28 ديسمبر، 2024 6:33 م

هل تتغير حسابات الجزائر بعد الموقف المغربي تجاه قطر؟

هل تتغير حسابات الجزائر بعد الموقف المغربي تجاه قطر؟

إعداد/ أبوالفضل الإسناوي
على الرغم من أن الموقف الرسمي لكل من السعودية والإمارات يعد الصحراء الغربية جزءا لا يتجزأ من المملكة المغربية، فإن ثمة تغيرات في مواقف بعض وسائل الإعلام في هاتين الدولتين الخليجيتين. إذ بثت قنوات تابعة للسعودية والإمارات تقارير تعتبر تلك المنطقة “أرضا محتلة”، وتدعم في الوقت نفسه “جبهة البوليساريو”.

يثير ذلك التغير الإعلامي غير الرسمي في الدولتين الخليجيتين تساؤلات عديدة، منها: ما مدى تعبيره عن خلاف صامت بين المغرب من جهة، والسعودية والإمارات من جهة أخرى، على خلفية الرفض المغربي للانضمام إلى مقاطعة قطر، بل وإرسال مساعدات غذائية للدوحة، وتبني الرباط موقفا محايدا تجاه الأزمة؟. الأهم من ذلك، كيف تؤثر تلك المواقف الإعلامية فى حسابات الجزائر تجاه أطراف الأزمة الخليجية؟.

تغير محسوب:

قد يكون تغير الموقف المغربي من أطراف الأزمة الخليجية محسوب النتائج، حيث انتقلت الرباط من موقفها المحايد إلى الموقف المنحاز، بشكل غير مباشر، إلى قطر. وتضمن البيان الأول لخارجية المغرب عقب الأزمة مباشرة أن” الرباط قررت التزام الحياد تجاه الأزمة الخليجية، وأنها مستعدة لبذل مساعي حميدة لحلها”.

أما البيان الثاني للمغرب، فقد جاء معبرا عن انحياز واضح، حيث، تضمن أوامر ملكية بإرسال ” طائرات محملة بمواد غذائية إلى قطر، تعبيرا عن روح التضامن بين الشعوب الإسلامية”، مما أدى إلى رد فعل سريع من جانب بعض وسائل الإعلام السعودية الإماراتية تجاه المغرب.

قد يكون التغير الذي حدث على وجه السرعة في الموقف المغربي، والذي عدَّته قناتا العربية السعودية، وأبو ظبي الإماراتية انحيازا واضحا من جانب الرباط – محسوبا بدقة، ويمكن تحديد أسباب التحرك المغربي نحو قطر على النحو الآتي:

(*) حرص المغرب على ضمان استمرار الاستثمارات القطرية فيها، والتي تقترب من 450 مليون دولار، والتي أكد قيمتها وزير المالية المغربي، محمد بوسعيد، في تصريحات سابقة. فربما يكون إرسال المغرب لمساعدات غذائية لقطر، جاء من منطلق تفادى الخسائر الاقتصادية حال إصدارها قرارا يتماشى مع موقفي السعودية والإمارات.

(*) المحافظة على العمالة المغربية في قطر، والتي يتوقع أن تصل إلى 60 ألف موظف خلال عام 2020. فوفقا لتصريحات وزير الهجرة المغربي في الحكومة السابقة، أنيس بيرو، يقترب حجم العمالة المغربية في قطر من 15 ألف موظف، ومن المرجح أن يتزايد بدرجة كبيرة خلال السنوات المقبلة.

(*) إدراك المغرب أن مشاركته المبكرة في العمليات العسكرية ضد الحوثيين في اليمن، والتي عرفت بعاصفة الحزم، قد تشفع لها عند السعودية والإمارات، وبالتالي تصورت أن تكلفة تغير موقفها تجاه أطراف الأزمة قد ينتهي بعتاب دون خسائر محتملة.

