر المنشور قبل عدة سنوات؛ بشأن توقيع رئيس “منظمة إدارة الأزمة” على اتفاقية تعاون مع الحوزة العملية للحد من انتشار الكوارث الطبيعية.

كذلك من الموضوعات المنتشرة بشدة على وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى بين المتعصبين من المتدينين، مسألة (تحليل) الاستفادة من الكحول في تعقيم الأماكن العامة أو المزارات الدينية وتسهيل قوانين إنتاج الكحول أو التخلي عن الآداب الدينية خلال عمليات دفن ضحايا الفيروس. بالإضافة للحديث عن مدن “قُم” و”مشهد” وغيرها من الأماكن والمراسم الدينية وتحولها إلى مصادر نشر الأمراض المعدية.

ورغم إعتقاد قطاع من الشعب، حتى الآن، بضرورة التعلق بالمزارات لمكافحة المرض بحسب المعتقد الديني، لكن يبدو أن كل شيء انقلب رأسًا على عقب إذ يعزفون عن زيارة هذه الأماكن خوفًا من المرض. وهذا تناقض يشغل الحكومة الدينية التي كانت تضرب منذ أربعين عامًا على طبول هذه المعتقدات. وما مقاومة بعض رجال الدين و”الحرس الثوري” دون فرض الحجر الصحي على “قُم” وعدم تعطيل المراكز الدينية هو جزء من هذه المعتقدات.

الحكومة الدينية والأسئلة المجتمعية..

كل هذه التناقضات لا تخفى على الرؤية المجتمعية الحادة، ومئات التعليقات والرسائل الساخرة أو الانتقادية المنشورة في كل مكان تكشف عن هذه الأسئلة والاحتجاجات والغضب واليأس الشعبي العميق والشعور بالحزن لكل هذه الأمراض والخرافات والسطحية.

والكثير منها يتعلق بالمشكلات غير المعدودة في إطار مكافحة فيروس “كورونا”، وهي لا ترتبط فقط بفشل، وعدم كفاءة، وعدم شفافية، وحيرة واضطراب الجهاز الإداري. ولكن احتل تدخل رجال الدين، وتعارض الخرافات مع العلم أو تدين الحكومة موقعًا مهمًا في المناقشات الشعبية.

ولقد أثبتت تجربة شيوع فيروس “كورونا” مجددًا عدم حيلولة رجال الدين والحكومة الدينية، والمزارات المقدسة، وأصحاب المقام والدرجات الدينية دون انتشار الأمراض المعدية بعكس إدعاءات المسؤولين الإيرانيين.. وينصب غضب الرأي العام الإيراني على من يضعون الخرافات والمعتقدات والتعصب الديني في مواجهة العلم والعقلانية.

هل يتحول المجتمع الإيراني للعلمانية ؟

المسألة التي لا يجب تجاهلها في مقارنة “إيران” مع “أوروبا” إبان عصر النهضة؛ أن العلمانية في “أوروبا”، أو فصل الحكومة عن المؤسسة الدينية أو تنحية القيادات والمؤسسات الدينية عن شؤون الحكم، لم يكن فقط نتيجة سطحية وساذجة لعلاقة الشعوب الأوروبية بالعقلانية الجديدة وتجربة التوعية بالأمراض المعدية مثل “الطاعون”.

وإنما لعب الميراث الثقافي والفكري العظيم، خلال القرون (16 – 18)، دورًا مهمًا في بلورة المدنية والنظم السياسية العلمانية القائمة على تفكيك السلطة وإقرار سيادة الشعب وفصل الحكومة عن المؤسسة الدينية.

وقد شهدت “إيران”، في القرن 19، شيوعًا لأمراض معدية كبيرة، وقد حال التعصب وإنعدام الوعي والخرافات المذهبية، (بخلاف الفقر)، في عدم المواجهة العقلانية ضد هذه الأمراض. ولم نشهد حينها بلورة نوع من اليقظة العامة الجديدة وانفصال العوام عن الخرافات المذهبية والنظرة الجديدة للدين والعقلانية.

وإن كنا لا نرغب في قطع شوط طويل، فقد كان لتجارب العقود الأربعة الماضية الكثير من الدروس المتعلقة بالفجوة النقدية للتدخل الديني في الحكم. والتي قد تؤسس، (بخلاف الفشل الاقتصادي، والإنهيار الأخلاقي، وانتشار الفساد على نحو مسبوق، وكذب النظام السياسي الذي يحكم باسم الأخلاق الدينية)، لإعادة التفكير المجتمعي في أضرار تدخل الدين في الحكم.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة