خاص: إعداد- سماح عادل
“نيازي مصطفى” مخرج وكاتب مصري اشتهر بأفلامه الكوميدية.
حياته..
ولد “نيازي مصطفى” في مدينة أسيوط عام 1910 لأب سوداني وأم تركية، كان والده يتمنى أن يراه مهندسا، ولكنه لم يمانع رغبته في دراسة السينما، وسعى “نيازي” إلى تقوية لغته الإنجليزية من أجل فهم واستيعاب كل ما تنشره المجلات الأجنبية التي كانت أول نافذة يطل منها على عالم السينما الخارجية، إلى أن حصل على شهادة البكالوريا وكان ترتيبه الـ16 على مستوى مصر، فقرر السفر إلى ألمانيا عام 1929 من أجل تحقيق حلم والده في دراسة الهندسة والميكانيكا.
ولكن حبه وعشقه للسينما دفعه إلى تغيير مجاله ودراسة السينما لمدة ثلاث سنوات حيث التحق بمعهد الفيلم الألماني، وتعلم خلالها فنون الطبع والتحميض والعدسات والتصوير وكل ما يتعلق بفن التصوير والإخراج عاد إلى مصر والتقى الاقتصادي العظيم طلعت حرب، الذي ساعده على العمل في شركة “مصر للتمثيل والسينما”، وكانت بدايته في قسم المونتاج، حيث كان ينتج أفلامًا دعائية عن شركات “بنك مصر”، ثم عمل كمساعد مخرج في البداية مع “يوسف وهبي”، ثم ما لبث فيما بعد أن تولى مهمة الإخراج.
تميز “نيازي مصطفى” في إخراج أفلام الحركة الممزوجة بالخدع السينمائية وإضافة المؤثرات البصرية إليها، وكان متابعًا لكل جديد خلال رحلاته الخارجية، فكان حريصًا على حضور مهرجان “كان” السينمائي الدولي، كما أنه سافر إلى هوليوود عام 1951 لمتابعة آخر ما وصل إليه التطور في علوم السينما، ولعل فيلم “سر طاقية الإخفاء” أحد أشهر أعماله السينمائية التي اعتمد فيها على الخدع البصرية.
قدم “نيازي مصطفى” عددا كبيرا من الأفلام التي شارك في كتابة بعضها، كما شارك في صنع المؤثرات البصرية لها، وفي السينما العراقية أخرج فيلم “ابن المشرق” عام 1949. وكان أول فيلم له في ١٩٣٧ وهو “سلامة في خير” بطولة “نجيب الريحاني”، وكان غزير الإنتاج حيث بلغت أعماله نحو ١٥٢ فيلما، ومن أشهر أفلامه (من أين لك هذا؟ وأرض الأبطال، وفتوات الحسينية، وسيجارة وكاس، وإسماعيل يس طرزان، وسلطان، وحبيب حياتي، وأبو حديد، وجوز مراتي، وأنا الهارب، ورابعة العدوية، والعريس يصل غداً، و٣٠ يوم في السجن، وصغيرة على الحب، وفارس بنى حمدان، وأخطر رجل في العالم، والقرداتى، والبحث عن فضيحة).
منح “نيازي مصطفى” العديد من الجوائز خلال مسيرته الفنية، إذ منحته الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما الشهادة الذهبية عام 1976، كما كرمه المركز الكاثوليكي عن مجمل أعماله عام 1977، وحصل على جائزة الريادة من الجمعية المصرية لفن السينما عام 1986، كما حرصت الدولة على تكريمه في أكثر من مناسبة عامة.
تزوج “نيازي مصطفى” مرتين، الأولى: كانت من الممثلة كوكا التي اشتهرت بأداء دور البدوية، وكانت مساعدته في قسم المونتاج بأستوديو مصر، أما الزوجة الثانية كانت من الراقصة نعمت مختار.
عاش”نيازي مصطفى” قصة حب قوية بدأت خيوطها عندما التقي ب”كوكا” في فيلم “مصنع الزوجات” حيث عاشا قصة حب وانتهت بالزواج. وتبني “نيازي” موهبتها وأخرج لها العديد من الأعمال والتي كان لها دور كبير في شهرتها وانتشارها في الوسط الفني كله، وكان أشهرها فيلم “عنتر بن شداد” وبعد فترة من الزواج والاستقرار علم أنها لا تستطيع الإنجاب، فقد أكد لها الأطباء استحالته وهو ما جعلها تطلب من زوجها أن يرتبط بامرأة أخري تستطيع أن تنجب له.
وبعد إصرارها وإلحاحها وافق “نيازي مصطفي” علي الارتباط بسيدة أخري حتى وقع الاختيار علي الراقصة “نعمت مختار” ولكن لم يستطع تحقيق حلمه أيضا وعندما تأكد من ذلك انفصل عنها وقرر العودة إلي حبه الأول “كوكا”، بعدما علم أنها أصيبت بالسرطان وظل معها حتى توفيت في شهر يناير عام 1979 أي قبل رحيله بـ 7 سنوات.
أفلام الحركة..
في مقالة بعنوان (نيازي مصطفى.. أستاذ أفلام الحركة)يقول ” احمد الجندي”: “كان نيازي مصطفى ضمن الرعيل الأول من مخرجي السينما المصرية الذين درسوا السينما في أوروبا في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي وعندما عادوا إلى مصر أظهروا تفوقاً ملحوظاً في التكنيك السينمائي وأثر هذا بشكل ايجابي على السينما المصرية، تخصص نيازي في بداية مشواره السينمائي في الأفلام البدوية والتراثية المفعمة بالحركة والمغامرات، وكون مع فريد شوقي ثنائيا سينمائيا ناجحا قدم كما هائلا من أفلام الأكشن، تلك الأفلام التي صنعت نجومية فريد شوقي وجعلته نجم الشباك الأول وصاحب لقب وحش الشاشة وملك الترسو، كما قدم نيازي أفلاما أخرى من نفس النوعية مع نجوما آخرين، واستطاع أن يمزج الكوميديا بالحركة وقدم هذا في أفلام رائعة اعتبرت من أهم أفلام الثنائي الشهير فؤاد المهندس وشويكار لذلك أصبح نيازي مصطفى أستاذ ورائد أفلام الحركة في السينما المصرية.
ورغم النجاح الجماهيري الكبير الذي كانت تحققه أفلامه والنجوم الكثيرة التي قدمها واكتشفها إلا أنه تعرض للانتقادات من جانب بعض نقاد السينما الذين اتهموه بالاهتمام فقط بالأفلام التجارية والنجاح الجماهيري، ولم يهتم هو بهذه الانتقادات وكان يرى أن السينما فن للجمهور وليس للنخبة القليلة من النقاد والمثقفين، لذلك ظل حريصا على النجاح الجماهيري لأفلامه طوال مشواره السينمائي الذي امتد لـ 50 عاما قدم خلاله ما يزيد على 130 فيلم، لذلك فهو من المخرجين الذين وضعوا اسمهم بحروف بارزة في تاريخ السينما المصرية ليس فقط كرائد لأفلام الحركة وأستاذها الأول، بل لأنه أيضاً برع ونجح في نوعيات سينمائية أخرى وصاحب قدرة خاصة على جذب الجماهير للسينما”.
ويضيف: “ورغم أن فيلمه الثاني مع الريحاني سي عمر عام 1941 قد حقق نجاحا هائلا على المستويين النقدي والجماهيري إلا أن نيازي اعتبر البداية الحقيقية له في السينما من خلال فيلمه الثالث مصنع الزوجات 1941 الذي قامت ببطولته كوكا مع محمود ذو الفقار، فالفيلم كان يدعو إلى تحرر الفتاة المصرية وضرورة تعليمها وقد كان هذا التفكير بالغ الجرأة وقتها وقد وضع نيازي مصطفى فكرته في قالب حلم لرجل لم ينفذ وذلك حتى لا يصطدم مع الرقابة وتتم مصادرة الفيلم، والغريب أن هذا الفيلم لم يحقق النجاح الجماهيري الذي كان ينتظره ويتوقعه وهذا ما جعله يعيد حساباته ويتجه لما يطلق عليه أفلام الحركة والأكشن لأنها مضمونة النجاح الجماهيري وكانت هي التي تكتسح السوق وقتها. اقتحم نيازي المجال وقتها بنوعين أولهما الأفلام البدوية، والثاني أفلام الحيل السينمائية، في النوع الأولى بدأ بفيلم رابحة 1943 بطولة بدر لاما وكوكا، وفي النوع الثاني قدم فيلم طاقية الإخفاء 1944 وقد عبر نيازي خلال هذا الفيلم عن تمكنه الكبير والتام من تكنيك السينما، وخلال هذه المرحلة الفنية من مشواره السينمائي والتي استمرت حتى نهاية الأربعينيات قدم نيازي عدداً كبيراً من أفلام النوع الأول وهي الأفلام البدوية والتي غالباً ما يكون معظمها مستمداً من قصص تراثية شهيرة مثل ليلى العامرية وعنتر وعبلة، ومن أشهر هذه الأفلام: رابحة 1943، ابنتي 1944، عنتر وعبلة 1945، راوية 1946، سلطانة الصحراء 1947، ليلى العامرية 1948، سر الأميرة 1949”.
وفاته..
توفى “نيازي مصطفى” في 19 أكتوبر 1986 عن عمر يناهز الـ 75 عاما. في ظروف غامضة ومثيرة، وجد مقتولا في يوم تصوير المشهد الأخير لفيلم ” القرادتي”. وفشل رجال الأمن النيابة العامة في كشف ملابسات الحادث، وطبقا للتحقيقات التي أجرتها النيابة، كان طباخه أول من اكتشف مقتله، وذكر في أقواله أنه قتل داخل غرفة نومه، وكان مكبل اليدين من الخلف بكرافته، واستخدمت شفرة حادة في قطع شرايين يده، وكمم الجاني فمه بقطعة من القماش حتى لا يصدر صوتا، وانتهى التحقيق إلى تقييد الجريمة ضد مجهول بعد أن تطرقت لسلسلة من الخلافات السياسية والفنية والعائلية والعلاقات النسائية ولكن دون فائدة.
https://www.youtube.com/watch?v=nojmwU9Mu9s