حسابات جزائرية:

من المحتمل أن ينعكس التغير في الموقف المغربي من أطراف الأزمة الخليجية، وكذلك التغير في الموقف غير الرسمي السعودي والإماراتي من قضية الصحراء الغربية، على الحسابات الجزائرية في الأزمة الخليجية، والتي يبدو عليها الثبات حتى اليوم الرابع عشر من الأزمة. ويمكن تحديد ملامح الموقف الجزائري على النحو الآتي:

(*) البراجماتية السياسية، حيث تمثل الموقف الرسمي للحكومة الجزائرية في الدعوة للتهدئة، وانتهاج الحوار كسبيل وحيد لتسوية الأزمة، وهذا ما اعتاد عليه هذا البلد في سياسته تجاه القضايا العربية بعد عام 2011، حيث جاء بيان الخارجية الجزائرية عقب الأزمة، قائلا: إن ” مجمل البلدان معنية بانتهاج الحوار كسبيل وحيد لتسوية خلافاتها التي يمكنها بطبيعة الحال أن تؤثر فى العلاقات بين الدول، وتحث الجزائر على ضرورة مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشئون الداخلية”.

(*) عدم المجازفة، حتى من قِبل الأحزاب الإسلامية، التي اختارت الحياد والبقاء على مسافة واحدة من جميع أطراف الأزمة، وهو ما يعد دعما لموقف السلطة من الأزمة، حيث أصدرت جمعية العلماء الجزائريين ذات المرجعية الإسلامية بيانا هو الأول من نوعه في الجزائر، طالبت فيه قادة الدول الإسلامية إلى التدخل لوقف الأزمة، كما اعتبرت حركة مجتمع السلم الإخوانية على لسان ممثلها، محمد عثمان، أن الأزمة شأن داخلي لا يمكن التدخل فيها.

انعكاسات محتملة:

إن التغير في الموقف غير الرسمي السعودي والإماراتي، الذي مثلته بعض وسائل الإعلام تجاه قضية الصحراء الغربية ربما ترافقه عدة تحركات من أطراف مختلفة، خلال الفترة المقبلة، وهي كالآتي:

(*) على المستوى الجزائري، قد يفرض الخلاف الجزائري – المغربي حول تبعية الصحراء الغربية نفسه على تطورات ما بعد الموقف غير الرسمي السعودي والإماراتي، وقد تسعى الجزائر إلى الاستفادة من هذا الموقف، في دعم استقلال ” جبهة البوليساريو”، والدفع نحو تغيير الموقف الرسمي للحكومات الخليجية تجاه القضية. وقد تضطر الجزائر في سبيل تحقيق ذلك إلى حدوث تغيير طفيف في موقفها تجاه الأزمة الخليجية نحو الطرف السعودي – الإماراتي.

ويتمثل ذلك في تغير سياستها من عدم التدخل في شئون الآخرين إلى التجاوب مع الأوضاع الخليجية، وفقا لطبيعة المرحلة، والدخول كطرف يحظى باحترام الجميع في مساعي الحل، على أن تتجنب المواقف القاطعة التي قد تخسرها أحد طرفي الأزمة.

(*) على المستوى السعودي- الإماراتي، إذ قد تضطر الدولتان للرد على انحياز المغرب لقطر بعد إرساله المساعدات وكسره لمسلك الحياد، بالضغط إعلاميا عليه بصورة تشير إلى دعم استقلال الجمهورية الصحراوية. وقد يلي ذلك تغير الموقف الرسمي في حال إطالة أمد الأزمة، الذي كان يعتبر أن ” الصحراء الغربية” جزءا لا يتجزأ من وحدة المغرب، حيث تضمن البيان الختامي للقمة الخليجية في 2016، والتي حضرها محمد السادس ملك المغرب، موقفا واضحا لدول الخليج بدعم المغرب الكامل في قضية الصحراء.

(*) على المستوى المغربي، من المحتمل أن تؤدي الضغوط السابقة -في حال تحققها، سواء من الجانب السعودي أو الإماراتي، بالإضافة محاولة الجزائر استغلال هذا الضغط غير الرسمي، والذي ظهر مبكرا في الصحف الجزائرية، وترديدها لما بثته وسائل الإعلام الخليجية حول احتلال الصحراء- تؤدى إلى إعلان المغرب في بيان ثالث لها عن التزامها بالحياد التام.

في النهاية، يمكن القول إن ثبات الموقف المغربي تجاه أطراف الأزمة الخليجية، والاستمرار في انحيازه غير المباشر تجاه قطر، قد يحول الموقف غير الرسمي السعودي – الإماراتي، بحسبان الصحراء الغربية أرضا محتلة، إلى موقف رسمي، تكون مكاسبه في مصلحة الجزائر والجمهورية الصحراوية.
تعريف الكاتب:
باحث في شئون الشمال المغربي- مساعد رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية.
المصدر/ السياسة الدولية

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة