نصير الشيخ
ــ هل يمكن تأنيث الكرسي، الكرسي الذي ارتبط وعلى مر التاريخ بالفحولة ممثلاً بسلطة الحكم والحاكم الرجل للإمبراطوريات والممالك والدول؟ ومن ثم ما مديات اكتشاف المرأة، قيمة ووجوداً وهي حاكمة وقائدة ومحاربة. من هنا أغوت الروايات المؤلف مقداد مسعود كي يصيّر التاريخ فضاءها عبر كتابه (أيميسال وتأنيث الكرسي ــ نزهات في نسويَّة التاريخ) والصادر حديثا عن المكتبة الأهلية في البصرة وضمن سلسلة دراسات 2022.
المؤلف مقداد مسعود جلس عند حصيلة معرفيَّة من المصادر والكتب والبحوث تناولت المرأة ودورها في التاريخ، المرأة/ الملكة/ القائدة التي قادت جيوش وحاربت من أجل حريَّة شعبها وبمختلف ممالك العالم وجغرافياته. من هنا اختار بوصلة وبدأ جادا وهو «ينبشُ في مناجم التاريخ التي أوصلتني منذ سنوات ضوئية الى صحارى ومرتفعات تئن من الخوازيق والصلبان المنصوبة على ظهور الجمال والنساء المغتصبات بين القتلى المتداولات كالعملة بين النخاسين» ص 13.
يتبع المؤلف في سياحته الماتعة في متون التاريخ الرافديني خطاً حفرياً مسلطاً الضوء فيه للمرأة ودورها «آلهة/ شاعرة/ ربة تعبدْ…» حيث يذهب بنا للتدليل على عنوان كتابه «أيميسال» وهي لغة نسويَّة تتميز عن الشكل الشائع ولها تداوليتها النسويَّة وتراها نساء سومر اللغة المناسبة والمعبرة عما يفكرن به». ثم يباشر المؤلف في كشوفاته مستنداً لحفريات التاريخ ومدوّنات المنقّبين وهي تذهب عميقاً في الأثر الإنساني ليلتقط جوهر القصة أو ثيمة الحدث ليعيد نثره حكاية وسرداً ممتعاً لايقطع جذوره مع الماضي، لكنها تختصر عبرة في الحاضر.
كل هذا في مسحٍ طوبوغرافي لجسد التاريخ بغية إضاءة دور المرأة وحضورها سواء في بلاد وادي الرافدين أم بلاد الشام وصولا للحضارة الكنعانيَّة.
أبواب الكتاب تترى في مسح التاريخ في التقاطات عين المؤلف الكاتب وليس بصيغة التسلسل الزمني او الكرنولوجي، ليبقى وادي الرافدين هو مركز التحولات الفكريَّة بجذورها الدينيَّة والتي تم من خلالها رصد الانقلاب الذكوري على فترات الحكم الأموميَّة. كلها مرّ عليها المؤلف ليخلص الى انهيار سلطة الأمومة وصعود السلطة البطرياركية ومن ثم انتاج خطاب ثقافي يقرُّ بتسيّد الذكر كل شؤون الحياة. ثم يسلط الضوء على أبرز الأدوار الحضارية والفكرية التي قامت بها عدد من النسوة عبر التاريخ بدءًا من « زكوتو/ الشاعرة إنخيدوانا/ سميرأميس/ حتشبسوت/ بلقيس/ نسوة قرطاج/ ملكات أوغاريت/ زبيداء».
ليخلص المؤلف واستناداً الى بحثه في المصادر المعتمدة وقراءته الفاحصة لتحولات المجتمعات وخاصة الشرقيَّة منها والعربيَّة خلاصة القول «إنَّ النسويَّة لا تتوقف عن الدعوة النظريَّة للتغيير الفكري وأساليب البحث والمسطور، وأن النسويَّة منشغلة بتفكيك الخطاب الأبوي الخاص والأبويَّة السلطويَّة على الأصعدة كافة».
…………………………………………
جريدة الصباح، ثقافة 2023/04/12