خاص: إعداد- سماح عادل
“هاشم كرار” صحافي وكاتب ومحلل سياسي سوداني درس في بلجراد ويقيم في الدوحة.
كتب عنه “كان كرار لا يساوم في المواقف ولا يجامل، فقدم مثالا ناصعا للصحفي الملتزم بمهنيته وقضايا وطنه في حله وترحاله، في سنوات عمله في السودان وفي الخارج”.
بهي الروح..
في مقالة بعنوان “هاشم كرار.. (حليلك يا بَهِيَ الروح)” كتب “عطاف محمد مختار”: “رحل عن دنيانا اليوم، الصحفي المخضرم، هاشم كرار، بعد رحلة معاناة مع المرض، الذي قابله بكل صبر وحب. كل شيء كان يقابله الكرار بالحب. جمالُ الروح وحُسْنُ المعشر وإشراق ونضارة الكلمة تعني هاشم. كلماته ترقص وتفرح وتمتع.
كنت أشم فيه رائحة الأرض الخضراء ودعاش المطر. الكرار شوفته تفرح، أحرفه تفرح، وسخريته الطاعمة تجعلك تضحك حد البكاء. كان هيِنا ليِنا. حلو المعشر عذب الكلم. والله كان نسمة صباحية. نسأل الله تعالى أن يجعل مرضه كفارة له من كل ذنب وسُوء، ويرفعه في عليين ويلهم أهله وصحبه الصبر الجميل”.
جمال الحياة..
وفي مقالة أخرى بعنوان (هاشم كرار.. الصحافي القصاص الذي جمل الحياة) كتب “صلاح شعيب”: “هاشم كرار هو التميز عينوه وسط صحافينا المبدعين الذين ملكوا زمامَ المهنة، وحرفَها، والمتاعب. فحِذقُ قلمه رافقه منذ التحاقه بالصحافة التي جاء إليها قاصا مكتملا ينسج نمنمات من حكايا، وسمر، وحبكات.
لقد تربت الصحافة السودانية في كنف الأدب، والعكس صحيح. وكان معظم الجيل الأدبي الرائد في السودان ممن كانت له علاقة بالمهنة، بدءً من جيل عرفات محمد عبد الله ومرورا بجيل منير صالح عبد القادر، إلى محمد الفيتوري، ومصطفى سند، وعيسى الحلو، وعبد الهادي الصديق، ونبيل غالي إلى جيل الصادق الرضي”.
ويضيف: “كانت الصحافة مهنة الأدباء، وهاشم كرار امتداد لجيل الصحافيين الأدباء. فعبر القصة القصيرة، ونثره العميق، دخل المهنة فنمقها بكتاباته التي كنا نقرأها له في الأيام في مجدها التحريري، والأدبي. إنك تقرأ له فتحس كأنه عازف ساكس مضبوط التون. وأحيانا يلون مقاله بشكل تحس بأنه فنان تشكيلي يدهن لوحته باللون البنفسج دائما. والدراما تتبعه في كل قصصه الضاجة بالحركة، ولا تنفك عن شخوصه النبلاء، والفقراء الفواكه، وأولئك المساخيط. وفضلا عن ذلك تظل مقالاته السياسية مغموسة في الأدب، وإن شئت فهي أدب السياسة”.
التقدم الإنساني..
ويواصل عن عمله بالصحافة: “ولعل الأستاذ هاشم كرار قد تمثل قول الشاعر التيجاني يوسف بشير الذي قال:
“الصحافة يا بنت السماء، ونزيلة الأرض. ويا سِر التقدم الإنساني. موقظةُ الأجيال من سبات الغفلة والجمود. الصحافةُ هي النور المنبعث على سماء الفضيلة والملقي بدلائلها على أرض بسطتها أيدي العقول وفضاءٌ دبجته يدُ العبقرية على طريق وعر وشائك لا تَعبده المعاول، ولا تصلحه البنادق””.
خدمة الحق..
وتتابع المقالة: “يقول عنه زميله الأستاذ جعفر عباس: “صديقي هاشم كرار شخص طويل القامة فسيولوجيا ومهنيا، وهو من تلك الطينة الصحفية العصية على التلوث والتلون، فما غمس قلمه قط في حبر النفاق، أو الخور، أو الملق، بل كرسه لخدمة الحق والحقيقة، فعاش طوال عمره المهني شريفا، ونظيفا، وعفيفا”
ولأنه هكذا كانت حوارات هاشم تبحث عن المبدعين الذين حملوا الوطن فقد أجرى أجمل الحوارات مع رموز الفن، ووثق الأيام الأخيرة للراحل مصطفى سيد أحمد الذي قال له:
“منذ وقت مبكر أدركت دور الفنان عبر التاريخ، مثلي مثل غيري خرجت من صلب شعبي غير أنني رأيت في الأغنية شيئاً مبتذلاً إذا لم تحمل هذه الأغنية هموم هذا الشعب، وعذاباته، وأمانيه، وتطلعاته، ومنذ البداية، أيضا وضعت نفسي تلميذاً في مدرسة هذا الشعب أتعلم منه، وأشاركه همومه اليومية، وقضاياه، وانفعالاته، وتشوقه، للمستقبل”
وكأن حديث مصطفى بلسان هاشم. فهو أيضاً مثل فناننا الراحل. فقد ظل في صحافته يسعى لتحقيق تطلعات شعبه، وأمانيه. ولذلك فلا غروَ أن التقى هاشم بمصطفى منذ أيام الحصاحيصا إذ هي الجزيرة تخصب المدد الإبداعي دائما في عاصمة البلاد”.
حبس الفكرة..
وعن رأيه في الحرية: “وقال هاشم: الطغاة ما زالوا يحاولون، طاغية من بعد طاغية. ولم يستطع أيٌ منهم، أن يسجن فكرة، أو يحبس أنفاسها، أو يغتالها بطلقة، أو يلفَ حبلا غليظا حول رقبتها، ليطقطق فقراتِ عنقها وفقرات عظام ظهرها، والمشنقة تصرخ صرختها الهستيرية ستظل الأفكار طليقة. وستظل الزنازين للطغاة””.
على المستوى الاجتماعي ظل هاشم إنسانا شفيفا، ونبيلا، ولذلك كثر أصدقاؤه من كل الأوساط، وحينما ألمت به وعكته التي سيقوم منها بكل عافية بإذن الله تقاطر الناس للتخفيف عنه، وأسرته. ولكن هاشما ظل عبر كل هذا الحب نحوه يقابل زواره بابتسامته التي بها سينتصر، ويعود لمواصلة رحلة الفريق السوداني نحو النشوق الأخير. ذلك حتى يعطر الناس بالوداد، والحبور، والسؤدد.
فشخص مثله تعلمه انت الربُ القُدوس، وتعلم أننا نحتاجه على الدوام ليخفف عنا غلواء الحال بصحافته المسؤولة، وقصصه المؤنسة، ومنثوراته التي تبذر في القلب محبة في بستان الوجود. فهو آنئذ خليفتك يا الله في الأرض مشى في مناكبها بجمال الروح، وما بذل حياته إلا لإسعاد الناس فحببته إليهم”.
بطعم رقصة الحصاد..
وفي مقالة بعنوان (مجموعة قصصية للسوداني هاشم كرار) كتب “جورج جحا”: “في مجموعة الكاتب السوداني هاشم كرار القصصية “بطعم ابرهيد.. بطعم رقصة الحصاد” تبرز حالتان يصعب أن نجد سمات مشتركة بارزة بينهما. في القصص التي تدور في بلدان غريبة تبرز عند كرار قدرة سردية وحوارية جيدة على محدودية الموضوعات التي تتناولها، وهي في الوقت نفسه تأتي في جو شعري وتصويري ممتع. إنه يستطيع التركيز على لحظات مؤثرة في النفس. لحظات الوداع والفراق والخيبة وسقوط الأحلام الشخصية والوطنية. وحيث رجل وامرأة يلتقيان على فراق وشيك أو استحالة نضج علاقة. ويستطيع أن يغوص في النفس مصورا بإيحاء وجمال. إلا أن تلك الحالات تبدو متشابهة وشبه توأمية والكاتب لا يحولها إلى حالات إنسانية واسعة النطاق.
وكرار ذو قدرة كما يقال في الأمثال على أن يجعل من الحبة قبة بمعنى أنه يستطيع أن يخلق لقاء سريعا بين اثنين يعقبه افتراق لا يتأخر كثيرا. وبمهارة جلية يجعل من هذا الأمر على محدوديته قضية إنسانية يصورها على محدوديتها بتوتر وتصوير شعريين ممتعين”.
الألفة..
ويضيف: “وهو في الوقت نفسه في تلك القصص يربط شخصياته بأحداث سياسية تاريخية حقيقية ليجعل مما يبدو أحيانا كتابة صحافية من بعض نواحيها نتاجا قصصيا شعريا.
مجموعة كرار اشتملت على 11 قصة جاءت في 93 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن دار الفرات في بيروت. حملت المجموعة مقدمتين باسمين هما قراءة أولى، وقراءة ثانية كتبتا في الدوحة.
في الأولى كتب يوسف بو رية يقول: “يتحدث هاشم كرار كأنه يكتب ويكتب كأنه يرسم. والشيء الذي سأقوله بعد ذلك يراوح في هذه النقطة. في القراءة الثانية كتب محمد الربيع م. صالح يقول: “بين أسلوب هاشم كرار في الكتابة وطريقته في العيش جدل بيّن مركزه الألفة التي تمثل مفتاحا لا غنى عنه لأي قارئ لاكتشاف كنوز نصوصه الشعورية منها وذات العلاقة بالفكر والتفكير. الدليل إلى هذه الألفة في هذه النصوص معمارها نفسه الذي يرتكز على مداميك أساسية هي النساء والحوار واللغة أو اللهجة العامية”.
نبض الحياة..
القصة الأولى “بطعم ابرهيد.. بطعم رقصة الحصاد” التي جاء عنوانها عنوانا للمجموعة تجري أحداثها في إثيوبيا بعد سقوط نظام الرئيس منجيستو. الكاتب ناجح في التقاط نبض الحياة والطبيعة أحيانا في مدن وبلدان عرفها وروى قصصا عنها.
ينجح الكاتب مثلا في التقاط حالات روحية معينة تسود أوساط اللاجئين من الحرب والجوع القاتل إلى السودان حيث يتحول مغن منهم اسمه غيرو اسف بصوته وآلته الموسيقية إلى ترياق شاف ووسيلة رفع للمعنويات وللقدرة الجسدية المتآكلة.
تتجلى قدرة كرار على النقل الشعري التصويري لحالات نفسية ولجو ذلك البلد الإفريقي في مجالات منها قوله خاتما القصة في مساء اليوم السابع ضغطت على كف ابرهيد بالوداع في صالة المغادرة في مطار اديس ابابا. نظرت إليها. كان في عينيها رنة الحزن القديم.. طعم رقصة الحصاد .. بحة صوت غيرو اسف.. وشمس أديس التي بدأت تشرق في استحياء على رائحة المطر.. ولون البن.. وعناق السنبلة والمنجل.. ونكهة الديمقراطية الفسيحة المعمدة بالعرق والرهق والرصاص والدم”.
وفاته..
توفي الصحفي والكاتب السوداني، “هاشم كرار”، اليوم الجمعة، 3 نوفمبر 2023 بالعاصمة القطرية الدوحة، بعد صراع مع المرض.