15 نوفمبر، 2024 1:18 م
Search
Close this search box.

“هذا كل ما تستحقه” .. كشف الوجه الآخر للمجتمع الياباني عبر تشريح اقتصاده السالب للروح !

“هذا كل ما تستحقه” .. كشف الوجه الآخر للمجتمع الياباني عبر تشريح اقتصاده السالب للروح !

خاص : عرض – سماح عادل :

رواية (هذا كل ما تستحقه)، للكاتبة اليابانية “ميوكي ميابي”، ترجمة “كنانة خليل الخطيب”، تتناول وضع شريحة من الطبقة الوسطى في فترة الثمانينيات، وكيف أنه يتم إستغلالهم بوحشية، تصل إلى حد بيع بعض الأفراد أو جرهم إلى البغاء، كما تقدم صورة معمقة للواقع الياباني في فترة الثمانينيات والتسعينيات، حيث تنقل خفايا المجتمع الياباني والتفاوت الطبقي الهائل فيه، كل ذلك في شكل بوليسي مشوق.

الشخصيات..

“شانسوك هونما”: محقق من الشرطة.. يصاب في أثناء عمله عن طريق الخطأ برصاصة في إحدى ركبتيه، يجعله بذلك يأخذ إجازة ثم يستعين به أحد أقربائه للبحث عن خطيبته التي أختفت فجأة، وتبدأ بعد ذلك أحداث الروية.

“جان كوريساكا”: قريب “هونما”.. وهو شاب يعمل في أحد البنوك وينتمي لأسرة غنية، أحب فتاة فقيرة تعمل سكرتيرة في إحدى الشركات، ورغم معارضة والديه يخطبها بشكل سري ويجهز للزواج منها، ثم يكتشف بالمصادفة أشياء عنها، وعندما يواجهها بها تهرب، ويكلف “هونما” بالبحث عنها، بشكل ودي بعيداً عن علم الشرطة، حتى لا يكشف أمره أمام والديه.

“شوكو سيكين”: هي خطيبة “جان”.. لكن مع توالي الحكي نكتشف أنها شخصية أخرى غير خطيبة “جان”، وأن خطيبة “جان” قد إنتحلت شخصيتها واسمها، ثم نكتشف أنها فتاة من عائلة توفى والدها منذ زمن بعيد، ثم توفت أمها مؤخراً، وهي أصبحت مدينة وأشهرت إفلاسها.

“كيكو شينغو”: هي خطيبة “جان” الحقيقية.. إنتحلت اسم “شوكو”؛ لأنها أيضاً كانت ضحية للديون التي تراكمت على والدها، وأرادت الهرب من مصيرها القاسي لتكتشف أن “شوكو” أيضاً مدينة وتهرب لتبحث عن ضحية أخرى تنتحل شخصيتها.

“فوناكي”: شرطي آخر.. وصديق لـ”هونما”، يساعده في عملية التحقيق.

“ايساكا”: موظف.. يضطر إلى ترك عمله؛ فيعمل بعد ذلك في الخدمة المنزلية، وهو جار لـ”هونما” ويساعده في الأعمال المنزلية.

“تامو تسو”: صديق “شوكو” منذ الطفولة.. يبدأ في مساعدة “هونما” في التحقيق، ويكتشف معه حقائق مثيرة.

الراوي..

الراوي عليم، يتنقل بين الشخصيات ويحكي بضمير الغائب، لكنه يركز بشكل أساس على “هونما” وحركته في كشف ملابسات إختفاء “شوكو”، ويتناول في أغلب الأحيان وجهة نظر “هونما” تجاه الأحداث والشخصيات الأخرى الكثيرة، لكنه أيضاً يتلبس الشخصيات الأخرى، فتشعر به مسيطراً ومتحدثاً حين تهم الشخصيات الأخرى بالحديث، مثل المحامي الذي قدم شرحاً مطولاً لطبيعة الاقتصاد الياباني.

السرد..

إيقاع السرد هادئ يبدأ في التسارع في النهاية، لكنه يكشف ببطء وروية تفاصيل ملابسات القصة البوليسية، ليسمح بتقديم الموضوع الرئيس، الذي هو هدف الرواية، وهو تحليل للاقتصاد الياباني والمجتمع الياباني ككل في فترة الثمانينيات والتسعينيات.. تقع الرواية في حوالي 460 صفحة من القطع المتوسط، قد يشعر القارئ ببعض المماطلة في كشف لغز إختفاء “شوكو” في الوسط، لكنه رغم ذلك لا يشعر بالملل، لأنه يكتشف أشياء كثيرة عن خصوصية المجتمع الياباني والأماكن وطبيعة السكان.

التمويل الاستهلاكي..

تركز الرواية بشكل أساس على قضية “التمويل الاستهلاكي”، ففي الستينيات، وحين أقتربت اليابان من أميركا وأصبح بينهما تعامل مشترك، ظهر ما يعرف بالتمويل الاستهلاكي أو بطاقات الائتمان، وهو نظام إقراض للفرد لكنه ليس معروف الشروط، فالبنوك تصدر بطاقات ائتمان للأفراد يشترون من خلالها سلع استهلاكية كثيرة دون أن يعرفوا بالتحديد قيمة الفوائد التي توضع على تلك القروض، ونتيجة لجهلهم ولتعمية البنوك وسعيها إلى التلاعب يسحبون مبالغ كثيرة دون وعي، لتلبية النزعة الاستهلاكية التي بدأت تتزايد لديهم مع توافر لسلع كثيرة ومغرية، ثم يكتشفون أن عليهم ديوناً بفوائد كبيرة وأنهم مطالبون بسدادها، مع إرتفاع أسعار كبير وإرتفاع تكاليف المعيشة وظروف عمل طاحنة ورواتب غير مجزية.

ثم يلجئون إلى الإقتراض مما أسمتهم الرواية، “قروش القروض”، وهي شركات تتخصص في إقراض الناس بفوائد عالية تتضاعف مع الزمن، لكنهم يختلفون عن البنوك في أنهم يستخدمون القوة والملاحقة لإسترداد ديونهم، وبالتالي يتعرض المدين لملاحقات ومضايقات قد تصل إلى حد إستخدام العنف، وإجبار المدين على التوقيع على أوراق يعملون بموجبها عمل شاق لساعات طويلة تسديداً للديون، وقد تباع النساء لبيوت البغاء أو تجبر على العمل في الدعارة وهن مسجونات حتى يتم تسديد الدين.

المشكلة في المجتمع الياباني؛ أنه يعتمد على تصنيف الناس وفق نظم العائلة، فكل فرد لابد وأن تكون له عائلة ينتمي إليها، ويكون هناك سجل عائلي يسجل عدد أفراد لعائلة وكل الأمور التي تتعلق بهم، وحين يقع أحد أفراد العائلة في الديون، ورغم أنه قانونياً المسؤول الوحيد عن الدين، إلا أن شركات “قروش القروض” تلاحق باقي أفراد العائلة إعتماداً على السجل العائلي المسجل لدى مؤسسات الحكومة، وبالمخالفة للقانون يتم تعريض باقي أفراد العائلة للعنف والملاحقة، ويؤدي ذلك إلى هروب أباء من عائلاتهم وتفكيك عائلة بكاملها، وإلى تعريض بعض العائلات لمصير مأساوي مع عدم تدخل الشرطة، فالفرد المدين حين يتعرض لإرهاب هذه الشركات؛ ويحاول الإستعانة بالشرطة، ترفض الشرطة التدخل بدعوى أنها أمور شخصية لا دخل للشرطة فيها.

كما أن الدولة نفسها تتعمد تجاهل ما يجري، رغم أنه أصبح ظاهرة خطيرة في بداية الثمانينيات، وأنتشر أمر الديون وطال عدد كبير من أفراد الطبقة الوسطى، لأن هذه القروض تدر دخلاً خيالياً وأرباحاً مضاعفة للاقتصاد الياباني، وتعتم عليها الدولة بشكل ما أو تسهل حدوثها.

الجريمة نتيجة مباشرة للإفقار..

نكتشف من الرواية أن تكاليف المعيشة باهظة جداً في العاصمة “طوكيو”، وأن التفاوت الطبقي أصبح كبيراً، وأن العمل جزء أساس من حياة الأفراد، فمن لا يعمل لا يجد لقمة عيشة أو مكاناً ليعيش فيه، ورغم ذلك فإن من يعمل لابد وأن يبذل جهداً مضاعفاً لكي يستطيع العيش بشكل كريم، أو لابد أن يكافح ويحصل على شهادة جامعية ويمتلك مهارات عالية للعمل في الشركات الكثيرة التي يتكون منها اقتصاد اليابان.

“شوكو”.. فتاة فقيرة تضطر إلى العمل في شركات صغيرة، تتورط في الديون نتيجة للبطاقات الائتمانية، حيث تغريها السلع وتريد أن ترى نفسها أفضل رغم أوضاعها المزرية، ثم عندما تتراكم ديونها تضطر إلى ترك بلدتها والعيش في “طوكيو”، والعمل في النوادي الليلية مساءاً بجانب العمل صباحاً، ثم تموت أمها وترث عنها مبلغاً من المال، وتستهدفها “كيكو شينغو”، التي لها قصة مشابهة هي أيضاً، فوالدها كان موظفاً صغيراً وحلم أن يمتلك بيتاً رغم أن إمتلاك بيتاً في اليابان حلم بعيد المنال، لأن أسعار الأرض خيالية وشراء بيتاً يتطلب قرضاً كبيراً تتراكم فوائده، وبالفعل تراكمت الديون على والد “كيكو” وأصبح الدائنون يلاحقونه، فهرب هو وزوجته وابنته إلى مكان آخر، فظل الدائون يلاحقونه، وعمل كعبد ليسد الديون، ثم أصبح مشرداً في النهاية، ومات بعيداً عن أهله، وأمها أضطرت للعمل مجبرة في الدعارة فترة ثم ماتت، وفشل زواج “كيكو”، رغم أنها تزوجت من رجل غني، لأن الدائنون ظلوا يلاحقونها ويخربون أعمال عائلة زوجها، فأضطر إلى أن يطلقها، وأصبحت تعمل سكرتيرة في الشركات الصغيرة، وقررت أن تنتحل اسم فتاة أخرى لتهرب من ملاحقة الديون، ولأجل ذلك قامت بإيذاء الآخرين وقتلهم، فقد تسببت في موت فتاة حرقاً، ثم قتلت “شوكو” وقطعت جثتها، لكنها ندمت وظلت تذهب لبلدة “شوكو” لتشعر بالراحة، ثم حين خطبت “كيكو” لـ”جان” لم تكن تعلم بأمر إفلاس “شوكو”، وكشف “جان” ذلك الأمر وأضطرت إلى الهرب مرة أخرى، وأستعدت لتنتحل اسم فتاة أخرى غير أن المحقق “هونما” عثر عليها وانتهت الرواية.

العائلة أهم..

تكشف الرواية جوانب أخرى في المجتمع الياباني، وهي محافظته الشديدة؛ وأيضاً الإعتماد بشكل كبير على العائلة، فهي الوحدة الصغرى للمجتمع لا يستطيع الفرد الفكاك منها، ودائماً ما يحسب عليها، تسانده وتدعمه لكنها أيضاً قد تكون سبباً مباشراً في معاناته، فمثلا أبو “شوكو” لم يجد قبراً يضم جسده، لأنه كان ابناً ثالثاً والعائلة اليابانية يحصل فيها الابن الأول على كل شيء، الأموال والممتلكات، وأضطرت زوجته أن تدفع برفاته المحروقة إلى المعبد، وهي أيضاً عندما ماتت ظل جسدها في المعبد عبارة عن رفات محروقة.

كما كشفت الرواية التفاوت الهائل بين “طوكيو” العاصمة، التي يتركز فيها كل شيء، الخدمات والشركات الكبرى وفرص العمل، في حين أن المدن الصغيرة حولها تحرم من كل شيء، ويصبح أبناءها محرومون من كل ذلك، ويكون حلمهم الكبير هو العيش في “طوكيو”، لكنهم حين يذهبون إليها يطحنهم النظام الاقتصادي، ويسيرون إلى مزيد من الإفقار، يعيشون في شقق غالية الثمن ويضطرون أحياناً إلى مشاركة السكن، وقد تضطر بعض الفتيات إلى القيام بأعمال لساعات طويلة أو يعملن في نادي ليلي، وهو عمل يراه المجتمع حقيراً وسيئاً وموصوماً.

الرواية..

(هذا كل ما تستحقه).. واحدة من أهم الروايات البوليسية، للكتابة اليابانية المعروفة “ميوكي ميابي”، نشرت للمرة الأولى عام 1992 باللغة اليابانية، تحت عنوان (كاشا)، إشارة إلى الأسطورة الشنتوية القائلة بإبادة الأجساد الميتة. في عام 1996 ترجمها “ألفرد بيرنبوم” إلى اللغة الإنكليزية تحت عنوان (هذا كل ما تستحقه)، وقد حافظت الترجمة العربية لدار الكلمة الإماراتية سنة 2011 على نفس العنوان.

أقتبس فيلمين من الرواية، الأول سنة 1994 والثاني سنة 2011 وكلاهما من إنتاج “TV Asahi”.

الكاتبة..

“ميوكي ميابي”.. ولدت في 1960، واحدة من أشهر الكتاب اليابانيين المعاصرين، تكتب في العديد من الأنواع الأدبية: “الخيال العلمي، الغموض، الخيال التاريخي، الأدب الاجتماعي، وأدب المراهقين”.

أشهر كتبها المترجمة للإنكليزية هي كتاب (كروسفاير)، المنشور سنة 1998، و(كاشا)، المترجم من طرف “ألفرد بيرنبوم” تحت عنوان (هذا كل ما تستحقه) المنشور سنة 1999، الكاتبة أيضاً معروفة من طرف محبي الرسوم المتحركة، بفضل كتابها (قصة شجاعة) الذي حول إلى فيلم رسوم متحركة.

ولدت “ميابي” في طوكيو، اليابان، وتخرجت من مدرسة “سوميغاداوا” الثانوية، بدأت في كتابة الروايات في عمر الـ 23.

في عام 1984، وخلال عملها في مكتب للمحاماة بدأت “ميابي” في أخذ دروس في الكتابة والتأليف في مدرسة تديرها شركة “كودانشا” للنشر.

تعتبر مجموعة القصص القصيرة (واريرا غا غينجين نو هانزاي)، التي نشرت سنة 1987 أول عمل معروف للكاتبة، ومنذ ذلك الوقت نشرت العشرات من الروايات، وفازت بالعديد من الجوائز الأدبية الهامة، من بينها “جائزة ياماموتو شوغورو” سنة 1993 لروايتها (هذا كل ما تستحقه)، و”جائزة نايوكي” سنة 1999 لروايتها (ريو)، بالعربية (العقل)، التي حولت إلى فيلم بنفس العنوان أخرجه “نوبوهيكو أوباياشي” سنة 2004.

قائمة بأعمالها المترجمة للغة الإنكليزية:

هذا كل ما تستحقه، ترجمها ألفرد بيرنبوم (1999).

كروسفاير، ترجمتها ديبورا إيوابوشي وآنا إيسوزاكي (2006).

ظلال عائلة، ترجمتها جولييت كاربنتر (2006).

همسات الشيطان، ترجمتها ديبورا إيوابوشي سنة 2007.

التنين النائم، ترجمتها ديبورا إيوابوشي سنة 2010 واحتلت بفضلها الكاتبة جائزة أفضل كاتبة غموض في اليابان.

بوبيت ماشتر، ترجمها غيني تابلي سنة 2014.

قصة شجاعة، ترجمها ألكسندر أ. سميث سنة 2007.

كتاب الأبطال، ترجمها ألكسندر. أ سميث سنة 2010.

إيكو: قصر في الضباب، ترجمها ألكسندر أ.سميث سنة 2011.

الجوائز..

جائزة أفضل روائية غموض لروايتها نوم التنين سنة 1992.

جائزة يوشيكاوا أيجي للكتاب المبتدئين سنة 1992.

جائزة يوماموتو شوغورا لروايتها هذا كل ما تستحقه سنة 1993.

جائزة مؤسسة اليابان لأدب المغامرة لروايتها ريو أو السبب سنة 1998.

جائزة أفصل عمل حول خيال الجريمة لروايتها بوبيت ماستر سنة 2002.

جائزة يوشيكاوا إيجي سنة 2007 لروايتها سم بلا اسم.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة