قراءة – رشا العشري :
( تأليف: سكوت ل. مونتغمري، ترجمة: د. فؤاد عبد المطلب
الناشر: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ديسمبر 2014
عدد الصفحات: 293)
شهد العالم في بداية القرن الحادي والعشرين إنجازات علمية نوعية مؤثرة، وقد أسهم علماء من بلدان كثيرة في إنجازات هذه الحقية الجديدة، في تلك الجهود العلمية كلها يكمن سعي قديم باتجاه تبادل المعرفة والأفكار، وأن هذا التبادل يمكن تحقيقه من خلال وسيلة واحدة مشتركة، هي اللغة الإنجليزية، لذلك يتساءل الكاتب “سكوت ل. مونتغمري” هل يحتاج العلم إلى لغة عالمية؟ هنا يتقصى الكاتب ظاهرة اللغة الإنجليزية العالمية في علاقتها بالعلم، والسبيل التي نشأت بها وأسباب نشوئها، والأشكال التي تجلت فيها، والفوائد والسلبيات التي جلبتها، ومستقبلها في العلم، كما يتفحص الأثار الناتجة عن انتشار هذه اللغة العالمية، حيث يناقش المؤلف نهوض الإنجليزية بكونها لغة مشتركة في العلم والتقنية، ويحاول استكشاف دلالة الإستخدام المتنامي للغة الإنجليزية من ملايين البشر الغير ناطقين بها اساسًا.
يتجلى الهدف الرئيسي من الكتاب في شرح أسباب تطور الإنجليزية إلى لغة مشتركة للعلوم والسبيل التي تسلكها مستقبلا بوصفها كذلك، حيث يتحدث نحو ملياري شخص في أكثر من 120 بلدا، فالتوجه نحو إحراز مزيد من الكفاءة في استعمال هذه اللغة يزداد بسرعة في بلدان كثيرة، هنا يشرح المؤلف السبيل التي امتدت بها سيطرة الإنجليزية منذ ماقبل المنشورات العلمية والرسمية إلى المنظمات الدولية والمراسلات العامة وإعلانات الوظائف الأكاديمية والزملات العلمية ومواقع الشبكات العالمية وغيرها كثير، حيث يركز المؤلف على العلوم الطبيعية والتقنية، والتي هي برأيه وثيقة الصلة بالعلوم الإجتماعية والإدارية والإنسانية، حيث يوضح العلاقة فيما بينها من زاوية لغوية.
يرى المؤلف أنه من المحتمل أن تؤدي هيمنة اللغة الإنجليزية إلى نضوب الإبداع في المحيط العالمي، لاعتبار أن الإبداع يجري أساسًا باللغة الأم، لذلك كان من شأن سيطرة الإنجليزية أن توهن دوافعهم ومحاولاتهم في ذلك الإتجاه وتؤثر في تركيز أهدافهم لإحراز التميز، باعتبار أن الشخص لا يستطيع التحول إلى الإنجليزية بمجرد توافر الرغبة في ذلك.
لكن لا شك أن اللغة الإنجليزية لغة الأدب العالمي والفن والترجمة والتعليم والسياحة والعلاقات الدولية ومختلف وجوه التواصل العالمي وهي أسرع لغة من حيث النمو في العالم، لذلك فإن تعلم اللغات الأجنبية وعلى رأسها الإنجليزية هو أمر مطلوب، بل هو واجب من أجل اللحاق بالركب العلمي العالمي، إذ يمكننا عبر ذلك، التعلم والإطلاع على أهم الإنجازات العلمية المفيدة ونقلها لغويًا ومعرفيًا.
الفصل الأول – حقيقة جديدة .. العلم يتحدث عالميًا
اللغة قوة في دنيا معولمة، فكلما ازدادت أعداد البشر والمؤسسات التي نستطيع أن نتواصل معها، ازدادت حيازتنا لعروض هذا العالم الكبير ووسائله، حيث تسيطر اللغة الإنجليزية بصورة كاملة على التواصل الدولي في ميادين العلوم الطبيعية والطب ومجالات واسعة في الهندسة، ولايعني هذا أنها تتحكم في الظروف كلها، وفي البلدان كلها، إن سيطرتها محددة بقيود، وتتمثل هذه القيود بصورة رئيسة في الحالات ذات الأبعاد الدولية أو خصوصًا العالمية منها، بيد أن ذلك يعد حاسمًا، لأن العلم نفسه دخل حقبة جديدة معولمة، والإنجليزية باختصار هي اللسان العالمي في حقبة العولمة هذه، حيث تعتمد عليها التبادلات العلمية المشتركة، سواء أكانت بين الشركات الأوروبية والأفريقية أو بين الشركات الآسيوية من بلدان مختلفة. كما أصبح القطاع العلمي الخاص الذي تقوده الشركات المتعددة الجنسيات التي تستثمر في الأبحاث والتنمية والتدريب والتسهيلات الجديدة يعتمد على هذه اللغة، كما تُصنّف براءات الإختراع الآن على نحو شامل بالإنجليزية. بالإضافة إلى ذلك فإن الإعلانات الإلكترونية عن وظائف للباحثين وزملات أبحاث مابعد الدكتوراه، وقواعد البيانات، ومصادر أخرى والمنح العلمية الدولية كلها، وغيرها الكثير تستخدم الإنجليزية الآن، وهذا لا يعني أن العلم الذي جرى بلغات أخرى سيتلاشى بعد وقت، فهناك لغات أخرى تعززها مطالب قومية منافسة وسياسات واقعية ستمضي في أي وقت.
عالمية لكنها متعددة
نهضت اللغة العربية بكونها إحدى كبريات اللغات المشتركة في العالم في أعقاب الإنتشار الملحوظ السريع للإسلام بوصفه دينا عالميا، ومع اتساع الفتوحات الإسلامية حلت العربية محل الكثير من اللغات بوصفها لغة القوة السياسية والعسكرية، لم تكن الإنجليزية سوى واحدة من لغات عدة مهمة في مختلف العلوم، إلا أنه مع بداية مرحلة الإنفجار في نمو الأدب العلمي، راحت أوراق بحثية بالإنجليزية تحتل نصف الناتج الإجمالي، وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية زودت قوة الولايات المتحدة وثروتها بالوقود المحرك العظيم “للعلم الكبير” فرفع نتاج علماء الولايات المتحدة إلى نسبة عالية. وفي بداية الثمانينات من القرن نفسه شكلت الإنجليزية نسبة وصلت إلى سبعين بالمائة من النشر العلمي الدولي، وبعد عقدين من الزمن وصلت هذه النسبة إلى ما يقارب التسعين بالمائة من عدد من الحقول العلمية، وقد زادت سيطرتها مع وضع الولايات المتحدة بوصفها قوة عظمى، لذلك أصبحت الإنجليزية معولمة في صميم الكثير من مجالات التجربة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والثقافية والدولية .
بالرغم من أن الإنجليزية لغة الدول الإستعمارية الكبرى، وموطن الثورات العلمية والصناعية، والقوة ما بعد الإستعمارية العظمى اقتصاديا وعسكريا وعلميا، لكن حديثا أكثر لم تعد هذه المظاهر تقود الخيارات كلها التي توسع انتشار سيادة الإنجليزية في العلم، ولا توجد سياسة إمبراطورية مؤثرة تستطيع أن تفرض على العلماء تبني مثل هذه اللغة الواحدة، أننا نعيش في زمن جديد، حيث تتوافر فيه أنساق تاريخية جديدة ذات أثر، منها على الأقل تلك التي تخص عولمة العلم نفسه والمعرفة عموما، تدعمها وسائل تواصل واتصال قوية جديدة غير اعتيادية، ربما ليست أقل تأسيسا للمستقبل من الكتابة كما كان دورها في الماضي.
الفصل الثاني – اللغة الإنجليزية العالمية حقائق، عوامل جيوسياسية، قضايا
يرى ديفيد كريستال أنه في العام 1950 كانت أي فكرة عن الإنجليزية بوصفها لغة عالمية حقيقية مجرد إمكانية نظرية غامضة ومبهمة .. مرت خمسون سنة والإنجليزية العالمية توجد على شكل حقيقة سياسية وثقافية، حيث أصبحت لغة تعارف عالمية.
أما ديفيد غرادول في العام 1997 يرى أنه ما من لغة وحيدة ستسيطر على القرن الحادي والعشرين، لكن خمس لغات أو ستا ستكون محور الإهتمام في التواصل الدولي هي الإسبانية والعربية والفرنسية والإنجليزية والروسية والصينية، لكن في العام 2006، وجد غرادول أن الإنجليزية أصبحت شائعة جدًا، ومهيمنة، ولا يمكن تحديها مطلقًا، بحيث أن القدرة على استعمالها للتواصل العالمي سرعان ما ستكون مهارة أساسية، حيث يرى أن الإفتقار إلى المهارة فيها سيكون معيقًا.
وقد تم التوصل إلى العديد من النقاط التالية التي من المحتمل أن تكون حقيقية في انتشار الإنجليزية وهي:
1. أصبحت اللغة الإنجليزية لغة أصلية لنحو 360 مليون شخص، ولغة ثانية (إضافية) لعدد مساو، ولغة أجنبية يستخدمها على نحو متغير نحو 800 مليون إلى 850 مليون، وأغلب هؤلاء المتحدثين الأخيرين في أوروبا وأسيا وأفريقيا.
2. بحلول العام 2010، نحو 1.5 مليار إلى 1.6 مليار شخص، ربع سكان العالم تقريبا، كانوا يستعملون الإنجليزية بمهارة أكثر من بدائية، وأعلنت الإنجليزية لغة رسمية في 75 دولة على الأقل.
3. من المخطط أن يبلغ عدد دارسي الإنجليزية (جميع الأعمار) الذروة بنحو مليارين قبل العام 2020، وستخفض معدلات الولادة المتناقصة هذه الأعداد فيما بعد.
4. يحمل الإنتشار العالمي للإنجليزية مكونا يتعلق بالجيل: الشباب (تحت سن الثلاثين) استعملوا اللغة في المدرسة والحياة العملية، بنسبة عالية على وجه الخصوص.
العوامل الجغرافية السياسية
ساعدت حقائق الجغرافيا السياسية في تعجيل نمو الإنجليزية لسلسلة أسباب هي:
1. توسع حفظ السلام الدولي، وحقوق الإنسان، والقانون.
2. تحالف عسكري بقيادة الولايات المتحدة في حرب الخليج وأفغانستان والعراق.
3. تشكيل تحالف وقائي عن طريق توسيع منظمة حلف شمال الأطلسي.
4. إجراءات مكافحة الإرهاب العالمية، خصوصًا بعد 11/9.
5. المالية العالمية والتحليل الإقتصادي.
6. منظمات الإنقاذ العالمية، والتي تدير عملياتها باستعمال اللغة الإنجليزية.
7. منظمات غير حكومية مرتبطة بمساعدة الدول النامية، والقضايا البيئية، والصحة العالمية، التمويل الصغير.
حالة لغات العالم: تحت التهديد
حدوث الكثير من التهديد في الأزمنة الحديثة يعطي معنى حدسيًا، حيث عمل الإستعمار كثيرا لتفريق وتدمير الناس الأصليين وبالتالي لغاتهم، وفي أوروبا أتاح ظهور الدولة القومية المجال للغة موحدة واحدة (أو عدد صغير جدا)، مما همش اللغات المحلية، أيضا تجبر اللغات الوطنية المهيمنة على التخلي عن اللغات المحلية في أنحاء العالم، بالتالي تصبح اللغات مهددة عندما يكف الناس عن التحدث بها، فهى نظام تواصل يمكن التخلي عنها أو استبدالها أو رميها في الحفظ الأرشيفي، حيث تتضافر عدة أسباب يتم من خلالها التغيير اللغوي وهى:
1. الغزو أو الحرب، عندما تضعف لغات المتعرضين للغزو أو يحل محلها حديث المحتل الذي يصبح اللغة المهيمنة.
2. المجاعة، التغيير البيئي، الذي يدفع الناس إلى المغادرة.
3. الهجرة، حيث يتم استيعاب الأشخاص في مكان لغوي جديد.
4. التمدين، انتقال الناس من المجتمعات المحلية إلى المدن.
5. تغيير الثقافة، وسياسة اللغة، حيث تحدد الحكومة عدد اللغات التي ستستعمل للتعليم.
الفصل الثالث – اللغة الإنجليزية والعلم .. المشهد الحالي
الإنجليزية هي اللغة العالمية للعلم في هذه الفترة من التاريخ، فهناك العديد من المجلات مغطاه في “شبكة انترنت العلم” التي تنشر المعلومات المرجعية بالإنجليزية فقط، بالتالي من الواضح أن أهم المجلات لمجتمع البحث الدولي ستنشر نصا كاملا بالانجليزية. وهذا حقيقي خصوصا في العلوم الطبيعية، فمنذ السبعينات كانت أوراق البحث والرسائل والإتصالات المقيّمة من الخبراء في المجلات الرئيسة مستعملة كمقياس مهيمن “للناتج العلمي”، ويرجع ذلك إلى أن التركيز على أدب المجلات يلغي العديد من أنواع المنشورات التي تتعامل مع البحوث الرائدة، كالكتب والدراسات؛ قواعد البيانات العلمية على الانترنت، الأرشيفات قبل الطبع، التقارير الحكومية والرسمية، ومنشورات الهيئات غير الحكومية، والشركات والمنظمات الدولية، حيث تطلب هذه المجلات أن تكون المقالات بالإنجليزية.
تنتج أمم كبيرة، مثل الصين والبرازيل، عدة آلاف من الدوريات العلمية بلغات غير الإنجليزية، وينطبق هذا على المستوى الإقليمي أيضا، في العام 2009، جرى نشر 6555 مجلة بحث علمي على الأقل بالإسبانية والبرتغالية، فأغلبية هذه المنشورات تلقي اهتماما محليا (مثل العديد من الدوريات الصادرة في الولايات المتحدة وأوروبا)، وقد بذلت كل من شبكة العلم scopus، وشبكة Google Scholar، جهودا للرد على نقدها باقتصارها على اللغة الإنجليزية، بتوسيع اختيارهما غير الإنجليزي من المجلات، وقدرتها على استعادة اقتباسات غير انجليزية أكثر من شبكة SCI، إلا أن القدرة القصوى التي تستخدمها قواعد البيانات وأولها SCI، على المجال الدولي كبيرة وتعمل كثيرا لمصلحة اللغة الإنجليزية.
إن أدب المجلات بالإنجليزية والمقّيم من الخبراء يعكس بشكل أساسي البحث الأكاديمي الأعلى مكانة عالميا، وهو يتمتع بأكبر مشاهدة أيضا بين العلماء وأجهزة الإعلام، وهكذا يبقى الموقع الأكثر قراءة واستشهادا، فهو مقياس لما يمكن تسميته حضورا تنافسيا في المقارنات ضمن الدولة.
يتضح لنا ان هناك تنوعات للغة الإنجليزية العلمية أو التعبير بشكل أدق، نجد تقبلا لأشكال غير قياسية من الإنجليزية المكتوبة في عدد متزايد من المجلات، وبعض هذه الأشكال محددة لمناطق، حيث تطورت الإنجليزية العالمية وهي تتشارك في خصائص تلك التنوعات الإنجليزية، لكن أشكالا أخرى لا تتبع هذا النموذج، وهي تظهر في عمل باحثين من دول تظل فيها الإنجليزية لغة أجنبية، في هذه الحالات، يبدو أن الابتعاد عن المعيار الإنجليزي الأمريكي يعكس الترجمة من لغة محلية (مثلاً، الصينية والعربية والإيطالية) إلى الإنجليزية أو قدرة ناقصة، ولكن مع التغييرات العالمية، خاصة مع تنوع في الأهداف والمشكلات والمعرفة المحلية أكثر مما كان ممكنا في الماضي، هنا سيكون القرن الحادي والعشرون أول من يرى شيئا ما يقترب من مغامرة عالمية حقيقية في العلم، تخلو من سيطرة أحد، وتخص الجميع، في هذا العصر الجديد ستنمو قيمة اللغة العالمية فحسب.
الفصل الرابع – التأثيرات .. مناقشة تعقيدات وقضايا اللغة العالمية
من الشائع امتداح فوائد استعمال لغة عالمية للعلم، والمفهوم أن هذه الفوائد لاتتضمن التي لها طبيعة عملية قصيرة الأمد فقط، مثل الأنشطة الجامعية الموسعة والنشر الأكثر مباشرة للنتائج، بل تلك التي ستفيد العلم على المدى البعيد عبر عولمة المعرفة.
اللغات العالمية في الماضي والحاضر لم تكن رحيمة عالميا بمستعمليها الأجانب، فلغة مثل هذه تتطلب بشكل حتمي التقبل والتعديل والتكيف، حيث نجد أن لغات التواصل العلمية كاليونانية، واللاتينية، والعربية، والصينية، لم تحقق سلطتها بالإجماع، بل وصلت على متن الغزو وبناء الإمبراطورية، فقد كانت التأثيرات التي حصلت عليها، مثلا على اللغات التي وجدت قبل وصولها مختلطة غالبا، وكان يمكن أن تسبب انقراض اللغات الأصلية في المناطق التي غزتها.
كان للغة تأثيرات عميقة في أي مجتمع فكري، وقد غيرت العديد من المؤسسات الممارسة العلمية –التعليم، معرفة القراءة والكتابة، ممارسات القراءة والكتابة، تعريف الثقافة المقبولة، قابلية حركة العلماء أنفسهم، لذلك هناك قيود وعوائق يجب التفكير فيها عندما تحقق الهيمنة لغة تعارف قوية. هنا كان دور الإنجليزية بشكل محدد، والقضايا التي يعرضها قد جرى تقبلها أو ذكرها من مختصين في مجال علم اللغة التطبيقي، مما أنتج كثيرا مما هو قيّم، وبعض هؤلاء المؤلفين ينتقدون كثيرا هيمنة الإنجليزية على العلوم (يعدونها مثلا، خسارة في التنوع)، وأخرون منجذبون أكثر إلى سماتها اللغوية والإجتماعية، وفي هذه الأحوال تظهر بعض الاستنتاجات على هيمنة اللغة الانجليزية في العصر الحالي وهى:
1. الدور العالمي للإنجليزية في العلم لا علاقة له بالخصائص المتأصلة في اللغة، فظهور هذه اللغة سببه تطورات تاريخية.
2. الهيمنة الإنجليزية قوية خصوصا في العلوم التطبيقية والحياتية والطب الحيوي، وهي أقل انتشارا في العلوم التطبيقية (لكنها متزايدة) في العلوم الإجتماعية والإنسانية.
3. تتوسع هذه الهيمنة لأن العلماء يريدون اعترافا واسعا، ويرغبون في فرص أكثر، ويفهمون أن هذا يعتمد الآن على نشر الصحف والإقتباس في المجلات الدولية، حيث تهيمن الإنجليزية.
4. لدى الأمم النامية الأفقر قابلية أقل لتعليم الإنجليزية وتعلمها، لذلك يتعرض علماؤها لضرر كبير، يمكن فهم هذا الوضع الغير منصف على أنه حالة معدمين، أو نوع من تقسيم المحيط الأساسي، مع وجود الأمم الغنية في المركز والدول النامية في الهوامش.
5. تنحاز قواعد البيانات المرجعية مثل SCI و Scopus، كجزء أساس من الذاكرة المتطورة للعلم، نحو المنشورات المكتوبة بالإنجليزية، رغم تغير هذا بدرجة معينة، والرؤية العالمية لأي مجلة مقبولة في قواعد البيانات هذه تزداد بشكل هائل، ونتيجة ذلك يوجد لديها حافز قوي للنشر بالإنجليزية، مما يسبب نوعا من حلقة استرجاع لمزيد من انتشار هذه اللغة في النشر العلمي.
يتضح أن لغة عالمية تقسم العالم إلى قسمين، الذين يستطيعون استعمالها، والذين لايستطيعون، بالتالي كان القلق بشأن عدم الإنصاف اللغوي القضية الأساسية التي أثيرت ضد هيمنة الإنجليزية في العلم، وهي قضية لايمكن انكارها وتجاهلها، ولاشك في أن متحدثي اللغة الأم يستفيدون من العولمة السريعة للإنجليزية في العلم، فالفوائد التي يحصلون عليها مهمة إلى جانب المكانة التي تترافق مع الطلاقة بلغة العالم المختارة، أما متحدثي الإنجليزية بوصفها لغة أجنبية أو إضافية فهم يدخلون في العديد من المعوقات، فالحديث العلمي بأي لغة هو نوع محدد ومخصص إلى حد كبير في استعمال اللغة.
يرى الكاتب أن الإنجليزية لم تلغ وليست قاتلة محترفة للغات العالم، لكنها بلا شك اللغة الوحيدة التي تصاغ فيها مصطلحات علمية جديدة بشكل يومي تقريبا، إلا أنها اللغة الوحيدة أيضا التي يمكن لاستعمالها المتنامي في البحث المحلي حول العالم أن يخفض التواصل العلمي في اللغات الأخرى، لذلك فإن لغة دولية في مجال معين للتواصل تعمل ضد التنوع اللغوي في ذلك المجال نفسه. ويُعرف هذا بخسارة المجال في الدوائر اللغوية.
الفصل الخامس – الماضي والمستقبل ماذا تخبرنا لغات التواصل العلمية السابقة؟ .. تاريخ العديد من اللغات
تميزت الفترات التي تقدمت فيها المعرفة حول العالم الطبيعي إلى درجة عالية بلغات تواصل أساسية، كاللغة اللاتينية حيث كانت لغة الأوروبيين المثقفين من القرن السادس إلى القرن السادس عشر، وإحدى العجلات اللغوية الكبيرة التي تقدم العلم بواستطها إلى الأمام، وكانت العربية لغة أخرى؛ وكذلك الصينية والسنسكريتية والفارسية واليونانية. وقد تغير هذا النموذج التاريخي لمدة قصيرة نسبيا في بداية العصر الحديث، فحقبة ثلاثمائة سنة من الإنجاز العلمي الحديث، منذ نحو 1680 إلى 1970 يمكن عدها حالة شاذة، فهي الحقبة الوحيدة من التقدم الأساسي من دون لغة تواصل حقيقية واحدة، مع نهاية القرن السابع عشر والثامن عشر انتهت اللغة اللاتينية بصفتها لغة إقليمية للمعرفة، وحلت اللهجات المحلية بدلا منها، التي أصبحت مهيمنة أنذاك. حيث طغت الإنجليزية والفرنسية والألمانية.
خلال العقود بين العامين 1970 و 2000 وصل عصر هيمنة اللغة المحلية هذا إلى نهايته، واصبحت اللغة الإنجليزية هي المهيمنة، حيث يرى الكاتب أن مارى كوري وآينشتاين إذا جلس على مكتبيهما في العام 2010 لكان من الممكن أن يرغما على التأليف باللغة الإنجليزية.
العلم في اليونانية: العصور الكلاسيكية والهيلينية (من القرن السادس قبل الميلاد إلى القرن الثالث الميلادي)
كانت اليونانية لغة التواصل في منطقة شرقي البحر المتوسط لحقبة لاتقل عن سبعمائة سنة، وكانت مهيمنة بالتأكيد خلال الفترتين الكلاسيكية والهيلينية منذ نحو العام 550 ق.م. إلى العام 200م، ومنذ القرن الرابع ق.م. فصاعدا، كانت حقبة مدهشة من التقدم دامت قرنين كاملين، بدأت بكل من أبقراط وأرسطو وإقليدس، واستمرت حتى زمن هيبارخوس (القرن الثاني ق.م.)، حيث ازدهر علم الرياضيات وعلم الفلك الرياضي والطب والكيمياء وغيرها، وبالرغم من سيطرة روما على اليونان في القرن الثاني ق.م. فلم تهيمن اللغة اللاتينية عليها، وظلت اليونانية لغة تواصل وحتى لغة إدراية في الإمبراطورية الرومانية الشرقية، حيث سببت انتصارات الإسكندر تغييرا لغويا أساسيا في المنطقة، وخلال الحقبة الهيلينية قدمت اللغة اليونانية وسيلة حاسمة للرجال اللامعين من مختلف أجزاء إمبراطورية الإسكندر، حيث كان لديهم قدرة الوصول إلى التعليم اليوناني الأكثر تطورا وتقدما إلى حد بعيد في ذلك الوقت.
اللغة اللاتينية والعلم: عصر روما وما بعدها .. (من القرن الثاني قبل الميلاد إلى القرن العاشر الميلادي)
اكتسبت اللغة اللاتينية مكانة كلغة تواصل حقيقية مع توسع الهيمنة الرومانية في القرن الأول قبل الميلاد، وحلت بشكل تدريجي محل لغات محلية مثل لغة السياسة والتجارة وتشريع القوانين والأمور العسكرية في الأجزاء الغربية والوسطى والشمالية للإمبراطورية، وفي العديد من المناطق أصبحت لغة محلية، لغة للثقافة بالإضافة إلى السلطة الإدارية. وقد تأثرت اللاتينية بكونها لغة تواصل بالتعبيرات العلمية من اليونانية لكنها لم تصبح اللغة التي اختارت أقوى العقول العلمية آنذاك التعبير عن نفسها بها، ولم يكن لأرسطو أو بطليموس أي مكان في مناهج العالم الغربي إلا بعد عدة قرون.
العلم العربي: الإزدهار الكبير
مع نجاح الإسلام في القرن السابع والتوسع المذهل لأراضيه، حدث ازدهار كبير للتطلع الفكري، وبلغ ذروته خلال عهود المنصور وهارون الرشيد والمأمون في القرنين الثامن والتاسع الميلادي، وهذا نتيجة الحقائق الإجتماعية الثقافية والإقتصادية والسياسية للإمبراطورية الجديدة في مرحلة تعزيزها الأساسية. وقد حلت اللغة العربية محل اليونانية في نهاية القرن الخامس عشر بشكل تدريجي، كما جرى للسريانية والقبطية والبربرية وعدد من اللغات المحلية الأخرى، فقد كانت العربية في البداية لغة شفهية لبدو الصحراء، حيث استغرق الأمر قرنين كي تستوعب هذه اللغة المحكمة الإقليمية تأثيرات المناطق التي غزتها وتصبح وسيلة مرنة ومعبرة وعالمية بشكل رائع، وهكذا توسع الفكر العلمي متماشيا كليا مع ظهور الإسلام واللغة العربية بصفتها لغة تواصل جديدة بامتداد كبير، وبحلول القرن التاسع أصبحت العربية اللغة الرئيسية في الأراضي التي وصلت من حدود الصين إلى المحيط الأطلسي.
مستقبل الإنجليزية في العلم:
إن عصر الانجليزية بوصفها لغة تواصل بدأ في العصر الحالي، وقد تكون عالمية في المدى الجغرافي وأشكال الإتصال، لكنها لم تصبح عالمية بعد في جميع مجالات ثقافة الممارسة العلمية.
يتضح من ذلك تكرار النماذج الواسعة في أغلبية هذه الحقب، والتي أثرت في لغات ومجتمعات مختلفة جدا وفي مراحل مختلفة من تطورها، وتبدو بالتالي محددة على نحو ما بالحالة الأكبر للغة دولية. وربما يكون الأول بين هذه النماذج كلها ببساطة هو نموذج الإستمرارية- إن لغة تواصل غير محددة للعلم، تحيط بكل مجال للدراسة والكتابة العلميتين، قد استمرت دائما عدة قرون أو أكثر. وبالنسبة إلى بعض المراقبين، قد يكون هذا داعيا إلى التفكير الجدي؛ وقد يسبب حتى الرعب أو الرفض، ومع ذلك بالنسبة للعلماء في كل مكان، فإن حقيقة وجود لغة وحيدة موثوق بها عالميا تتجمع فيها، مثل خزان واسع، أجيال من أهم البيانات والنصوص، وتظل سهلة الوصول ستُعد على الأرجح مكسبا، لهم ولمن يأتون بعدهم ومن ثمّ للعلم نفسه.
الفصل السادس – هل يحتاج العلم إلى لغة عالمية؟
مر العلم الحديث بتجربة ثورة لغوية، إنها ثورة هادئة من دون دم ومتدرجة ولم يدرك الكثيرون كونها كذلك، لكنها واضحة بما فيه الكفاية في واقعها ودلالاتها، حيث يبقى العالم أمام حقيقة أن الإنجليزية هي اللغة العالمية الحقيقية الأولى للإنسانية، وأن عمل العلم يقع ضمن إطارها، ولكن من الصحيح أيضا أنها في مداها المعولم، قد توسعت أكثر ضمن الجهود العلمية من توسعها في ميدان أخر. وبينما يجري استعمالها وتعلمها من قبل أكثر من ملياري شخص في أكثر من من ثلثي أمم الأرض، تصبح أيضا أداة في أكثر من تسعين بالمائة من التواصل العلمي بكل أشكاله، وعبر الكرة الأرضية كلها لم يحدث شئ كهذا من قبل. إنها حقبة جديدة لصوت العلم. لهذا لا ينفصل مستقبل العلم عن اللغة الإنجليزية، كما أن وضع الإنجليزية في العلم لا ينفصل بذاته عن تقدم الإتصالات الرقمية، وعن إعادة ترتيب النظام الجيوسياسي بعد الشيوعية، وعن توسع البحث العلمي عبر أجزاء رئيسة من العالم النامي، حيث لم يكن ليوجد بهذه الدرجة الكبيرة سابقا في أي جزء منها. وعليه فإن الحقبة الجديدة لها عدد من الأبعاد. فبعد أكثر من قرنين من الزمن من تحكم المنافسة والتعاون ضمن مجموعة صغيرة من الأمم الأوروبية، وصل العلم عبر مسيرة تطوره إلى أكثر مراحله عالمية، ففي القرن الحادي والعشرين ثمة حقيقة يجب قولها وهي أن العلم الحديث لاينتمي إلى جماعة محددة أو إلى تصنيف جنسي، أو إلى ثقافة أو طبقة بعينها، أو إلى إقليم واحد بمفرده.
هنا يتبادر السؤال الهام وهو هل يحتاج العلم إلى لغة عالمية؟
يجيب الكاتب بنعم، موضحا أن العلم يستجدى هذه اللغة ويسعى إليها، فالعلم يحتاج إلى لغة عالمية من أجل نموه وامتيازه الخاصين، فهذه اللغة مطلوبة من أجل التقدم المستقبلي الذي يعتمد دائما وبصورة متزايدة على الإتصال والتعاون الدوليين وتعددية المشاركة، كما يعتمد على باحثين أكثر من أجزاء مختلفة من العالم ينضوون تحت لوائه، من خلال إضافة أعمالهم وخبراتهم لتوسيع المجتمع الأكبر، وثمة حاجة إليها كي تحصل الأمم كلها على فرصة للمشاركة في، والإستفادة أكبر من، مشروع العلم والتفنية والهندسة والرياضيات، وكما قال باحث صيني في علم الأحياء الطبية “يجب أن نتعلم من بعضنا البعض كوننا علماء، وأن يكتب بعضنا إلى البعض الأخر. لعل ذلك الرجل الذي يعمل في مختبر في المكسيك يعلم شيئا ما يجب أن أعرفه وأستطيع من خلاله فهم نتائجي الخاصة، والأن علينا أن نعمل لتحسين طرائقنا وبياناتنا ونكون متأكدين أننا لانخدم الأسياد الخطأ، يجب أن يخدم بعضنا بعضا”، لذلك كان العلم يحتاج إلى هذه اللغة، لأن الباحثين يحتاجونها.
12