22 ديسمبر، 2024 3:26 م

“هاني المصري”.. افتتن بتاريخ بلده وكانت رسوماته علامة فارقة

“هاني المصري”.. افتتن بتاريخ بلده وكانت رسوماته علامة فارقة

خاص: إعداد- سماح عادل

“هاني المصري” فنان تشكيلي ومهندس ديكور وفنان تنمية بصرية وراو مصري

التعريف به..

“أمير مصر” و ” كيمو الأصلي”  و” مبدع والت ديزني” كلها ألقاب تمتع بها الفنان التشكيلي العالمي هاني المصري، الذي يعد رائداً حقيقياً من رواد الفن خاصة الرسوم الكرتونية، وقامة فنية كبيرة آثرت مجالي الرسوم المتحركة والديكور المسرحي في مصر بالكثير، ليس هذا فقط بل كان فنانًا عالميًا، وهو أول مصري يعمل في استوديوهات «والت ديزني» مقدماً العديد من الأعمال القديرة والمميزة مع قامات الفن العالمي.

ولد في 1951 لوالدين يعملان بالتدريس، التحق بمدرسة الجزويت ولوحظ عليه عشق الرسم منذ صغره، ادعى ذات يوم إصابته بألم في فكه وطلب الخروج من المدرسة مبكرا للذهاب لطبيب أسنان، لكي يذهب إلى السينما لمشاهدة فيلم “The jungle book”  وقد شاهده خمس مرات متتالية، تلك المغامرة جلبت له عقوبة كبيرة من والده لهروبه وتأخره حتى المساء، وكانت تمهيد لرحلة كبيرة لفتى سيصبح رساما ومصمما كبيرا في استوديوهات “والت ديزني”.

كان ينجذب إلى الرسم والألوان، بعد المرحلة الثانوية  قرر الالتحاق بقسم الديكور بكلية فنون جميلة دون غير رغبة أسرته التي كانت تريد أن يُكمل دراسته في  كلية الهندسة، حاول بجهد الالتحاق بتلك الكلية حتى أنه لجأ إلى وزير التعليم العالي لأكثر من مرة حتى وافق على ضمه للكلية بقرار وزاري، وهناك مارس شغفه بالرسم والتصميم والعمارة. وأصبح الطريق من منزله الكائن بمصر الجديدة إلى الكلية بالزمالك متعة يومية. وتخرج من كلية الفنون الجميلة جامعة القاهرة 1974.

العمل بالمسرح.

انخرط  إلي جانب الدراسة في العمل بالمسرح، حيث قدم عدد كبير من الديكورات على مسارح الجامعات المختلفة مع المخرج “سمير العصفوري”، الذي استعان به بعد شهور من تخرجه 1974، في مسرحية إيزيس” ليجد نفسه مسئولا عن عمل كبير تابع للمسرح القومي يتم عرضه في باريس بإمكانيات صغيرة، غير أنه تمكن من النجاح في الاختبار الأول ليستكمل مشواره في نفس المهنة بمسرحيات أخرى مثل “العيال كبرت” و”إنها حقا عائلة محترمة” للفنان “فؤاد المهندس”، كما قام بتصميم “بوستر” مسرحية “شاهد ماشفش حاجة” بطولة عادل إمام.

كيمو..

أثناء عمله في أواخر السبعينيات داخل مرسم خاص بشركة دعاية، فوجئ بوصول مديره في العمل برفقة رجل مسن، عَلم أنه أحد أفراد عائلة “جروبي”، وكان يرغب في بيع ممتلكات العائلة قبل الرحيل عن مصر، وضرورة تغيير ماركة مصنع الآيس كريم لبيعه منفصلا عن باقي مصانع ومحلات الأسرة، اقترح الفنان العشريني وقتها  ابتكار شخصية جديدة تتحول إلى ماركة جديدة للمصنع، تمت الموافقة على الفكرة على أمل الوصول لشخصية فريدة ساحرة تجذب الأطفال إليها، غادروا المكان وتركوا “هاني المصري” لتنفيذ المهمة الصعبة.

داخل مرسمه، برفقة أقلامه وأوراقه، جلس “المصري” لساعات يحاول ابتكار الشخصية القادرة على دخول قلوب الأطفال بيسر، دار في خاطره استغلال حيوانات مختلفة، أرانب وقرود ودولفين، لكنه لم يرضَ عن أي نتيجة رغم المجهود المبذول في الرسومات، حتى تذكر هيئته وهو صغير حينما كان يعاني من السمنة ويتلقى تعليقات ساخرة من الأسرة على وزنه وتسميته بـ “الدبة الزرقاء” لأنه كثيراً ما كان يرتدي ملابس زرقاء، لحظتها اشتعلت الفكرة في رأسه، دب الحماس في يديه، وبدأ في رسم دب أزرق سمين، يشبهه تماما، وفي اليوم التالي كان يحمل أوراقه وشخصيته الجديدة، وفور الكشف عنها فوجئ بحماس الحضور وموافقة أسرة “جروبي” عليها وطلبهم بسرعة العمل على تصميم العبوات ومطبوعات مصنع الآيس كريم.

هوليوود..

في منتصف الثمانينيات قرر مغادرة مصر، والذهاب إلى أمريكا، بعد وفاة أساتذته “صلاح جاهين” و”يوسف إدريس” و”شادي عبد السلام” ثم واقعة جمع من ينتمون إلى الجماعات الإسلامية للنسخة الشعبية من ألف ليلة وليلة وحرقها في وسط ميدان الحسين، شعر لحظتها أنه لن يستطع العيش في مصر وسط المناخ السائد في ذلك الوقت،  قام باستخراج تصريح للسفر مع أسرته كسياحة إلى أمريكا، وهناك استكمل مشواره الطويل نحو العالمية.

عاش “هاني المصري” لعدة سنوات في منزل صغير بمدينة نيوجيرسي برفقة أسرته، يعمل في شركات دعاية وتصميم غير معروفة أو مجلة العربي الصغير، يتقاضى أجرا يكفيه بالكاد، لكنه لم ييأس، كان لديه حلم بالانضمام إلى كتيبة العمل داخل استوديوهات “والت ديزني” لم يتخلَ عنه حتى في تلك اللحظات التي واجه فيها الرفض من قبل الشركة بعد محاولات عديدة لتتقدم إلى وظائف في الشركة العملاقة، قبل أن يتمكن من تحقيق حلمه في مارس 1990 ويتم الموافقة على وجوده ضمن العاملين في “والت ديزني”.

ديزني..

عمل “ هاني المصري” في 1998 ضمن القائمين على فيلم “The Prince Of Egypt” من إنتاج المخرج الكبير “ستيفن سبيلبيرج” وبتكلفة إنتاج بلغت حينها 70 مليون دولار لكنه حقق أرباحا فاقت الـ 218 مليون، ويحكي الفيلم  قصة خروج اليهود من مصر، ولعب “هاني المصري” دورا كبيرا في تطوير القصة وتدقيقها بصريا وتاريخيا، والتصدي لتخريب متعمد للشخصية المصرية خلال العمل، حيث طالبوه برسم حورس بأجنحه تشبه النسر النازي، وتصميم مسيرة العساكر المصرية أشبه بخطوات الإوز لكنه هدد بترك الشركة واللجوء إلى الصحافة لفضحهم فتراجعوا عن طلباتهم.

كما شارك في أعمال أخرى عالمية من ضمنها ” The Road To El Dorado ” و”spirit”، وكانت من أهم أعماله ”لوحة السيدة الأفريقية” و”مصر” و”المدينة الصينية” وأشهرهم لوحة “على” وينسب له تصميم بيت “ميني” حبيبة “ميكي ماوس” في منطقة “توون تاون” ديزني لاند، ولم تقتصر أعماله على اللوحات فقط، بل تميز في كتابة كتب الأطفال وحقق نجاحا كبيرا في دول الغرب مثل كتاب “ألف ليلة وليلة” و”خلف الأبواب السرية” و”عروس الفرعون”.

العودة لمصر..

في 2005 قرر العودة إلى مصر، في محاولة لتمرير خبراته وإفادته بلاده بكل ما تعلمه في سنوات الغربة، سعى من أجل إنشاء أول أستوديو للرسوم المتحركة في مصر على نمط والت ديزني وأعد دراسة جدوى شاملة للمشروع الكبير، لكنه لم يتوفق في إيجاد ممول يؤمن بفكرته خاصة كون المشروع لن يؤتي ثماره قبل خمس سنوات من بدأه وهذا وقت كبير لم يستسيغه أو يقدره رجال الأعمال، ورغم إشادتهم بالمشروع وعوائده إلا أنهم جميعاً رغبوا في مدة أقل لا تتعدى سنة أو اثنتان لجني الأرباح.

قام بتصميم لوحة جدارية (خيامية) عن قصة ألف ليلة وليلة، ارتفاعها 5 أمتار وطولها 8، تحوي آلاف القطع من القماش، وأكثر من 100 لون، عرضت لأكثر من مرة في أماكن ثقافية منها داخل قصر الأمير طاز الذي يعتبره “هاني المصري” أفضل الأيام التي ظهرت فيها اللوحة.

كان من أهم المهتمين بدعم التراث وأول من تحدث عن القطع الأثرية المختفية بالمتحف الإسلامي، وكان من المناصرين للتراث  ويتحدث دوما عن سرقات التراث والآثار ويعود له الفضل في فتح ملف القطع الأثرية المهربة بمتاحف ومزادات عالمية، ورغم أنه بعد عودته لم يحصل على المكانة المستحقة كما أغفلت الدولة المصرية الاستفادة من خبراته العظيمة، ظل وفيا لبلده دائما مدافعا عن مصر من خلال الأعمال التي قدمها محاولا تقديم صورة جيدة لمصر والمصريين عن طريق الفن.

الدفاع عن مصر..

في أحد حواراته يحكي “هاني المصري” عن عمله في ديزني والدفاع عن هوية مصر حيث في عام 1995، قرر كل من “ستيفن سبيلبرج”، “جيفري كاتزنبرج”، الذي كان يعمل في “والت ديزني”، و”ديفيد جيفن”، تأسيس الأستوديو العالمي «دريم ووركس Dream works»، وكان أول أعمالهم هي فيلم الرسوم المتحركة «Prince of Egypt». يقول «هاني المصري»: «طبعا الثلاثة يهود، وذلك كان طبيعي في هوليوود وأمريكا، ولكن الأزمة كانت في كونهم صهاينة»، خطر على بالي سؤالين هما «كيف يتم إنتاج فيلم مصري دون أن يشارك فيه؟ وكيف سأتعامل مع أشخاص أعرف جيدا ميولهم السياسية؟».

بعد تفكير وقلق كثير، قررت المشاركة في صناعة هذا الفيلم للدفاع عن مصر، فتركت «والت ديزني» وتواصلت مع طاقم إنتاج الفيلم الجديد، وتم تحديد موعد المقابلة.

في اجتماع مع المنتجة «آندي رابينز» والمديرة الفنية «كاثي ألتييري»، أعجبت السيدتين بأعمالي ولكن قالوا إن المناصب الكبيرة كلها في الفيلم «شغلت»، فلجأت المصري سؤالهم «انتوا تعرفوا بالتة الكاتب المصري شكلها إيه؟ قالوا لأ»، فسألهم ثانية: «طب تعرفوا أسلحة الجيش المصري؟ أواني الطبخ عند المصريين؟ موبيليا القصر الملكي؟ قوانين رسم الجداريات على المعابد؟»، وكان الرد على كل الأسئلة «لا».

«هنا حسيت أن السنارة غمزت، فقلت لهم وأنا بلم حاجتي، ساخرا، عايزين تعملوا الفيلم من غيري؟! Good Luck»، فردت ساندي «طب تقدر تبتدي معانا من امتى؟» بعد حوالي شهر من العمل في الفيلم، ظهرت مقولة جديدة في الأستوديو، وهي «كل الناس شغالة على Prince وهاني شغال على Egypt، فبقيت المصري أكتر وأكتر».

ويواصل الحكي عن أحد أيام العمل في الفيلم، كان مؤسس الشركة «ستيفن سبيلبرج» سيحضر للاطمئنان على سير العمل، فتم تجهيز عرض عن طبيعة العمل لتقديمه أمامه، «ولأن شغلي كان كتير أوي، فطلبوا مني إني أقدمه بنفسي، ولو قلت ماكنتش مرعوب أبقى بهرج.. بعد بدء تقديم العرض أصبحت أرى على وجه ستيفن سبيلبرج ابتسامه كالتي تظهر على وجه أي سائح في المتحف المصري، ونفس الاحترام للحضارة التي علمت الناس إزاي يبقوا بني آدمين، فكملت بثقة أكتر».

وبعد انتهاء العرض دار حوار بين سبيلبرج وهاني:

سبيلبرج: إيه عرفك إن كل الكلام ده حقيقي ومطابق للتاريخ؟

هاني: لأني من هناك.

سبيلبرج: أنا عارف بس الكلام ده من 4 آلاف سنة.

هنا توجه هاني إلى لوحة كانت موجودة بجوار الحائط تحمل صورة تمثال «شيخ البلد»، وكان مجهزا بجانبها نفس الصورة ولكن مضاف عليها ذقن ونظارة، حتى أصبحت كأنها صورة له، ثم قال لـ«سبيلبرج»: “مانا كنت هناك برده”.

فاقترب «سبيلبرج» من «المصري» وأمسك بذراعه وقال ضاحكا: “أنا عمري ما شفت مومياء محفوظة بالجودة دي”.

يستطرد هاني حكاياته في سنوات عمله في أمريكا قائلا: “كان يُطلب مني كثيرا في والت ديزني ودريم ووركس أن أعمل على الحاجات المصرية القديمة، وأنا كنت غاوي الحاجات دي بس من على الوش، ولكن لما لقيت نفسي في موقع السفارة، كسفير للفن المصري القديم في هوليوود، اضطريت أضرب غطس جامد في تاريخ البلد عشان أبقى عارف كل حاجة وماتحطش في مواقف بايخة”.

بدأ “هاني المصري” التعمق في تاريخ مصر، ومع الدراسة، وقع في غرام الأسرة 18، التي وصفها بأنها “من الأسرات الثقيلة أوي، وكان شغلها جميل جدا وفراعنة كتير من الفراعنة التقال كانوا فيها”، ولكن لفت نظر الراحل أمرا هاما، وهو أن من يدرس الفن يعرف جيدا أنه يأتي تدريجيا وليس فجأة أو من فراغ، أي من خلال اسكتشات وأفكار وغيرها.

“فحبيت أشوف الاسكتشات اللي وصلتنا للشغل الرهيب ده في الأسرة 18، فبدأت البحث عن أعمال الأسرة 15 و16 و17 ولكن لم أجد لهم أي أثر”، مع دراسة أكثر عرف هاني المصري أن انهيار كبير تعرضت له مصر بعد الأسرة الثانية عشر، فجأت بعدها أسرتين 13 و14 شديدي الضعف، ثم احتل الهكسوس البلاد وأزاحوا المصريين نحو جنوب الوادي، وكونوا هناك الأسرات من 15 إلى 17 واستمر ذلك منذ عام 1700 قبل الميلاد وحتى عام 1500 قبل الميلاد، أي 200 عاما.

يستطرد: “قعدت أدور.. إزاي الأوروبيون مثلا وصلوا لفترة الـ renaissance أو النهضة بعد انهيار الدولة الرومانية، فوجدت أنه في القرون الوسطي كان العرب عندهم العلم والحضارة والفن، فعندما احتك بهم الأوروبيون في الحروب الصليبية استعادوا مجدهم”، ولكن وضع المصريين كان مختلف عن الأوروبيين، لأن الشعب المصري في ذلك الوقت كان وحده وتعرض لهجوم من الهكسوس، فكيف أتى بكل هذه الحضارة التي ظهرت في الأسرة الثامنة عشر؟”

بعد فترة أكبر من الدراسة بدأ حل اللغز يتضح للمصري، فقال: “أيام الهكسوس كان في مصريين بيحبوا العلم والفن بيحبوا وبلدهم، هؤلاء كانوا حوالي 10 أو 12 جيل، كل اللي بيعملوه هو تدوين العلم والمحافظة على البرديات ويعلموا العلم والفن لأبنائهم وأبناء أبنائهم، ولم ييأسوا، لأنهم كانوا عارفين إن مصر لازم ترجع وهترجع حتى لو بعد 200 سنة، وساعتها لازم تكون جاهزة لطلوع الشمس، وحصل بالظبط زي ما كانوا متوقعين”.

الجوائز..

جائزة أحسن رسم لكتب الأطفال (1979)، قدمتها له جيهان السادات.

أحسن رسام مصري (2004)، من الهيئة القومية لكتب الأطفال، قدمتها له سوزان مبارك.

جائزة الشرف من IBBY (المركز الدولي لكتب الشباب) (2006)، سويسرا، عن رسوماته لكتاب «خلف الباب السري».

وفاته..

أعلن “هاني المصري” يوم 7 مارس 2015 على حسابه الشخصي على فيسبوك عن إصابته بسرطان الدم وتوجهه لتلقى العلاج الكيميائي بمستشفى Saint Josephs Hospital، في مدينة “بروفيدنس”، ولاية “رود آيلاند” الأمريكية. وبعد صراع خمسة أشهر مع سرطان الدم، وفشل كليتاه وتكون مياه عليهما ومعاناته مع التنفس بالجهاز الصناعي، أُعلنت وفاته يوم 24 أغسطس 2015 عن عمر 64 عاما.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة