18 ديسمبر، 2024 2:26 م

“هاشم صديق”..  “شاعر الملحمة” الذي احتفي بالحرية

“هاشم صديق”..  “شاعر الملحمة” الذي احتفي بالحرية

خاص: إعداد- سماح عادل

“هاشم صديق” شاعر وكاتب مسرحي وصحفي سوداني، اتصف بأنه شاعر الثورات على مر الحقب بين تقلبات الحرب والنظام الديمقراطي والأنظمة العسكرية على تعددها في السودان وفتراتها.

التعريف به..

ولد “هاشم صديق الملك” عام 1957 في حي بانت شرق أم درمان. وتوفي والده وكان في المرحلة المتوسطة، فتولت أمه “آمنة محمد الطاهر” تربيته.

تلقى تعليمه الأولي في مسقط رأسه، ثم انتقل إلى مدارس الأحفاد، وحصل على درجة البكالوريوس في النقد المسرحي بتقدير امتياز من المعهد العالي للموسيقى والمسرح عام 1974.

وسافر إلى المملكة المتحدة، والتحق بمدرسة “إيست 15” لدراسة التمثيل والإخراج، وتتلمذ على يد أساتذة في مجال المسرح والتمثيل، منهم إسماعيل خورشيد والسر أحمد قدور والفاضل سعيد.

بدأ اهتمامه بالتمثيل والإلقاء الشعري وهو في مراحله الدراسية الأولى، وحينئذ اشترك في برنامج “ركن الأطفال” بالإذاعة السودانية ممثلا دور الأب. وعمل بعد تخرجه أستاذا مشاركا بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح بالسودان حتى عام 1995، وأسس مكتبة المسرح السوداني التي ضمت أرشيفا من الأعمال الأدبية والفنية السودانية.

عايش ثورة 1964 التي أطاحت بنظام الفريق إبراهيم عبود وألهمته تأليف أوبريت “ملحمة قصة ثورة”. وعرف بلقب “شاعر الملحمة” بعد تأليفه أوبريت “ملحمة.. قصة ثورة” التي استعرضت ذكريات ثورة 1964، ولحنها الموسيقار الراحل “محمد الأمين”. وشكلت أول تجربة ناجحة في فن الغناء الموسيقي الكورالي في السودان.

وقد تغنى بشعره، الذي عُرف بالسلاسة والبساطة وعمق المعاني، فنانون سودانيون كبار، أمثال “محمد الأمين ومصطفى سيد أحمد وأبو عركي البخيت وسيد خليفة”، وكانت أشعاره تمزج بين عشق الأرض وتطلعات الشعب السوداني إلى الحرية والعدالة.

وأنتج أعمالا درامية مسرحية، من أشهرها “أحلام زمان” و”نبتة حبيبتي” كما قدم عددا من المسلسلات الإذاعية والتلفزيونية التي تحاكي هموم المجتمع السوداني وتطرح قضاياه. وعمل صديق في عدد من الصحف السودانية، وكان حاضرا في الساحة السياسية، وتعرض للاعتقال مرات عدة بسبب بعض أعماله الأدبية، وحظرت كثير منها، من بينها مسلسلا “الحراز والمطر” و”الحاجز” الذي حذفت الرقابة على الإعلام أجزاء منه.

مؤلفاته..

ألّف عددا من الأعمال الدرامية والأدبية التي فازت بعدة جوائز، وبثّت في القنوات والإذاعات السودانية، ومن أعماله:

  • مسلسل “قطر الهم” عام 1973.
  • مسلسل “الحراز والمطر” عام 1979.
  • مسلسل “الحاجز” عام 1984.
  • مسلسل “طائر الشفق الغريب” عام 1993.
  • مسرحية “أحلام زمان” عام 1972، وحازت جائزة الدولة لأحسن نص مسرحي.
  • مسرحية “نبتة حبيبتي” وحازت على جائزة النص المسرحي عام 1973.

مجموعة من الدواوين الشعرية منها:

  • “كلام للحلوة” ونشر عام 1975.
  • “أذن الآذان” وطُبع عام 1976.
  • “اجترار” وصدر عام 2002.
  • “على باب الخروج” وطبع عام 2006.

كتابة الأغاني..

في حوار معه أجراه “حسن الجزولي” يقول “هاشم صديق” عن تجربته مع محمد الأمين: “أما في تجربتي مع محمد الأمين خلال تجربتي معاه في الأغاني القدماء لي ما حسيت مطلقا انو الألحان بتاعتو ما عبرت عن الكلام اللي أنا كتبت شعرا. يعني كلام للحلوة فعلا بالموسيقى عبر محمد عنها. وأنا كنت راضي جدا وفي النهاية عملت لي ريليف يعني. كونو في النهاية ده زول عبر عن إحساسي. ظل يؤديها بالعود. وبتذكر مرة أداها في زواجي من عزيزة بت خالي اللي أنا كتبت فيها كلام للحلوة. واللي هي – وده كلام حا يضحكك باحسن. – كانت عبارة عن السذاجة العاطفية زي الأشكال الطفولية – فانا قاعد في الكوشة وجا هو وعركي طبعا كالعادة. وخليل إسماعيل ووردي. فكان محمد داير يغني كلام للحلوة فأنا شلت الميكرفون وقريت نصها.. شفت الرومانسية دي يا حسن الجزولي!. يا حليل الرومانسية ياخ.

عموما لحن كلام للحلوة زاتو انا عرفت في رأي الموسيقى والموسيقيين هي تمام”.

وبالنسبة لأغنية “حروف اسمك” يواصل: “طبعا حروف اسمك المستمعين ليها مقتنعين انو الزول ده بالغ عديل كده في لحنها وترجم كلماتها. وادخل الدراماتايزيشن الموسيقية دي. في الهتاف أدق سدري في الليلة العديل والزين.

طيب وبعدينك؟!.

أنا داير أقول ليك انو التلاتة الحان دي (كلام للحلوة وحروف اسمك وهمسة شوق) ديل مافي أي لحن منهن بشبه التاني. وحتى لو قلنا انو موضوعاتها واحدة بتتلخص في قيمة الحب. فالحب نفسو شكلو مختلف!. وده دليل على انو هو عاوز يقدم غنا باحساسو هو بالكلمات. فدي برضها من سمات العبقرية بتاعتو.

و عن لحن همسة شوق يضيف: “تعرف لحنها قائم على الريقي. والريقي ده لو لاحظت يا حسن طور فيهو كتير جدا . بدأ في كل بروفة وحفلة يضيف ليها لحدي ما اكتمل لحنها النهائي المعبر عن الأغنية اللحنية بتاعتو والتجربة اللحنية للأغنية السودانية نفسها . يعني حتى ائتلاف للحن الريفي ما جاء كلحن غربي صرف.

عموما أنا كنت محظوظ جدا في تجربتي مع محمد الأمين. فالملحمة قدمتني للناس كما أشرت كتير جدا. بعدين جات الأغاني العاطفية التلاتة اللي أشرت لألحانها. بعدها جات اغنية ودي اختارا هو براهو بمعنى انا ما قدمتها ليهو. رغم أنها ما وردت لا في ديوان كلام للحلوة أو ديوان الزمن والرحلة. على العمل اكرر كنت محظوظ وموفق مع محمد الأمين”.

المحاكمة

(1980)

قصيدة “هاشم صديق”

لئيمة مكايد الأحاقد

وكت تنعيكا للدنيا

قبيحَه خناجِر الأصحاب

وكت تطعن ضَهَر غُنيه

غبية محَاكم الفاشيست

وكت تلوي الضمير عِنْيّه

وأمينه دفاتر الأشعار

صِدِق كلماتها بالدنيا

………..

ارافع لا لقاضي الحِزب

ولا لي عَسْكر السُلطان

أرافع لي ضمير الشعب

تِحت زُرقة سما امدُرمَان

ادق طبل الغضب واصرخ

واقول كل الكَلام مليان:

مزيّف في جرايد الحاشيَه

والطغيَان

مجرّح بالكلام إسمي

من السَفله ومن الصُحبَان

مرسوم يوم تِحت لافته

ومكتوب يوم تِحت عنوان

(فيلم هندي) القصص عنِّي

(مليودراما) وبالألوان.

…………

مُواجه بي قلم فاشي

ومصلوب في جرايد السر

تقول عقل الوطن ناسي.

مناضِل قالوا لي (حزبي)

وسَاقِط لو (ديمقراطي)

صَحيح صِبح الفهم واطي

وضمير القاضِي ما خجلان

يشد سَاعد المناضِل يوم

ويوم يكتب في إسمو هوان

تقول كسّرت سِن قلمي

وتقول بايعت للشيطان

تقول معنى النضال أصبِح

قلم سايح بدون أوطَان

تقول (الِرِدّة)

رجعة قدمي للسودان.

………….

وبين تنكيل قلم جَاهِل

وتحليل حَمَلة الأختام

بقيت ثائر بدون تاريخ

وراجي إشارة الإعدام

وكل التُهمَه ما ساومت

ما استسلمت للأحلام

ما استنيت خلاص بلدي

بإيد ثوار من المريخ

سيوف ميته وطول أقزام.

………….

كرهت تفاهة الثوار

وكت يبقى النضال قعده

كَرِهت قصايد الحفلات

عن (الثورة) وعن (الجبهة)

كرهت معَارِك الأحقاد

تحيل اسم البلد لعبه

كرهت تطاول الأولاد

والساقطين من النقّاد

وصوت ((فنان)) ملوّث

بي هوى الأسياد

وسَاقِط من ضمير الكلمة

والمبدأ

وحامل راية الأوغاد.

…………..

أموت يا وطني

بي خنجر مكايد الحاشية

والطاغية

ولا الشايلين اسم ثوار

وهم من عُصبَه المافيا؟!

أقوم يَا وطني من جرحى

أشوف بي رؤية العافية

جروحك في المزاد للبيع

وإسمك في خُشوم لاهيَة

وأحسك غابه من أشواك

عليك قَدَم البِحِس حافية

(يمينك) لعبة الأوزان

(يسارك) يا وطن تايه

مقسّم في الحرِب كيمان

نقيف في سِكة الجبهة

نتوه في سِكة الجبهة

كأنك ما قَدُر نصبح

عشانك يا وطن وِحده.

كأننا لسه في الأحزان

جروح من واقعَة الرِدَّة

ناصبين للحُزُن صيوان

ومستنين فرح مجهول

يَجلجِل في سما السودان.

………..

نسيب سفر السهر والشوك

نعود لي أُمنا الساحَة

نقيف راجين نفير الحق

شهور تجري وسنين زاحّه

وسيوف (الجبهة) في الأغماد

لا دكّت هوى النيران

ولا سوّت أرِض وآحَة.

مناشير عن نضال أحزاب

أشعار عن رجال أحزاب

أقوال من فِكِر أحزاب

كأنو الحزب هَم نفسو

كأنو الأزمة بس جَرحو

وجرح الأمة ضاق راحَة

كأنو بلاهو

لا وِلدَت بطون أمات

ولا صِبح النضال سَاحَة

…………

ويقيف الشعب

في سَاحة المحطة دِهُور

قطار (الوحدة) لا شرّف

ولا فارق عيونّا السور

ونتجرّح ونتقلى

من العَسكر

وطعن الخونة والطابور

ونتِقَعَر عن الأزمات

عن تقريب مسَافة  الرؤيا

والرايات.

ونتفلسف عن الثورة

وعن المنفى وعن الإحباط

ونتحذلق عن المعنى

وعن (الإسقاط)

ونتحامل على التاريخ

ونجرّح

صحَاف الشُرفا بالتلميح

ونتفنن في ختم الشُعرا

بالأختام

ونغرق في بحار التيه

وتتبدل سيوف أفعَالنا

بالأحلام

………

وفي الدوامة

تتبدّل سَمانا سَواد

يموت معنى الوَطَن

في زفة الأوغاد

يضيع نبض الوطَن

في زحمة الأحقاد.

يئن شرف الوطَن

من جَزمة الأسياد

يغيب شرف الكلام

في بَحة المذياع

وفي تهويمة التلفاز

وفي مسرح صِبح مشنوق

بحَبل (المافيا)

من جنس (الحطام)

و(شواذ)

وتتصادر حروف الحق

ويعود معنى الثقافة

(جناز)

تقوم الزفّة

عن أعيادها بالتعيين

ويصير عيد الفنون تأبين.

متين كان الحرِف مصنوع؟!

متين شبّت ثقافة الأمة

في صحرا

الحِصار والجوع؟!

…………

تعيش يا معنى كلمة لا

تدك حِصن الضلال

بي أشرف الأشعار

تعيش يا وطني

رغم جروح المليون

ورغم المافيا والأنصَار

تعيش يا شعبي

صف مضموم

بساعد العافية والإصرار.

أحبّك

لا بقع في الشين

ولا بَسكُن لوجَع الفجعَة

في جرح العذاب الخاص.

أقوم من كل جروحي

واقيف

في ساحتك

الممهورة بالرُصاص

وأصيح في مسمع التاريخ

اقول عن أزمة الراجين

شباب واقف على السكين

بيسأل بي عَقُل ملهوف

تدُق سَاعة الحرابة متين؟

أنحنا سَواعِد الجبهة

وسيوف الجبهة تصحا متين؟

أصيح في مسمع التاريخ

أقول عن معدن الراجين

شباب ثوري وديمقراطي

قلب واعي وعَقُل صاحي

شباب واقف (صفا)

ومشتاق

تقوم الجبهة

من تعسيلة الأوراق

تقوم الجبهة

من تعسيلة الأوراق.

وفاته..

مرض صديق في وقت ساءت فيه الأوضاع الأمنية وتأزمت عقب اندلاع القتال بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في 15 أبريل/نيسان 2023، فاضطر أهله لنقله على عربة تجرها الدواب (الكارّو) إلى منطقة أخرى لتلقي العلاج، ونُقل منها إلى الإمارات التي توفي فيها يوم 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 عن عمر ناهز 67 عاما.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة