خاص: إعداد- سماح عادل
“نوري جعفر” عالم نفس وفيلسوف عراقي..
حياته..
هو “نوري بن جعفر بن علي الجلبي” ولد في 1914 في القرنة بولاية البصرة العثمانية ونشأ بها في أسرة ريفية. درس فيها الابتدائية والثانوية، وبعد تخرجه عين مفتشا لمدارس البصرة، ثم انتقل إلى بغداد ودخل دار المعلمين العالية وتخرج فيها. اشتغل في عدة مناصب إدارية ثم بعث من قبل الحكومة العراقية إلى أمريكا لدارسة الطب وحاز علي درجة الدكتوراه، وكان من أساتذته “جون ديوي”.
عاد إلى العراق في 1949، وعمل أستاذا في الجامعات العراقية، ثم مديرا للإذاعة العراقية ورشح نفسه للمجلس النيابي في 1953. ثم أصبح مديرا عاما في وزارة التخطيط 1958.
الكتابة..
أثناء تنقله بين المناصب كان يكتب الشعر. وقد عمل أكاديميا لعلم النفس والتربية في كليتي التربية والشريعة بالسعودية في 1964، وكلية الآداب في بنغازي في ليبيا من 1965 حتى 1969، وكلية الآداب في الرباط بالمغرب من 1970 حتى 1973، وجامعة شفيلد البريطانية 1974، وكلية التربية بجامعة بغداد من 1975 حتى 1983، وكلية الآداب بجامعة الكويت 1977، وجامعة مونتريال سنة 1983، وجامعة بوردو الأمريكية 1984. ثم أستاذ الدراسات العليا بقسم علم النفس في جامعة الفاتح في ليبيا سنة 1991.
ألّف أكثر من 30 كتابا في علم التربية وعلم النفس والتاريخ والفلسفة والفكر والأدب، وله أيضا ديوان شعر.
من أعماله:
- اقتراحات لتطوير التعليم في العراق.
- الأصالة في شعر المتنبي.
- التاريخ: مجاله وفلسفته، 1959.
- التربية وفلسفتها.
- التعليم الثانوي في العراق.
- التقدم العلمي والتكنولوجي ومضامينه الاجتماعية والتربوية.
- الثورة: مقدماتها ونتائجها.
- الجهاز العصبي المركزي، 1970.
- الجواب السايكلوجية في أدب الحاحظ.
- الحب بين القلب والدماغ، 1987.
- الصراح بين الأمويين ومبادئ الإسلام.
- العباسيون في التاريخ.
- العلوم الطبيعية وأثرها في سير المدينة الحديثة.
- الفكر طبيعته وتطوره، 1970.
- المبادئ والرجال.
- جذور الإبداع لكل الناس، 1986.
- جون ديوي: حياته وفلسفته.
- خواطر وملاحظات حول التعليم في العراق.
- صالح جبر وكفاءاته وظروفه السياسية.
- طبيعة الإنسان في ضوء فسلجة بافلوف، 1971.
- علي ومناوئوه.
- فلسفة التربية.
- فلسفة الحكم عند الإمام علي.
- ملاحظات على سياسة التعليم في العراق.
- وقائع تزوير الانتخابات.
فساد الطبقة السياسية..
في مقالة بعنوان (العلامة الدكتور نوري جعفر وفساد الطبقة السياسية وأسباب الثورة عليها) كتب “ياسر جاسم قاسم”: “يعد الدكتور نوري جعفر من العلماء العراقيين البارزين في فسلجة الدماغ وعلم النفس والتربية وهو تلميذ للفيلسوف الأمريكي جون ديوي إلا أن اختصاصه الدقيق لم يمنعه من الخوض في مسائل مهمة تتعلق بالمجتمعات والثورات وكيفية تنمية المجتمع وبناء الإنسان وبشكل حقيقي، من هنا فإنه أشار إلى فساد الطبقات السياسية وأسباب الثورات عليها، وهنا سنسلط الضوء على هذا الموضوع تزامنا مع الحركة الاحتجاجية الكبيرة التي يخوضها شباب العراق من بغداد إلى البصرة.
لقد أشار العلامة نوري جعفر لأسباب الثورة على الطبقات الحاكمة، ولم تنشئ الثورة ضدهم:
1- انقسام المجتمع من حيث صلة أفراده ببعضهم ومن حيث صلتهم بالهيئة الحاكمة.
2- تمتع الحاكمون بجميع مظاهر الترف والجاه من الناحيتين المادية والمعنوية وحرمان أفراد الشعب من مقومات الحياة المادية والفكرية، وكيف أن الهوة تتسع بين الفئة الحاكمة والشعب وترف الفئة الحاكمة وأعوانها ووسائل عبثها بالمال والجهد.
3- إيجاد الفئة الحاكمة لنفسها مع الزمن فئة خاصة من أصحاب المصالح المركزة في مجال الدين والسياسة والثروة لمؤازرتها في الدفاع عن الأوضاع القائمة.
4- سير الفئة الحاكمة في سياستها العامة الداخلية والخارجية على قاعدة عملية تتناقض من حيث الأساس هي والمبادئ النظرية للحكم في ذلك المجتمع.
5- انتشار الفساد في كثير من أوجه نشاط الحكومة وتسرب عدوى ذلك الفساد إلى الشعب فيفسد إن كان صالحا ويزداد فساده إن كان فاسدا.
6- تظاهر الحكومة الفاسدة بأن جوانب التقدم التي نالها الشعب ناتجة عن جهودها وتوازن بين حالة المجتمع في عهدها وبين حالة سيئة مر بها في ماضيه القريب، ويعتبر نوري جعفر الموازنة بين الماضي والحاضر غير صحيحة، بل يجب أن تكون بين الحاضر والمستقبل.
7- الحكومة الفاسدة لا يعرف الشعب شيئا عن سياستها من الناحيتين الداخلية والخارجية اللهم إلا ما تطلعه عليه المصادر الخارجية.
8- الفئة الحاكمة تضلل الشعب من خلال وسائل دعاية وإعلان موجه عن منجزاتها معتمدة على مبدأ (الكذب المنظم) بالإضافة إلى مسالة في غاية الأهمية تتلخص في أن الحكومة تجعل الشعب متعلقا بأوامر غير أساسية لتبعده عن مشاكله الأساسية وتجعله غير متكلم عنها، أي تشغله عن نفسه بغيره”.
صفات الحكومة الفاسدة..
ويواصل المقال: “ويذكر الدكتور “نوري جعفر” مجموعة صفات للحكومات الفاسدة وأصحابها والتي تسبب قيام الثورات والانتفاضات ضدهم.
1- قوية في تشكيلاتها القسرية، ضعيفة في جوانبها المبنية على أساس العدل الاجتماعي.
2- القوانين والأنظمة في الحكومة هذه توضع في العادة للأشخاص لا للشعب وإذا كان الأمر كذلك فإنه من غير المستغرب أن يكثر الخروج على تلك القوانين.
3- التحايل على السائد من القوانين وأحيانا ثانية يأخذ التحايل شكل تعديلات جديدة تجرى على بعض نصوصها، وطور تكون على هيئة شروح لبعض محتوياتها أو اختراق مكشوف لتلك المحتويات.
4- إيجاد مؤسسات قضائية من قبل الفئة الحاكمة هدفها تشريع الفساد من جهة وإيجاد مخارج قانونية لكثير من التصرفات غير المعقولة من جهة أخرى.
5- الأفراد المحظوظين الذين تصاغ لهم القوانين والأنظمة إذا ما عبثوا بمقدرات الأمة هم في منجى من العقاب.
6- الموظفون غير المحظوظين كثيرا ما يؤاخذون بمجرد الاتهام وكثيرا ما تحاك المؤامرات ضدهم فيتعرضون للعقاب.
7- الأعمال الإضافية الحكومية ذات الأجور كثيرا ما توزع على الأتباع والأنصار (يقصد المقاولات الكبرى وغيرها) ويصدق الشيء نفسه على الاشتراك في المؤتمرات الدولية في حالة وجودها، كما أن الفئة الحاكمة في الأماكن الحارة تشترك عادة في المؤتمرات الصيفية فتذهب وفود المصطافين على حساب الخزينة العامة باسم الاشتراك في المؤتمرات، ويرجع الكثير منها دون أن يفهم ما جرى من نقاش في الموضوعات مدار البحث وكثيرا ما يكون الاشتراك في تلك المؤتمرات واسطة لجلب الهدايا للأهل والأصدقاء وربما كان ذلك وسيلة من وسائل الإثراء.
8- وجود الوساطة من حيث التوظيف أو النقل أو الترفيع من حيث الإعفاء من العقوبات.
9- والملاحظ لما ذكره الدكتور نوري جعفر أننا نعيشه حاليا في ظل الديمقراطية كثيرا أي بعد مرور 40 سنة على كلامه، وأننا ما زلنا نعيش المحسوبية وأعضاء مجلس النواب والوزراء يسافرون زرافات ووحدانا في مؤتمرات عدة دون فائدة للبلد، ودون وجه معرفة بها سوى حب السفر وجلب الهدايا والتقاط الصور التذكارية”.
العلم والسياسة..
في مقالة بعنوان (العلامة الدكتور نوري جعفر بين مختبر العلم والسياسة)
كتب “د. نجاح هادي كبة”: “تميز عقل العلامة الدكتور نوري جعفر بالموسوعية والاهتمام بتكامل المعرفة سواء أكانت علمية أم أدبية ووظفها لمسيرة خدمة الإنسان علميا ونفسيا وتربويا واجتماعيا، لقد استوعب تفكير نوري جعفر العلوم الإنسانية، وشيئا من العلوم العلمية المحض، فكانت كتبه لا تخلو من معلومات علمية وظفها لخدمة ظواهر اجتماعية أو نفسية أو تربوية، فهو خريج الفرع العلمي الثانوي بمعدل 94 ودكتوراه فلسفة من أمريكا عام 1949 بعد البكالوريوس، كان واسع الاطلاع على العلوم الإنسانية كالتربية وعلم النفس مجال اختصاصه والفلسفة والتاريخ والجغرافية والاجتماع، والأدب العربي القديم بخاصة، وشيء من الأدب الانكليزي والفرنسي الحديث في مجال الشعر والقصة والمسرحية، إضافة إلى إلمامه بجانب من الرياضيات التي عدها أساس تقدم العلوم وتابع طرائق تدريسها في الخارج بالإضافة إلى الكيمياء والفيزياء وعلوم الأحياء، وغيرها من العلوم الأكاديمية والتكنولوجية واصفا إياها بأنها وليدة التطور الاجتماعي للإنسان”.
دراسة علم النفس..
وتضيف المقالة: “لذلك دعا إلى دراسة التربية وعلم النفس في ضوء المدارس السلوكية ــ البيئية، مفضلا إياها على المدارس النفسية الوراثية، وعد المدارس الوراثية في التربية وعلم النفس غير واقعية، لأن أكثرها يؤمن بالتربية السلبية التي تقسم الأفراد والشعوب إلى قوي وضعيف، وبناء على ذلك آمن بالمدرسة السوفيتية النفسية سابقا ممثلة بالعالم الروسي بافلوف في نظريته عن الانعكاس الشرطي عام 1900، مفضلا إياها على المدرسة النفسية الأميركية ممثلة بفرويد في نظريته التحليلية النفسية عن اللاوعي والوعي وعدها سلبية كالمدارس النفسية الوراثية لأنها تحد علميا واجتماعيا من تطلعات الأفراد والشعوب.
مما دفعه بإيمان السياسي والعلمي إلى دراسة ظاهرة الإبداع والابتكار في ضوء الانعكاس الخارجي دارسا جذورها الدماغية وأصولها الاجتماعية واستمر في دراسته 12 عاما من 1962 إلى 1974 وقرر في ضوئها أن بمقدور الطفل أو الشاب أو الكبير أن يكون مبدعا وأن دماغ الإنسان السوي فيه من الأصالة والمرونة والطلاقة ما يوصله للإبداع.
بشرط أن يتعامل مع المحيط الاجتماعي بشكل سليم، وفي ضوء ذلك قرر أن يكون للمعلم دور لا في توصيل المادة إلى أذهان الطلبة فقط، بل دعا إلى تطويره لمساعدتهم على التفكير ولتوصيلهم إلى توليد الأفكار الجديدة بالاستعانة بتكنولوجيا التعليم وطرائق التدريس الحديثة، التي تنمي لديهم الاستعداد على التفكير والتحليل وتشجعهم على الإبداع، فطالب بدخول التلفزيون والفيديو ووسائل التعليم الأخرى داخل الصف لتوصيل المادة”.
الحالة الموهبة..
وتستشهد المقالة بمقولات له: “يقول د.نوري جعفر: “بدأت أدرس الحالة الموهبة عام 1962 ــ 1974 إلى أن نضج الموضوع في ذهني ومنحتني جامعة بغداد تفرغا علميا من جامعة شيفيلد البريطانية، عام 1975 وأجريت بحثا باللغة الانكليزية بعنوان Creativity and brain mechanism
وترجمته بالعربية “الإبداع وآليات الدماغ” فتوصلت إلى رأي جديد عن الابتكار وصار له صدى حسن في الأوساط السيكولوجية”.
الإبداع..
وفي مقالة أخرى لنفس الكاتب “د.نجاح هادي كبه” بعنوان (الدكتور نوري جعفر وآراؤه التربوية والنفسية والاجتماعية) كتب فيها: “أصل الإبداع.. عن طريق بحوثه عن الإبداع والابتكار فند “نوري جعفر” آراء افلاطون اليوناني وعالم الوراثة البريطاني كالتون وعالم النفس المولد والبريطاني الثقافة ايزنك الذي حدد نسبة 80 من العوامل الوراثية التي رآها تسهم في تحديد الذكاء، ومن ثم فإن الإبداع يرجع إلى المحددات الوراثية الجينية، وأن نسبة 20 % حددها للعوامل الحضارية والاجتماعية والتربوية .
لقد كان العلامة الدكتور نوري جعفر ينحو منحى فسلجياphysiological tendency في تفسيره لعملية الإبداع بعد أن استوعب أراء أبرز منظري هذا المنحى وهو عالم الفسلجة الألماني برودمان prodman الذي قسم فيه المخ إلى مناطق متعددة لكل منها وظائف فسلجية محددة يقع بعضها فوق بعض بخلاف التقسيم التشريحي المألوف، مخ، مخيخ، نخاع مستطيل… الخ وعالما الفسلجة الايطالي ماكون magon وماروزي marosi اللذان اكتشفا الجهاز المشبك reticular الذي يقع أسفل الدماغ، وهو العضو المسئول عن تنشيط الدماغ.
بالإضافة إلى عالم الفسلجة الروسي بافلوف Pavlov صاحب النظرية في خصائص الجهاز العصبي المركزي عند الإنسان ومضامينها السايكولوجية، والعالم الأمريكي كبرز kappers صاحب الآراء العلمية الحديثة في تفسير نشوء الجهاز العصبي المركزي وتطوره في المملكة الحيوانية حتى بلوغه أعلى مراتبه لدى الإنسان.
المناطق المخية الثلاثة..
ويستفيض المقال: “ويلخص د.نوري جعفر نظريته عن الإبداع والابتكار بما يلي: “لقد ثبت لي في ضوء قراءه تلك المصادر إن دماغ الإنسان ينفرد بوجود مناطق مخية خاصة لا تشاركه فيها الحيوانات الراقية الأخرى، بما فيها القردة العليا القريبة منه في سلم التطور البايولوجي تسمى المناطق المخية الثلاثية Tertiary cortical zones تقع خلاياها العصبية في الطبقة المخية العليا the first layer of the cortex
والمناطق المخية الثلاثية المشار إليها تنقسم إلى حسية وجبهية من ناحية موقعها في المخ ومن حيث وظائفها الفسلجية، فالمناطق المخية الحسية الثلاثية وظيفتها الأساسية القيام بعملية الإدراك الحسي perception الناجم عن التعامل مع الأشياء المحسوسة، وينفرد بها الإنسان، وهي بالغة الأهمية في حياه الإنسان وأوسع مناطقه المخية الحسية بأسرها. أما المناطق المخية الثلاثية الجبهية فهي تمارس أعلى الوظائف الفكرية والإدراك العقلي conception الناجم عن التعامل مع المجردات وينفرد بها الإنسان وحده، وهي حديثه التكوين من الناحية النشوئية وأرقي المناطق المخية عند الإنسان جميعها. نستطيع أن نقول أن المناطق المخية الحسية الثلاثية هي الأساس الجسمي المادي ــ المخي للعمل الفني الذي يدرك الإنسان فيه العالم المحيط به الطبيعي والاجتماعي إدراكا حسيا، ثم يعبر عن انطباعاته الحسية الناجمة عن ذلك تعبيرا حسيا أيضا بالرسم أو النحت أو الموسيقى، وأن المناطق المخية الثلاثة الجبهية هي الأساس المادي الدماغي للتفكير العملي النظري، وفي حقل الرياضيات والعلوم الطبيعية وهي التي تجعل الإنسان قادرا على أن يدرك إدراكا نظريا مجردا.
هذا يعني بعبارة أخرى أن الخلايا العصبية الموجودة في الدماغ والمخ وماتحت المخ، المتساوية تقريبا من حيث مقدارها لدى الأفراد الأسوياء جميعا، يختلف توزيعها بين مناطق الدماغ المختلفة عند الفنانين وعلماء الرياضيات والعلوم الطبيعية النظرية فيزداد كمياتها في المناطق المخية الحسية الثلاثية وفي قبال الدماغ الواقعة تحت المخ عند الفنانين، في حين أن المناطق المخية الجبهية الثلاثية والأقسام العليا من الدماغ المخ القشرة المخية هي التي تتأثر بأغلبية الخلايا العصبية عند علماء الرياضيات والعلوم الطبيعية النظرية”.
وفاته..
يقال أنه قُتل بطرابلس بيد سائق تاكسي ليبي وهو في طريقه إلى مطار طرابلس الدولي ذاهبا إلى لندن.